حرب العراق وازدواجية المعايير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بعد عشر سنوات لازال الاختلاف هو الحاكم في النظر الى الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية وبعضا من حلفائها الغربيين والعرب على نظام صدام حسين واسقاطه في العام 2003.

لازال الكثير ينظر الى النتائج التي آلت اليها الحرب، مستبعدا الاسباب التي ادت اليها، وما اذا كانت تتقارب مع الاسباب التي دعت معظم العرب الى طلب التدخل العسكري الغربي في دول اخرى، مثل ليبيا، وتدعو الان للتدخل في سوريا واسقاط نظام الاسد الحاكم.

في العام 1991 اندلعت الانتفاضة الشعبانية العراقية، وهي انتفاضة بدأت من حيث انتهت اليها الانتفاضة السورية، عنف مسلح ضد السلطة ومؤسساتها، جميع العرب هرعوا الى حامي الحمى الامريكي وطالبوه بعدم تشجيع تلك الانتفاضة وجعلها تنتصر على النظام، لانها ببساطة شديدة، انتفاضة خارج قواعد العرب السنة، وهي لو حصدت نتائج مثمرة فانها ستغير الكثير من المشهد العربي السياسي في تلك الفترة.

لازال التساؤل منصبا حول ان كانت الاسباب التي دعت امريكا وحلفائها لشن الحرب على العراق حقيقية ام لا، وظهرت الكثير من الوثائق التي تكذب ماروجت اليه امريكا لشن تلك الحرب.

على المستوى الاخلاقي، هل ماحدث في العام 1991 وماحدث في العام 2003 وماحدث في ليبيا ومايحدث في سوريا، يلزم المجتمع الدولي في التدخل لتغيير تلك الانظمة ومساعدة تلك البلدان على التحرر؟

في محاكمة النتائج، نحن امام ادانة واضحة لتلك الحرب على العراق، رغم ان نفس النتائج نشاهدها، وان بصورة اقل من ذلك - وهذا لايمنع ان تكون مرشحة لارتفاع وتائرها - وهو مانراه في تونس ومصر، التي لم يكن ثمة تدخل عسكري محتل فيها، ورغم ذلك فاحداث العنف في هاتين الدولتين، لم تنته بل هي بالكاد بدأت، بعد عقود من حكم الديكتاتورية والاستبداد.. وهي نتيجة حتمية تمر بها المجتمعات التي عانت من الاستبداد والديكتاتورية، وخاصة البلدان العربية منها.

الموقف العربي هو نفسه تقريبا من العراق.. فلا الكويت ساعدت على الغاء البند السابع في مجلس الامن، ولا السعودية توقفت عن دعم الارهاب تحت فتاوى الجهاد، ولا مصر ايضا حاولت التقارب من العراق، ولا سوريا في بدايات التغيير، وكذا الحال مع المحميات الخليجية الاخرى، اي ان نفس المواقف التي كانت تبديها تلك الانظمة تجاه نظام صدام حسين بقيت على حالها تجاه النظام الجديد، رغم ان الكثير من اظافره قد تم تقليمها.

ما الذي حصده العراق بعد عشر سنوات؟

مخطيء من يتوهم ان التغيير العنيف الذي حدث في العام 2003 لايمكن ان يقود الا الى نفس النتائج، لانه ضد سنن التاريخ، وضد نظريات علم الاجتماع والسياسة.. فالعنف على الساحة العراقية الان، تجد جذوره وتبريره في سياسة القمع طيلة العقود الاربعة التي سبقت التغيير، والفساد المالي والاداري تجد جذورها في سنوات الحصار من تسعينيات القرن المنصرم، والطائفية المتبدية الان تجد جذورها في الاقصاء والتهميش الذي مارسته عقود السياسة العراقية تجاه الغالبية.

كل ماحدث ويحدث، هو نتيجة طبيعية لعقود الاستبداد التي مر بها العراق، وحتى الاحتلال هو الوجه الاخر من تلك العملة، عملة الاستبداد والديكتاتورية.. ما نمر به الان هو مرحلة انتقالية، وهي مرحلة شديدة الوطأة على العراقيين، لانهم يدفعون اثمانا كانت مؤجلة الدفع تحت ضغط قمع النظام السابق.

تحرر العراقيون من امور كثيرة، ووقعوا تحت كم هائل من الاختلالات، السياسية والاجتماعية والثقافية، وهي اختلالات كثيرا ماتصيب من يختل توازنه نتيجة لصدمة لم يكن مستعدا لها او لم يكن يتوقعها.

الحرب ظالمة؟ نعم، لكننا يجب ان لانبقى في منطقة البحث عن اسباب اندلاعها المباشرة، واكذوبة الاسلحة الكيماوية وغيرها، فالواجب الاخلاقي للتدخل قد تاخر كثيرا، منذ العام 1991.

ماذا لو حدث التدخل وقتها، وتغير نظام صدام حسين قبل الحرب بثلاثة عشر عاما؟ من المؤكد ان النتائج ستختلف كثيرا، على الاقل لم نكن قد مررنا وقتها بالحصار الاقتصادي، او الحملات الايمانية التي افرزت هذا التطرف الديني الذي نراه الان، ولم تكن الة القمع الصدامي قد سرعت من وتائرها، ولم يظهر فدائيوا صدام، ولم تترسخ الكثير من القيم الثقافية في واقعنا العراقي، والتي نشهد فاعليتها الان بصورة مستمرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آذار/2013 - 12/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م