إسلاميو تونس... وسياسة العودة الى القمقم

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة سقطت تونس في أتون أكبر أزمة سياسية لها، منذ الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل عامين تقريبا، وذلك على خلفية اغتيال المعارض شكري بلعيد، واستقال حمادي الجبالي رئيس الوزراء من منصبه بعد ان فشل في تكوين حكومة غير حزبية.

ليأتي بعد ذلك تنصيب علي العريض وزير الداخلية ليحل محل الجبالي، الذي زاد من  تأزم الأوضاع ورفع من حالة الاحتقان السياسي بسبب الرفض الشديد من لدن المعارضة على تنصيب العريض رئيسا للوزراء، وهذا ما كشف عن فجوة عميقة بين حكام تونس الإسلاميين وبين معارضيهم الليبراليين والعلمانيين.

إذ تثير هيمنة الإسلاميين على الساحة السياسية في تونس قلق الليبراليين وكثيرا من المدينين الذين يعارضون فرض قيود سياسية أو اجتماعية، لطالما أزعجت النخبة العلمانية التي تخشى من قيام الإسلاميين بفرض رؤيتهم على الجميع، مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد.

لكن في الوقت نفسه يعتقد بعض المحللين بأن الخطوة الاخيرة من جانب حركة النهضة الإسلامية بدعوتها على انها ستتخلى عن كل الوزارات السيادية في الحكومة المقبلة ليشغلها مستقلون، ربما ستخفف من سيطرة الإسلاميين على الحكم في مهد الربيع العربي استجابة لمطالب المعارضة العلمانية .

في حين يرى أغلب المحللين أن الكثير من الإشكاليات السياسية والاقتصادية التي اندلعت في الفترة الأخيرة، تأججت بفعل تمسك الكتل السياسية وقادتها كلٌ برأيه وموقفه الذي يستند الى مصالح الكتلة او الحزب، مما أدى الى تضارب في المواقف السياسية بدرجة عالية من الانقسام، الذي يشي بأزمة حادة قد تقود البلاد الى أزمات أكثر خطورة.

لذا يرى معظم المراقبين للوضع السياسي في تونس انه بات ما بين هيمنة الإسلاميين وتنمر المعارضة، فضلا عن الاختلافات حول طبيعة الحكومة المقبلة، وبهذا ستظل صياغة الدستور متعثرة، فربما تعلن المعركة السياسية في تونس، عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب التونسي من انزلاق تونس في وحل الفوضى مجددا، وخلاصة القول يعكس هذا الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين، صراعا أوسع بشأن الهوية في البلاد التي ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.

في حين يرى معظم المحللين السياسيين إن تونس في مفترق طرق على صعيد تشكيل حكومة جديدة، ففي ظل انعدام الثقة وغياب الحلول الوسط أو تخفيف حدة الصراع بين الحكومة الإسلامية والمعارضة اللبرالية، يمكن للأزمة أن تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والحقوق وبالأخص على مسار التحول الديمقراطي، التي وضعت البلاد في حالة من عدم الاستقرار في المجالات كافة.

في سياق متصل قال راشد الغنوشي زعيم الحركة "وافقنا على تحييد كل وزارات السيادة الاربع بما فيها الداخلية التي ستتولى مقاليدها شخصية من خارج الاحزاب". وكانت النهضة تسيطر على كل تلك الوزارات في الحكومة لكن المعارضة انتقدت اداء وزارة الداخلية وقالت انها متسامحة مع عنف جماعات دينية متشددة ضد معارضين، وبتخليها عن الوزارات السيادية تستجيب النهضة لمطالب المعارضة التي تقول ان تعيين مستقلين على رأس هذه الوزارات من شأنه تهيئة مناخ جيد قبل اجراء اي انتخابات بنهاية العام الحالي.

من جهاه  قال علي العريض رئيس الوزراء التونسي الجديد إنه يأمل في تشكيل "حكومة لكل التونسيين" غير أن زعماء المعارضة سرعان ما عبروا عن استيائهم بشأن اختياره.

وواجه العريض انتقادات بقمع الاحتجاجات عندما كان وزيرا للداخلية. وتنتقد المعارضة العلمانية تساهله مع العنف خصوصا مع المتشددين السلفيين مما ساهم في تفشي العنف السياسي في البلاد وانتهى بمقتل بلعيد على يد مجهول، وبسرعة انتقدت المعارضة العلمانية في تونس تعيين العريض رئيسا للوزراء.

وقال نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري العلماني ان العريض ليس رجل وفاق وهو شخصية خلافية مضيفا انه يتحمل اخفاقات كبيرة اثناء عمله على رأس وزارة الداخلية، وقال محمود البارودي القيادي في التحالف الديمقراطي "العريض عنوان للفشل وهو يتحمل مسؤولية التسامح مع العنف ضد الحقوقيين وافساد اجتماعات المعارضة واغتيال بلعيد."

وقال زياد لخضر القيادي بالجبهة الشعبية "القرار يعمق الازمة لان العريض ترأس وزارة تتحمل مقتل بلعيد وتتحمل مسؤولية العنف الذي انتشر في البلاد"، لكن تونسيين يقولون انه أظهر صرامة كبيرة في مواجهة تنظيمات ارهابية تابعة للقاعدة.

من جانبه اعتذر حمادي الجبالي رئيس وزراء تونس المستقيل للشعب التونسي وقال انه خيب اماله داعيا التونسيين الى الوحدة والصبر حتى تنتصر الثورة وتنجح البلاد في تجاوز ازمتها السياسية.

من جهة أخرى وعلى الرغم من اعلان السلطات التونسية عن وصول التحقيق "مرحلة الايقافات" وبعد اكثر من اسبوعين على اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، لا يزال التونسيون ينتظرون معرفة تفاصيل عملية الاغتيال التي عمقت من ازمة سياسية تعيشها البلاد منذ اشهر.

وقال علي العريض وزير الداخلية والقيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، للصحافيين ان "الفرق المختصة بالوزارة تقدمت اشواطا كبيرة ووصلنا الان مرحلة الايقافات"، لكنه لم يذكر شيئا عن مشتبه بهم مفترضين او عددهم او هوياتهم، واضاف ان التحقيقات لم تتوصل بعد الى تحديد هوية "القاتل والجهة التي وراءه والاسباب والدواعي" لاغتيال بلعيد.

وامام التعتيم المضروب حول التحقيقات في اغتيال شكري بلعيد، تنتشر الشائعات والتكهنات في الصحافة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، واعرب رفاق شكري بلعيد المعارض الشرس لحركة النهضة الاسلامية، عن انشغالهم لان التحقيقات الامنية في مقتل بلعيد تجرى تحت اوامر وزير الداخلية القيادي في النهضة.

وتتهم عائلة شكري بلعيد حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي بتدبير عملية الاغتيال فيما تصف الحركة هذه الاتهامات ب"الكاذبة" و"المجانية"، وطالب المعارضة ومنظمات حقوقية دولية بتحقيق مستقل في اغتيال بلعيد.

ودعت منظمة العفو الدولية في بيان اصدرته يوم اغتيال بلعيد "السلطات التونسيةالى أن تقوم بأسرع وقت ممكن بالتحقيق الشامل والمستقل والمحايد" في مقتل بلعيد، وقالت "فقط التحقيق المستقل الكامل والشفاف من شأنه أن يساعد في تسليط الضوء على ظروف وملابسات حادثة مقتل شكري بلعيد. وثمة حاجة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى إحقاق العدالة، وإلى رؤية ذلك يتجلى بشكل عملي وملموس".

وتابعت ان "التونسيين لن يرضوا بمجرد الاكتفاء بإجراء تحقيق صوري زائف"، وذكرت المنظمة بانها اعربت في وقت سابق عن "بواعث قلق جدية حيال غياب استقلالية القضاء" في تونس.

الى ذلك استؤنفت المفاوضات في تونس بين الاحزاب السياسية لتشكيل حكومة جديدة برئاسة علي العريض وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة، وعضو حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحكومي الثلاثي.

وقال الغنوشي ان حزب "حركة وفاء" الذي يضم منشقين عن حزب المؤتمر، والممثل في المجلس التاسيسي، وكتلة (مجموعة) برلمانية تطلق على نفسها اسم "الحرية والكرامة" وتضم شخصيات يقول مراقبون انها ذات توجه اسلامي، سينضمان الى الائتلاف الحكومي.

وتصر المعارضة بالخصوص على تحييد وزارتي العدل والداخلية اللتين يتولاهما على التوالي نور الدين البحيري وعلي العريض.

ويقول مراقبون ان مهام العريض لن تكون يسيرة لان عليه التوفيق في آن واحد بين "ضغوطات" الجناح المتشدد داخل حزبه الذي يرفض التفريط في السلطة، وبين مطالب شركاء حزبه في الحكم وطلبات المعارضة العلمانية.

وعمق اغتيال شكري بلعيد الذي يوصف بانه "أشرس" معارض لحكم الاسلاميين في تونس من الازمة السياسية في تونس، وبدات هذه الازمة قبل اشهر بخلافات داخل المجلس التاسيسي المكلف بصياغة دستور الجمهورية الثانية، حول طبيعة النظام السياسي الذي يجب اعتماده مستقبلا (البرلماني أم الرئاسي ام المختلط).

في المقابل تدافع المعارضة عن نظام "مختلط" يتم فيه توزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولن يكون بالامكان الانتهاء من صياغة الدستور وتحديد تاريخ للانتخابات القادمة ما لم يتم تجاوز هذا الخلاف، بحسب مراقبين.

وقال راشد الغنوشي انه يامل ان تجرى الانتخابات في تشرين الاول/اكتوبر 2013 "بعد التوافق مع المجلس الوطني التأسيسي والاحزاب السياسية واستكمال القوانين المنظمة (للحياة السياسية)".

وقد تساءلت صحف محلية حول قدرة علي العريض على الفصل بين الدولة وضغوطات حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، وتحت عنوان "هل يستطيع العريض التحرر من قبضة الغنوشي؟" قالت جريدة المغرب اليومية "السؤال السياسي الوحيد الهام هو هل سينجح العريض حيث اخفق الجبالي في بداياته، وهو التحرر من قبضة الغنوشي؟ أو سيحكم تونس بالوكالة (عن الغنوشي)؟".

وتقول منظمات دولية ان الاسباب التي دفعت التونسييين الى الاطاحة في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مثل البطالة والفساد وغلاء المعيشة، استفحلت بعد "الثورة".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/آذار/2013 - 27/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م