التطوير الحداثوي والبناء المجتمعي السليم

 

شبكة النبأ: تسعى المجتمعات الواعية الى تطوير قدراتها الذاتية على مدار الساعة، وتضع لهذا الهدف ميزانيات مالية ضخمة، فضلا عن التخطيط المسبق، والتنفيذ الدقيق للخطط الموضوعة من لدن خبراء معنيين بتطوير المجتمع وهناك أساليب كثيرة ساعدت الشعوب والدول على بلوغ هدفها، فأصبحت في قمة هرم التطور، تقود العالم علميا وتقنيا، حيث تأتي الدول بعدها في قائمة التدرّج والسعي نحو الارتقاء، ومن بين أرقى الاساليب التي لجأت اليها تلك الدول، تطوير المواهب الذاتية عبر الاشادة بها وتشجيعها وتقديم المكافآت والجوائز والشهادات التقديرية، فضلا عن الترويج الاعلامي الذي يجعل الانسان الموهوب أكثر ثقة واكثر اندفاعا لاكتشاف الجديد في مجالات البحث وسواها.

وقد كان هذا الاسلوب سائدا في العراق سابقا، ولكن للأسف أخذ مسارا حكوميا، يصطف الى جانب السلطة السياسية، وقد لاحظنا هذا (عبر الوثائق التاريخية) لدى جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم دولة العراق منذ تأسيسها في 1921، بمعنى لم يكن منهج التشجيع شائعا لصالح الانسان الموهوب بقدر ما كان يصب في تعضيد الفكر السياسي للسلطة، ولهذا كانت الجوائز والمكافآت وخطوات التشجيع غالبا ما يشوبها الريب والفساد، فتدخل المصالح والصفقات والمنافع وما الى ذلك من حالات فساد، تقتل الهدف النبيل للاطراء والتشجيع.

لذلك ينبغي أن نحذر في المرحلة الراهنة من الانزلاق في هاوية التشجيع مقابل دعم السلطة حتى لو كانت قراراتها خاطئة، لأننا في هذه الحالة سنعود الى المربع الاول، وسوف نقضي على المواهب الحقيقية التي يتم اقصاءها لانها لا تمسح اكتاف المسؤولين الحكوميين وما شابه ذلك من افعال، تنتمي الى ظاهرة التملق والتزلف المرفوضة، التي يعتمدها اصحاب المواهب الضعيفة على حساب اصحاب الكفاءات المشهود لها بالقدرة على الانتاج السليم.

ولابد أن يسعى المسؤولون ورؤساء الدوائر والمصانع والمؤسسات الانتاجية الى اسلوب التحفيز، بكل اشكاله، لما له من تأثير وفاعلية كبيرة في تطوير وتحديث الانتاج، فالمواهب والطاقات الجيدة يمكن تحريكها وتنشيطها من خلال التحفيز المتواصل، وينطبق هذا الامر على جميع المخلصين والموهوبين في دوائر الدولة والمعامل ومؤسسات التعليم والصحة وسواها، ويعطي اسلوب التشجيع والاطراء نتائجه المثمرة في الحال، لذا من الحاجة بمكان ان يصبح هذا السلوك والمنهج والمسار، حالة معتادة وسائدة في المجتمع، لأننا مجتمع يقبل على تحولات كبيرة ونمو متصاعد في مجالات الحياة كافة.

لذلك نرى أن تقوم الجهات المعنية - ليس الحكومية وحدها، بل المؤسسات والمنظمات الأهلية المعنية- بوضع خطط سليمة ودقيقة ومعمول بها في جميع انحاء العراق، تكفل قضية التكريم والتشجيع والاطراء، لكل من يخلص في عمله بجدارة واستثناء، مع مراعاة الحالات المتميزة والمتفردة في عموم المجالات، وأن يصبح هذا الاسلوب منهجا راسخا في المجال الحكومي والاهلي، والمجتمعي عموما.

قد يشوب منهج التكريم بعض المساوئ، تتمثل بالتحيز على حساب الافضل، وتفضيل المتملق على سواه حتى لو كان اقل موهبة واخلاصا، وهي ظاهرة موجودة في مجتمعنا ومؤسساتنا كافة، حيث يدخل عنصر القرابة في التفضيل تحت تبرير (الاقربون اولى بالمعروف)، وعنصر المحاباة وسواها من أسباب، ومع ذلك يجب أن يكون هذا المنهج حاضرا، مع الحرص على ان يكون نزيها، بعيدا عن الغبن، وأن يكون معيار التكريم (الابداع، الاخلاص، التجديد، التميّز)، مع رفض حالات واسباب وعناصر التحيّز رفضا قاطعا.

وبهذا يمكن للعراقيين، وهم يخوضون مرحلة التحولات - بكثير من العسر والعقبات-، أن يستفيدوا كثيرا من سياسة التشجيع والاطراء، لكي يلحقوا بالركب المتقدم، لاسيما انهم يملكون مقومات تحقيق هذا الهدف، ولكن ينبغي ان تكون هناك ضوابط وتشريعات حازمة تكفل الدقة في التفضيل والتكريم والاطراء، من اجل أن يكون هذا المنهج مسارا حقيقيا يسهم في بناء عراق يملك كل مقومات التقدم في الاقتصاد والعلم والصحة والانتاج المعرفي والمادي معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آذار/2013 - 29/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م