الاغتصاب... ظاهرة يتداعى لها المجتمع الهندي

 

شبكة النبأ: باتت ظاهرة الاغتصاب في الهند ثقافة جريمة شائعة ومنتشرة على نطاق واسع جدا في البلد الآسيوي، حيث يشكل كلا من الاغتصاب والعنف الجنسي أكبر مصادر القلق وأكثرها إلحاحا بالنسبة للنساء والفتيات في الهند.

فقد أثارت عملية الاغتصاب الجماعية لطالبة هندية سخطا كبيرا في الهند على الاعتداءات واعمال الاغتصاب التي لم يفلت مرتكبوها من العقاب وقد انتحار المتهم الرئيسي في هذه  القضية.

إذ ان جرائم الاغتصاب الجماعي كثيرة في الهند لكن قضية هذه الشابة رفعت مستوى الغضب بين كل الفئات الاجتماعية وخاصة بين نساء القرى، كما لاقت استنكارا دوليا وصدمة كبيرة في الهند حيث ارتفعت اصوات عدة للتنديد بالطريقة التي تتهاون فيها الشرطة والقضاء في قضايا الاعتداءات الجنسية.

في حين تحاول بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية محاربة هذه الظاهرة المروعة من خلال تزويد النساء بالسلاح في الهند لحماية أنفسهن خاصة بعد حادثة الاغتصاب الجماعي الوحشي للطالبة الهندية، كما بدأت النساء في العاصمة الهندية نيودلهي حضور دورات دراسية في الدفاع عن النفس واستخدام رذاذ الفلفل وحجز سيارات أجرة تقودها نساء أو مغادرة العمل مبكرا وجميعها علامات تشير الى مشاعر انعدام الامن المتنامية في البلاد.

وعلى الرغم من أن العديد من الحالات يبلغ عنها يومياً الآن في وسائل الإعلام الهندية، إلا أنه ليس من الواضح فيما لو ارتفع حجم الجرائم ذاتها بشكل عام، لكن لا شك بأن الوعي ازداد، إذ أن العديد من نساء الهند تشعرن بالشجاعة للتعبير عن تجاربهن.

اغتصاب امرأة كل 22 دقيقة

فقد أثارت قضية اغتصاب امرأة في أحد الباصات في مدينة نيودلهي الهندية  ومقتلها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، موجة من الغضب في الشوارع، وتلتها قضية اغتصاب سائحة سويسرية في الهند، وسرقتها أثناء تجولها مع زوجها إلى تجدد الغضب في الشارع الهندي وإلى مطالبات بإعطاء المرأة حقوقها ومعاقبة المغتصبين.

وقد وافق البرلمان على تشريع لرفع عقوبة المدانين بالاغتصاب، وتجريم من يمكنه أن يتحرش بالنساء، وينتظر من الرئيس الهندي، بارناب موكيهرجي، للموافقة على بدء العمل بالتشريع الجديد.

وتشير إحصائيات الحكومة الهندية إلى أن حالة اغتصاب تقع كل 22 دقيقة في الهند، تغير الوعي لدى الشعب الهندي إلى الأبد، إذ "أثرت شجاعة الفتاة التي اغتصبت في 16 ديسمبر/كانون الأول وتحملها في الناس، واندفع العشرات من نساء ورجال الهند للمطالبة بوقف الاعتداءات على النساء، وقد استجاب البرلمان لطلباتهم" وفق ما تقوله الناشطة في حقوق المرأة ، روتشيرا غوبتا.

وقد أصبحت الفتاة التي عرفت في أوساط الشارع الهندي ب،"داميني"، رمزاً لمعاناة النساء اليومية في الهند، وحجم المأساة التي تواجه ضحايا الاغتصاب في الهند. بحسب السي ان ان.

وتقول طالبة مشاركة في إحدى المظاهرات بأن "الاحتجاج اليوم قائم على موضوع يخص الحياة اليومية لنساء الهند، إذ أن أبي يضطر إلى أن يكلمني بالهاتف أكثر من ست مرات يومياً للتأكد من سلامتي وإن كنت سأصل إلى المنزل بأمان."

انتحار المتهم الرئيسي في قضية الاغتصاب الجماعي

على الصعيد نفسه انتحر المتهم الرئيسي في جريمة الاغتصاب الجماعي التي روعت الهند في كانون الاول/ديسمبر وراحت ضحيتها طالبة جامعية، وذلك بعد ان شنق نفسه داخل زنزانته الاثنين مما اثار غضب اسرة الضحية واتهامات بانه تعرض للقتل.

واعلنت السلطات في سجن تيهار الذي يخضع لحراسة مشددة ان رام سينغ شنق نفسه بعد ان ربط ملابسه ببعضها قبيل الفجر. الا ان اسرة الضحية رفضت فرضية الانتحار كما طالب محامي المتهم باعتبار الوفاة جريمة قتل.

وعثر على جثة رام سينغ، احد المتهمين المفترضين الستة في الاغتصاب الذي ادى الى وفاة طالبة في الثالثة والعشرين، عند الساعة 05,15 في الزنزانة التي كان موقوفا فيها بمفرده، بحسب سلطات السجن الواقع في شمال العاصمة، وصرح سونيل غوبتا احد مسؤولي السجن "لقد ربط كل ملابسه ببعضها ثم صعد على كرسي صغير من الخشب قبل ان يشنق نفسه من السقف"، واوضح غوبتا ان القضاء فتح تحقيقا لتحديد ما اذا حصل اي خروقات في الامن، واعتبر والد الضحية ان انتحار سينغ دليل على اهمال واضح من السلطات مما يحرم الاسرة من حقها في اللجوء الى القضاء.

وندد الوالد الذي تحول الاجراءات القانونية دون ذكر اسمه "لا يمكننا ان نفهم كيف فشلت الشرطة في حماية رام سينغ. كانوا يعلمون انه المتهم الرئيسي في قضية ابنتي"، واضاف "لماذا سمحوا له باختيار الطريقة التي اراد بها الموت؟ لقد اخفقت الشرطة واتساءل ماذا سيحصل في المحاكمة بعد الان".

من جهتها، اعربت والدة الضحية عن صدمتها عند معرفتها بالخبر "اريد فقط احقاق العدل لابنتي. المتهم الرئيسي مات. هل كان ذلك بسبب شعوره بالذنب؟"، وكان رام سينغ سائق الحافلة التي صعدت اليها الضحية مع رفيقها عند عودتهما من السينما مساء 16 كانون الاول/ديسمبر. وقرر سينغ مع اصدقائه بعد ان شربوا كميات كبيرة من الكحول ان ياخذوا الحافلة في جولة ليلية في شوارع نيودلهي، وقام المتهمون الستة المجموعة بضرب الشاب المرافق للطالبة بشدة قبل ان يعتدوا بالاغتصاب والضرب والتعذيب على الطالبة مستخدمين قضيبا من الحديد، قبل ان يلقوا بالاثنين على الرصيف، ونقلت الشابة الى احد مستشفيات سنغافورة بعد اخضاعها لعمليات جراحية عدة في الهند الا انها توفيت متاثرة بجروحها في 29 كانون الاول/ديسمبر، ومثل سينغ مرات عدة امام محكمة الجنايات في نيودلهي بتهم القتل والاغتصاب والاختطاف وكان يواجه امكان الحكم عليه بالاعدام. بحسب فرانس برس.

واعتبر محامي المتهم في كاي اناند ان على الشرطة ان تفتح تحقيقا في جريمة قتل "انها قضية قتل. لو انتحر لكان ترك رسالة"، واكد والد المتهم مانج لال سينغ ان ابنه كان سيجد صعوبة في ربط الحبل بسبب جرح في يده اصيب به نتيجة حادث سير، واضاف "ما كان ليقدر ان ينتحر مستخدما يدا واحدا"، مؤكدا ان ابنه كان يتقاسم الزنزانة مع متهمين اثنين اخرين، واشار مسؤول في الشرطة رفض الكشف عن هويته الى ان القضية ستستمر "المحاكمة ستستمر ولا يوجد سبب لتتاثر بما حدث".

واضافة الى سينغ، تتم محاكمة اربعة متهمين اخرين امام محكمة الجنايات. ويحاكم متهم خامس في ال17 من العمر امام القضاء الخاص بالقاصرين حيث يواجه امكان الحكم عليه بعقوبة قصوى من ثلاث سنوات في احد المراكز للقاصرين، وكان سينغ وهو ارمل في الثلاثين من رجاستان (غرب) السائق المعتاد للحافلة التي تنقل عادة طلاب مدارس. وهو يقيم في رافي داس احدى مدن الصفيح في العاصمة حيث وصفه جيرانه بانه سكير ومثير للمشاكل، ونقل جثمانه الى مستشفى دين دايال اوبادهياي الحكومي كما تم ابلاغ شقيقه، بحسب مصدر في الشرطة.

حادثة ثانية للاغتصاب الجماعي

في سياق متصل قالت الشرطة الهندية ان اربعة رجال اغتصبوا سائحة سويسرية كانت تخيم مع زوجها في احدى غابات الهند مما سلط الضوء مجددا على قضية أمن النساء في أكبر ديمقراطيات العالم من حيث التعداد، وجاء الهجوم الذي وقع ليل الجمعة في ولاية مادهيا برادش في وسط الهند بعد ثلاثة اشهر من تعرض طالبة هندية عمرها 23 عاما لاغتصاب جماعي في حافلة ثم القائها وهي تدمي الى الشارع في قضية أثارت غضبا محليا ودوليا. وتوفيت الفتاة في وقت لاحق في مستشفى بسنغافورة. بحسب رويترز.

وكانت السائحة السويسرية وزوجها يطوفان في الولاية على دراجة وخيما خلال الليل في غابة، وقال ديليب اريا نائب المفتش العام للشرطة ان سبعة رجال هاجموا خيمتهما وان اربعة منهم اغتصبوا المرأة. كما سرق المهاجمون كل ما كان ثمينا معهما، وأضاف ان الضحية عولجت في احدى المستشفيات. ولم يعتقل أحد.

تزويد النساء بالسلاح

من جانب آخر أدى اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 23 عاما في ديسمبر/كانون الأول الماضي في العاصمة الهندية دلهي إلى احتجاجات واسعة النطاق أسفرت عن مطالب بتشديد الامن لحماية المرأة واطلاق مبادرة واحدة على الاقل تدعو الى تزويد النساء بالسلاح.

وفي منطقة لالبواغ في وسط مدينة مومباي التي تسكنها الطبقات المتوسطة وزع نشطاء تابعون لمجموعة من السياسيين المنتمين لاقصى اليمين المتشدد مديّات، و21 ألف نصل حاد على النساء، ووقفت الاف النساء تحت وطأة جو رطب بغية الحصول على نصيبهن، وذلك خلال مراسم احتفالية بعيد ميلاد بال تاكيري، مؤسس حزب شيف سينا الاقليمي.

كان تاكري قد اسس الحزب عام 1966 من أجل دعم حقوق مجموعة ماهاراشتريان لمناهضة موجة الهجرة من جنوب الهند، واصبح شيف سينا، بفضل جناحه العسكري وولعه بالاضرابات العامة واعمال العنف، قوة سياسية رئيسية في المدينة كما استطاع فرض السيطرة على ولاية ماهاراشترا عام 1995، في حين قادت شخصية تاكيري الجذابة اضرابات حتى وفاته في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي. بحسب البي بي سي.

وفي اعقاب حادثة الاغتصاب التي وقعت في مدينة دلهي في ديسمبر/كانون الاول الماضي تحول تركيز شيف سينا الى قضية حقوق المرأة التي سيطرت على الصحف والقنوات التلفزيونية.

ويعزى الفضل في ذلك الى شيف سينا نظرا لأن كلمة التحرش الجنسي كادت تختفي في مومباي مقارنة بأي مدينة كبيرة اخرى في الهند.

فعلى الرغم من تعصب بعض اعضاء شيف سينا، فان سجل الحزب من حيث الدفع بمرشحات من النساء ومناهضة عادة "ساتي" (وهي عادة محظورة تقضي بحرق الارملة على محرقة تشييع زوجها المتوفى)، والزواج القسري، تحظى باعجاب الكثيرين.

النساء تتعلمن الدفاع عن النفس

الى ذلك بدأت النساء في العاصمة الهندية نيودلهي حضور دورات دراسية في الدفاع عن النفس واستخدام رذاذ الفلفل وحجز سيارات أجرة تقودها نساء أو مغادرة العمل مبكرا وجميعها علامات تشير الى مشاعر انعدام الامن المتنامية بعد الاغتصاب الجماعي الوحشي واغتيال طالبة الشهر الماضي، وقالت سوناندا جالوتي البالغة من العمر 18 عاما وهي طالبة تدرس علم النفس وبدأت حضور أول دروس في الدفاع عن النفس في مؤسسة انفيكتوس سيرفايفال سايانسيز التي تقدم أكثر الدورات الدراسية تقدما في السلامة الشخصية "ليس سرا ان دلهي غير آمنة للنساء".

واضافت "لقد اصابت حقا ثقة النساء في المدينة. لا نريد ان ينتابنا هذا الشعور. نريد ان نصبح قادرين على الخروج الى أي مكان نريد وفي أي وقت من النهار أو الليل وان نشعر بالامان. لذلك يجب تعلم كيفية الدفاع عن النفس."

وتقترن بنيودلهي -التي يتنامى تعداد سكانها الذي بلغ 16 مليون نسمة- بشهرة كريهة وهي انها "عاصمة الاغتصاب" وتسجل عددا متزايدا من حالات الاغتصاب سنويا أكثر من أي مدينة هندية اخرى.

وسجلت 706 حالات اغتصاب في عام 2012 بزيادة نسبتها 23 في المئة عن العام السابق وفقا لاحصائيات شرطة نيودلهي بينما زادت حالات التحرش الجنسي بنسبة 11 في المئة الى 727 حالة، وتقول الشركات الخاصة التي تنظم دورات دراسية في الدفاع عن النفس في العاصمة انها تلقت اعدادا كبيرة من طلبات الالتحاق منذ هجوم 16 ديسمبر كانون الاول، وقال أنكور شارما وهو كبير معلمين في انفيكتوس "منذ وقوع الحادث عدد الاستفسارات وطلبات التسجيل قفز بدرجة كبيرة ... بنحو 40 في المئة" مضيفا ان معظمها من طالبات أو نساء محترفات تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاما.

واضاف شارما ان الشركات التي تقوم بتوظيف نساء للعمل في نوبات عمل متأخرة تقوم بحجز ورش تدريب على الدفاع عن النفس لموظفيها، ووجد مسح أجرته غرف التجارة والصناعة في الهند في وقت سابق من الشهر الحالي ان 80 في المئة من النساء اللاتي تعملن في قطاعات شركات التعهيد تغادرن العمل في وقت مبكر عن المعتاد مما يؤثر على الانتاجية، وذكر المسح الذي شمل 2500 امرأة في العاصمة وضواحيها ان معظم النساء تخشين استخدام المواصلات العامة مثل الحافلات أو مترو الانفاق بعد غروب الشمس.

وقالت شركة (ساخا كاب سيرفيسيز) لسيارات الاجرة التي تعمل بها سائقات فقط "عزز عمل الشركة زيادة حجوزات سيارات الاجرة التي تقودها نساء" مضيفة ان عدد الحجوزات زاد بنسبة 35 في المئة خلال الشهر المنصرم، وبالنسبة للنساء اللاتي ليس بوسعهن استخدام سيارات اجرة أو حضور دروس في الدفاع عن النفس كان الحل هو استخدام رذاذ الفلفل، وقالت محال البقالة والصيدليات بل ومتاجر منتجات التجميل في منطقة كونوت بليس بوسط دلهي ان علب الرذاذ بالوانها الساطعة تتناقص من أرفف العرض منذ حادث الاغتصاب وان المبيعات زادت خمسة أمثال المعتاد. بحسب رويترز.

وأعلنت السلطات في دلهي عن مجموعة من الاجراءات لمساعدة النساء على الشعور بقدر أكبر من الامان في شوارع المدينة، وتتضمن هذه الاجراءات خط هاتف للمساعدة يعمل 24 ساعة يوميا في حالات الطواريء وتعليمات لجميع شركات التعهيد بضمان عودة العاملات بها الى منازلهن من العمل بأمان ومزيد من الحراسات في الشوارع وحملة ضد قيادة السيارات في حالات تناول الخمر، لكن النساء مثل الطالبة سوناندا جالوتي مازالت غير مقتنعة، وقالت اثناء تعلم درس في الدفاع عن النفس "يجب على النساء تعلم الدفاع عن النفس". وأضافت "لا نريد ان نضطر الى ارتداء النقاب لكي نخرج ونشعر بالامان."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/آذار/2013 - 19/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م