سوريا والقاعدة... استنفار طائفي ومعارك اثبات الوجود

 

شبكة النبأ: استمرار النزاع المسلح والدمار الكبير الذي لحق بسوريا التي أصبحت اليوم ساحة حرب مفتوحة لجميع الأطراف الإقليمية، التي تسعى الى ابعاد شبح التغير عن أراضيها وبغض النظر عن النتائج المتحققة، مكنت وبحسب بعض المتخصصين تنظيم القاعدة الإجرامي من الحصول على ملاذ و موطئ قدم في الأراضي السورية، والتي ستكون قاعدته الجديدة لإعادة تنظيم صفوفه وتعويض الخسائر السابقة، وهو ما تحقق بالفعل بعد استقدام العديد من أنصار هذا التنظيم ومن مختلف الجنسيات لأجل القتال في صفوف الجماعات المتمردة وبدعم خليجي في سبيل فرض مخطط طائفي يهدد امن واستقرار المنطقة ككل.

هذه التطورات قد أسهمت بزيادة القلق الدولي الذي تنامى بعد ازدياد العمليات الإرهابية التي قامت بها التنظيمات الإسلامية المتشددة والخطط التي أعلنت من قبل بعض قيادات التنظيم والتي تهدف الى توسيع عمل التنظيم في باقي البلدان لأجل تكوين أمارة إسلامية موحدة، حيث حذّر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من "تنامي الجماعات المتطرّفة المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا"، لافتاً الى "وجود "إرهابيين" مرتبطين بعناصر من المعارضة السورية". وقول "هناك ضرورة استراتيجية للتحرّك بسبب تزايد انتشار المتطرّفين المرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا، ما يشكّل خطراً متنامياً على الاستقرار في المنطقة".

وحذّر كاميرون من أن "إرهابيين مرتبطين بتنظيم القاعدة يعملون في سوريا حيث أن البلاد مجزّأة"، مضيفاً "ان هؤلاء مرتبطون أيضاً بعناصر من المعارضة، وهناك أدلة قوية جداً على أن جماعات في المعارضة السورية المسلّحة تأخذ وجهات نظر غير مقبولة من التطرّف الإسلامي".

من جانب اخر قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج انه كلما طال أمد الصراع في سوريا زادت مخاطر تشكيل جيل جديد من المتشددين الذين تدربوا على القتال في المعارك سيمثل فيما بعد تهديدا لبريطانيا ودول اخرى في اوروبا. وقال هيج ان سوريا ستكون الحالة الأكثر حدة "يختطفها" الاسلاميون.

ووصف هيج في خطاب يحدد استراتيجية بريطانيا لمكافحة الارهاب سوريا بأنها "المقصد رقم واحد للجهاديين في كل مكان في العالم اليوم." "هذا يتضمن عددا من الافراد المتصلين بالمملكة المتحدة ودول اوروبية اخرى." واضاف "ربما لا يمثلون تهديدا لنا عندما يذهبون اولا إلى سوريا لكنهم اذا ظلوا على قيد الحياة ربما عاد بعضهم وقد ازدادوا تشددا في الفكر واكتسبوا خبرة في السلاح والمتفجرات." ومضى يقول "وكلما طال امد الصراع تزايد خطر هذا الامر ا."

الى جانب ذلك يجلس عمر أبو الشيشان الذي كان يرتدي ملابس سوداء على سجادة محاطا بعشرين رجلا مسلحين بالبنادق وهو يلقي كلمة حماسية يحث فيها المسلمين على دعم "الجهاد" ضد الرئيس السوري بشار الأسد. ويعلن المتشدد القادم من منطقة الشيشان الروسية أن دولة الإسلام تقترب. ويترجم زملاء من كتيبة المتشددين الأجانب التي يقودها كلماته الروسية إلى العربية.

ويسلط شريط الفيديو الذي يظهر فيه أبو الشيشان وبث مؤخرا الضوء على الدور الذي يلعبه الآن في الحرب الأهلية السورية متشددون من شمال القوقاز المضطرب ضد حكومة تدعمها موسكو ويحميها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوة. كما يبرز المخاطر الأمنية التي قد يمثلونها لروسيا اذا عادوا إلى منطقة شمال القوقاز الروسية المضطربة القريبة من المنطقة التي تعتزم موسكو أن تستضيف فيها دورة سوتشي الأولمبية الشتوية لعام 2014 .

وقال أبو الشيشان "الجهاد يتطلب أشياء كثيرة. أولا يحتاج إلى المال. أمور كثيرة في الجهاد اليوم تعتمد على المال." وقال "ضيعنا فرصا كثيرة لكن اليوم توجد حقا فرصة لإقامة دولة إسلامية على الأرض." وأكد مقاتلون سوريون في تصريحات منفصله أنه موجود فعلا في سوريا لكن اسمه الحقيقي غير واضح. وقال المحلل ميربك فاتشاجاييف المقيم في باريس "هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها عدد كبير من الشيشان في عمليات عسكرية في الخارج" مضيفا أن هناك مزاعم أثيرت من قبل بأن الشيشان حاربوا مع طالبان في أفغانستان أو حاربوا في العراق لكن لم يظهر أي دليل حاسم على ذلك.

ويقول جنود سوريون ومحللون إن هناك عشرات وربما 100 مقاتل في سوريا من شمال القوقاز وهي منطقة روسية تشهد أعمال عنف يومية يقوم بها متشددون لإقامة دولة إسلامية. ويقول محللون إن كثيرا من المتشددين الذين يحاربون قوات الاسد هم طلاب درسوا في معاهد دينية خارج روسيا وهناك آخرون اكتسبوا مهارة ودراية بالقتال في حربين انفصاليتين في الشيشان دارت الاولى بين عامي 1994 و1996 والثانية بين عامي 1999 و2000 .

وقال مصدر من الجماعات المسلحة في سوريا "هم مهمون للغاية يقودون القتال في بعض المناطق وبعضهم قادة كتائب. هم مقاتلون مخضرمون ويقاتلون بدافع العقيدة ولذلك هم لا يريدون شيئا في المقابل." وقال مصدر في المعارضة السورية إن الشيشان هم ثاني أكبر قوة من الأجانب بعد الليبيين الذين انضموا بعد الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وقتله.

وقال المصدر إن 17 مقاتلا من شمال القوقاز قتلوا في القتال الذي دار خارج حلب الشهر الماضي. وشارك مقاتلون أجانب أيضا في حرب الشيشان الأولى في منتصف التسعينات. وقال فاتشاجاييف "روسيا ستراقب بحرص إلى أين يذهبون كي تتأكد من أنهم لا يعودون إلى روسيا وأنهم لن ينجحوا في العودة إلى الشيشان." ووجود مقاتلين أجانب في سوريا كثيرين منهم يتبنون تفسيرا متشددا للإسلام أزعج كثيرين في سوريا يرون ان القتال هو حرب علمانية للإطاحة بالأسد.

على صعيد متصل وفي بلدة صغيرة في شرق سوريا أزال متشددون إسلاميون تماثيل عرض الملابس العارية التي يرونها مثيرة جنسيا من المتاجر. كما منع أعضاء جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة النساء من ارتداء السراويل (البنطلونات) مفضلين على ذلك ارتداء لباس فضفاض أسود لا يحدد الجسد ويغطيه من الرأس الى القدم.

وتعطي البلدة التي يبلغ عدد سكانها 54 الف نسمة والمطلة على نهر الفرات لمحة عما يمكن أن تكون عليه الحياة اذا سيطر المعارضون الاسلاميون على مناطق مهمة في سوريا. ومن بين مئات من وحدات المجاميع المسلحة تعتبر جبهة النصرة الاكثر فاعلية. وحقق مقاتلوها الذين يسعون للاستشهاد في المعارك انتصارات في هجمات ضد العديد من القواعد العسكرية في انحاء البلاد.

والآن قسمت جبهة النصرة والجيش السوري الحر وميليشيا محلية وجماعات قبلية البلدة الى مناطق نفوذ. ويقول سكان انه يوجد نحو ثمانية الاف رجل مسلح إجمالا في البلدة. ويقوم مسلحون أطلقوا لحاهم بحراسة الشوارع وفرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية. وأزيلت الخمور من المتاجر. وتقدم جبهة النصرة تعليما دينيا يوميا لاطفال البلدة الذين يحصلون على أرغفة خبز مجانية اذا حضروا الدروس.

وقال فتى يحضر هذه الدروس ان التلاميذ يتعلمون كيف يصلون ويتلقون دروسا بشأن دور المرأة وتعدد الزوجات والجهاد ضد "نظام الأسد العلوي". وتحولت الاحداث في سوريا الى حرب أهلية حيث تطورت احتجاجات الشوارع التي بدأت سلمية في مارس اذار 2011 الى احتجاجات عنيفة. وقتل أكثر من 60 الف شخص منذ بدء الصراع.

وبعد نحو عامين بدأ يتخذ صبغة طائفية. ويقول الاسد ان الانتفاضة مؤامرة ارهابية مدعومة من الخارج ويلقي باللوم على الغرب والدول الخليجية العربية. ويمثل مقاتلو جبهة النصرة تهديدا لمن يرغبون في الديمقراطية في سوريا. وبدلا من ذلك فهم يتصورون قيام الخلافة الإسلامية وفرض الشريعة الإسلامية وفق رؤيتهم. ويجبرون المتاجر على اغلاق ابوابها وقت الصلاة ويوجه الناس في الشوارع الى المساجد للصلاة عند كل آذان.

ويحاول السكان الليبراليون مواصلة حياتهم المعتادة لكنهم يشعرون بالتأثير اليومي للتطبيق الصارم لأحكام الشريعة. وقام كثيرون منهم بتخزين مشروب العرق المستخلص من العنب عندما علموا ان مقاتلي جبهة النصرة يغلقون المتاجر. ويمكن شراء زجاجة العرق حاليا في بلدة الميادين بخمسة أمثال سعرها في دمشق لكن هذه المعاملة بجب أن تتم في السر.

وأظهرت جبهة النصرة ذكاء حادا. وسيطر مقاتلوها على حقل "الورد" للنفط والغاز القريب وتوجهوا مباشرة الى صوامع الحبوب. وباتوا يسيطرون على الموارد التي تمنحهم القوة. وفي شوارع الميادين يمكن شراء الوقود بأسعار مرتفعة وتقبل الجبهة التعامل مع الاعداء اذا كان ذلك يعني الحصول على مكاسب نقدية إضافية.

وقال سكان الميادين ان جبهة النصرة تنقل النفط الخام في صهاريج ضخمة الى دير الزور التي تبعد 45 كيلومترا الى الشمال حيث مازال للحكومة وجود. وهناك نقص في الخبز والمياه ولا توجد خدمات هاتفية أو انترنت وأغلقت المدارس. ويأكل الناس الأعشاب من نهر الفرات والبعض يسافر الى دير الزور لشراء الطعام مخاطر بالتعرض للاعتقال أو الموت وهم يعبرون خطوط العدو.

وقال أبو محمود وهو عامل عمره 55 عاما انه يخشى انجذاب اولاده للانضمام لهذه الجماعة. وقال "لا نخرج من البيت إلا للضرورة القصوى. ارسلت اطفالي الصغار الى قريب لي في الحسكة لانني لا اريد ان يتم تسليحهم" مشيرا المدينة الشمالية القريبة من الحدود مع تركيا. ويأمل آخرون ان يمنع النظام القبلي في شرق البلاد الصحراوي سيطرة الاسلاميين على المنطقة. وقال عماد (22 عاما) وهو يدرس الهندسة "لا أعتقد ان الجبهة ستكون قادرة على عمل ما تريد. لدينا تقاليدنا وقبائلنا لن تسمح لهم بذلك."

لكن الكثير من السكان نظموا مظاهرات ضد جماعات المعارضة بما فيها جبهة النصرة التي يرون ان اعضاءها لصوص. وفي انحاء البلاد استولى المعارضون على مدارس والمستشفيات لاستخدامها كقواعد والاستيلاء على الإمدادات الطبية والمعدات لحربهم. وقال يامن وهو طالب عمره 20 عاما يدرس الرياضيات "الحكومة تخلت عنا ولا يوجد شيء هنا. لا حياة ولا خدمات. الوضع السيء سيجعل كل شبابنا ينضم الى الجبهة."

وأضاف "يريدون محاربة النظام ويرون أن جبهة النصرة الحل الاخير لسوريا." ويشعر كثيرون باليأس. وقالت فادية وهي زوجة عمرها 22 عاما "فقدنا مدينتنا وأطفالنا والان سنخسر مستقبلنا." واضافت "لا يوجد شيء هنا. انني أكره كل الاطراف .. النظام والمعارضة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة لانه لا أحد منهم يهتم بالمدنيين."

وظهرت جبهة النصرة ان لديها تسليح أفضل من جماعات أخرى. ومنذ أكتوبر تشرين الاول نفذت جبهة النصرة التي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية ثلاثة تفجيرات انتحارية كبيرة على الأقل في درعا وهاجمت ناديا للضباط ومقر إقامة المحافظ ونقطة تفتيش تابعة للجيش في وسط المدينة. من جانب أخر قال الأمير تركي الفيصل وهو مدير سابق للمخابرات وأخو وزير الخارجية السعودي ان ما يحتاجه المقاتلون هو اسلحة متطورة تسقط الطائرات وتضرب الدبابات من بعد. وتدعم المملكة العربية السعودية وقطر قوات المعارضة السورية منذ فترة طويلة وتدعو إلى تسلحيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آذار/2013 - 1/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م