قيم التقدم: مفهوم العمل المدني

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يجهل كثير من المعنيين، قادة أو مسؤولين في الدولة والمجتمع، القيمة الكبيرة للعمل المدني، وبعضهم يجهل ماذا يعني هذا المفهوم، ولا يعرف الدور الكبير الذي يمكن أن يؤديه العمل المدني في مضمار بناء الدولة والمجتمع، لذلك نلاحظ أن قيمة العمل التطوعي المدني متدنية في الشعوب والدول التي لا تعي أهميته.

هناك دول كبيرة استطاعت أن ترسخ مفهوم العمل المدني التطوعي بين عموم افراد المجتمع، حتى اصبح هذا النوع من العمل طبيعة حياتية يومية مستساغة من لدن الجميع، بل واصبح قيمة مهمة من قيم التقدم لتلك الشعوب، ولم ينحصر الاهتمام به بالحكومة فقط بل اصبح العمل المدني التطوعي منهجا سلوكيا يؤمن بها المجتمع ويعيشه ويمارسه ضمن تفاصيل حياته اليومية.

وهكذا تم بناء مدن كبيرة ومشاريع كثيرة وفق اسلوب العمل التطوعي، بعد أن هضم الجميع مفهوم الخدمة المدنية، ودوره في تطوير حياة المجتمع من خلال الاسهام في النهوض بالحياة الفكرية والسلوكية للمجتمع، ولكن ما نلاحظه في العراق هو عدم الاهتمام بهذا الجانب، مع شيوع حالة اللامبالاة لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء، ولكن تقع المسؤولية بالدرجة الاولى على صناع القرار وليس على المواطن، فهم يتحملون نتائج رفض عامة الناس لهذا النوع من اساليب البناء، لاسيما أن الجهات الرسمية لا يخطر في بالها تعميق الوعي الشعبي في هذا الاتجاه.

لهذا فإن المجتمع العراقي يفتقد حاليا الى التقدير الصحيح لأهمية العمل الطوعي، ليس على المستوى الشعبي فحسب، إنما هناك تراجع رسمي في هذا الصدد، فضلا عن التراجع السافر لدور المنظمات المعنية ومعظمها تنتسب الى منظمات المجتمع المدني، أما التساؤل الحاضر بيننا الآن هو، هل تقوم منظمات المجتمع المدني المعنية بتطوير مفهوم الخدمة المدنية بدورها؟ وسوف يردف التساؤل الاول تساؤل ثاني مفاده، هل تقوم الجهات الرسمية بدورها المطلوب في ترسيخ قيمة العمل المدني بين عموم مكونات المجتمع؟. ولعل الاجابة المأخوذة عن الواقع ستؤكد بصورة قاطعة على أن منظمات المجتمع المدني المعنية وغيرها من الجهات الاهلية لا تزال تدور في فلك المصالح والفوائد الفردية والشللية، وهي لاتزال تجلس في ابراجها العاجية بمعزل عن الشعب وكأنها تمارس دور القيادة الفخرية لا غير، فلم نر الجهد الفعلي المطلوب الذي ينزل الى الشارع ويساعد الناس على هضم وقبول واعتياد الخدمة المدنية الطوعية في حملات البناء والتنظيف وسواها، علما أن هذه الخدمة هي التي نقلت المجتمعات من حالات التخلف والتردي والضمور الى درجات عليا من الرقي والتمدّن.

والسؤال الذي يطرحه كثيرون ويتردد حتى بين بسطاء الناس، لماذا لا تؤدي هذه المنظمات ما يقع على عاتقها من مسؤوليات كبيرة في قضية نشر قيمة العمل الطوعي بين الناس؟ مع أنها مدعومة بعوامل القدرة على نشر هذه الثقافة العملية ماديا ومعنويا أيضا.

وعندما نتطرق الى الجهد الرسمي في مجال نشر مفهوم الخدمة المدنية كسلوك وفكر يسهم بتطوير المجتمع، فإن الوقائع الملموسة تشير الى إهمال كلي لهذا الجانب، ولعل الحكومة وبعض مؤسساتها المعنية، تجهل قدرة العمل الطوعي على تعزيز الروح الوطنية لدى الافراد، كما أنها قد تجهل الطاقات التي يتمتع بها المواطن حينما تتعزز لديه قيمة العمل المدني فكرا وسلوكا.

لذلك لابد من التأكيد على أن دور الحكومة، في مجال نشر وتطوير قيمة العمل المدني التطوعي بين افراد وشرائح المجتمع، ينبغي أن يسبق غيره ويتقدم الادوار الاخرى إذا لم يكن مثالا لها، لأن المؤسسات الحكومية تتمتع بقدرات عملية مادية تنظيمية، قد تفتقد لها الجهات الأقل منها في الترتيب والمسؤولية، لذلك لابد من أن يتعاضد الجميع حكومة ومنظمات مدنية معنية، على نشر وترسيخ قيمة الخدمة المدنية بين الجميع، ويمكن وضع آليات وخطوات عمل اجرائية من لدن لجان مختصة تطبَّق على الواقع، فتنجح بنقل المجتمع العراقي الى مرحلة البناء الجديد من خلال الاهتمام بأساليب التمدن والمعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/شباط/2013 - 18/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م