روسيا ديمقراطية مخصَرة!

 

شبكة النبأ: تشهد روسيا نوبات صراع وتحدي جديدة على أكثر من صعيد في الاونة الاخيرة، وخاصة في المجالين السياسي الحقوقي في البلاد، وقد تجسدت هذه النوبات بالممارسات والإجراءات التي قامت بها السلطات الروسية من خلال تفتيش المنظمات غير الحكومية، لتكشف هذه الممارسات عن مخاوف القادة السياسيين في روسيا من انعكاس اعمال هذه المنظمات  لزعزعت النظام الداخلي في البلاد.

بينما يقول النشطاء الحقوقيون ان موجة من عمليات التفتيش شملت المئات من مكاتب المنظمات غير الحكومية، تهدف الى ترهيب تلك المنظمات حتى تسجل نفسها كوكلاء لمنظمات أجنبية وإخراس أي انتقاد لبوتين.

في حين تعتبر السلطات الروسية هذه المنظمات التي تتلقى تمويلا خارجيا ضالعة في نشاط سياسي بأن تسجل نفسها على انها وكيل لهيئة اجنبية وهو تعبير يعيد الى الاذهان التجسس خلال الحرب الباردة.

فيما يرى المحللون السياسيون بان ما تقوم به حكومة بوتين من مداهمات واتهامات وتشيد العقوبات ما هي الا رسالة موجهة الى خصومه لاثبات ان السلطة مستعدة لتضييق الخناق عليهم بشدة وحزم اكبر من اي وقت مضى، خصوصا بعدما الاتهامات الجديدة ضد المعارضة الروسية بمحاولة حياكة ثورة ضد النظام الروسي،

إذ يسعى الرئيس الروسي بوتين جاهدا لخلق إستراتيجية مرنة من استخدام سياسات القوى الجديدة من خلال اعتماد مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، لاستعادة الهيبة الروسية دوليا، وكذلك توسيع نفوذه محليا منذ توليه منصب الرئيس قبل عقد تقريبا، وذلك من خلال تقديمه بمناورة لترسيخ وضعه السياسي مستقبلا، وتشكليه صورة ستالينية ناعمة جديدة.

حيث يرى اغلب المحللين بأن الزعيم الروسي يغرس احدى قدميه في الماضي السوفيتي لروسيا كما تبديه دلائل عديدة في رغبته بالرجوع للماضي، وتمثلت بالتعديلات التي تم على كل المستويات ابان حكم بوتين وخاصة في الاونة الاخيرة، واعادة تسمية مدينة فولجوجراد الروسية باسم الدكتاتور السوفيتي الراحل جوزيف ستالين بمناسبة احتفالها بالذكرى السنوية السبعين لمعركة تاريخية قلبت موازين القوى ابان الحرب العالمية الثانية.

كما تبنت روسيا قانونا يمنع الاميركيين من تبني اطفال روس اعتبارا من 2013، حيث تعرض حظر التبني الروسي الذي يعتبر احد اكثر الاجراءات عدائية تجاه الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة لانتقادات حادة من منظمات غير حكومية روسية ودولية كثيرة.

 في حين أشارت بعض التقرير الحقوقية بأن العام الماضي كان العام الاسوأ لحقوق الانسان في تاريخ روسيا الحديث، وتندد المعارضة والجمعيات الروسية تكرارا بتفاقم انتهاك الحريات منذ عودة بوتين الى الكرملين في ولاية رئاسية ثالثة في اذار/مارس 2012 بعد ولايتين بين 2000 و2008.

وعليه فان المعطيات آنفة الذكر تظهر ان قيادة روسيا الحالية تنتهج ايدلوجية سياسية مضطربة تمهد الطريق لانتكاسة جديدة قد تزيد من هشاشة روسيا اذا بقت بنفس المنوال السياسي تحت حكم بوتين في المستقبل.

تفتيش المنظمات غير الحكومية

في سياق متصل فتشت السلطات الروسية مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش وثلاث جماعات حقوقية أخرى بارزة في موسكو في إطار المئات من عمليات التفتيش في موجة يقول نشطاء انها حملة لإخراس أي انتقاد للرئيس فلاديمير بوتين.

ويشدد بوتين منذ عودته الى الكرملين في مايو ايار القيود على المنظمات غير الحكومية فصار على المؤسسات التي تتلقى تمويلا خارجيا ان تسجل نفسها على أنها "عملاء لهيئات أجنبية" وهو تعبير يعيد الى الاذهان بالنسبة الى البعض القمع في عهد ستالين وعمليات التجسس خلال الحرب الباردة. بحسب رويترز.

ويقول الكرملين انه يعمل على منع الحكومات الاجنبية من التدخل في شؤون روسيا الداخلية لكن النشطاء يرون أن الزيارات التي يقوم بها لمكاتب المنظمات مدعون من النيابة العامة وممثلو سلطات أخرى كمسؤولي الضرائب ومفتشي الاطفاء هدفها المضايقة.

وقالت راشيل دنبر نائب مدير قسم اوروبا واسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش "هذا يأتي في إطار موجة عاتية لم يسبق لها مثيل في اتساع نطاقها من عمليات التفتيش على المنظمات غير الحكومية... تشمل المئات والمئات من الجماعات"، واضافت "غرضها المباشر والفوري هو الترهيب أما غرضها الاوسع والاطول آجلا فهو التشكيك في الأفكار المتعلقة بحقوق الانسان والمجتمع المدني ووصمها بأنها دخيلة وتبعث على الارتياب."

وفتشت السلطات أيضا مكاتب منظمة معنية بمساعدة المهاجرين واللاجئين والفرع المحلي لمنظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد ومنظمة لحقوق الانسان.

من جهته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان عمليات التفتيش التي تقوم بها السلطات الروسية للمنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد اجراء معتاد وليست ترهيبا.

وقال بوتين لمحقق شكاوى حقوق الانسان في روسيا فلاديمير لوكين الذي عبر عن قلقه بشأن عمليات التفتيش "هذه اجراءات معتادة تتصل برغبة هيئات انفاذ القانون في اخضاع انشطة المنظمات للقانون"، وقال بوتين في الاجتماع الذي سمح للصحفيين بحضوره "ينبغي للجميع توفيق انشطتهم مع القانون الروسي مضيفا انه ينبغي لمسؤولي انفاذ القانون الا يفرطوا في الحماس في تنفيذ هذه العمليات.

جبهة الشعب بديلة للحزب الحاكم

على صعيد ذو صلة عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا نقله التلفزيون مع جماعة دعم موالية له تعرف باسم جبهة الشعب مما يشير إلى أنه قد يدعمها كقاعدة للسلطة بديلة لحزبه الحاكم الغارق في الفضائح، وقال بوتين في اللقاء الذي امتزجت فيه أصداء مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي مع أجواء البرامج الحوارية الأمريكية إنه يعتزم تعزيز مكانة الجبهة بجعلها "حركة عامة" وعقد مؤتمر تأسيسي رسمي في يونيو حزيران القادم.

وأسس بوتين الجبهة قبل نحو عامين لتوسيع قاعدة التأييد لحزب روسيا المتحدة الحاكم الذي ينتمي إليه بعد أن أظهرت انتخابات إقليمية تراجع نفوذه. ثم تلقت سمعة الحزب بعد ذلك عدة ضربات، وقدم بوتين تعهدات شعبوية لمؤيديه الذين تجمعوا في مدينة روستوف أون دون في جنوب روسيا تراوحت بين تقليص مكافآت نهاية الخدمة التي تمنح لرؤساء الشركات وتحسين الرعاية للأيتام ودعم تدريس التاريخ الروسي في المدارس.

اختيار مرشحي الاقاليم

الى ذلك أعطى البرلمان الروسي تأييده الاولي لمشروع قانون يلغي الانتخاب الشعبي لزعماء الاقاليم الروسية وعددها 83 اقليما لصالح نظام جديد يسمح للرئيس فلاديمير بوتين بأن يختار المرشحين بدلا من ذلك.

ويقول معارضون ان مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه ليل الاربعاء بأغلبية 403 أصوات مقابل عشرة أصوات في مجلس النواب خلال القراءة الاولى من ثلاث قراءات سيمثل انتكاسة للديمقراطية في فترة بوتين الرئاسية الجديدة. ويسيطر على مجلس النواب الروسي (الدوما) حزب بوتين روسيا المتحدة.

وكان بوتين ألغى الانتخاب الشعبي لزعماء الاقاليم في اطار سعيه لتشديد قبضته على النظام السياسي أثناء فترة رئاسته الاولى من عام 2000 الى عام 2008، وأعيدت الانتخابات العام الماضي وسط موجة من احتجاجات المعارضة شارك فيها عشرات الالاف من الروس المستاءين من هيمنة بوتين على السلطة والراغبين في ان يكون لهم صوت سياسي أقوى، ويقول منتقدو بوتين ان الاحكام في صالح حزب روسيا المتحدة الذي فاز مرشحوه في كل انتخابات حكام الاقاليم الخمسة التي أجريت في انتخابات اكتوبر تشرين الاول الماضي، ويسمح القانون المقترح بان يتخلى كل اقليم عن الانتخابات المباشرة واستبدالها بنظام يختار بوتين بموجبه ثلاثة مرشحين يختار من بينهم المجلس التشريعي للاقليم حاكما.

ويقول مؤيدو القانون ان القصد منه في الاساس هو الغاء الانتخاب الشعبي في اقاليم تقطنها أعراق وطوائف مختلفة مثل اقاليم شمال القوقاز التي تعيش فيها غالبية مسلمة وتشهد اضطرابات.

ويشعر الكرملين بالقلق من ان يشارك في هذه الانتخابات مرشحون ولاؤهم مشكوك فيه او يثيرون اضطرابات، وقالت صحيفة فيدوموستي ان بوتين يريد ان يستخدم التشريع ليختار زعماء اقليمي شمال القوقاز داغستان والانجوش المتاخمين لاقليم الشيشان الذي يطارده شبح الحرب. ورفض الكرملين التعليق.

ويقول منتقدون ان القانون سيستخدم في اي اقليم يشعر فيه حزب روسيا المتحدة بانه يواجه منافسة قوية. ويتمتع حزب روسيا المتحدة بشعبية أقل من بوتين نفسه وشهد تقليصا لاغلبيته في الدوما خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر كانون الاول عام 2011.

بوتين يملك الشعبية الاكبر

ما زال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحتفل بالعام الاول من ولايته الثالثة في الكرملين يحظى بشعبية لدى الروس بالرغم من تشدد السلطة حيال المعارضة مذاك، بحسب استطلاعات للرأي،  ويرى 65% من الروس ان بوتين انجز ايجابيات اكثر من السلبيات منذ وصوله الى الحكم بحسب استطلاع اجراه معهد ليفادا المستقل في شباط/فبراير.

وافاد الاستطلاع ان 36% من المشاركين اعتبروا ان بوتين نجح في اعادة روسيا الى وضعها كقوة عظمى و28% انه زاد الرواتب ورتب التقاعد والمنح و24% انه نجح من سحق الحركات الانفصالية في روسيا. لكن 43% اعتبروا انه فشل في احراز توزيع عادل للثروات بين الروس.

صورة ستالين ايجابية

كما كشف استطلاع للرأي نشرت صحيفة فيدوموستي نتائجه بمناسبة الذكرى الستين لوفاة ستالين ان حوالى نصف الروس يعتبرون انه لعب دورا "ايجابيا"، بينما يرى ثلثهم عكس ذلك، ولعب هذا الديكتاتور "دورا ايجابيا بلا جدال" برأي تسعة بالمئة من الذين شملهم استطلاع مركز ليفادا مقابل 40 بالمئة قالوا انه "دور اقرب الى الايجابي"، ونسبة الذين ينتقدون ستالين اقل بكثير. فعشرة بالمئة من الروس يعتبرون ان دوره كان "سلبيا بلا جدال" و22 بالمئة "اقرب الى السلبي"، وكتبت الصحيفة الحكومية روسيسكايا غازيتا ان "ستين عاما مضت لكن علينا الاعتراف بان تلك المرحلة تبقى شرخا في ضميرنا".

مدينة فولجوجراد الروسية تسترد اسمها القديم

من جانب آخر تسترد مدينة فولجوجراد الروسية اسم الدكتاتور السوفيتي الراحل جوزيف ستالين بمناسبة احتفالها بالذكرى السنوية السبعين لمعركة تاريخية قلبت موازين القوى ابان الحرب العالمية الثانية، واتخذ نواب برلمانيون محليون قرارا بالرجوع الى استخدام اسم المدينة الباسلة ستالينجراد بدءا من السبت احتفالا بذكرى المعركة التي دارت رحاها بين عامي 1942 و1943 بين القوات السوفيتية وقوات النازي.

ويصف منتقدون ستالين بانه سفاح نظرا لوفاة الملايين خلال الحملة الاجبارية للمزارع التعاونية الجماعية ومعسكرات العمل بمعتقل جولاج خلال فترة حكمه. ويشيد به مؤيدوه بانه جعل من الاتحاد السوفيتي قوة عظمى ولانتصاره في الحرب. بحسب رويترز.

ودحرت القوات السوفيتية قوات النازي وطاردتها صوب الغرب بعد انتصارها في معركة ستالينجراد المروعة. واكتسبت المدينة اسمها عام 1925 تيمنا بستالين ثم اعيد تسميتها فولجوجراد عام 1961 على اسم نهر الفولجا اثناء حكم الرئيس الاسبق نيكيتا خروتشوف خلال حملته لوأد انجازات ستالين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/نيسان/2013 - 22/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م