الانتخابات العراقية... ديمقراطية في طور النضوج

 

شبكة النبأ: منذ الإعلان السباق الانتخابي لمجالس المحافظات في العراق المقرر إجراءها في شهر نسيان من هذا العام، غزت الدعايات الانتخابية الخاصة بانتخابات مجالس المحافظات شوارع المحافظات المشمولة بالانتخابات في زمن قياسي وباتت تثير سخرية وسخط الناخبين بصورة لافتة جدا.

وفي الوقت نفسه قررت الحكومة تأجيل الانتخابات محافظتي الانبار ونينوى لأسباب أمنية، فضلا عن عدم شمول محافظات اقليم كردستان الثلاث بهذه الانتخابات.

ويرى الكثير المحللين انه على الرغم وجود الحرية الكاملة للناخبين في اختيار المرشح وإجراء عدة ممارسات انتخابية خلال عهد الديمقراطية الجديدة، لا يزال الأداء السياسي والأمني والاقتصادي والخدمي متعثراً حتى اللحظة الراهنة، مما يوضح جهل المرشحين والناخبين معا بالثقافة الانتخابية، أي ان اختيار المرشح لا يقوم على أساس كفاءته او حتى معرفة مؤهلاته من لدن الناخبين.

بل تقوم على أساس المناطقية والعشائرية والاساليب التقليدية المعروفة غير الشرعية كشراء الأصوات مقابل المال او وعود تخلو من المصداقية، فضلا عن أهداف المرشح باقتناص منصب مرموق سياسيا وماديا، ناهيك عن تجنيد الناخبين من خلال الاقرباء واستغلال الغطاء الديني أحيانا. لذا بواسطة الحملات الدعائية لمرشحي الانتخابات.

وعليه فأن العوامل انفة الذكر تنذر بتكوين أخطر مظاهر الفساد بمختلفة أنواعه كالفساد السياسي والإداري والمالي الا وهو الفساد الانتخابي، لأن الانتخابات أساس بناء الدولة بسلطاتها الثلاث، واذا كان الفساد طرفا في العلمية الانتخابية فأن النتيجة الطبيعة لشكل سلطات هذه الدولة هو الفساد بأشكاله كافة.

فيما شكلت الأوضاع الأمنية هاجسا كبيرا لدى للمرشحين والناخبين على حد سواء، وقد تمثلت بخطف مرشح للانتخابات المحلية وستة من أقاربه في أحدى المحافظات العراقية.

كما تعاني المرأة المرشحة في العراق تهميشا كبيرا في ظل انعدام المساواة والحرية اللذان يحدان من حقوق المرأة.

لذا يرى أغلب المحللين ان الوضع الأمني والسياسي والحقوقي في البلاد هش ويمر بموقف بالغ الصعوبة لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية. و أن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية، ويمكن الحصول على استقرار طويل الأمد للعراق في المجالات كافة. إذا تحسن الوضع السياسي بدرجة كبيرة.

نجوم الدعاية الانتخابية

في سياق متصل لم تستثن اللافتات التي حملت معظمها صورا كبيرة للمرشحين، اي موقع او زاوية يمكن ان توضع عليه، فعلقت والصقت على الاشجار واعمدة الانارة والجسور والجدران، وحتى على بعض السيارات.

وفي المحمودية (20 كلم جنوب بغداد)، رفعت لافتة كبيرة تتوسطها صورة شخص يرتدي زيا عربيا تقليديا، وفي زاويتها اليمنى وضعت شارة سوداء للدلالة على وفاة هذا الشخص، وفي حين ان اللافتة التي توزعت على احياء عدة من المحمودية لم تحمل سوى صورة هذا الرجل، كتب عليها بالخط العريض "انتخبوا زوجة المرحوم الشيخ....".

وانتشرت لافتة في محافظة صلاح الدين (شمال بغداد) وضعت عليها صورة نائبة في البرلمان تقف الى جانب رجل وكتب فوق الصورة "انتخبوا زوجي"، ودعا رجل وضع صورته على ملصق انتخابي، ليس الى انتخابه، بل الى انتخاب زوجته التي لم يتسع الملصق لصورتها.

ويقول الصحافي العراقي ياسر الموسوي لوكالة فرانس برس ان 'هذه الملصقات تعكس مستوى المرشحين للانتخابات"، ويضيف "اذا كان هذا هو مستوى طريقة ادارتهم لحملتهم الانتخابية، بهذه السذاجة والتفاهة، فكيف ستكون ادارتهم للدولة والاهتمام بامور الناس".

وفي بغداد، عمد معظم المرشحين عن القائمة المدعومة من رئيس الوزراء نوري المالكي، الى وضع صورته الى جانب صورهم، في محاولة للايحاء للناخبين بانهم على علاقة وطيدة به، علما ان بعض هؤلاء لم يلتقوه ابدا.

وفي ملصق دعائي اثار سخط كثير من العراقيين، وضع مرشح اية قرانية فوق صورته وعمد الى ابراز كلمة وردت في هذه الاية، هي نفس اسم عائلته، حتى يوهم الناس بان اسم عائلته ورد في القرآن، وعمدت بعض المرشحات الى وضع اسمائهن على اللافتات الانتخابية، من دون ان يوضعن صورهن، حيث استبدلن صورهن بعباءة وضع في مكان الوجه فيها هالة بيضاء.

والى جانب الاستعانة بالدين والاقرباء، الميتين منهم والاحياء، حملت بعض الملصقات حسا فكاهيا، ففي محافظة ديالى (شمال شرق بغداد)، وزع عازف عود بوسترا انتخابيا له وهو يحمل عوده، وكتب عليه "خلي ننتخب (لننتخب) فنان ونعشق احساسه، شحصلنة (ماذا حصلنا) غير الشيب من السياسة".

وكتب لاعب كرة قدم سابق على ملصق انتخابي خاص به "انتخبوا مرشحكم اللاعب الدولي السابق الذي خدم العراق...."، ووضع صورته وهو يرتدي قميص نادي انتر ميلان الايطالي الشهير، وحاول اللاعب السابق تذكير الناخبين به، فكتب "الملقب بالطائر السريع".

وفي ظاهرة جديدة في العراق، توجه بعض المرشحين الى عشائرهم على وجه الخصوص، واعلنوا انهم مرشحو العشيرة المعينة، غير ابهين بالناخبين الذي ينتمون الى عشائر اخرى.

ويرى المحامي والمراقب السياسي طارق المعموري لفرانس برس "ما نراه هو نتيجة التخبط الذي اصاب العملية السياسية التي افرزت اشكالا غير محترمة في السابق ما قلل احترام الناس للانتخابات وللعملية الانتخابية بشكل عام".

الدعوة الى اختيار الأكفأ لتحقيق التغيير

على الصعيد نفسه  قال ممثل المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، ان هناك مؤشرات على عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات المحلية، محذرا من المقاطعة كونها ليست حلا ولن تأتي بالتغيير والاصلاح المطلوبين، داعيا الى اختيار الأكفأ في الانتخابات، وفي سياق آخر طالب الكربلائي بتوثيق المقابر الجماعية تاريخيا امام المنظمات الدولية.

وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة في الصحن الحسيني، ان هناك "استطلاعا أظهر ان نسبة يعتد بها، تعزف عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في العشرين من شهر نيسان، بسبب فشل مجالس المحافظات الحالية في عملها، فهناك احباط وخيبة امل لديهم في تحقيق ما هو مطلوب ومأمول".

وتساءل: "هل الحل اذا ما اريد التغيير هو عدم المشاركة، والجميع يعلم ان عدم المشاركة سيوصل بصورة غير مباشرة مرشحين غير كفوئين لإدارة شؤون البلد"، محذرا من ذلك، داعيا الجميع إلى المشاركة "لكن بعد الاستفادة من التجربة السابقة بعدم ترك الاخطاء التي ادت الى سوء الخدمات، لأن الاختيار لم يكن صحيحا".

وتابع: "الاختيار لم يكن صحيحا لأنه جاء بسبب الصلة والعشيرة والمنطقة والطائفة او تحقيق المكاسب الشخصية، فكان وصول انصاف المتعلمين الى هذه المواقع احد اسباب فشل تقديم الخدمات".

المرشحات بين التهميش ومحاولة إيجاد ديمقراطية محلية

الى ذلك  انتشرت في شوارع الناصرية لافتات لمرشحات عن أحزاب إسلامية خلت من صورهن، الأمر الذي عده مراقبون "انتكاسة" لحقوق المرأة بالمحافظة ومؤشر على "التطرف الديني"، في حين عده آخرون "حرية شخصية" ومحاولة لإيجاد ديمقراطية محلية.

وقال الناشط المدني منير الشامي، عن منظمة البيت العراقي، لوكالة (أصوات العراق)، إن بدء الحملة الدعائية للانتخابات "حملت مفاجأة غريبة لأهالي الناصرية، (مركز محافظة ذي قار، 365 كم جنوب العاصمة بغداد)، إذ نشرت عشرات الملصقات لمرشحات من دون صورهن في إجراء غريب لم يعهد بالحملات الانتخابية السابقة"، مشيراً إلى أن هذه الممارسة "غير مبررة لا توجد فتوى دينية محلية أو عادات اجتماعية تمنعها وتشكل تصرفاً يعيد إلى ذاكرتنا الضجة بشأن رفض البعض وضع صور النساء على المستمسكات الحكومية بداية القرن الماضي".

وأضاف الشامي، أن غياب الصور "يؤشر حالة تطرف مرعبة تعيد للأذهان التشكيلات والمنظمات السرية"، عاداً أنها "تثير التساؤل عن مدى قناعة هؤلاء المرشحات بالآليات الديمقراطية الأساسية ومدى تقبلهن لمبدأ حرية المرأة ومساواتها مع الرجل بالحقوق والواجبات التي يقرها القانون والدستور النافذ".

الشك بالقدرة على تحمل المسؤولية

ناشطة بحقوق الإنسان عدت أن تلك الحالة "غير حضارية"، مثلما تثير "الشك بقدرة المرشحة على ممارسة مهامها في موقع المسؤولية"، لاسيما أن النساء الممثلات في البرلمان أو المجالس المحلية "مهمشات في أحزابهن أصلاً".

وقالت شذى القيسي، لوكالة (أصوات العراق)، إن عدم نشر الصور "حالة غير حضارية وسوء تصرف يشابه ما فعلته مرشحات باستعمال كنيتها أي أم فلان في اللافتات الدعائية بدلا من اسمها"، معتبرة أن هذه الحالة "تثير الشك بشفافية المرشحة ومدى قدرتها على إيصال صوت 100 ألف شخص لموقع القرار إذا ما غدت في موقع المسؤولية".

وأعربت القيسي، عن "عدم قناعتها بوجود فتوى دينية أو عرف اجتماعي أو رأي ذكوري أجبر المرشحات للانتخابات المحلية على اتخاذ هذا القرار في مجتمعنا المتمدن أصلاً"، مستدركة "لكن تجربة المرأة السياسية بالعراق غير مستقرة إذ ما تزال تحاول إيجاد موطئ قدم لها في ظل هينة الرجال على المشهد السياسي حتى الآن".

وأكدت الناشطة شذى القيسي، أن المرأة "لم تنجح طوال المدة السابقة لأن النسوة الممثلات في البرلمان أو المجالس المحلية مهمشات في أحزابهن أصلاً مما انعكس على أدائهن بمواقع القرار".

وفي حين اعتبرت عضو بمجلس المحافظة ومرشحة لانتخابات مجالس المحافظات المقبلة، أن تجنب وضع الناخبات لصورهن يعد "أمراَ خاطئاً"، اعتبرت أخرى أن الأمر "حرية شخصية" لأن "الأفعال هي التي تكسب احترام الناخبين وأصواتهم".

وقالت رئيسة لجنة الإعلام بمجلس محافظة ذي قار والمرشحة عن ائتلاف دولة القانون، دلال كامل برهان، لوكالة (أصوات العراق)، إن تجنب وضع الناخبات لصورهن "أمراً خاطئاً ولا يعطي الناخب انطباعاً أوليا جيداً عن المرشح لأنه ينتقص من المعلومات التي يفترض أن يحصل عليها المواطن للاختيار"، مضيفه "ليس هنالك دواعي اجتماعية بمدينتنا تبرر هذا التصرف لأن المرشحة ستحضر بالتأكيد ندوات واجتماعات رسمية وعشائرية للترويج لبرنامجها الانتخابي".

لكن مرشحة أخرى، اعتبرت أن القاعدة الجماهيرية "تشجع على عدم وضع الصور"، مؤكدة أن الموضوع "حرية شخصية" لأن "الأفعال هي التي تكسب احترام الناخبين وأصواتهم".

وقالت عضو مجلس المحافظة الحالية والمرشحة للانتخابات المحلية، وفاق ناصر، لوكالة (أصوات العراق)، إن "عدم نشري صوراً بدعايتي الانتخابية قناعة شخصية وقد يعتبر إستراتيجية للفوز بالانتخابات".

ووجدت ناصر، أن الموضوع "لاقى قبولاً لدى كثيرين من قاعدتي الجماهيرية الذين باركوا عدم نشر صوري بالدعايات الانتخابية لاسيما أنين معروفة وما قدمته من عمل هو من يشجع الناس على انتخابي".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آذار/2013 - 18/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م