السياسة والسينما... ادوار متبادلة

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا تخلو جوائز الاوسكار في كل عام من الانشغالات السياسية التي تفرض نفسها في اغلب الاحيان على طبيعة الافلام الفائزة في هذا المهرجان الشهير.

فاز فلم (ارغو) لمخرجه وبطله بن افليك هذا العام بثلاث جوائز، في وقت يفرض فيه الحدث الايراني وملفها النووي ظلاله على السياسة الخارجية الامريكية منذ سنوات طويلة، وتصاعد في الآونة الاخيرة مع تصاعد ارتدادات ما وصف بالربيع العربي وبروز الظاهرة المذهبية والطائفية على سطح الاحداث.

فيلم "آرغو" Argo سياسي بامتياز، يتحدث عن عملية إنقاذ رهائن أمريكيين محتجزين في سفارة الولايات المتحدة في طهران أيام الثورة الإيرانية عام 1979.

وهو فيلم تشويقي لا يخلو من الدعاية السياسية لجهة تبيان براعة وكالة الاستخبارات الأمريكية. واللافت هو أن إعلان الفوز تم مباشرة من البيت الأبيض من قبَل السيدة الأمريكية الأولى ميشال أوباما، ما شكّل مفاجأة غير مسبوقة في تاريخ السينما.

تمكن الفلم من عكس إنشغال الأمريكيين بالوضع في إيران والشرق الأوسط. ومع تصاعد الخلافات الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط خلال العشرية الأخيرة، أصبحت جوائز الأوسكار تولي مزيدا من الإهتمام لهذه المنطقة، فبداية من فيلم The Hurt Locker ومرورا بفيلم A Separation ثم وصولا إلى هذا الفلم، أظهر الأمريكيون من خلال السينما إهتماما متزايدا بمنطقة الشرق الأوسط. وبالنظر من هذا الجانب نجد أن اختيار المحتوى قد أعطى للفيلم منذ البداية مستوى عاليا من الإهتمام العام وجماهيرية كبيرة.

قبل ذلك وفي العام الماضي شغلت هموم وقضايا الحرب والسياسة عددا كبيرا من أفلام مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته السادسة، والتي كشفت عن أن العلاقة التي تجمع بين الحرب والسياسة تشكل مؤرقا أساسيا لفكر صناع السينما في العالم، فمجمل هذه الأفلام تناقش الآثار التي ترتبت على حروب قامت قديما أو حديثا، والدور الذي لعبته السياسة والساسة في إشعال هذه الحروب والأحداث التي أججتها، وكذا النتائج التي ترتبت عليها مجتمعيا وإنسانيا وثقافيا.

حيث قدمت في ذلك المهرجان عددا من الافلام مثل فلم (تقاليد) لمخرجته الاسترالية كيت شورتلاند والذي وضعنا في الحرب العالمية الثانية بكل قسوتها وواقعها الصادم، الحرب بكل سوادها ووحولها رغم انتهائها، رغم مرور ستة عقود من الزمن.

وقدمت سالي المخرجة البريطانية بوتر فيلمها (جينجر وروزا) الذي تدور أحداثه في لندن عام 1962، في زمن الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية، ووقوف العالم على حافة حرب نووية تهدّد بقاء البشرية نفسها.

المخرج الإيراني مسعود بخشي في فيلمه (عائلة محترمة) فضح تأثيرات الحرب الإيرانية العراقية على المجتمع الإيراني وحالة الزيف التي اجتاحت السلطة والمجتمع في إيران أثناء الحرب وبعدها، حيث البيروقراطية الإدارية في إيران الراهنة، وشتى أشكال الفساد السياسي والمالي، والذاكرة المثقلة بويلات الحرب مع العراق، وطموحات جيل شاب وجد جميع أبواب التغيير موصدة في وجهه، ينسجها بخشي سردياً، من خلال شخصيات عائلة فسد أفرادها أو أفسدتها السلطة والحرب.

وفي (العشاء الأخير) يسقط المخرج الصيني لو شوان الأحداث التاريخية على الوضع السياسي المعاصر، حيث ندخل في صراع الاستيلاء على السلطة لنرى قضايا كونية من قبيل شهوة السلطة والتلاعب والولاء والمثالية والقدر إلى الحدّ الذي تزول فيها الحدود بين الأفكار السياسية المجردة والوقائع الحية، هذا الصراع الذي لا يعرف إلا الموت، وذلك من خلال قصة حرب ملحمية بين اثنين من سادة الحرب في الصين.

يمكن القول ان العلاقة بين السياسة وهوليوود قديمة ووثيقة، فطالما اعتمد الرؤساء الأمريكيون على نجوم هوليوود لتعبئة الرأي العام. في عهد الرئيس الأمريكي السابق روزفلت، كانت السينما محفزاً وداعماً. كذلك الأمر أيام الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتوان أشهر مخرجي هوليوود جون فورد المعروف بأفلام الوسترن، عن الدفع بالسينما للانخراط في الجيش الأمريكي كي يصوّر أفلام بروباغندا كالذي صوّره عن معركة (ميدواي) الشهيرة.

أيام الحرب الباردة لم تكن سهلة أبداً على السينما الأمريكية، إذ فرض السيناتور المحافظ جون ماكارتي جواً من الرعب والقمع، ما اضطر بعض العاملين في السينما إلى الهرب أو الاعتكاف.

الستينات حملت معها نفحة من الحرية والأفلام المعادية للسياسة الأمريكية في فيتنام مثلاً، من دون أن يخفف هذا من الترابط الوثيق بين هوليوود وواشنطن، وسرعة السينما الأمريكية بتلقف الحدث السياسي ومعالجته بالتزامن مع مجريات الأحداث.

ولدت السينما السياسية من رحم الواقعية الجديدة التي ظهرت في ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية في الافلام الاولى (لروسلليني وفيسكونتي وانتونيوني وفلليني وجيرمي و دي سانتيس ولاتوادا) وترجع البذور الاولى للسينما السياسية الى عام 1955 عندما اخرج – جيلو بونتيكورفرو - اول افلامه الروائية، وهو الفيلم المتوسط الطول – جيوفانا - الذي اسندت كل ادواره الى مجموعة من الممثلين غير المحترفين كما في بعض افلام الواقعية الجديدة.

ويعتبر عام 1958 العام الذي ولدت فيه السينما السياسية في فيلم (الطريق الازرق الطويل) او افلام (بونتيكورفو) الطويلة الذي بدأه (ايف مونتان) و (التحدي) اول افلام فرانشكو روسي. ولاشك ان هذين المخرجين الايطاليين هما من اعظم مخرجي الافلام السياسية، ففي افلامهما ثم في افلام اليوناني (كوستاجرافراس)،فيلميه الشهيرين (زد) و (الاعتراف) و السويديين (بو ويدربرج - ادالين 31 - جوهيل) و (يوهان برجنسترال (صنع في السويد و معركة البلطيق) و الايطالي (اليو بيتري - الطبقة العاملة تذهب الى الجنة) و البريطاني (بيتر واتكنز - حديقة العقاب)... وغيرهم حيث تطورت السينما السياسية وبلغت ذروة النضج.

أكثر الأفلام العالقة في ذهن عشاق السينما غالبا ما تكون سياسية أو ذات حمولة سياسية، فالنقاد السينمائيون يرون أن السينما في حد ذاتها سياسة، إذ أن الفن السابع الذي لا تغلب عليه القضية حتما يتحول إلى خطبة بلا جماليات فنية، ويبقى الأكيد أن السينما أحيانا، تستعمل كأداة لتأريخ وثائقي أو إعادة قراءة حدث سياسي من زوايا مغايرة، لم يسبق أن أثيرت من قبل، أو غير تلك التي يروج لها. إن الدور الأسمى للفن هو عرض القضايا بحياد، دون تشويه تاريخي نابع من حقد شخصي، أو بروباغاندا دعائية، تهرول نحو جني المال وكفى.

استثمرت السينما في السياسة بشكل كبير، وهناك عناوين بارزة لأفلام سياسية، وبرع فنانون في تجسيد أدوار صعبة لشخصيات سياسية معروفة، ومن أبرز هؤلاء النجوم، الأمريكية ميرلي ستريب وهي تؤدي شخصية رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، التي كانت توصف بالمرأة الحديدية في فيلم حمل هذا اللقب عام 1980. ومن أشهر الممثلات اللاتي أدين دور الملكة إليزابيث، الممثلة البريطانية هيلين ميرين، التي تظهر في الصورة أثناء أحداث فيلم «ذا كوين».

كما لعب الممثل جوش برولين دورا جديا ساهم في شهرته، في فيلم ”دبليو“ الذي أدى فيه شخصية جورج بوش الابن، وهناك أيضا الممثل الأمريكي مورجان فريمان، الذي أدى دور الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، في أحداث فيلم «إنفيكشوس» للمخرج كلينت إيستوود، بالإضافة إلى فورست ويتكر، الذي أدى شخصية الزعيم الأوغندي عايدي أمين في فيلم «ذا لاست كينج أوف سكوتلاند»، كما أدى فرانك لانجليا، دور الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في فيلم «فروست نيكسون»، وهناك ألبرت فيني أيضا الذي أدى دور رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل المعروف بسيجاره، بالإضافة إلى الممثلة ميشيل يوا، التي تؤدي دور المناضلة البورمية أونج سان سو كي، أثناء خروجها من المنزل الذي كانت مسجونة به.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آذار/2013 - 20/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م