العراق: تكريس الفردية وإضعاف النهج التعددي

 

شبكة النبأ: منذ أن نشأت الدولة العراقية الحديثة في بدايات القرن العشرين، كان الشعب العراقي يعاني من تأزّم الوضع السياسي في ظل الوجود الانكليزي، وبعد رحيله ايضا، حينما بدأت حقبة الحكم الجمهوري، حاملة معها صراعات دموية على السلطة، فتعاقب العسكر على حكم العراقيين في انقلابات عسكرية دموية، أدرات شؤون العراق السياسية بسلوك فردي تسلطي، ادخل البلد في دوامات مدمرة من الاحتراب الداخلي والخارجي ايضا.

وكان السبب الرئيس الذي يقف وراء التأزيم السياسي في العراق، يتمثل بالسلطة الفردية والحاكم الاوحد او الحزب الاوحد، حيث تغيب التعددية على نحو شبه تام، وتزدهر الفردية وتنمو روح التسلط والقمع والاقصاء والتهميش، ليحضر الحاكم الفرد والحكم المستبد، مع غياب او ضمور كبير في المنهج التعددي الذي لا سبيل سواه، لخلق التوازن الصحيح بين القوى السياسية كافة، من اجل حفظ الحريات والحقوق لمكونات الشعب كافة.

وقد عاش الشعب العراقي في ظل قمع حكومي متواصل، من لدن انظمة الحكم التي تعاقبت على حكمه، وبلغت درجة القمع الى اقصاه، وذلك في العقود الاخيرة قبل التغيير الذي حصل في نيسان 2003، ومع الدخول في المرحلة السياسية الجديدة قبل عشر سنوات من الان، كانت جل التطلعات تذهب الى تأسيس وترسيخ دولة قوية قائمة على توازن القوى والتعددية، تحكمها سلطة مؤسسات دستورية قوية، يتم من خلالها حماية الحريات، وتنظيم صلاحيات الحكم، وتغليب المنهج اللامركزي على حساب المركزية في الحكم.

وقد شهد العراق نوعا من الفوضى السياسية في اوائل سنوات التغيير، لدرجة ان الحكم فقد هيبته نتيجة لضعف مؤسسات الدولة فضلا عن ضعف القانون، وازدهرت التكتلات الفردية وظهرت الميلشيات، ولكن مع مرور الوقت بدأت السلطة تستعيد شيئا من قوتها وهيبتها، ولكن ثمة ما هو اخطر من الضعف في السلطة وادارة الدولة، حيث بدأت تظهر علامات ومؤشرات تؤكد العودة الى الفردية، على حساب المنهج السياسي التعددي، وهناك أدلة واضحة يعكسها المشهد السياسي العراقي الراهن، تؤكد الذهاب الى الفردية على حساب التعددية من لدن  مكونات اساسية للشعب العراقي.

لنأخذ مثلا الصراع الماثل أمام الجميع بين الكرد والمكون العربي الشيعي، فالكرد يتجهون بقوة نحو تكريس السلطة الفردية ممثلة بمسعود البرزاني، حيث يسعى هو وحزبه الى قيادة الكرد في اقليمهم نحو السلطة الفردية، بحجة مقارعة الحكومة الاتحادية المركزية التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي، ولعل العزف على الوتر القومي وحماية الحقوق الكردية، تسهل مهمة البرزاني وحزبه لتأجيج مشاعر الكرد، ونسيانهم لمخاطر العودة الى تركيز الحكم والنهج الفردي في ادارة شؤونهم.

الشيء نفسه يقوم به رئيس الوزراء نوري المالكي وحزبه، حيث الاتجاه نحو تكريس الحكم والعودة الى الحزب الواحد، وهو امر يحمل معه الكثير من المخاطر، ادت في السابق الى معاناة هائلة قهرت العراقيين عقودا متعاقبة، وهكذا نلاحظ سعي الاقطاب القوية من مكونات الشعب العراقي بقياداتها السياسية والحزبية، تسعى الى الفردية بقوة، وهي تطرح مبررات كثيرة لكي تستقطب تأييد الجماهير لها، واهمها العزف على الوتر القومي وزرع المخاوف من الاخر، لكن بالنتيجة اذا ما استمر هذا النهج الخطير، فإننا سنجد انفسنا مرة اخرى مع الفردية والتسلط وجها لوجه.

لذا مطلوب أن تتنبه القيادات والمكونات السياسية والعرقية، الى خطورة تذوب المنهج التعددي وترسيخ المنهج الاحادي السلطوي بحجج وتبريرات لا تصمد امام الواقع، لان العراقيين تذوقوا مرارة الحكم الفردي التسلطي وعانوا من حكم الحزب الواحد، لذا على الجميع التحرك معا نحو ترسيخ التعددية من اجل تحقيق توازن القوى، وبناء الدولة المدنية القائمة على قوة ورصانة المؤسسات الدستورية التي تدير شؤون البلاد، بتوازن يحكمه الدستور ويضبطه القانون.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/نيسان/2013 - 25/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م