نووي إيران ولعبة الخط الأحمر على طاولة مفتوحة

 

شبكة النبأ: لايزال التوتر سيد الموقف فيما يخص ملف إيران النووي الذي باتت اليوم من أهم واخطر قضايا المنطقة، خصوصا بعد اتساع لغة التهديد والوعيد التي تثار بين الحين والأخر من قبل أطراف الصراع، وبحسب بعض المراقبين فان المخاوف من احتمال شن هجوم عسكري على ايران من قبل أمريكا او إسرائيل لايزال قائم ومتوقع وهو ما قد يؤدي الى نشوب حرب كارثية قد تفضي بدمار اغلب دول المنطقة, خصوصا وان ايران تتمتع بقوة عسكرية لايمكن الاستهانة بها او تجاهلها.

 تلك القوة العسكرية يرها بعض المحللين بأنها أهم عقبة في طريق الولايات المتحدة الأمريكية التي لاتزال بعيدة كل البعد عن استخدام الخيار العسكري الذي تدعوا إليه إسرائيل الحالمة بإسقاط ايران وضعافها، وفيما يخص التطورات الأخيرة في هذا الملف فقد رد مسؤول عسكري إيراني كبير على كلام للرئيس الأميركي باراك اوباما، محذرا الولايات المتحدة من ان طهران هي أيضا مستعدة لطرح "كل الخيارات على الطاولة" بشأن الملف النووي الإيراني.

وقال مساعد قائد القوات المسلحة الإيرانية الجنرال مسعود جزائري "يا سيد اوباما، لا تخطيء في الحسابات، نحن ايضا لدينا كل الخيارات على الطاولة. عد الى بلادك قبل ان تغرق أكثر فأكثر في مستنقع هذه المنطقة". وأضاف "لقد اذن لنا رؤساؤنا بالرد على اي عمل عدائي من قبل العدو". والمعروف ان القوات المسلحة الإيرانية تأتمر مباشرة بمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. وفي تصريح لتلفزيون اسرائيلي قال الرئيس الاميركي انه يأمل بالتوصل الى حل دبلوماسي للازمة مع ايران الا انه يحتفظ "بكل الخيارات على الطاولة" في إشارة الى الخيار العسكري.

وأضاف اوباما "اذا تمكنا من تسوية الأمر بالطرق الدبلوماسية، سيكون الحل أطول أمدا وألا فانا ساواصل الاحتفاظ بكل الخيارات على الطاولة". وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو طلب في نهاية شباط/فبراير الماضي من المجتمع الدولي تهديد إيران بعمل عسكري في حال واصلت العمل على برنامجها النووي. ورد المسؤولون الايرانيون بالقول انهم سينظرون الى اي اعتداء اسرائيلي على ايران على انه تم بموافقة الولايات المتحدة وسيشمل ردهم ايضا القواعد الاميركية في المنطقة.

ويزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما إسرائيل مع بداية فصل الربيع وهو موعد "الخط الأحمر" الذي سبق أن حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشن هجوم على المواقع النووية الإيرانية اذا تجاوزته طهران. ولكن الحرب بين إسرائيل وإيران لا تبدو وشيكة وهي بمثابة كابوس لواشنطن في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقليص التزاماتها الدفاعية في الخارج وتجنب أزمة نفطية خليجية طاحنة.

ويقول بعض المسؤولين والمحللين إن إيران تحاشت التهديد الإسرائيلي من خلال الحد من تخصيب اليورانيوم الى المستوى المتوسط ومن ثم لا تنتج وقودا كافيا لتصنيع أول قنبلة نووية وهو الحد الذي حذر منه نتنياهو في كلمة ألقاها أمام الأمم المتحدة في سبتمبر أيلول. وطرح نتنياهو أسوأ السيناريوهات استنادا إلى تقارير المفتشين النووين التابعين للأمم المتحدة. ورغم ذلك كشف أحدث هذه التقارير عن تباطؤ نمو مخزون اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 بالمئة لمواجهة الشكوك الغربية المتزايدة تجاه أنشطة طهران النووية. وتقول إيران إن التخصيب جزء من برنامج سلمي تماما.

ولم يعلن نتنياهو عن تعديل موعد حلول "الخط الأحمر" الذي يتراوح بين ربيع وصيف عام 2013. غير أن عدة مسؤولين إسرائيليين أقروا بتأجيل هذا الموعد وربما لأجل غير مسمى. وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين "لم يكن الخط الأحمر موعدا نهائيا قط." وشكك رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في قدرة إسرائيل على الحاق ضرر دائم بالمنشآت الإيرانية النائية المحصنة. وفي نفس الوقت لا يخفي نتنياهو سرا أنه يفضل ان تتولى واشنطن القيادة في أي حرب.

ورغم ان إدارة أوباما تحشد قواتها في الخليج وتقول إنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية كملاذ أخير بعد نفاد جميع الحلول الأخرى إلا أنها رفضت دعوات إسرائيل بإعطاء طهران إنذارا أخيرا واضحا. وعبر أوباما بحذر عن أمله في أن تحد المفاوضات التي استؤنفت الشهر الماضي بين الولايات المتحدة وخمس قوة عالمية أخرى وإيران من المساعي النووية للجمهورية الإسلامية.

وقال أوباما "هناك مساحة ليست فترة محددة ولكن مساحة من الوقت يمكننا خلالها حل ذلك بالطرق الدبلوماسية وهو ما يصب في صالحنا جميعا." وصرح أوباما بأن "الخط الأحمر" الأمريكي يتمثل في اقتراب إيران من امتلاك قنبلة نووية مضيفا "يستغرق ذلك أكثر من عام أو ما يقرب من ذلك. ولكننا بوضوح لا نريد الانتظار حتى آخر لحظة."

والثقة في أوباما ليست محل إجماع بين أفراد الدائرة المقربة من نتنياهو. وبينما قال مسؤول إسرائيلي إن "الرؤساء الأمريكيين لا يهوشون" وإنه يجب الثقة في أوباما يشعر آخرون بالقلق من أن تستطيع إيران المراوغة والتهرب من عمليات التفتيش والمراقبة وتسرع في اكتساب القدرة على تصنيع أسلحة نووية.

وقال السفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل أورين "القضية ليست متى ستمتلك إيران قنبلة ولكن متى لا يصبح بإمكاننا الحيلولة دون امتلاك إيران لهذه القنبلة." واتهم إيران بالتخطيط للتحرك في "مسار أقصر" ومتسارع تجاه تصنيع الأسلحة النووية "في الخفاء لكونه تحت الأرض." وقال تقرير للأمم المتحدة صادر في 21 فبراير شباط الماضي إن إيران لديها 167 كيلوجراما من اليورانيوم متوسط التخصيب على شكل غاز بعد أن حولت بعض مخزونها إلى وقود صلب للمفاعلات. ويقول خبراء إن طهران ستحتاج إلى ما يتراوح بين 240 و250 كيلوجراما من المادة الغازية لتصنيع قنبلة رغم أنه سيتعين عليها تخصيب الوقود إلى درجة نقاء أعلى تبلغ 90 بالمئة.

ويقول دبلوماسيون إن إيران تقوم أيضا بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ومن ثم يمكنها تسريع وتيرة التخصيب المتوسط لليورانيوم إذا أرادت ذلك. ولمح نتنياهو إلى تلك التطورات في الرابع من مارس آذار عندما أكد على "الخط الأحمر" في كلمة ألقاها أمام جماعة ضغط موالية لإسرائيل في واشنطن قائلا إن إيران "تضع نفسها في موقف يجعلها تتجاوز هذا الخط بسرعة شديدة بمجرد أن تقرر ذلك." وأشار مسؤول إسرائيلي إلى أن إيران يمكنها جمع ما بين 230 و240 كيلوجراما من اليورانيوم متوسط التخصيب وهو ما يقل قليلا عن الكمية اللازمة لتصنيع قنبلة على أن تنتج الكيلوجرامات القليلة المتبقية لاستكمال الكمية المطلوبة بين الزيارات الأسبوعية التي يقوم بها المفتشون لمحطات التخصيب.

وقال المسؤول إن إيران يمكن أن تنقل جميع المواد بعد ذلك إلى موقع سري لمعالجتها في وقت لاحق وتحويلها إلى وقود يستخدم في تصنيع الأسلحة مما يجعل الجمهورية الإسلامية "قوة نووية كامنة." وأضاف "نعرف الان المواقع التي يمكن استهدافها بالضربات العسكرية . فهل يمكن لأي منا حتى الأمريكيين أن يضمن هذه المعرفة التامة (بالمواقع) في المستقبل؟"

وتبدو الولايات المتحدة أكثر ثقة بشأن عمليات التفتيش النووية والمراقبة المخابراتية للإيرانيين وكذلك قدرتها على التدخل العسكري السريع. وقال مدير المخابرات القومية الأمريكية جيمس كلابر "نعتقد أن إيران لا يمكنها ان تنقل المواد الخاضعة لضمانات وإنتاج كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لتصنيع أسلحة قبل أن يتم اكتشاف هذا النشاط."

وعبر مارك فيتزباتريك المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية عن شكوكه في ان تحاول إيران المراوغة للالتفاف على "الخط الأحمر" الذي وضعه نتنياهو وما إذا كانت إسرائيل سترد على ذلك بشن هجمات. وقال فيتزباتريك الذي يرأس برنامج منع الانتشار ونزع السلاح في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "لن يتخذ أحد قرارا بشأن الحرب أو السلام بناء على كيلوجرامات قليلة من اليورانيوم المخصب عند مستوى 20 بالمئة."

وأضاف "لا يعلم أحد ما هو الخط الأحمر الإسرائيلي الحقيقي. ولا أعتقد أن إسرائيل تعرفه أيضا." وعاب فيتزباتريك على نتنياهو لتركيزه على اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة قائلا إن ذلك قد يصرف الأنظار عن التقدم المستمر في نواحي أخرى خطيرة لبرنامج ايران النووي مثل تطوير أجهزة الطرد المركزي وأطنان اليورانيوم منخفض النقاء. غير أنه رأى مكسبا تكتيكيا لنتنياهو "في تذكير العالم بوجود خطر ملموس هنا بعد أن سمع العالم كثيرا قرع طبول الحرب من جانب إسرائيل."

الى جانب ذلك اعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مؤتمر صحافي مع نظيره الاسرائيلي شيمون بيريز ان العقوبات على ايران وبرنامجها النووي "فاعلة" ولكن ينبغي "تشديدها". وقال هولاند "شددت على رغبتنا بتشديد العقوبات، التي هي فاعلة، والتي ينبغي ان تقنع السلطات الايرانية" باجراء مفاوضات "باكبر قدر من الجدية وايجاد حل يتيح توفير كل الضمانات بان ايران هذا البلد الكبير" لن يحصل على السلاح النووي.

من جانبه، قال الرئيس الاسرائيلي ان "العقوبات اكثر فاعلية مما كنا نعتقد لكنها غير كافية". واضاف "سررت جدا لسماع الرئيس (هولاند) يقول انه يدرس اتخاذ اجراءات اضافية لاننا اذا استطعنا وضع حد لهذا الخطر من دون استخدام السبل العسكرية، فذلك سيكون افضل. لكن على (الايرانيين) ان يعلموا بان كل شيء ممكن الحصول".

في السياق ذاته تفيد صحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية ان الادارة الاميركية تشعر بالقلق من اتفاق التعاون العلمي بين ايران وكوريا الشمالية والذي يؤكد خبراء ان من المحتمل ان يشمل برامج التعاون النووي والصاروخي بين البلدين. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ومنظمة الامم المتحدة أن الاتفاق المبرم بين ايران وكوريا الشمالية في ايلول (سبتمبر) الماضي يشبه الاتفاق الذي أبرمته كوريا الشمالية وسوريا في عام 2002، وكانت بيونغ يانغ بدأت حينها ببناء مفاعل نووي لإنتاج البلوتونيوم بشكل سري في شرق سوريا. ويرى المفتش السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية اولي هاينون أن الاتفاقين مماثلان تقريبا.

ويحظى الاتفاق المبرم بين طهران وبيونغ يانغ باهتمام بالغ من قبل المسؤولين الاميركيين وذلك بعد الاختبار الصاروخي والنووي الأخير لكوريا الشمالية واقتراب ايران من رفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى ما يؤهلها لصنع قنبلة نووية. وتشعر واشنطن بالقلق من أن يستغل الحليفان العسكريان الاتفاق المذكور من أجل تعزيز قدراتهما النووية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير قوله: "نحن نشعر بالقلق من أي تعاون علمي بين ايران وكوريا الشمالية ونتابع الامر عن كثب". وأجرت بيونغ يانغ تجارب نووية للمرة الثالثة في العام الحالي واطلقت صاروخاً بالستياً بعيد المدى للمرة الاولى. ولم تبلغ ايران بعد مستوى يؤهلها لإنتاج أسلحة نووية.

وتم ابرام اتفاق التعاون النووي بين ايران وكوريا الشمالية في العاصمة الايرانية طهران، وقد حضره الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد والرجل الثاني في كوريا الشمالية كيم يونغ نام الذي كان يرأس الوفد الكوري الشمالي الى سوريا في العام 2002. وبينما يعلن المسؤولون الايرانيون عن عدم التعاون النووي بين ايران وكوريا الشمالية، يكشفون عن بناء مختبرات مشتركة وعمليات للتبادل العلمي والتكنولوجي بين البلدين.

ونقلت الصحيفة الاميركية عن وكالة انباء فارس الايرانية جانبا من التصريحات التي ادلى بها خامنئي خلال لقائه مع كيم يونغ والتي قال فيها الزعيم الايراني ان "ايران وكوريا الشمالية لهما اعداء مشتركون لأن قوى البلطجة لا تطيق الدول المستقلة". ويعود تاريخ العلاقات العسكرية بين ايران وكوريا الشمالية الى فترة الحرب الايرانية العراقية، اي الى الوقت الذي حظر فيه بيع الاسلحة الى ايران، لكن بيونغ يانغ كانت تبيع هذه الاسلحة المحظورة لطهران. وتحولت كوريا الشمالية بعدئذ الى المزود الرئيسي للأدوات الاساسية الخاصة بانتاج الصواريخ لايران. وتم صنع الصاروخ الايراني "شهاب 3" وفقا لتصميم الصاروخ الكوري "نودونغ-1".

وقامت كوريا الشمالية بتزويد ايران بأدوات تستخدم في البرنامج النووي منها المواد الضرورية لانتاج اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي، واليورانيوم المخصب ما أثار وما زال يثير قلق الدول الغربية. ويبدو أن بيونغ يانغ متقدمة على طهران في تكنولوجيا نصب الرؤوس النووية على الصواريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/آذار/2013 - 7/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م