تركيا وإسرائيل... علاقات اصابها الصدأ

 

شبكة النبأ: تطورات جديدة في أزمة العلاقات السياسية بين إسرائيل وتركيا أتت على خلفية التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والتي وصف فيها الصهيونية بأنها جريمة ضد الإنسانية، وهذه الخلافات وبحسب بعض المراقبين هي خلافات متجذره بدأت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا في عام 2002 الساعي الى رسم سياسة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تآكلا تدريجيا ومستمرا ازداد عاما بعد آخر. وفي عام 2010 تدهورت العلاقات بشكل مهم بعد اعتداء الجيش الإسرائيلي على أسطول الحرية والذي كان متجها إلى غزة، وقتل في هذا الاعتداء تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة التركية. وهز هذا الاعتداء العلاقات الإسرائيلية التركية بشدة وأدخلها في طور جديد من التوتر السياسي الشديد والخصومة المكشوفة خصوصا بعد ان امتنعت إسرائيل عن تقديم اعتذار عن قتل الأتراك .

وقد عمد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بعد هذا الحادث الى مهاجمة وانتقاد السياسة الإسرائيلية كان أخرها تصريحات إردوغان خلال "منتدى فيينا لتحالف الحضارات والذي قوبل بانتقادات عديدة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الامريكة الحليف المهم والاستراتيجي لتركيا وإسرائيل, وفي هذا الشأن قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الولايات المتحدة تعتبر أن تصريحات رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان التي شبه فيها الصهيونية بالجرائم ضد الإنسانية "مستهجنة".

والتقي كيري الذي يقوم بأول زيارة لدولة مسلمة منذ توليه المنصب مع عدد من القادة الأتراك لإجراء محادثات تهدف إلى التركيز على الصراع في سوريا والمصالح الثنائية بدءا بأمن الطاقة وانتهاء بمكافحة الإرهاب. غير أن التصريحات التي أدلى بها اردوغان في اجتماع للأمم المتحدة في فيينا ألقت بظلالها على زيارة كيري. وأدان رئيس الوزراء الإسرائيلي والبيت الابيض والأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون هذه التصريحات.

وقال كيري في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو "نحن لا نعترض عليها فقط بل ورأينا أنها مستهجنة." وأضاف أنه أثار هذه المسألة مباشرة مع داود أوغلو وسيفعل الشيء نفسه مع اردوغان. وقال كيري إن تركيا وإسرائيل حليفان رئيسيان للولايات المتحدة داعيا البلدين لاستعادة العلاقات الوطيدة بينهما. وأضاف "في ضوء التحديات الكثيرة التي تواجهها المنطقة .. من الضروري أن تجد تركيا وإسرائيل سبيلا لاتخاذ خطوات من أجل استعادة أو تنشيط التعاون التاريخي بينهما."

وتابع قوله "أعتقد أن ذلك ممكن لكن من الواضح أنه ينبغي علينا تجاوز هذا النوع من الخطاب الذي لم نشهده إلا في الآونة الأخيرة." وتحتاج واشنطن إلى كل حلفائها في وقت تتعامل فيه مع التيارات السياسية بالشرق الأوسط وتعتبر تركيا لاعبا أساسيا في دعم المعارضة السورية والتخطيط لحقبة ما بعد الرئيس بشار الأسد. لكن انهيار علاقات تركيا مع إسرائيل قوض آمال واشنطن في إمكانية أن تلعب أنقرة دور الوسيط في المنطقة.

كان اردوغان قد قال أمام منتدى تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة في فيينا "كما هو الحال مع الصهيونية ومعاداة السامية والفاشية أصبح من الضروري أن نعتبر الخوف المرضي من الإسلام (الاسلاموفوبيا) جريمة ضد الإنسانية." وقال بيان من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه "يندد بقوة بتصريح (اردوغان) بشأن الصهيونية وتشبيهها بالفاشية." ونقل عن نتنياهو قوله "هذا قول يتسم بخبث النية والزيف كنا نعتقد أن ترديد مثله صفحة انطوت من صفحات التاريخ."

وقال بنحاس جولدشميت كبير حاخامين موسكو ورئيس مؤتمر الحاخامين الأوروبيين إن انتقاد اردوغان للصهيونية يرقى لأن يكون معاداة للسامية. وأضاف جولدشميت في بيان "هذا هجوم يتسم بالجهل والكراهية على الشعب اليهودي وعلى حركة جوهرها السلام. ينزل برئيس الوزراء اردوغان إلى مستوى (الرئيس الإيراني) محمود أحمدي نجاد.. والزعماء السوفيت الذين استخدموا معاداة الصهيونية كتعبير مخفف يقصد به معاداة السامية." وتابع "لن يفوت ما تنطوي عليه هذه التصريحات من مفارقة على عائلات من قتلوا في مذبحة الأرمن وهي جريمة لم تعترف بها الحكومة التركية حتى الآن."

وأدان البيت الابيض أيضا هذه التصريحات. وقال تومي فيتور المتحدث باسم البيت الابيض في بيان "نحن نرفض وصف رئيس الوزراء اردوغان للصهيونية بأنها جريمة ضد الإنسانية وهو وصف مهين ومجاف للحقيقة. "نحن نشجع الناس بكل ما ينتمون إليه من ديانات وثقافات وأفكار على نبذ الأفعال التي تحركها الكراهية وتجاوز خلافات الزمان." وكان انتقاد اردوغان لإسرائيل في الماضي قد لقي إشادة من أنصاره المحافظين في تركيا ولكنه أثار قلقا بين حلفائه في الغرب.

وقال داود أوغلو "إذا كان لابد لنا أن نتحدث عن الأعمال العدائية فإن موقف إسرائيل وقتلها الوحشي لتسع من مواطنينا المدنيين في المياه الدولية يمكن وصفه بالعدائية" مضيفا أن تركيا دائما ما تتبنى مواقف مناهضة لمعاداة السامية. وأبلغ المؤتمر الصحفي "لا يوجد تصريح أغلى من دم إنسان... إذا كانت إسرائيل تريد سماع تصريحات إيجابية من تركيا فينبغي لها إعادة النظر في موقفها تجاهنا وتجاه الضفة الغربية."

وطالبت تركيا باعتذار رسمي عن الحادث الذي وقع عام 2010 وتعويضات لأسر الضحايا ورفع الحصار عن غزة. وعبرت إسرائيل عن "الأسف" وعرضت دفع أموال عبر ما وصفته بأنه "صندوق إنساني" يمكن من خلاله تعويض أقارب الضحايا. وقال مراسل أمريكي حضر جلسة التقاط الصور في بداية الاجتماع بين اردوغان وكيري إن الاستياء بدا واضحا على وجه رئيس الوزراء التركي عندما وصل كيري متأخرا لإجراء محادثاتهما المسائية مشيرا إلى أنه لم يتبق الكثير من الوقت. وذكر المراسل أن كيري اعتذر بدوره عن التأخير قائلا إنه عقد اجتماعا جيدا مع داود أوغلو. ورد اردوغان عبر مترجم بالقول "لا بد وأنكما تحدثتما بشأن جميع الأمور ومن ثم لم يتبق شيئا يمكن أن نتحدث عنه." وقال كيري بنبرة مازحة "نحتاج إلى تصديقك على كل شيء."

في السياق ذاته قال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون إن وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الصهيونية بأنها جريمة ضد الانسانية "جارح ومثير للشقاق" لينضم الى موجة انتقادات للتصريحات التي تهدد بتعميق الصدع بين تركيا واسرائيل. وذكر متحدث باسم بان أن الأمين العام سمع خطاب اردوغان الذي ألقاه في اجتماع للأمم المتحدة في فيينا عبر مترجم. وقال المتحدث في بيان "يعتقد الأمين العام أن من المؤسف أن هذه التصريحات الجارحة والمثيرة للشقاق ترددت خلال اجتماع عن القيادة المسؤولة."

أعربت مصادر سياسية إسرائيلية عن اعتقادها بأن أزمة العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا لن تنتهي قريبا، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن المصادر القول إن "الجانب التركي هو الذي لا يريد إنهاء هذه الأزمة"، مضيفة "حتى لو استجابت "إسرائيل" لجميع مطالب الجانب التركي بما فيها تقديم اعتذار عن قتل أتراك على ظهر السفينة مرمرة لن تكتفي تركيا".

وقال نائب وزير الخارجية السابق داني أيالون للإذاعة إن المحاولات التي قام بها خلال العام الماضي "لإيجاد صيغة تسمح بإنهاء الأزمة باءت بالفشل بسبب معارضة حكومة أنقرة لكل هذه المبادرات". وكانت تقارير إسرائيلية قد ألمحت إلى استئناف العلاقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا، وذكرت أن إسرائيل قامت بإمداد تركيا بمنظومات عسكرية متطورة. كما صرح مسئولون إسرائيليون بأن إسرائيل بعثت برسائل إلى أنقرة أعربت فيها عن رغبتها في خلق "ديناميكية أكثر إيجابية" فيما يتعلق بالعلاقات المتوترة بشدة مع تركيا بما يتيح للجانبين العمل سويا لتعزيز المصالح المشتركة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آذار/2013 - 29/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م