اليمن... ثورة تحتضر

شعب يعاني بسبب فلول النظام السابق وهيمنة القاعدة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بعد مرور عام على انتقال السلطة للرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي، مازالت التهديدات الأمنية والصراعات السياسية والكوارث الإنسانية تلوح في الأفق، مما أتاح أرضا خصبة لانتكاسات جديدة على المستويات كافة.

إذ انه على الرغم من التطورات الايجابية التي حققتها الحكومة الجديدة على صعيد الحياة السياسية، الا ان هذه الدولة الربيعية العربية تعاني من مشاكل عديدة، أبرزها شيوع الفوضى وانعدام الأمن بسبب انقسام قادتها الجدد والصراع الدائم مع القاعدة، التي استغلت ضعف السلطات المركزية في اليمن والاحتجاجات ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 2011، لتعزيز نفوذها في مناطق عدة من البلاد وخصوصا في الجنوب والشرق.

إذ يشهد اليمن تصاعد أعمال العنف مع القاعدة في ظل الانقسامات الداخلية السياسية التي أدت الى هشاشة الدولة سياسيا وامنيا واقتصاديا، الذي يهدد توحد شطرا اليمن الشمالي والجنوبي وثير مخاوف إيقاد الحرب الأهلية.

في حين يرى معظم المحللين ان مؤيدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح يشكلون ابرز المعوقات التي تغذي الصراع السياسي، بفضل سيطرتهم على الجيش وقطاع الأعمال والاقتصاد، إذ يحاولون إفساد العملية السياسية بدعم من بعض الجهات الإقليمية والخارجية،  لكن الحكم الجديد يسعى لإعادة النظام إلى اليمن من خلال إعادة هيكلة الجيش وتقليص سلطات حلفاء الرئيس السابق.

لكن على الرغم من الاطاحة بحكم صالح وانتخاب حكم جديد للبلاد، مازال يتمتع الرئيس المخلوع بنفوذ كبير من خلال سيطرته على حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك في الائتلاف الحاكم، ومن خلال اقاربه الأقوياء الذين يقودون وحدات عسكرية وأمنية خاصة، وهذا ما يزيد من هشاشة الدولة الجديدة ويفاقم من انهيارها سياسيا وامنيا.

فيما يرى محللون آخرون ان عودة الهدوء الحذر إلى شوارع مدن الجنوب اليمني وخاصة العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن، بعد نجاح الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي في التوصل إلى اتفاق ومصالحة مع القيادات الجنوبية في مدينة عدن التي كانت ترفض الدخول في الحوار الوطني.

لن يدوم طويلا بسبب فقدان الثقة بين الخصوم السياسيين، فضلا عن غياب المعالجات الناجعة والحلول الوسطية ولغة الحوار بين الكيانات السياسية، ستؤدي هذه الامور الى انهيار الدولة وهي في مرحلة البناء، والبناء الديمقراطي بالأخص.

بينما يرى اغلب المراقبين ان اليمن اليوم بحاجة الى أيديولوجيا سياسية جديدة توحد جميع الكيانات، كي تنفض عن كاهلها تركة خلفها حكم صالح الذي دام لأكثر من 30 عاما، وكذلك لكي تستوعب ما ترتب على التغيير السياسي في المدةالأخيرة.

في سياق متصل رفض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عرضا "للصلح" مع القاعدة قدمته مجموعة من العلماء وشيوخ القبائل، مشددا على شرط تخلي التنظيم عن سلاحه مسبقا، بحسبما افاد مسؤول امني، وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه ان "الرئيس يصر على ان يتخلى عناصر القاعدة عن اسلحتهم ويعلنوا توبتهم وتخليهم عن الفكر المتطرف".

ويتزامن ذلك مع مقتل 12 عنصرا من اللجان الشعبية الموالية للجيش في انفجار سيارة مفخخة استهدفت مقرا لهذه اللجان في مدينة لودر بمحافظة ابين في جنوب اليمن، ووجهت اصابع الاتهام الى تنظيم القاعدة بالمسؤولية عن هذا التفجير، وتواصل القوات اليمنية مطاردة انصار القاعدة، فيما تنفذ طائرات اميركية من دون طيار غارات على اهداف للقاعدة في اليمن.

على الصعيد نفسه دعت "اللجنة التنظيمية للثورة الشعبية" في اليمن لـ"مظاهرة مليونية" في العاصمة صنعاء للمطالبة بمحاكمة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونزع الحصانة الممنوحة له بموجب المبادرة الخليجية.

وطالب بيان للجنة التنظيمية بتطبيق عقوبات دولية ضد صالح باعتباره معيقا للمرحلة الاننقالية، وفقا لبيان مجلس الأمن الدولي الأخير، وتأتي هذه المظاهرات بعد يوم واحد من مظاهرات لأنصار حزب المؤتمر الشعبي ألقى فيها صالح خطابا هاجم فيه الانتفاضة الشعبية التي أطاحت به ووصفها بأنها تقليد لدول أخرى.

وكان حزب المؤتمر الشعبي في اليمن قد سيّر مظاهرة لعشرات الآلاف من أتباعه في ميدان السبعين بصنعاء، بعد حشدهم من كافة محافظات البلاد، وهاجم صالح في خطابه خصومه السياسيين والانتفاضة الشعبية ضده، التي اعتبرها تقليدا لدول أخرى، كما وجه انتقادات لنائبه السابق علي سالم البيض، واتهم الحراك الجنوبي بتلقي الدعم من إيران، وجدد رفضه لدعوات انفصال الجنوب مكررا "لا للانفصال".

ورفع أنصار صالح المشاركون في مظاهرة لافتات كتب عليها "نعم لسادس الخلفاء الراشدين علي عبد الله صالح".

ووجه سياسيون يمنيون اتهامات لأنصار النظام السابق بتوظيف مؤسسات الدولة التي لا يزالون يسيطرون عليها لحشد أنصار حزب المؤتمر عبر استخدام نفوذ المحافظين ومديري المديريات ومسئولي السلطة المحلية من أنصار الحزب وتوزيع الأموال على المشاركين في حشود اليوم وفقا لخصوم صالح.

لكن أنصاره ينفون تلك الاتهامات ويؤكدون أن شعبية صالح لا تزال واسعة في البلاد واعتبرت أطراف يمنية حشود أنصار صالح محاولة لتلافي المضاعفات السلبية التي لحقت بصالح وحزب المؤتمر من تسميته كمعرقل للمرحلة الانتقالية في البلاد في بيان مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن اليمن.

واعتبرت اللجنة الأمنية العليا وأحزاب سياسية تلك الحشود تصعيدا مخالفا للمبادرة الخليجية ومحاولة لاختلاق عراقيل جديدة أمام مؤتمر الحوار الوطني المقرر انطلاقه في الثامن عشر من مارس/آذار المقبل، ويتهم خصوم صالح الحوثيين بالتحالف معه ضمن ما يسمونه بـ"الثورة المضادة"، وقالوا إن الحوثيين شاركوا في مظاهرة ميدان السبعين، لكن الحوثيين نفوا تلك المعلومات واعتبروها محاولة لتشويه ما وصفوه بـ"النضال الثوري الحوثي".

الى ذلك أصدر الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادى، في مبادرة لحسن النوايا تعليمات فورية بالإفراج عن ناشطين بالحراك الجنوبي وشخصيات حزبية، وتأتي عملية الإفراج عن المحتجزين من الحراك الجنوبي بناء على تعليمات من الرئيس هادي، في مبادرة منه لوقف أعمال العنف التي قام بها مسلحي الحراك الجنوبي، ولإنهاء حالة التوتر بمدن الجنوب بعد مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين إثر مصادمات بين قوات الأمن ومسلحين من الحراك.

وقال مصدر يمني مسئول أنه في إطار التهدئة، وافق هادي من حيث المبدأ على مقترح بتدشين الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني المقرر انعقاده في الثامن عشر من الشهر الحالي، في العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن.

من جهة أخرى قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن اليمن أعدم 15 حدثا على الأقل من الشبان والفتيات جميعهم تحت سن 18 عاما بتهمة ارتكاب جرائم خلال السنوات الخمس الماضية وحثت المنظمة الحكومة اليمنية على وقف هذه الاعدام.

ودعت المنظمة التي تعني بحقوق الانسان ومقرها نيويورك الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى إلغاء أحكام أعدام صادرة بحق ثلاثة أحداث استنفذت طلبات الطعون الخاصة بهم، وقالت بريانكا موتابارثي الباحثة في حقوق الأطفال بالمنظمة "وضع المذنبين من الأطفال في مواجهة فرق إطلاق النار ليس هو الطريقة التي يظهر بها اليمن أنه يحترم حقوق الإنسان."

وذكرت هيومن رايتس ووتش أن مذنبين آخرين كثيرين من الأحداث أجرت مقابلات معهم قالوا إنهم تعرضوا لتهديدات وانتهاك جسدي وتعذيب أثناء الاحتجاز وقالوا إن هذا دفعهم إلى تقديم اعترافات كاذبة.

وذكرت حورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان في اليمن إن القانون اليمني يحظر إعدام من هم أقل من 18 عاما لكن كثيرين لا يملكون شهادات ميلاد لاثبات عمرهم.

وقالت الوزيرة  ردا على سؤال بشأن تقرير المنظمة إن المشاكل تطرأ أثناء الاجراءات والمحاكمات حيث يعامل الأحداث على أنهم بالغون يتحملون المسؤولية كاملة.

وأضافت أنه عندما تصدر الأحكام وتتدخل وزارة حقوق الإنسان فإن القضاء يعتبر ما تفعله تدخلا من السلطة التنفيذية في عمله، ويحاول هادي الذي تولى السلطة قبل عام بعد احتجاجات شعبية أجبرت سابقه في المنصب علي عبد الله صالح على تسليم السلطة تأكيد سلطة الحكومة في بلد يعاني من الفوضى وانعدام القانون والفقر حتى قبل الانتفاضة السياسية.

وقال مسؤول في منظمة سياج لحماية الطفولة إن المنظمة تمكنت من وقف تنفيذ حكم الاعدام في حدث في اللحظة الأخيرة بعد الاتصال بهادي. ولم يكن القاصر محمد عبد الكريم هزاع ضمن الثلاثة التي قالت هيومن رايتس ووتش إنهم على قائمة الاعدام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آذار/2013 - 29/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م