جرائم الإبادة الجماعية... عقوبات متأخرة وجناة لم تطلهم العدالة

 

شبكة النبأ: مصطلح الإبادة الجماعية وبحسب بعض المصادر يعرف بأنه سياسة القتل المنظم المرتكبة بحق مجموعات من الأشخاص على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي، وقد صنفت الإبادة الجماعية كـجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948 ووضعت موضع التنفيذ 1951 بعد أن صادقت عليها العديد من الدول.وحتى الآن صدقت 133 دولة علي هذه الاتفاقية بينها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى.

وبحسب بعض المتخصصين فأن التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت ولاتزال ترتكب من قبل الدول على المستويين الداخلي ضد شعوبها والخارجي ضد الشعوب الأخرى. وعلى الرغم من كثرة المجازر التي ارتكبت الا انه لم يُشر الا إلى البعض منها ولعل أشهر عمليات الإبادة التي يذكره التاريخ هي ما قام به النازيون، أثناء الحرب العالمية الثانية، من قتل لحوالي 11 مليون مدني، ولاتزال المحاكم المتخصصة في الكثير من دول العالم تتابع نشاطاتها القانونية بخصوص بعض هذه الجرائم حيث أمرت محكمة في جواتيمالا بمحاكمة الدكتاتور السابق إفرين ريوس مونت (86 عاما) بتهم الابادة وجرائم ضد الانسانية رافضة 13 إلتماسا قدمها محاموه. ووجد قاضي المحكمة أدلة كافية تربط ريوس مونت الذي حكم البلاد اثناء اكثر الفترات دموية في الحرب الاهلية التي عصفت بجواتيمالا على مدى 36 عاما بمقتل أكثر من 1700 شخص من سكان البلاد الاصليين في عملية لمحاربة التمرد في عامي 1982 و1983.

وقال القاضي ميجيل انجيل جالفيز "تم التأكد من انه توجد أدلة جدية كافية لتقديم الاطراف المعنية الي محاكمة علنية" ويتهم ممثلو الادعاء ريوس مونت الذي حكم البلاد عندما كان قائدا للجيش على مدى 17 شهرا- بأنه غض الطرف عن جنود استخدموا الاغتصاب والتعذيب والحرائق عمدا ضد متمردين يساريين واستهدفوا اناسا من سكان البلاد الاصليين في هجوم "الارض المحروقة" الذي شنه الجيش وأودى بحياة 1771 شخصا على الاقل.

وكان ريوس مونت قد صدر أمر بإحالته للمحاكمة في يناير كانون الثاني 2012 عن نفس الجرائم المتهم بها لكن فريق الدفاع عطل العملية بتقديم سلسلة إلتماسات مجادلا بأنه لم يكن له سيطرة على العمليات في ساحة القتال وانه لم تحدث قط إبادة جماعية في جواتيمالا. ويعيش الحاكم السابق قيد الاقامة الجبرية منذ اكثر من عام وغير الحزب اليميني الذي أسسه اسمه في محاولة للنأي بنفسه عن ماضيه. وأمرت المحكمة ايضا بمحاكمة خوسيه موريسيو رودريجيز رئيس المخابرات العسكرية في نظام ريوس مونت عن نفس التهم.

من جانب أخر أصدرت المحكمة الدولية المكلفة محاكمة المسؤولين المفترضين عن إبادة 1994 في رواندا حكمها على المتهم الأخير في القضية وهو الوزير السابق اوغوستين نغيرابتواري بالسجن 35 عاما. والمتهم الأخير أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا التي أنشئت بقرار من مجلس الامن الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر 1994، وكان وزيرا للتخطيط في النظام الانتقالي الحاكم أثناء الابادة.

وهو صهر فيليسيان كابوغا الذي يعتبر اشهر المتهمين التسعة أمام المحكمة لاعتباره أمين صندوق الإبادة والذي ما زال فارا. وانطلقت الإبادة العام 1994 بعد اغتيال الرئيس الرواندي من اتنية الهوتو آنذاك جوفينال هبياريمانا بإسقاط طائرته فوق كيغالي. وتؤكد الأمم المتحدة مقتل 800 ألف شخص أغلبيتهم من اتنية التوتسي بين نيسان/ابريل وتموز/يوليو بيد متطرفين هوتو. وأكدت المحكمة التي ما زال أمامها الحكم في 15 قضية استئناف قبل إنهاء أعمالها في أواخر 2014، ان نغيرابتواري "مذنب بارتكاب الإبادة والتحريض المباشر والعلني لارتكاب الإبادة والاغتصاب".

وأدين نغيرابتواري بتحريض عناصر الميليشيات من مسقط رأسه نياميومبا في محافظة غيسينيي ومساعدتهم على قتل جيرانهم من التوتسي في نيسان/ابريل 1994. وأفاد نص الحكم انه وزع الأسلحة على المسلحين وأكد انه لم يعد يريد رؤية أفراد من التوتسي في بلدته. وأكد القضاة ان هؤلاء المسلحين اغتصبوا نساء التوتسي في إطار مخطط إجرامي مشترك كان المتهم مشاركا فيه. وفر نغيرابتواري الذي نال شهادة دكتوراه في الاقتصاد من سويسرا، من رواندا في تموز/يوليو 1994. وعمل في مؤسسات أبحاث في الغابون وفرنسا قبل توقيفه في ألمانيا العام 2007 وتسليمه الى المحكمة الدولية بعد عام. وبدأت محاكمته في ايلول/سبتمبر 2009.

في السياق ذاته أصدرت محكمة لجرائم الحرب في بنجلادش حكما بالإعدام على زعيم لحزب إسلامي وهو ثالث حكم إعدام تصدره المحكمة التي تشكلت للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت خلال حرب الاستقلال. وقال محامون ورجال قضاء ان المحكمة أدانت ديلاور حسين سيدي (73 عاما) نائب رئيس حزب الجماعة الإسلامية بتهم القتل الجماعي والاغتصاب والحرق العمد والنهب وإكراه الأقلية الهندوسية على اعتناق الإسلام خلال حرب استقلال بنجلادش عام 1971

وشكلت رئيسة وزراء بنجلادش الشيخة حسينة المحكمة عام 2010 للتحقيق في انتهاكات ارتكبت خلال حرب الاستقلال التي أودت بحياة نحو ثلاثة ملايين شخص واغتصب خلالها آلاف النساء. ويقول منتقدون ان رئيسة الوزراء تستخدم المحكمة ضد خصومها في اكبر حزبين معارضين في البلاد وهما حزب بنجلادش الوطني والجماعة الإسلامية.

الى جانب ذلك أعلنت نيابة بودابست في بيان انه تم في العاصمة المجرية توقيف لازلو كساتاري (97 عاما) مجرم الحرب النازي الذي يعد أهم المطلوبين في العالم بين مجرمي ألمانيا النازية الأحياء. وكان كساتاري شغل منصب قائد الشرطة في معزل (غيتو) لليهود في مدينة كوسيسي السلوفاكية حيث تم توقيف 15700 يهودي قتل بعضهم ورحل معظمهم الى معسكر اوشفيتز للاعتقال والابادة النازي في بولندا أثناء فترة احتلال النازيين الألمان لتشيكوسلوفاكيا حينها.

وكان كساتاري يمضي ايامه في دعة منذ 17 عاما ببودابست مستخدما هويته الحقيقية وذلك بالرغم من ابلاغ مركز سايمون ويزنتال بالقدس معلومات حول ماضيه الى القضاء المجري منذ اكثر من عشرة اشهر. واستعان مخبرون في صحيفة ذي صن البريطانية بمعلومات المركز الاسرائيلي للعثور على اثر القائد السابق للشرطة وتمكنوا من مقابلته. وبحسب مقال نشر في 15 تموز/يوليو في موقع الصحيفة على الانترنت فان مجرم الحرب النازي قال للصحافيين "لم افعل شيئا ، ارحلوا من هنا" قبل ان يغلق بابه في وجوههم.

وفي نيسان/ابريل وضع مركز سايمون ويزنتال المعروف بملاحقته النازيين الالمان، كساتاري على راس لائحته لمجرمي الحرب النازيين المطلوبين في العالم. وقبل ان يعود الى بودابست كان كساتاري الذي حكم عليه بالاعدام غيابيا في 1948 بتشيكوسلوفاكيا، لاجئا في كندا بمونتريال ثم تورنتو تحت اسم مستعار حيث كان يعمل تاجر تحف فنية. وفي 1955 اكتشفت السلطات الكندية هويته الحقيقية ففر الى المجر. وقبل فراره اعترف امام محققين كنديين بانه شارك في ترحيل اليهود مؤكدا ان دوره كان "محدودا" في ذلك.

على صعيد متصل أعلنت السلطات الكمبودية انه تم الكشف عن مقبرة جماعية يعتقد انها تحتوي على رفات مئات من ضحايا الخمير الحمر في شمال غرب كمبوديا. وعثر العمال على هياكل عظمية لنحو 17 شخصا بينما كانوا يقومون بعمليات حفر لاغراض تجارية في منطقة كرالانه، بحسب ما افاد نهيم سيلا نائب قائد شرطة منطقة سيم ريب. واضاف انه تم العثور على "بعض الجماجم معصوبة العينين، بينما كانت ايدي واقدام الضحايا موثقة برباط احذية"، مضيفا انه يبدو ان اثار ضربات قوية بدت على الجماجم.

وقال انه "طبقا للسكان المحليين، فالمكان الذي عثر فيه على الهياكل العظمية كان نفس المكان الذي كان الخمير الحمر يقتلون فيه الناس يوميا خلال فترة حكمهم. واعتقد انه توجد المئات من الهياكل العظمية في القبر". وتنتشر الاف القبور الجماعية في المناطق الريفية في كمبوديا، وهي من مخلفات حكم الشيوعيين المتطرفين، الذين كان يطلق عليهم اسم الخمير الحمر وحكموا كمبوديا بالحديد والنار قبل ان تطيح بهم القوات الفيتنامية في العام 1979، لكنهم واصلوا حرب العصابات حتى سقوط آخر معقل لهم، انلونغ فينغ، في العام 1998. وفي عهدهم الذي كان يحاول تطبيق المثاليات الشيوعية، قضى في كمبوديا مليونا شخص تحت التعذيب او بسبب الانهاك وسوء التغذية.

من جهة أخرى وفيما يخص أخر الجرائم فقد قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير خاص إن قوات الأمن السريلانكية لجأت إلى الاغتصاب والتعذيب للحصول على اعترافات من انفصاليين تاميل مشتبه بهم بعد نحو أربع سنوات من انتهاء الحرب الأهلية في البلاد. ووثقت المنظمة 75 حالة لرجال ونساء أغلبهم من التاميل قالوا أنهم كانوا محبوسين في مراكز احتجاز سريلانكية وتعرضوا مرارا للاغتصاب والانتهاكات الجنسية على يد الجيش والشرطة ومسؤولي المخابرات.

وقال الضحايا الذين يعيشون الآن كطالبي لجوء وأغلبهم في بريطانيا إنهم بمجرد اعترافهم بانتمائهم لجبهة نمور تحرير تاميل ايلام كانت الانتهاكات تتوقف بصفة عامة وكان يسمح لهم بالفرار من خلال دفع رشوة قبل سفرهم للخارج. وقالت ميناكشي جانجولي مديرة شؤون جنوب آسيا في المنظمة خلال مؤتمر صحفي بنيودلهي "هؤلاء أشخاص تربطهم صلة ما بالنمور.. أجبروا على التوقيع على اعترافات وحينئذ فقط يتوقف الاغتصاب." وقالت جانجولي إن الانتهاكات الجنسية كانت فقط أحد أشكال التعذيب الذي عانى منه الناس. وتابعت "كما تعرضوا لتعذيب شديد فكانوا يحرقون بالسجائر وكانوا يعلقون رأسا على عقب."

قال سفير سريلانكا في نيودلهي إنه ليس لديه دليل على أن مزاعم الانتهاكات والتي قالت المنظمة إنها وقعت من عام 2006 إلى عام 2012 صحيحة. وأضاف السفير براساد كارياواسام إن شهادات 41 امرأة و31 رجلا وثلاثة فتية من المرجح أن تكون لمن أطلق عليهم "لاجئين اقتصاديين... يحتاجون إلى قصة مقنعة" للحصول على وضع اللجوء. وقال كارياواسام "إلى أن نجري تحقيقا ملائما.. علينا أن نعتقد أنها مجرد قصص لاستدرار العطف من أجل الحصول على وضع اللجوء السياسي أو اللجوء في بلد نام."

ومضى يقول إن التقرير "صدر في التوقيت المطلوب" لنزع المصداقية عن سريلانكا قبل اقتراع يجرى حول قرار مدعوم من الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف. وقتل عشرات الآلاف من المدنيين عام 2009 في الأشهر الأخيرة من الحرب التي بدأت عام 1983 طبقا لما قالته لجنة تابعة للأمم المتحدة عندما زحفت القوات الحكومية على المعقل الأخير للمتمردين الذين كانوا يسعون لإقامة وطن منفصل للتاميل. وقالت لجنة الأمم المتحدة إن لديها "مزاعم لها مصداقية" على أن قوات سريلانكا ونمور التاميل على حد سواء ارتكبوا فظائع وجرائم حرب وخصت بالذكر القوات الحكومية في التسبب في سقوط أغلب القتلى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آذار/2013 - 22/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م