العائدون من سوريا

عريب الرنتاوي

على نحو متزامن تقريباً، أعلنت الداخلية السعودية أنها تنوي اعتقال مجاهديها "العائدين من سوريا".. وأقدمت الولايات المتحدة على توقيف أحد مواطنيها "العائدين من سوريا" بعد رحلة في "الجهاد.. وها هي أوروبا اليوم، تستيقظ على "كابوس" يتمثل بوجود أزيد من 600 أوروبي من بين "المجاهدين" في صفوف "جبهة النصرة" وغيرها من الفرق والتشكيلات الجهادية من نوع "جبهة تحرير سوريا الإسلامية" و"الجبهة الإسلامية لتحرير سوريا" وغيرهما من الأسماء والمسميات.. أما عن "الجهاد التونسي" في سوريا، فحدث بلا حرج، فثمة تقديرات تتحدث عن الآلاف من هؤلاء في سوريا، حتى بلغ الأمر بأحد "فقهاء الظلام" التونسيين، حد إطلاق فتواه الشهيرة المعروفة باسم "جهاد النكاح".

هل تفاجأت هذه الدول والعواصم بوجود هذه الأعداد الغفيرة من "مجاهديها" على الأرض السورية؟.. ألم تتحسب هذه الدول والعواصم، لليوم الذي سيحمل فيه هؤلاء اسم "العائدون من سوريا" على غرار وشاكلة "العائدون من أفغانستان" و"العائدون من غروزني" و"العائدون من سراييفو".. هل نسيت هذه العواصم الأثر المدمر الذي أحدثه هؤلاء "العائدون" من شتى ساحات الجهاد وميادينه، على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها؟.

فرنسا، الأكثر حماسةً لقلب نظام الحكم في سوريا.. الأكثر نشاطاً في ميادين "العسكرة" و"التسلح" و"التدخل الخارجي/الأطلسي"، استيقظت على ما يبدو، وتحديداً بعد درس مالي وما تلاه في عدد من الدول الأفريقية، نقول استيقظت على "الدرس" الذي من المفترض أن العالم بأسره، قد تعلمه منذ أفغانستان وحتى ليبيا، مروراً بالعراق والصومال وغيرهما، وبدأت تراجع مواقفها وتتراجع عنها، وسيكون لهذه المراجعة مذاقاً دامياً عندما يفرغ مئات الفرنسيين من "الجهاد" في سوريا، ويعودون لاستهداف محطات المترو ودور السينما وغيرها من الأهداف الرخوة أمنياً.

لا ينبغي لأحد أن يزعم بأنه تفاجأ بالأرقام والمعلومات التي تنشر اليوم بكثافة، وتصدر عن مؤسسات بحثية مرموقة عن "الجهاد العالمي" في سوريا.. هذا الأمر، تحدثنا وتحدث به كثيرون، وفي حينه.. ولطالما قوبلت تحذيراتنا بكثير من الاستخفاف وعدم المبالة وإغماض الأعين.. ليس عن جهل (لا سمح الله)، فهم يعرفون أكثر منا بلا شك.. ولكن لغايات في نفس يعقوب.

وأحسب أن أولى هذه الغايات، إنما كانت تتمثل في ترك هؤلاء "المجاهدين" للموت في سوريا، ظناً من صناع القرار الأمني في هذه الدول، بأن تجمع هؤلاء "الإرهابيين" في مكان واحد، سيسهل مهمة القضاء عليهم.. ولكن أما وقد ظل الكثيرون منهم على قيد الحياة، وبدأوا يسأمون من رحلة "جهادهم" الطويلة، وأخذوا يبحثون عن مسالك آمنة في رحلة العودة إلى المنزل، فقد استحال الخطر المحتمل إلى خطرٍ داهمٍ ومتجسدٍ حقاً على الأرض.

أما الغاية الثانية التي اعتملت وما زالت تعتمل في نفس يعقوب، فهي ضرب النظام السوري بـ"الجهاديين الأمميين"، والقاتل والمقتول هنا لا يؤسف عليه، ولا يستحق أن تذرف من أجله قطرة دمع واحدة.. ولقد بلغ الأمر بفرنسا وبريطانيا، أن قاومتا فكرة إدارج "النصرة" على قائمة المنظمات الإرهابية السوداء.. أما حجتهما لذلك، فهي أن "النصرة" اليوم، هي رأس الحربة في الحرب على الأسد ونظامه، وعندما تفرغ من مهمتها في إسقاط النظام في دمشق، سيبدأ الفصل الثاني من الحرب الأهلية السورية، ولكن ضد النصرة والقاعدة هذه المرة، تماماً مثلما حصل في أفغانستان، حين استخدم الغرب وحلفاؤه "الجهاديين" للإطاحة بالنظام الشيوعي، قبل أن ينقلبوا على "ثوار الحرية" بزعامة أسامة بن لادن، باعتبارهم "عُصاة" و"خارجين على القانون".

لم يسقط النظام السوري (حتى الآن على الأقل)، وأيامه ليست معدودة بخلاف ما قيل ويقال.. كما أن "المجاهدين" لم يلقوا حتفهم كما اشتهت الدوائر الأمنية في دولهم ومجتمعاتهم.. والأرجح أن كل ما خسرته القاعدة في حربي أفغانستان والعراق، قد استردته في الحرب على سوريا وفيها.. ولعل أسوأ ما سيواجهه الغرب وحلفائه من "كوابيس" هو أن يظل نظام دمشق في موقعه من جهة، وأن تظل أيدي "المجاهدين" على الزناد في حربهم المفتوحة حتى "نهاية التاريخ" ضد الظلم والاستكبار واليهود والنصاري والروافض من جهة ثانية.. حينها، وحينها فقط، سيكتشف هؤلاء كم كانوا أغبياء وجهلة حين يتعلق الأمر بفهم هذه المنطقة، وسبر كنهها وأغوارها.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/نيسان/2013 - 26/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م