عقد على حرب العراق.. هل كانت خطأً فظيعاً؟

 

شبكة النبأ: بعد عشر سنوات على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، بحجة حيازة النظام العراقي السابق أسلحة دمار شامل، التي لم يتم العثور على أي أثر لها، يرى الكثير من المحللين أن الحرب كانت خطأً فظيعاً، بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة.

فما زال شبح هذا القرار المصيري يخيم على الولايات المتحدة الأمريكية بعد عقد من الزمان على غزو العراق، حيث أعتبر معظم المحللين السياسيين أن حرب العراق تعد من أكبر الأخطاء الدبلوماسية فيما بعد الحرب العالمية الثانية.

لما سببته من خسائر كبيرة لأمريكا والعراق على المستويات كافة، ولعل مشكلة أمن العراق من ابرز مخلفات هذه الحرب، فحتى بعد مرور عشرة أعوام من سقوط النظام وتولي الحكومة المنتخبة ادارة شؤون الدولة ولكنها لم تغيير شيئا من واقع تلك الأزمة المزمنة، بل انها تسوء اكثر مما تتحسن.

في حين لم يتوقع الأمريكيون أن تكلفهم هذه الحرب خسائر بشرية ومادية فادحة بلغت 1.7 تريليون دولار، ومقتل الآلاف من جنودها، التي لا تزال آثار مخلفتها واضحة حتى اللحظة الراهنة.

استخلاص العبر

من جهتها تحاول وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" استخلاص العبر من هذا الفشل وتواجه اليوم اختبارا جديدا حاسما وهو تقييم البرنامج النووي الايراني، بعدما واجهت انتقادات لفترة طويلة بانها "اخطأت" بخصوص اسلحة الدمار الشامل في العراق.

وعلى من الرغم من تفاوت آراء المحللين حول أجندات وأهداف الحرب على العراق، ما بين هدف إسقاط نظام دكتاتوري وحرب من اجل النفط وغيرها الكثير من الاسباب الاخرى، الا ان الكثير من المراقبين يرون ان مخلفات هذه الحرب المثيرة للجدل أبرزت مشاكل السياسية والاقتصادية والحقوقية في العراق التي وضعت شعبه على حافة التمزق وامام مستقبل مجهول.

وكشف الدبلوماسي السويدي المخضرم اعتبر هانز بليكس، في مقال خص به CNN، ننشر بعض من أجزائه، عن أنه وأعضاء فريق المفتشين الدوليين كانوا يتوقعون شن الولايات المتحدة، والدول المتحالفة معها، وفي مقدمتها بريطانيا، الحرب على العراق، وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً من أحد المسؤولين الأمريكيين، قبل الغزو بثلاثة أيام، طلب فيها سحب الفريق من العراق.

وكتب بليكس في مقاله: "بينما كنا نشعر بالحزن لإجبارنا على إنهاء مهمتنا التي أوكلها لنا مجلس الأمن الدولي، حيث كنا مازلنا في منتصف الطريق، ورغم قيامنا بعملنا جيداً، كان هناك شعور بالسعادة أيضاً لأننا سنغادر بأمان.. فقد كان هناك قلق من أن يتعرض مفتشونا للاحتجاز كرهائن، ولكن في واقع الأمر كان العراقيون متعاونون جداً أثناء وجودنا هناك."

وأشار بليكس إلى أنه بعد قليل من مغادرة عدة مئات من مفتشي الأمم المتحدة غير المسلحين العراق، حل محلهم مئات الآلاف من الجنود الذين بدأوا عملية غزو واحتلال البلاد، التي دفع ثمنها مئات الآلاف من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى تكلفتها المادية الهائلة.

وأضاف أنه بعد عشر سنوات من الحرب على العراق "اليوم.. أسأل نفسي مجدداً عن أسباب حدوث هذا الخطأ الفظيع، والمخالفة الصريحة لميثاق الأمم المتحدة.. كما أواصل البحث عن أي دروس مستفادة يمكن تعلمها منها.."

وأشار بليكس في مقاله إلى أنه "بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية، شعرت إدارة (الرئيس الأمريكي) جورج بوش بأن عليها أن تقوم بالمزيد من الإجراءات الانتقامية للهجمات التي تعرضت لها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وليس فقط الإطاحة بنظام حركة طالبان الحاكم في أفغانستان."

وأضاف أنه "لم يكن هناك هدف يمكنه تحقيق ذلك أكثر من إسقاط نظام "الديكتاتور" صدام حسين في العراق.. وبكل أسف فإن الإطاحة بهذا الطاغية ربما تكون الحسنة الوحيدة من الحرب."

وتابع أن "الحرب كان الهدف منها تدمير أسلحة الدمار الشامل، إلا أنه لم يكن هناك أي منها... وكان الهدف من  الحرب القضاء على تنظيم القاعدة في العراق، ولكن الجماعة الإرهابية لم يكن لها أي وجود في البلاد حتى بعد الغزو."

وأضاف أن "الحرب كان الهدف منها إقامة نموذج للديمقراطية في العراق يقوم على سيادة القانون، ولكنها أدت إلى إقامة نظام فوضوي استبدادي، وقادت إلى قيام امريكا بممارسات تنتهك قوانين الحرب"، وقال أيضاً: "لقد كان الهدف من الحرب تحويل العراق إلى قاعدة صديقة، تسمح للقوات الأمريكية بالتدخل في إيران، وقت الحاجة، ولكنها بدلاً من ذلك منحت إيران حليفاً جديداً في بغداد.

تدخل له مبرراته

في سياق متصل تقول الصحيفة إن الاستطلاع الذي أجرته "كينجز كولدج" بجامعة لندن بهذه المناسبة كشف إنه رغم المشاعر السلبية ضد التدخل في العراق بين البريطانيين إلا أن معظمهم يرون أن التدخل العسكري البريطاني يكون له مبرراته في كثير من الأحيان.

وتضيف الصحيفة أن عامة البريطانيين اقنتعوا لفترة في بداية الحرب بأن التدخل العسكري في العراق ضروري لكن بحلول عام 2007 أصبح نحو 83 بالمئة من البريطانيين يعتقدون أنهم خدعوا وانه قد تم استبدال كارثة بأخرى.

و في الوقت الحالي، بحسب الصحيفة فإن 52 بالمئة يرون أن ضلوع بريطانيا في العراق هز مكانتها في العالم بينما يعتقد أربعة أشخاص من بين عشرة أن هذه الحرب جعلت من العالم مكان أكثر خطورة.

هل شكل صدام تهديدا؟

وفي الاشهر التي سبقت الاطاحة بصدام حسين قبل عشر سنوات، اعتبرت "سي آي ايه" واجهزة الاستخبارات الاميركية الاخرى ان "النظام العراقي على وشك امتلاك اسلحة نووية ويملك مخزونات من الاسلحة الكيميائية والبيولوجية".

والنتيجة التي وصلت اليها الاستخبارات ايدت موقف البيت الابيض بان "صدام حسين يشكل تهديدا ويجب ان يطرد من السلطة بالقوة".

وفي نهاية المطاف كانت اجهزة الاستخبارات الاميركية "مخطئة" في كل تقييمها تقريبا لفترة ما قبل الحرب بخصوص اسلحة الدمار الشامل في العراق" كما جاء في تقرير التحقيق الرسمي سيلبرمان-روب.وجاء في التقرير الصادر العام 2005 ان "المعلومات التي جمعت لم تكن قوية والتحاليل غير صائبة والنتائج ترتكز على فرضيات مغلوطة وبدون ادلة". وقال ان النتيجة "شكلت احدى ثغرات فشل الاستخبارات الاشهر والاكثر اساءة في التاريخ الاميركي الحديث".

وحين لم يعثر الاميركيون على شيء عند اجتياح العراق في 20 اذار (مارس) 2003، تبين ان "حجة الحرب لدى واشنطن كانت بدون اساس ما اثار استياء دوليا".

وقال بريان جنكينز، الخبير في راند كوربوريشن: "ذلك سبب لنا ضررا دائما"، مضيفا "لقد ادى الى تقويض مصداقية الاستخبارات الاميركية في هذه المجالات بشكل كبير".

وبعد عشر سنوات على هذا الاذلال، حاولت وكالات الاستخبارات الاميركية الـ16 تعزيز قدراتها على جمع المعلومات ووضعت اجراءات تحقق من عمل التحاليل، كما يقول مسؤولون سابقون في "سي آي ايه".

وقال بول بيلار، المحلل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، والذي يدرس حاليا في جامعة جورج تاون: "لقد استخلصنا العبر".ويرى بعض الجواسيس السابقين والمشرعون ان وكالات الاستخبارات ليست الوحيدة في دائرة الاتهام، لان المقربين من الرئيس الاسبق جورج بوش كانت لديهم خطة جاهزة بغض النظر عما سترفعه اجهزة الاستخبارات من نتائج.

وقال بول بيلار: "القول ان كل العملية لم تتأثر بالجو السياسي ليس دقيقا على الاطلاق" مضيفا "لم يستخدموا تقريبا معلومات الاستخبارات الا كوسيلة لدعم حملة الترويج" للحرب.

وخلصت التحقيقات الرسمية الى ان عمل الاستخبارات لم يتم تسييسه لكن هذه المسالة تبقى موضع جدل كبير.

تجربة العراق تلقي بظلالها على الملف النووي الايراني

وبعد عشر سنوات تسعى الولايات المتحدة مجددا لمعرفة "ما اذا كان البرنامج النووي الايراني يتضمن شقا عسكريا، لكن هذه المرة عثر مفتشو الامم المتحدة على ادلة عديدة تشير الى برنامج تخصيب يورانيوم طموح".

ووكالات الاستخبارات التي تعتبر ان طهران لم تتخذ قرارها بعد بصنع سلاح نووي ام لا، تواجه مشكلة سبق ان واجهتها في العراق: معرفة نوايا السلطات الايرانية التي تنفي سعيها لامتلاك السلاح الذري.وازاء احتمالات حصول ضربة جوية وقائية، يتصاعد الضغط على وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية لكي تجري تقييما محددا حول مدى تطور البرنامج الايراني.

ويقول المحللون ان المهمة صعبة لان النظام الايراني له مصلحة في تضخيم حالة تقدم البرنامج لكي يقلل من فرص حصول اي ضربة جوية.ويرى بول بيلار ان "التجربة المخيبة في العراق لا تزال تلقي بثقلها بقوة بدون شك على هؤلاء الذين يعملون اليوم على الملف النووي الايراني".

ارقام الحرب

هذا وبلغت تكلفة الحرب الأمريكية في العراق 1.7 تريليون دولار، إضافة إلى 490 مليار دولار تمثل مستحقات قدامى المحاربين، وهي نفقات قد تنمو إلى أكثر من ستة تريليونات دولار خلال العقود الأربعة المقبلة بعد حساب الفائدة، حسب دراسة أعدها معهد واتسون للدراسات الدولية بجامعة براون الأمريكية.

وقالت الدراسة، التي حملت عنوان (تكاليف مشروع الحرب) إن الحرب أفضت إلى مقتل نحو 134 ألف مدني عراقي وربما أسهمت في مقتل أربعة أمثال هذا الرقم.

فمع إدراج أعداد القتلى في صفوف قوات الأمن والمتمردين والصحفيين وعمال الإغاثة، ارتفع إجمالي ضحايا الحرب إلى ما بين 176 ألفا و189 ألفا، بحسب الدراسة.

وجاء نشر الدراسة، التي شارك في إعدادها نحو ثلاثين أكاديميا وخبيرا، متزامنا مع الذكرى العاشرة لغزو العراق بقيادة الولايات المتحدة يوم 19 مارس/ آذار عام 2003.

وتعد الدراسة بمثابة تحديث لتقرير أعده معهد واتسون عام 2011 قبل الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، ووضع تقديرات للخسائر المادية والبشرية للحروب التي تلت الهجمات في أفغانستان وباكستان والعراق.

وذكرت الدراسة التي اعدها المعهد عام 2011 أن إجمالي تكلفة الحروب تصل إلى 3.7 تريليون دولار على الأقل، وذلك بناء على النفقات الفعلية المعلنة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بالإضافة للالتزامات المستقبلية المترتبة على الحروب مثل المستحقات الطبية وتعويضات المعاقين من قدامى المحاربين، وارتفع هذا التقدير إلى نحو أربعة تريليونات دولار في التقرير الأخير.

كما ارتفع تقدير عدد الضحايا في الحروب الثلاثة مما يتراوح بين 224 ألفا و258 ألفا، إلى ما يتراوح بين 272 ألفا و329 ألفا، وذلك في غضون عامين.

وتستثني هذه الأرقام حالات الوفاة التي حدثت بشكل غير مباشر بسبب أمور مثل الهجرة الجماعية للأطباء والبنية التحتية المتهالكة.

كما تستثني الدراسة تريليونات الدولارات من الفائدة التي قد تدفعها الولايات المتحدة خلال السنوات الأربعين المقبلة. ويشير التقرير إلى أن فوائد تكاليف حرب العراق قد تصل إلى نحو أربعة تريليونات دولار خلال هذه الفترة.

كما يبحث التقرير الأعباء التي وقعت على عاتق قدامى المحاربين وأسرهم، حيث يظهر وجود تكاليف اجتماعية ضخمة بالاضافة إلى زيادة في حجم الإنفاق على قدامى المحاربين.

وكانت دراسة 2011 قد خلصت الى أن مستحقات العلاج للمصابين والمعاقين من قدامى المحاربين بعد 10 سنوات من الحرب بلغ اجمالا 33 مليار دولار. وبعد عامين، ارتفع هذا الرقم إلى 134.7 مليار دولار.

يدرج التقرير ما حققته الولايات المتحدة من مكاسب قليلة من الحرب في الوقت الذي أعرب فيه العراق عن صدمته. كما ساعدت الحرب في تعزيز نشاط المسلحين الإسلاميين المتشددين في المنطقة، وانتكاسة حقوق المرأة وتراجع نظام الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل من عثرات.

كما أن جهود الإعمار التي وصل الأنفاق عليها الى 212 مليار دولار لم تثمر على نحو كبير بعد توجيه الكثير من الأموال إلى الانفاق على الأمن وإهدار الكثير منها أو التلاعب فيها.

الى ذلك  ذكر بحث نشر ان احتمالات ارتكاب الجنود البريطانيين الذين خدموا في العراق وافغانستان ولاسيما الشبان والذين شهدوا معارك فعلية جرائم عنيفة تزيد بالمقارنة مع اقرانهم من المدنيين، وهذه الدراسة لنحو 14 الف جندي بريطاني ارسلوا الى العراق وافغانستان هي اول دراسة تدرس الصلة بين الخدمة العسكرية والجريمة العنيفة من خلال استخدام سجلات جنائية رسمية، وقال باحثون ان النتائج يمكن ان تساعد المسؤولين العسكريين في تحسين تقييم لمخاطر العنف فيما بين العسكريين الحاليين والعسكريين السابقين.

وشددوا على انه على الرغم من ان هذه الدراسة تشير الى وجود مشكلة خطيرة بالنسبة لمن شملتهم فانها لا تعني ان كل الجنود السابقين سيصبحون مرتكبي جرائم عنف.

وقال الباحثون ان الدراسة تسلط الضوء ايضا على مشكلات الصحة النفسية في الجيش ومشكلات الافراط في تناول المواد الكحولية وخلل ضغوط ما بعد الصدمة والسلوك العدواني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آذار/2013 - 9/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م