المكسيك... معدل جرائم خارج عن السيطرة

 

شبكة النبأ: تزداد يوما بعد يوم الممارسات الإجرامية في دولة المكسيك سوءا، إذ أنها تعيش من أسوء موجات العنف على المستوى العالمي، كعلميات الاختفاء القسري والقتل المروع والجرائم المنظمة والحرب بين عصابات المخدرات وهروب السجناء، في ظل ضعف القانون والجهات الأمنية هناك، حتى أصبحت المكسيك من اخطر دول العالم وأكثرها عنفا.

فهناك دوافع كثيرة تؤدي الى هذا النوع من الجرائم، منها تدني المستويات الاقتصادية، ورُبما هو نوع من الرغبة في الانتقام الاجتماعي كالتميز العنصري، وغيرها الكثير من الدوافع و الأسباب، فعلى الرغم من جهود الجهات المسئولة في هذا البلد للحد من الجريمة إلا أن ذلك لم يحول دون ارتكاب تلك الجرائم الوحشية والمروعة بشكل مستمر.

حتى باتت ثقافة العنف في هذا البلد الأمريكي شائعة بدرجة كبيرة جدا، وبالتالي إعمال العنف المستمرة في المكسيك زادت من معدلات الجريمة لتصبح ابرز دول في ممارسة جرائم القتل والجريمة المنظمة.

الاختفاء قسري

فقد افادت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته عن 149 حالة "اختفاء قسري" في المكسيك خلال السنوات الست الماضية، اي حالات اشخاص اختفوا بايدي قوات الامن ولم يعثر عليهم، ويوثق التقرير الذي جاء في 193 صفحة هذه الحالات التي حصلت خلال ولاية الرئيس فيليبي كالديرون والتي كان الجيش او البحرية او الشرطة الفدرالية او شرطة الولايات او البلديات ضالعة فيها.

وحسب خوسيه فيفانكو، مدير المنظمة في اميركا، فان الرئيس المكسيكي الجديد انريكي بينيا نييتو "ورث احدى اسوأ ازمات عمليات الاختفاء التي شهدتها اميركا اللاتينية في تاريخها"، واشارت المنظمة الى عمليات الاختفاء القسري العشرين تقريبا التي نفذتها قوات البحرية في حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2011 في ولايتي نويفو ليون وتاموليباس بشمال المكسيك والتي قد تكون "مسبقة التخطيط ومنسقة".

وفي ستين حالة اخرى تثبتت المنظمة من ان "عملاء من الولايات المكسيكية تواطأوا مباشرة مع اوساط الجريمة المنظمة لتنفيذ عمليات اختفاء قسري لبعض الافراد او ابتزاز عائلاتهم"، وذكرت المنظمة الحقوقية ان مئة حالة اخرى كشفت عنها العائلات على انها حالات اختفاء قسري، لكن المنظمة لم تتمكن من اثبات ضلوع قوات الامن فيها. بحسب فرانس برس.

ولفتت المنظمة الى ان هذه الحالات ال149 التي لم تتم ادانة اي مسؤول عنها، ليست سوى جزء صغير من عمليات الاختفاء القسري التي سجلت في المكسيك منذ العام 2007. واشارت الى ان تقريرا لوزارة العدل المكسيكية يعود الى تشرين الثاني/نوفمبر 2012 وتم تسريبه الى الصحافة تحدث عن اختفاء حوالى 25 الف شخص منذ العام 2006.

وعمدت حكومة فيليبي كارلديون المحافظة منذ وصولها الى السلطة في كانون الاول/ديسمبر 2006 الى نشر خمسين الف عسكري والاف الشرطيين الفدراليين في حملة ضد مهربي المخدرات، ما ادى الى موجة عنف اوقعت حوالى سبعين الف قتيل، بحسب تقديرات الحكومة الجديدة، وسلمت وثيقة هيومن رايتس ووتش الى وزير الداخلية المكسيكي ميغيل انخيل اوسوريو تشونغ وستعرض رسميا الخميس خلال مؤتمر صحافي.

تجارة المخدرات

من جانب آخر قالت الحكومة ان جنودا من مشاة البحرية المكسيكية ربما قتلوا هريبرتو لازكانو زعيم عصابة زيتاس الوحشية لتجارة المخدرات في تبادل لاطلاق النار في شمال المكسيك، وإذا تأكد موت لازكانو المعروف باسم "الجلاد" فسيكون أحد أكبر الانتصارات في الحرب التي اطلقها الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون قبل ست سنوات على عصابات المخدرات، وقال سلاح البحرية في بيان ان اثنين يشتبه بانهما عضوان في زيتاس قتلا في معركة بالاسلحة النارية مع قوات من البحرية في ولاية كواهويلا الشمالية وان هناك "أدلة قوية" على أن إحدى الجثتين تعود للازكانو. بحسب رويترز.

ولازكانو أحد اكثر المطلوبين في المكسيك وعرضت السلطات الامريكية جائزة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يلقي القبض عليه، وارتكبت زيتاس -التي تعتبر احدى أقوى عصابتين للمخدرات في المكسيك- بعضا من أفظع الجرائم التي شهدتها حرب المخدرات في البلاد.

هروب السجناء

على صعيد مختلف هرب أكثر من 130 سجينا عبر نفق من سجن في المكسيك على الحدود مع الولايات المتحدة في واحدة من أكبر عمليات الهروب الجماعي التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية، وقال اوميرو راموس المدعي العام بولاية كواهويلا الشمالية إن 132 سجينا هربوا من السجن في مدينة بيدراس نيجراس عن طريق نفق أخرجهم في ورشة نجارة قديمة ثم قطعوا الأسلاك المحيطة بالمجمع.

وقال هورهي لويس موران مسؤول الامن العام بالولاية إن مسؤولين فاسدين بالسجن ربما ساعدوا السجناء على الهرب وأضاف أنه تم تنبيه السلطات الأمريكية للمساعدة في القبض على الهاربين إذا ما حاولوا عبور الحدود، وتذكر عملية الهروب هذه بالتحديات التي يواجهها الرئيس القادم انريكي بينا نييتو الذي تعهد بخفض معدل الجريمة في البلاد بعد ست سنوات تصاعدت فيها أعمال العنف المرتبطة بعصابات إجرامية في عهد الرئيس فيليبي كالديرون، والعديد من سجون المكسيك مكتظة وتجد صعوبة في مواجهة نفوذ العصابات الاجرامية التي يمكنها استخدام قدراتها المالية في إفساد المسؤولين. بحسب رويترز.

وقال راموس إن حكومة الولاية تعرض مكافأة قدرها 200 ألف بيزو (15700 دولار) لمن يدلي بمعلومات تقود للقبض على الهاربين، واضاف راموس أن مجمع سجن بيدراس نيجراس يضم في الاجمال 734 سجينا والنفق الذي هرب منه السجناء عرضه 1.2 متر وعمقه 2.9 متر وطوله سبعة أمتار. 

تواطئ الشرطة

في حين أعلنت القوات البحرية المكسيكية أنها أوقفت 35 شرطيا من ولاية فيراكروز الشرقية بتهمة التواطئ مع كارتل "لوس زيتاس"، وأوضحت القوات البحرية في بيان لها أنه تم توقيف رجال الشرطة خلال عمليتين نفذتا في مدينة خالابا عاصمة ولاية فيراكروز ومدينة سان لويس بوتوسي عاصمة الولاية المجاورة التي تحمل الاسم عينه.

وجاء في البيان أن "جميع الموقوفين تابعون لشرطة قوى الأمن العام في فيراكروز ويشتبه في أنهم متواطئون مع منظمة +لوس زيتاس+ الإجرامية. بحسب فرانس برس.

وباتت ولاية فيراكروز الواقعة على ساحل خليج المكسيك من المراكز الرئيسية التي ينشط فيها كارتل "لوس زيتاس" الذي تشكل في نهاية التسعينيات من عسكريين سابقين من قوات النخبة في الجيش المكسيكي، وفي ظل تصاعد العنف وازدياد عمليات القتل في هذه الولاية، أرسلت الحكومة الفدرالية العام الماضي نحو أربعة آلاف جندي وشرطي فدرالي، في إطار عملية للحفاظ على الأمن تنفذ بقيادة القوات البحرية العسكرية.        

صفقة لمبادلة الاسلحة بدراجات هوائية

على صعيد آخر أبرمت سلطات مكسيكو في نهاية سنة 2012 صفقة سلمية تهدف إلى نزع السلاح في حي إيزتابالابا الخطر في جنوب المدينة من خلال مقايضة المسدسات بدراجات هوائية أو علب من الطعام أو مبادلة البنادق بأجهزة لوحية أو مبالغ مالية بسيطة.

أمام باحة الكنيسة في بلدة لا كويفيتا، يقف نحو ستين شخصا حاملين بنادق أو مسدسات في الصف أمام مركز تستقبل فيه الشرطة والجيش الباعة المجهولين.

ويقول فرانشيسكو آرو البالغ من العمر 53 عاما "أحضرت معي مسدسا من نوع +سميث 32+ مزينا بالعاج... كان ملكا لجد جدي الذي كان ثوريا". ويضيف آرو الذي سيتلقى دراجة هوائية مقابل مسدسه "الآن، سأمارس الرياضة على الأقل"، وتحرص البلدية على تنفيذ برنامجها المسمى "من أجل عائلتك، نزع سلاح إرادي" الذي ينظم كل آخر أسبوع من السنة.

ويكشف مصدر في البلدية قائلا "في كل يوم من فترة تنفيذ البرنامج، تنفق الأجهزة الأمنية في مكسيكو وبلدية إيزتابالابا 300 ألف بيسوس (17500 يورو) يوميا" في محاولة منها لنزع سلاح المجموعات الاجرامية. بحسب فرانس برس.

ويقول اوغوستو مارتينيز (79 عاما) الذي قايض مسدسه من نوع "كولت 80" بدراجة هوائية وبعلبة طعام إن "المجرمين يملكون عادة أسلحة كثيرة. وبالتالي، يمكنهم التخلي عن تلك التي لم تعد صالحة أو لا يحبونها والاحتفاظ بالأسلحة الجيدة".

ومن بين المشككين في فعالية البرنامج عسكريون مكلفون جمع الأسلحة وتصنيفها ثم تدميرها، فيقول أحد القادة العسكريين "انظروا إلى حالة الأسلحة... معظمها إما لم يعد صالحا وإما أصبح قديما جدا. ومن يحضرونها هم أرباب أسر ورثوها من أجدادهم وقرروا التخلص منها بغية حماية أقربائهم"، وتستخدم هذه الأسلحة مجموعات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات. وقد جاء في تقرير نشره مجلس الشيوخ الأميركي السنة الماضية أن 70% من الأسلحة المضبوطة في المكسيك بين العامين 2010 و2011 والبالغ عددها حوالى 30 ألف سلاح مصدرها الولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.

ويشير خيسوس فيلينسيا وهو مستشار بلدية إيزتابالابا إلى أن البرنامج يهدف أيضا إلى تفادي الوفيات الناجمة عن الرصاص الطائش. فالشهر الماضي، توفي طفل في العاشرة من العمر بعد إصابته برصاصة في الرأس أطلقت من الخارج بينما كان جالسا في صالة السينما. وفي 13 كانون الاول/ديسمبر، توفيت امرأة من جراء اصابتها برصاصة طائشة بينما كانت تتسوق، وأتاحت مبادرة إيزتابالابا التي يفترض أن تمتد إلى أحياء أخرى في مكسيكو، للسلطات جمع بنادق وقنابل وأنواع أخرى من الأسلحة يصعب أحيانا تحديدها، ويؤكد رجل بينما يشير إلى أداة تشبه كوبا لمزج العصير "إنه صاروخ"، فيما يقول آخر "لا، إنها قاذفة صواريخ".

وبعد أن يسلمها التاجر إلى أحد الشرطيين، يتفحصها هذا الأخير بدقة لكنه يعجز عن تحديد نوعها، وبالاضافة الى البالغين الذين يأتون لمقايضة أسلحتهم، يبادل بعض الأولاد ألعابهم العنيفة بأخرى أكثر سلمية، مثل سورييل غوادالوبي ابن الأربع سنوات الذي يخرج مسدسين بلاستيكيين من جيبه ويستبدلهما بكرة سلة.

لكن بعض الأولاد لا يبادل ألعابه من تلقاء نفسه، مثل تاديو البالغ من العمر 11 عاما الذي جاء بطلب من والدته واستبدل أربعة مسدسات بكرة ولعبة اجتماعية ودمية باربي لشقيقته. وهو يشتكي قائلا "لن يعود بإمكاني أن ألعب دور تجار المخدرات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/شباط/2013 - 17/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م