تونس اليوم... مظاهر السيادة تضيع على عتبات الحدود المنتهكة

 

شبكة النبأ: تشهد تونس في الاونة الأخيرة تصعيدا شديدا نتج عنه أزمة سياسية حادة تفجرت بين جميع القادة السياسيين، وتعيش بلاد الياسمين منذ أشهر على وقع أزمة سياسية على خلفية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد واستقالة حمادي الجبالي الامين العام لحركة النهضة من رئاسة الحكومة.

لتندلع بعد ذلك أزمة بين الحكومة الإسلامية والمعارضة العلمانية، على خلفية تنصيب علي العريض وزير الداخلية ليحل محل الجبالي وتشكليه حكومة جديدة، الذي زاد من  تأزم الأوضاع ورفع من حالة الاحتقان السياسي بسبب الرفض الشديد من لدن المعارضة.

فيما يشكل الدستور الجديد الذي يعكف المجلس التأسيسي على صياغته، فضلا عن القضايا الخلافية كمسألة وضع خارطة طريق سياسية تشمل الهيئات الدستورية والانتخابات القادمة وقضية العدالة الانتقالية وبرامج مقاومة الفقر والحد من غلاء الاسعار والنهوض بالاقتصاد الوطني، خصوصا بعد ما أصبحت معدلات البطالة والفقر مرتفعة جدا في تونس بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد الثورة.

ونتيجة لهذه العوامل آنفة الذكر يرى أغلب المحللين أن صياغة الدستور ستظل متعثرة، فربما تعلن المعركة السياسية في تونس، عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب التونسي من انزلاق تونس في وحل الفوضى مجددا، وخلاصة القول يعكس هذا الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين، عن وجود أزمة ازدواجية بينهما وفجوة عميقة بين حكام تونس الإسلاميين ومعارضيهم الليبراليين والعلمانيين. في بلاد ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.

في حين تظهر التطورات الاخيرة من خلال سيطرة المستقلين على الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة، استجابة الإسلاميين في تونس لمطالب المعارضة العلمانية، لكن يرى بعض المراقبين ان هذا الاجراء لن يخرج البلاد من هذه الأزمة المتأرجحة.

لذا فيرى معظم المحللين ان لعبة الشد والجذب المستمرة والصراع من اجل وزارات السيادة في حين ان مظاهر السيادة تكاد تضيع على عتبات الحدود المنتهكة واسلحة الميليشيات الخارقة للقانون توشك أن تدفع البلاد الى الانفجار.

وقد رأى اغلب المراقبين بأن الوضع السياسي في تونس يمر بحالة احتقان لكونه في مرحلة انتقالية، وان الأزمة الحادة بين السلطة والمعارضة ربما تزداد توترا بسبب انسداد أفق استئناف الدستور واتفاق حول موعد الانتخابات القادمة بما ينذر بتداعيات أكثر سوءا في المستقبل القريب على المستويات كافة.

في سياق متصل رفضت احزاب تونسية معارضة ممثلة في المجلس التاسيسي (البرلمان) اقتراح تقدم به مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي باجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في 27 تشرين الاول/اكتوبر المقبل، وقال محمد الحامدي رئيس كتلة حزب "التحالف الديموقراطي" (اجتماعي وسطي) خلال جلسة عامة عقدها المجلس "نحن نستنكر الاستباق في الاعلان عن هذه الرزنامة خلال مؤتمر صحفي قبل ان تصل الى النواب".

واشار الى انعدام التوافق بين مختلف كتل المجلس حول تاريخ اجراء الانتخابات داعيا الى استصدار "قانون ملزم" يحدد تاريخا للانتخابات يحترمه الجميع.

وطالب ازاد بادي النائب عن كتلة حزب "حركة وفاء" الذي يضم منشقين عن حزب المؤتمر (يسار وسط) شريك حركة النهضة الاسلامية في الائتلاف الحكومي، بسحب الثقة من بن جعفر بسبب وصول وثيقة روزنامة الانتخابات الى وسائل الاعلام رغم عدم علم اغلب الكتل النيابية بفحواها. وايد صحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس اقتراح بن جعفر، وقال "نحن نتفق مع هذا الموعد وبودنا ان يكون هذا التاريخ موعدا للانتخابات".

من جهة أخرى رفض رئيس "حركة نداء تونس" المعارضة رئيس الوزراء التونسي الأسبق الباجي قائد السبسي تحميل المعارضة التونسية المسؤولية عن عدم توسيع قاعدة الحكم برفضها التعاطي مع حزب النهضة، وقال في اتصال هاتفي أجرته معه وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) من القاهرة: "الموجودون بالنهضة لا يوجد عندهم ثقافة التعامل مع غيرهم، وفيما يخص النداء فالنهضة هم الذين قرروا من البداية عدم التعامل معنا وأقصونا".

ووصف السبسي الحكومة الجديدة بأنها "هي ذاتها حكومة حمادي الجبالي، ولكن بدون شخص الجبالي، باختصار حكومة الترويكا رقم 2"، وأضاف: "لقد اختاروا ذات العناصر (الحزبية) التي كانت موجودة في حكومة الجبالي التي سبق وأعلن عن فشلها، ولذا لا أتصور أن هذه الحكومة سيكون مستقبلها كبيرا، فلا شيء تغير سوى تحييد الوزارات السيادية".

 فالرأي العام قد يشكك بالعملية الانتخابية إذا كان على رأس وزارة كالداخلية وزير ينتمي لشريحة سياسية، ولكني أعيب على الوزير الأول وأعضاء حكومته عدم إعلانهم الالتزام بعدم خوض تلك الانتخابات كضمان إضافي للمصداقية"، وحول تقييمه للعريض لتشكيل الحكومة، قال: "العريض لديه عزيمة ليواجه بعض الصعوبات خاصة مسألة الأمن ومسألة لجان حماية الثورة، ولكن الحكم ليس بالنوايا والرغبات بل بالتطبيق، ومسألة نجاحه من عدمه متروك لأدائه، نتمنى للعريض أن ينجح، وإن كان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه".

من جانب آخر  تظاهر المئات في العاصمة تونس للمطالبة بتضمين حقوق المراة في الدستور الجديد الذي يعكف المجلس التأسيسي (البرلمان) على صياغته.

وردد المشاركون في التظاهرة هتافات معادية لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة ورئيسها راشد الغنوشي من قبيل "وكلاء الاستعمار، نهضاوي، رجعي، سمسار"، و"يا غنوشي فك عليك..المرأة التونسية قوية عليك (أقوى منك)".

وحذرت الناشطة الحقوقية راضية النصراوي في تصريح للوكالة من "انتشار ظاهرة تعدد الزوجات والزواج العرفي خارج الصيغ القانونية الذي أصبح بالمئات في اوساط الشباب"، واضافت ان حركة النهضة الحزب الاكثر تمثيلا في المجلس التاسيسي "تريد افراغ مجلة الاحوال الشخصية من محتواها"، وراى المحتجون ان عبارة "تكامل" قابلة لأكثر من تأويل وقد تكون مدخلا لضرب المكاسب الحداثية للمراة التونسية، ودعت "هيئة التنسيق والصياغة" المكلفة بمراجعة ما يتم تضمينه في الدستور من مشاريع قوانين قبل أن يعتمدها المجلس، أن ينص الفصل 28 من باب الحقوق والحريات على "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، والمحافظة على تكافؤ الفرص، مع اعتماد معيار الكفاءة"، إضافة إلى "تجريم العنف ضد المرأة".

في حين سيعقد المجلس الوطني التاسيسي التونسي (البرلمان) جلسة عامة للتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة التي شكلها علي العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، "وفي حالة عدم الحصول على ثقة المجلس التاسيسي، يقوم رئيس الجمهورية باجراء مشاورات مع الاحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الاقدر على تكليف حكومة بنفس الاجراءات وفي نفس الاجال السابقة"، بحسب نص التنظيم المؤقت للسلطات العمومية.

الى ذلك أعلن رئيس الوزراء التونسي علي العريض تشكيل حكومة ائتلافية جديدة يقودها الاسلاميون وقال انها ستتولى المهمة لحين إجراء الانتخابات قبل نهاية العام.

وقال العريض انه عين الدبلوماسي المخضرم عثمان الجرندي وزيرا للخارجية والقاضي رشيد الصباغ وزيرا للدفاع بينما حافظ الياس فخفاخ من حزب التكتل العلماني على منصبه وزيرا للمالية في خطوة تخفف سيطرة الاسلاميين على الحكومة المقبلة، وقال العريض "تم تعيين عثمان جرندي وزيرا للخارجية..الياس فخفاخ وزيرا للمالية"، وأضاف انه اختار القاضي لطفي بن جدو وزيرا للداخلية والقاضي رشيد الصباغ وزيرا للدفاع، وقال ان مهمة الحكومة الحالية لن تتجاوز نهاية العام الحالي متوقعا ان تكون الانتخابات المقبلة في نوفمبر تشرين الثاني على اقصى تقدير.

وقال المحلل السياسي الشاذلي بالرحومة " تخلي النهضة عن الوزارات السيادية لمستقلين رسالة هامة قد تطمئن الشعب والسياسيين وقد تخفف التجاذبات الحادة بين الشق الليبرالي والشق الاسلامي في تونس"، وأضف " لكن المعارضة قد لا تكتفي بهذا وقد تستمر في ضغطها على الحكومة المقبلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/آذار/2013 - 5/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م