إسرائيل وايران... بين قواعد الاشتباك وضبط النفس

 

شبكة النبأ: لاتزال لغة التهديد والوعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران هي اللغة المسيطرة في الخطاب الإعلامي والتصريحات التي يلقيها المسؤولين واصحاب القرار في كلا الدولتين، ومع استمرار الخلاف القائم بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي أسهم بشكل فاعل في ازدياد حدة التوتر في المنطقة يخشى الكثير من المراقبين من إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها المعلنة وشن ضربة عسكرية استباقيه ضد إيران في سبيل إضعاف قدراتها العسكرية وهي خطوة قد تقود المنطقة الى حرب كارثيه يصعب السيطرة عليها او التنبؤ بخسائرها، خصوصا وان إيران قد تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية وأصبحت تمتلك ترسانة متطورة من الأسلحة والمعدات التي قد تحول كل التوقعات وتغير الكثير من النتائج.

وتقول إسرائيل التي تسعى الى تحشيد الرأي العام الدولي وتحريك باقي الحلفاء لاتخاذ خطوات مهمة في هذا الشأن، أن إيران تماطل في سبيل كسب المزيد من الوقت وهي اليوم توشك على امتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية، وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن أجهزة الطرد المركزي الجديدة التي تقوم إيران بتركيبها لبرنامجها لتخصيب اليورانيوم قد تختصر بنسبة الثلث الفترة الزمنية التي تحتاج اليها لصنع قنبلة نووية. وبينما تستعد إيران والقوى العالمية لاستئناف محادثات تهدف إلى تخفيف نزاع أثار مخاوف من حرب جديدة في الشرق الأوسط أعلنت طهران أواخر الشهر الماضي انها تزمع تركيب الأجهزة الجديدة في وحدتها الرئيسية لتخصيب اليورانيوم.

ويؤكد هذا الإجراء تحدي إيران لمطالب دولية لأن تقلل تخصيب اليورانيوم الذي تقول طهران انه للأغراض المدنية لكنه يمكن أيضا ان يستخدم لصنع قنابل نووية. وتناول نتنياهو الموضوع في كلمة ألقاها أمام زعماء للأمريكيين اليهود قبل زيارة مزمعة للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إسرائيل. وقال نتنياهو "برنامج الاسلحة النووية لدى إيران مستمر بلا هوادة ... لقد وضعت خطا في الأمم المتحدة آخر مرة كنت هناك."

وأضاف قائلا "لم يعبروا هذا الخط لكن ما يفعلونه هو تقصير الوقت الذي يحتاجون اليه لعبور ذلك الخط والطريقة التي يفعلون بها ذلك هي وضع أجهزة جديدة للطرد المركزي أكثر سرعة تقلل الوقت بمقدار الثلث." وفي كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر أيلول حدد نتنياهو مهلة زمنية تقريبية حتى صيف 2013 قال إن إيران تحتاجها ليصبح لديها كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلة نووية واحدة.

وقال إن القوى العالمية يجب ان تمارس مزيدا من الضغوط على طهران "لصالح السلام والامن". وأضاف "يتعين تصعيد العقوبات ويجب ان يعلموا انه اذا فشلت العقوبات والدبلوماسية فانهم سيواجهون تهديدا عسكريا موثوقا به. ذلك شيء أساسي. لا شيء آخر سيحقق الهدف المطلوب."ويعتقد دبلوماسيون أن إيران ربما استأنفت تحويل كميات صغيرة مما لديها من يورانيوم عالي التخصيب كوقود لمفاعل وبالتالي تبطيء نمو المخزونات التي يمكن ان تستخدم في صنع أسلحة.

وأعلن البيت الابيض ان أوباما يزمع زيارة إسرائيل والضفة الغربية والاردن في الربيع. ولم يذكر مواعيد محددة للزيارة والتي ستكون الاولى إلى إسرائيل منذ توليه منصبه. ونقلت القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي عن مصادر لم تكشف عنها قولها ان زيارة أوباما لإسرائيل ستبدأ في 20 مارس اذار. وتكهن معلقون سياسيون إسرائيليون أن أوباما اختار زيارة إسرائيل قبل موعد مهلة الصيف التي حددها نتنياهو في الامم المتحدة لتحذيره من شن هجوم منفرد على المنشات النووية الإيرانية.

في السياق ذاته عقد البرلمان الاسرائيلي الجديد المنبثق من انتخابات 22 كانون الثاني/يناير، جلسته الاولى على خلفية "الخطر" الذي تشكله ايران نووية على اسرائيل وتوترات اقليمية متزايدة. وحذر الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز من "خطر" ايران نووية "تهدد وجودنا والسلام في العالم كله"، وذلك في كلمة خصص القسم الأكبر منها للتهديدات الإقليمية. وقال بيريز امام 120 نائبا كانوا يلوحون بشريط ازرق وابيض لوني العلم الاسرائيلي لدى افتتاح جلسة الكنيست التاسع عشر، ان "الخطر الايراني تزايد ويهدد وجودنا واستقلال الدول العربية والسلام في العالم كله". واضاف "تحكم ايران مجموعة من آيات الله بأثوابهم الدينية، ديكتاتورية مخيفة تلطخ التاريخ الفارسي وتشكل كابوسا لشعبها".

واعرب بيريز عن ثقته بحزم الولايات المتحدة حيال ايران. وقال ان "الرئيس (باراك) اوباما شكل تحالفا عريضا لمنع قيام ايران نووية. وبدأ التحالف مع الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية وقال صراحة انه لا يستبعد اي خيار. ولدى الولايات المتحدة القدرة على انهاء التهديد الايراني واعتقد ان رئيس الولايات المتحدة عازم على القيام بذلك". وقال بيريز "أوصي اعداءنا بألا يقللوا شأن قدراتنا، المعروفة والسرية".

الى جانب ذلك دعا مسؤولون اسرائيليون الى ابقاء الخيار العسكري ضد ايران مطروحا، بينما وقال الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ووزير الدفاع ايهود باراك ان التهديد بعمل عسكري حيوي للجهود من اجل كبح البرنامج النووي الايراني. وصرح بيريز "ستكون هناك محاولات اخرى للتفاوض لكن سيظل دائما في الافق خيار عسكري، لان ايران اذا اعتقدت ان الامر يقتصر على الجانبين السياسي والاقتصادي فلن تعيره اهتماما". ورفضت اسرائيل استبعاد شن ضربة عسكرية ضد ايران لمنعها من اقتناء القنبلة الذرية.

واضاف انه يتفهم رغبة واشنطن في استنفاد "كل الخيارات" قبل تنفيذ عملية عسكرية ضد ايران، لكنه اشار الى ضرورة الاستعداد لتنفيذ هجمات محددة الاهداف. وتابع باراك "اذا وقع الاسوا سيكون هناك استعداد وقدرة على تنفيذ عملية محددة الاهداف تؤخر تقدم البرنامج النووي بشكل ملحوظ وربما تقنعهم ... بان العالم مصمم على اعتراضهم".

من جهته، حذر وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر من نشوء ازمة حول البرنامج النووي الايراني "في المستقبل القريب جدا". قال انه يتوقع ان تنشا ازمة حول المسالة النووية الايرانية قريبا. وقال كيسنجر "طيلة 15 عاما، اعلنت الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي انه من غير المقبول ان تملك ايران السلاح النووي، الا ان هذا الامر يدنو شيئا فشيئا". واضاف ان "الاشخاص الذين اعطوا رايهم عليهم ان يحسموا امرهم بشان كيفية الرد او بشان عواقب عدم الرد". وتابع "برايي سنصل الى هذه النقطة في المستقبل القريب جدا". واشار كيسنجر الى ضرورة اعطاء "فرصة حقيقية" للمفاوضات مع ايران مؤكدا ان "عملا احاديا من قبل اسرائيل يجب ان يكون الحل الاخير".

واضاف انه يتوقع ان "تكون ايران بين اولويات جدول اعمال" ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، مشيرا الى ان الفشل يمكن ان يؤدي الى انتشار الاسلحة النووية في المنطقة. وحذر كينسجر قائلا "سيكون ذلك منعطفا في التاريخ البشري".

من جانب اخر قال مكتب يوكيا أمانو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه أكد للرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس ضرورة حل الخلافات مع ايران بالوسائل الدبلوماسية وليس بالحرب كما يقول قادة اسرائيليون. وذكرت الوكالة في بيان ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية كثفت "الحوار" مع طهران. والمقصود بهذا هو الجهد الذي بذلته الوكالة على مدى عام - ولم يثمر على شىء حتى الآن - للتفاوض بشان اتفاق اطاري مع ايران يسمح للوكالة التابعة للامم المتحدة باستئناف تحقيق متوقف منذ فترة طويلة بشان ابحاث تقوم بها طهران يشتبه في ان الهدف منها صنع سلاح نووي. وجاء في البيان ان المدير العام للوكالة "أوضح التزام الوكالة بالحوار وضرورة ايجاد حل للقضايا مع ايران بالسبل الدبلوماسية."

ويقول محللون إن اي تحرك عسكري فعلي ضد ايران او مجرد الاقدام على ذلك سيقضي على فرصة تعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويدفع طهران الى طرد مفتشي الوكالة المكلفين بالتأكد من مدى سلمية الأنشطة النووية الايرانية. وتقول ايران التي تنفي اتهامات اسرائيل والغرب بسعيها لتطوير قدرتها على صنع قنابل نووية ان اسرائيل هي التي يفترض انها تملك ترسانة نووية تمثل خطرا على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

وجاء في بيان الوكالة ان أمانو "شدد على أهمية اقامة مؤتمر ناجح" من أجل شرق أوسط خال من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وكان مقررا ان تبدأ محادثات بشان حظر الأسلحة النووية في المنطقة العام الماضي لكن الولايات المتحدة - التي تشارك في رعاية المؤتمر المزمع - قالت في نوفمبر تشرين الثاني إن الاجتماع لن ينعقد ولم تحدد له موعدا.

وقال مسؤولون امريكيون واسرائيليون انه لا يمكن اقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ما لم يتحقق سلام شامل بين اسرائيل والعرب ويتوقف برنامج ايران النووي. وانتقدت ايران والدول العربية قرار عدم عقد المحادثات بينما ألقت طهران باللوم على واشنطن فيما اطلقت عليه "انتكاسة خطيرة" لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية.

من جهة اخرى اعلنت وزارة الخارجية الاسرائيلية انها "فوجئت" بالاتفاق بين الارجنتين وايران على تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في هجوم على مركز يهودي في بيوينوس ايرس عام 1994. وقالت وزارة الخارجية الاسرائيلية في بيان "استقبلت اسرائيل باندهاش وخيبة أمل عميقة انباء الاتفاق بين الارجنتين وايران." واضافت قائلة "سيجري استدعاء السفير الارجنتيني في اسرائيل الي وزارة الشؤون الخارجية في القدس ليقدم تفسيرا."

وقال شمعون صامويلز مدير العلاقات الدولية بمركز سيمون ويزنتال والمقيم في باريس "تشكيل لجنة مشتركة للحقيقة مع ايران مهزلة. "انها ستطمس أثر الارهاب وتشجع رجال الدين (في ايران) على رعاية مزيد من الهجمات." وقال ايجناسيو لبكي استاذ العلوم السياسية بالجامعة الكاثوليكية في بوينس ايرس "فوائد لجنة للحقيقة ليست واضحة بالنسبة للارجنتين. اما بالنسبة لايران فهي مكسب خالص. انها لا تقدم تنازلات حقيقية وستصبح اقل عزلة."

واعلنت رئيسة الارجنتين كريستينا كيرشنر ان حكومتها توصلت الى اتفاق مع ايران بشان الاعتداء الذي استهدف مقر جمعية آميا اليهودية في بوينوس ايرس عام 1994 وخلف 85 قتيلا والذي تطالب الارجنتين طهران بتسليمها ثمانية ايرانيين متهمين بالضلوع فيه. واوضحت كيرشنر بانه تم الاتفاق على "انشاء لجنة لكشف الحقيقة تضم خمسة قضاة دوليين معروفين"، مضيفة "لا يمكن ان يحمل اي من هؤلاء القضاة جنسية اي من البلدين. انه شرط لا بد منه لاستقلال" اللجنة.

ويتهم القضاء الارجنتيني طهران بالوقوف وراء الاعتداء. وهو يطالب منذ 2006 بتسلم ثمانية مسؤولين ايرانيين بينهم وزير الدفاع الحالي احمد وحيدي والرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني لمحاكمتهم. وكانت الارجنتين وايران بداتا مفاوضات في تشرين الاول/اكتوبر الماضي في مقر الامم المتحدة في جنيف للتوصل الى اتفاق بشان الدعاوى القضائية العالقة في اطار التحقيق في هذا الاعتداء.

واثارت هذه المفاوضات انتقادات من اسرائيل والجالية اليهودية في الارجنتين التي يقدر عددها بنحو 300 الف وهي الاكبر في اميركا اللاتينية. وقال بالمور "لقد حذرنا الارجنتينيين منذ البداية بان الايرانيين سيحاولون نصب فخ لهم وعليهم الحذر". والاعتداء الذي استهدف الجمعية اليهودية سبقه قبل ذلك بعامين انفجار سيارة مفخخة امام سفارة اسرائيل في بوينوس ايرس اوقع 29 قتيلا و200 جريح ونسبته الارجنتين ايضا الى ايران.

وفي طهران اكدت وزارة الخارجية الايرانية ابرام الاتفاق ونشرت صورا لمراسم التوقيع عليه بين وزيري الخارجية الايراني علي صالحي والارجنتيني هكتور تيمرمان والتي جرت على هامش قمة افريقية في اديس ابابا. وبحسب وزارة الخارجية الايرانية فان البلدين اتفقا على "غلق الملف" عبر اللجوء الى "قضاة مستقلين لجلاء الحقيقة في هذه القضية".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/آذار/2013 - 27/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م