نووي إيران... انفراجه ام تهدئة؟

 

شبكة النبأ: تظهر التطورات الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني، المتمثلة بالمحادثات النووية بين ايران والقوى العالمية الكبرى، محاولة التوصل إلى تسوية عبر التفاوض للنزاع المستمر منذ عشرة اعوام والذي اثار مخاوف من احتمال اندلاع حرب جديدة في الشرق الاوسط.

 لكن كما يبدو بأن فتح صفحة جديدة بشأن الملف النووي الإيراني يحتاج الى خطوات ملموسة وجادة بين طرفي الصراع، أما الواقع فيشير الى أن تكون خطوة المحادثات النووية مؤخرا، صورة جيدة من صور المناورات السياسية من اجل تحقيق صفقات بين الدول الكبرى من جهة وايران من جهة أخرى،  بهدف إعادة ترتيب الأوضاع بالمجال السياسي والاقتصادي.

حيث لا يعتقد اغلب المحللين بأن هذه المحادثات ستؤدي إلى انفراجة فورية خصوصا مع انشغال النخبة السياسية في الجمهورية الاسلامية بالخلافات الداخلية قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في يونيو حزيران من هذا العام، فضلا عن تراكم سلسلة  العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على ايران بسبب انشطتها النووية.

فمع تزايد المخاوف لدى القوى الكبرى من طموحاتها النووية، لا سيما بعد إيران أحرزت إيران  تقدما في بناء محطتها النووية في آراك، هذا بدوره اذكى تكهنات الغرب بأن ايران قد تستخدم ذلك ذريعة لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب وتقترب أكثر من إنتاج مواد قد تستخدم لإنتاج قنبلة نووية، في المقابل تنفي الدولة الإسلامية ان يكون لديها في الوقت الراهن اي مشروع لصنع اسلحة نووية، ومن جانب آخر انتقد ايران موقف فرنسا من حقوقها النووية.

حيث قلل بعض المراقبين من فرص حدوث انفراج فوري في المحادثات بشان برنامج ايران النووي الذي تؤكد ايران انه لاغراض سلمية بينما تقول القوى الغربية انه يهدف الى انتاج اسلحة نووية، فهناك ثلاثة عقود من انعدام الثقة وسوء الفهم بين القوى الكبرى وايران. وهذا امر جدي. وكان هناك الكثير من الكلام عن حرب. الكثير من الكلام الحاد عن حرب، بينما قدمت محادثات كازاخستان خطوة جديدة مهمة على طريق طويلة وصعبة لإيجاد حل لهذه القضية الدولية المثير للجدل.

في سياق متصل أشادت إيران بالمحادثات النووية مع القوى الكبرى لكن مسؤولين أوروبيين قالوا إنه يتعين على طهران البدء في اتخاذ خطوات ملموسة لتهدئة المخاوف المتصاعدة بشأن أنشطتها النووية.

وقال دبلوماسيون ومحللون في مدينة الما اتا في قازاخستان انه من غير المرجح تحقيق تقدم سريع لان هناك انتخابات رئاسية في ايران مقررة في يونيو حزيران مما يزيد التوترات السياسية المحلية، وعرضت الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والمانيا تخفيف بعض العقوبات مقابل تقييد ايران أكثر أنشطتها النووية حساسية لكنها أوضحت أنها لا تتوقع تحقيق انفراجة في محادثات قازاخستان وهي الاولى في ثمانية اشهر.

وفي محاولة لجعل اقتراحاتها أكثر قبولا لدى ايران خففت القوى الست فيما يبدو مطالبها السابقة الى حد ما وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بضرورة ان تنقل طهران مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب الى الخارج.

وقال كبير مفاوضيها سعيد جليلي ان القوى الست حاولت "الاقتراب من وجهة نظرنا" التي وصفها بأنها ايجابية، وفي باريس قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان المحادثات كانت "مفيدة" وان المشاركة الجادة من جانب ايران يمكن ان تؤدي الى اتفاق شامل في الصراع المستمر منذ عقد والذي ينذر باندلاع حرب جديدة في الشرق الاوسط.

وقال وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي في فيينا انه "يثق تماما" في امكانية التوصل الى اتفاق وقال كبير المفاوضين الإيرانيين انه يعتقد ان اجتماع الما اتا يمكن ان يصبح "نقطة تحول"، وقالت دينا أصفندياري من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وهي خبيرة في الشؤون الإيرانية كذلك "الجميع يقولون ان ايران كانت أكثر ايجابية وصوروا المحادثات على انها ناجحة"، وقالت "انني اعرف السبب في ذلك وهو انهم ينقذون ماء الوجه محليا مع كسب وقت مع الغرب الى ما بعد الانتخابات.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان العقوبات الاقتصادية فاشلة وحث المجتمع الدولي على تهديد ايران باجراء عسكري، وقال مسؤولون غربيون ان العرض الذي قدمته القوى الست يشمل تخفيفا في حظر التجارة في الذهب ومعادن ثمينة اخرى وتخفيف الحظر على واردات المنتجات البتروكيماوية الايرانية. ولم يذكر المسؤولون تفاصيل، وصرح مسؤول امريكي بأن العرض المقدم لطهران وهو نسخة معدلة من عرض رفضته إيران العام الماضي سيضع في الاعتبار التقدم النووي الذي أحرزته مؤخرا لكنه سيتخذ أيضا "بعض الخطوات في مجال العقوبات."

وفي غضون ذلك، قال مركز دراسات أمنية أمريكي إن المخاوف من أن امتلاك إيران لسلاح نووي قد يشعل سباق تسلح في منطقة الشرق الأوسط مبالغ فيها دافعا بأن دولا مثل السعودية لديها ما يثنيها عن امتلاك قنبلة نووية.

وتعتقد القوى الغربية أن إيران تحاول تطوير سلاح نووي تحت غطاء برنامج مدني لتوليد الكهرباء من الطاقة الذرية وهو اتهام تنفيه طهران، وتنخرط السعودية السنية أكبر مصدر للنفط في العالم في تنافس ضار مع إيران الشيعية. وترى الدول الغربية انها اكثر دول المنطقة احتمالا لان تسعى لامتلاك سلاح نووي إذا حصلت إيران عليه.

وقال محللون إن امتلاك إيران لسلاح نووي قد يدفع مصر وتركيا للسعي لذلك، ويعتقد أن إسرائيل التي لم تعلن قط امتلاكها لقدرة نووية هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المسلحة نوويا الآن في حين تملك باكستان الجارة الشرقية لإيران سلاحا نوويا.

وأعلنت الرياض كذلك خططا لبناء محطات توليد كهرباء تعمل بالطاقة النووية بطاقة 17 جيجاوات بحلول 2032 مع سعيها لخفض الاستهلاك المحلي من النفط لتوجيه المزيد منه للتصدير.

لكن تقريرا أعده مركز الامن الأمريكي الجديد يقول إنه على الرغم من وجود بعض المخاطر من أن تسعى السعودية لامتلاك سلاح نووي فإنها من المرجح بدرجة أكبر أن تعتمد على الولايات المتحدة حليفتها في حمايتها، وقال التقرير "الاعتقاد السائد خاطيء على الأرجح"، وحتى إذا كانت السعودية ترغب في الحصول على سلاح نووي فإن "عوائق كبيرة ستحول دون اندفاع الرياض لتطوير سلاح نووي."

وقال التقرير ان صعوبة وتكلفة العمل على برنامج سلاح نووي بمخالفة للقانون الدولي ورغبات الولايات المتحدة أكبر حليف للسعودية سيكون من الأسباب القوية التي تحول دون اللجوء إلى ذلك، والسعودية من الدول الموقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي. وقال بعض المحللين إن الرياض بدلا من أن تسعى لبناء قدراتها النووية الخاصة قد تشتري قنبلة نووية كاملة التصنيع من باكستان حليفتها، غير ان تقرير قال إن هذا ايضا أمر مستبعد.

وأضاف "بدلا من ذلك من المرجح أن تسعى السعودية إلى الحصول على الأحدث من دفاعاتها التقليدية الراهنة وتتبع استراتيجية تحوط نووية مدنية في حين تطلب ضمانات خارجية بالأمن النووي"، وقال التقرير إن مصر لا ترى في طموحات إيران النووية خطرا على وجودها وإن تركيا لديها بالفعل رادعا نوويا يتمثل في الضمانات الأمنية التي توفرها لها عضويتها في حلف شمال الأطلسي.

على الصعيد نفسه أظهر تقرير للأمم المتحدة أن إيران تحرز تقدما على ما يبدو في بناء مفاعل أبحاث يقول خبراء غربيون إنه قد يتيح لها طريقا ثانيا لإنتاج مواد تستخدم في إنتاج أسلحة نووية إن هي قررت هذا، وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير سري جرى توزيعه على عدد من الدول الأعضاء في وقت متأخر إن إيران أكملت تقريبا تركيب دائرة تبريد وتنظيم في محطة نووية تعمل بالماء الثقيل بالقرب من بلدة آراك.

ويقول محللون متخصصون في المجال النووي إن هذا النوع من المفاعلات قد ينتج بلوتونيوم يستخدم في إنتاج أسلحة نووية إذا أعيدت معالجة الوقود المستنفد وهو ما قالت إيران إنها لا تعتزم عمله. ونقلت الوكالة عن إيران قولها إنها "لا تقوم بأنشطة إعادة المعالجة.

وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في وقت سابق إن المحطة التي تعمل بالماء الثقيل قد تنتج حوالي تسعة كيلوجرامات من البلوتونيوم سنويا وهو ما يكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين، غير أن المعهد قال على موقعه الإلكتروني إنه "قبل أي استخدام للبلوتونيوم في سلاح نووي فإنه سيتعين أولا فصله عن أي وقود غير مشع."

وأعلنت إيران مرارا إنه لا توجد لديها خطط لإعادة معالجة الوقود المستنفد. لكن فيتزباتريك قال إن الهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان استخدمت "مفاعلات مماثلة في الحجم بنيت بزعم أنها مفاعلات أبحاث" لإنتاج بلوتونيوم يستخدم في الأسلحة.

من جهة أخرى قال دبلوماسيون إنه من المتوقع أن يكشف تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية من المقرر صدوره عن تباطؤ نمو مخزون ايران من اليورانيوم المخصب لمستوى 20 بالمئة مع استخدامها بعض المخزون في صنع وقود للمفاعلات.

ويقول محللون ودبلوماسيون إن انتخابات الرئاسة في ايران في يونيو حزيران ستجعل من الصعب على الجمهورية الإسلامية تقديم أي تنازلات للقوى العالمية في الوقت الحالي.

وصرح المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو "فيما كنا ننتظر من ايران القيام بمبادرات ملموسة تثبت ارادتها التزام منطق التعاون واحترام التعهدات، ها انها تواصل تكثيف نشاطاتها الحساسة"، وفي مطلع شباط/فبراير بدأت ايران باستبدال اجهزة الطرد في موقع نطنز باخرى حديثة بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في الوقت ذاته دعت ايران باريس الى "تبني منهج صحيح يستند الى الواقعية" بعد ان اكد وزير الدفاع الفرنسي على ضرورة منع طهران من تطوير اسلحة نووية، وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية رامين مهمانباراست في بيان نشره على موقع الوزارة على الانترنت "هناك اعتقاد خاطئ عند بعض الدول الغربية بانه اذا تمت ممارسة الضغوط على ايران فانها ستتخلى عن حقوقها الاساسية"، وقال "من الافضل للحكومة الفرنسية ان تتبنى نهجا صحيحا يستند الى الواقعية، بدلا من التصرف والتعليق بصورة غير منطقية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آذار/2013 - 22/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م