البحرين... نظام ومواطن حقوق

انتفاضة متوهجة

 

شبكة النبأ: انتهاك ملف حقوق الإنسان ومصادرة الحريات واستخدام أساليب العنف والقسوة أصبح اليوم من أهم سمات التي تميز السلطات الحاكمة في البحرين، التي تجاوزت بذلك كل الأحكام والمواثيق الدولية المنصوص عليها، وعلى الرغم من التنديد الدولي للعديد منظمات الحقوقية والإنسانية لاتزال قواتها الأمنية تواصل انتهاكاتها اليومية ضد المتظاهرين العزل في سبيل إبعادهم عن مطالبهم المشروعة، هذا بالإضافة الى تخليها المستمر عن جميع التزاماتها وتعهداتها المعلنة والتي تقضي بإيجاد حلول سريعة لأجل تنفيذ تلك المطالب بل انها وبحسب بعض المراقبين قد عمدت الى توسيع أعمال القتل والقمع والاعتقال بين صفوف المواطنين هذا مع تشديد العقوبات ضدهم. وفي هذا الشأن تسلمت عائلة الشهيد محمود عيسى الجزيري (22 عاماً) جثمان إبنها بعد 12 يوماً من حادثة إستشهاده إثر تعرضه لطلق مباشر من قبل قوات النظام في منطقة النبي صالح. وشيعت حشود غفيرة جثمان الشهيد إلى مثواه الأخير إذ لم تغلق قوات النظام البحريني الطريق الوحيد المؤدي للجزيرة.

و كانت العائلة تنوي تشييع ابنها في قرية الديه ودفنه في جزيرة النبيه صالح، في حين أصرت وزارة الداخلية على إجراء مراسم التشييع والدفن في الجزيرة. وأظهرت صور للشهيد أثناء تغسيلة، حجم الإصابة التي تعرض لها، إذ توفي متأثراً بإصابته بطلق غازي في رأسه أثناء مشاركته في فعالية احتجاجية.

الى جانب ذلك حكمت محكمة في المنامة بالسجن 15 عاما على معارض بحريني متهم بالضلوع في هجوم بواسطة قنابل على عناصر من الشرطة في احدى القرى الشيعية، وفق ما افاد مصدر قضائي. وقال المصدر كما نقلت عنه وكالة الانباء البحرينية الرسمية ان المتهم دين ب"حيازة وصنع مفرقعات تنفيذا لغرض إرهابي والشروع بقتل أفراد من قوات حفظ النظام وإشعال حريق من شأنه تعريض حياة الناس وأموالهم للخطر".

واضاف المصدر ان المتهم واخرين "اعدوا كمينا لاستهداف رجال الامن وقاموا بزرع عبوة متفجرة بالقرب من مركز شرطة سترة وبعد اقتراب رجال الشرطة قاموا بتفجير هذه العبوة عن بعد قاصدين قتلهم، وادى الانفجار الي إصابة احد أفراد الأمن بإصابات يتخلف عنها في الغالب عاهة مستديمة وأيضا إصابة لرجل أمن آخر". وتشهد البحرين منذ ربيع 2011 حركة معارضة يقودها الشيعة الذين يطالبون بنظام ملكي دستوري حيث يشكلون الاكثرية. وافاد الاتحاد الدولي لحقوق الانسان عن مقتل 80 شخصا على الاقل منذ بدء الاحتجاجات في البحرين.

في السياق ذاته قررت محكمة بحرينية حبس الناشطة الداعمة للديمقراطية بالبحرين زينب الخواجة لمدة ثلاثة أشهر، فيما يعتبر نقضا للحكم السابق ببراءتها. وقالت وكالة الأنباء الرسمية إنها أدينت بتهمة "التعدي بالسب والإهانة على موظف عام." وحكم عليها بالسجن لشهر وشهرين آخرين في قضايا مماثلة في وقت سابق.

وفي واحدة من اتهاماتها السابقة أدينت زينب باختراق منطقة محظورة وهو دوار اللؤلؤة الذي كان مركز انطلاق الاحتجاجات السياسية في 2011، فيما دفع محاميها بأن السلطات لم تعلن بأن هذه المنطقة محظورة. والاتهام الأخر لها كان تدمير ممتلكات عامة في قسم الشرطة، وأكد محاميها أنها قامت بتمزيق صورة الملك المعلقة على جدار القسم. ويعد والدها عبد الله الخواجة واحدا من ثمان شخصيات ناشطة ومعارضة حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم.

ويأتي حكم محكمة الاستئناف بعد يوم واحد من تصريح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أدان " التحرشات المتواصلة والأحكام بالسجن على المنادين بالديمقراطية والمعارضين لنظام الحكم في البحرين." وأشار البيان أيضا إلى الافتقار إلى المحاكمة العادلة والمضمونة التي خضع لها عبدالله الخواجة من بين 13 ناشطا آخرين.

من جانب اخر قالت هيومن رايتس ووتش إن حُكام البحرين لم يحرزوا تقدماً فيما يتعلق بوعود الإصلاح الرئيسية، وفشلوا في إطلاق سراح النًشطاء السياسيين المحبوسين بغير وجه حق، أو محاسبة المسؤولين رفيعي المستوى المتسببين في أعمال التعذيب. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع قانون الجمعيات الذي تبنته الحكومة قوض من الحقوق القليلة التي تتمتع بها الجمعيات الأهلية المُستقلة في ظل القانون الحالي. توصلت هيومن رايتس ووتش لهذه التقييمات بعد لقاءات مع كبار المسؤولين، ومع السُجناء السياسيين.

وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش:"كل ما يُقال عن الحوار الوطني والإصلاح ليس له قيمة طالمااستمر حبس أبرز النُشطاء السياسيين والحقوقين في البلاد دون وجه حق، وفي نفس الوقت يظل المسؤولون عن التعذيب والقتل في مناصبهم. إن الحد الأدنى لما ينبغي للمرء أن يتوقعه بعد الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها قوات الأمن ، هو اعتراف كبار القادة بقوات الأمن، بمن فيهم وزراء الداخلية والدفاع، بالمسؤولية عن إخفاقات قواتهم وهي الإخفاقات الذي اعترفوا بها وسيحاسبون المتسببين فيها".

في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، توصلت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي تتألف من خبراء دوليين عينهم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى أن قوات الأمن البحرينية قد عملت وفق ثقافة الإفلات من العقاب، وأن الانتهاكات لم تكن لتحدث دون علم القيادات العليا في هيكل القيادة لقوات الأمن.

وتوصلت هيومن رايتس ووتش، بناء على مناقشات مع المسؤولين، إلى أن السلطات لم تحقق أي تقدم في التحقيقات مع كبار المسؤولين ومحاكمتهم على أسوأ الانتهاكات التي تم ارتكابها أثناء احتجاجات عام 2011. لقد تسببت هذه الانتهاكات في مقتل الكثير من المُحتجين والمارة، وإصابة المئات بإصابات خطيرة، والقبض على الآلاف، بالإضافة إلى أكثر من 300 إدعاء رسمي بالتعذيب وسوء المُعاملة.

لقد أخبر المُدعي العام ورئيس وحدة التحقيق الخاصة هيومن رايتس ووتش أن التحقيقات حول المتسبب في فشل قوات الأمن سوف تنتهي بحلول صيف عام 2013. لكنهم لم يوفروا معلومات عن التقدم في سير التحقيقات، أو بشأن أي من المسؤولين الذين يتم التحقيق فيما قاموا به، أو رُتبهم. حيث أُدين أربعة فقط من الضباط ذوي الرُتب الصغيرة، وضابط برتبة مُلازم أول بتهمة قتل إثنين من المُتظاهرين، وإصابة ثالث إصابات خطيرة.

كما أخبر اللواء طارق حسن هيومن رايتس ووتش أن قيادات وزارة الداخلية أدركت أنها ارتكبت "أخطاء جسيمة" في تعاملها مع المظاهرات الحاشدة ومع ذلك، قال الشيخ خالد، وزير الداخلية، إن التحقيقات الداخلية توصلت إلى أن الأخطاء اقتصرت على ضباط الشرطة حتى قائد الكتيبة. وقال أيضاً إن التحقيقات الداخلية لم تلق باللوم على رُتب أعلى، ولم يتم تويخ أونقل، أوتخفيض رتبة، أووقف أوإنهاء خدمة أي من القادة أو كبار المسؤوليين.

كما أكد أن الوزارة لا تتبع سياسة الوقف عن العمل أوخفض الرُتب بالنسبة لضباط الشرطة الذين يواجهون تُهماً جنائية، بما في ذلك الإفراط في استخدام القوة، أوالتعذيب، أوالقتل الخطأ، رغم أن هيومن رايتس ووتش أشارت إلى أن السلطات قد احتجزت ضابطين، حسب التقارير، لصلتهما بإطلاق نار أفضى إلى الموت في 14 فبراير/شباط، 2013.

كما قالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "من غير المعقول أن نفس المسؤولين الذين كانوا في موضع المسؤولية أثناء الأعمال التي لم يسبق لها مثيل من إطلاق النار، والضرب، والقتل، والتعذيب ضد مئات من المواطنين البحرينيين، لم يتوصلوا لوقوع أي مخالفات من جانب كبار المسؤولين. كيف يمكن لأي مواطن بحريني أن يصدق الوعود بإصلاح الشرطة، إذا كان المسؤولون عن الإخفاقات الخطيرة للشرطة مستمرين في وضع السياسات، ولديهم القدرة على توجيه سير التحقيقات لصالحهم".

قالت هيومن رايتس ووتش إنه على الملك حمد أن يصدر عفواً عن كافة الأحكام الجنائية على جميع من أيدت محمكة النقض العقوبات الصادرة بحقهم. وقالت سارة ليا ويتسن: "لا يمكن الادعاء بأن هناك عدالة في البحرين، طالما بقي هؤلاء الرجال في السجن دون وجه حق. ويجب أن يتصرف الملك حمد بشكل عاجل من أجل الإفراج عنهم، إذا كان لدى السلطات أي رغبة في إشاعة أي شعور بالعدالة بين الغالبية العُظمى من السُكان".

وقد أثارت هيومن رايتس ووتش مع المسؤولين قلقها بشأن التقارير حول الاستخدام المستمر بشكل مُفرط وغير قانوني لقنابل الغاز المُثير للدموع. التي يعزو إليها نُشطاء المعارضة البحرينية مقتل 16 شخصاً على الأقل. واطلعت هيومن رايتس ووتش على مقطع فيديو يُظهر قوات الأمن وهي تُطلق ما يبدو أنه قنابل غاز مسيل للدموع بشكل عشوائي. وتقول مُنظمات حقوق الإنسان البحرينية إن قوات الأمن قد نفذت هجمات ضخمة بالقنابل المسيلة للدموع داخل الأحياء والقرى الشيعية، عقاباً لها على المُظاهرات المناوئة للحكومة التي اندلعت هُناك.

الى جانب ذلك تناقلت وسائل إعلام خليجية أنباء عن خلافات داخل الأسرة الحاكمة في البحرين واستياء أبداه عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة أعقبه فتح تحقيق في شكوى تقدم بها وزير الديوان الملكي خالد آل خليفة اتهم فيها ديوان ولي العهد بتزويد صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بمعلومات عن صراع محتدم داخل الأسرة الحاكمة على خلفية التوتر الذي تعيشه البلاد.

وقالت "وول ستريت جورنال"، نقلا عن شخصيات من داخل القصر الملكي قابلتهم الصحيفة، إن الصراع محتدم داخل الأسرة الحاكمة بين فرعين: جناح أول يمثله الملك وولي عهده وجناح ثان يمثله فرع "الخوالد" الذين تم تهميشهم لفترة طويلة وتقوم قاعدة سلطتهم على الخط المتشدد في الحركة الإسلامية السنية. وذكرت الصحيفة أن "الخوالد" تمكنوا خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على مؤسسات هامة داخل الدولة منها الأمن والمخابرات والقضاء.. وباتوا يشغلون مواقع حساسة في محيط الملك حمد.

وتجسد الخلاف بين الجناحين في التعامل مع التوترات التي عاشتها البلاد خلال السنتين الماضيتين، حيث أنه في الوقت الذي تسعى فية بعض الاطراف إلى دعم الحوار ، اختار جناح الخوالد مقاربة احتجاجات الشيعة باعتبارها مشاكل أمنية تتم تسويتها بوحدات الشرطة والأمن. وقد يعكس استمرار مواجهات الشارع والفشل المتوالي لجولات الحوار بين الملك والمعارضة النفوذ المتصاعد للخوالد داخل الدولة يقابله توجه من المعارضة الشيعية نحو التصلب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آذار/2013 - 1/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م