ثورات العالم العربي... حصاد مؤجل

 

شبكة النبأ: بعد مرور عامين على اندلاع الانتفاضات العربية العنيفة غرقت الشعوب العربية في فوضى التحولات وعدم الاستقرار في شتى المجالات.

حيث أطاحت الانتفاضة التي بدأت شرارتها من تونس -التي كانت في السابق من أهدأ مناطق العالم العربي- بحكام مستبدين هناك وفي مصر وأيضا في ليبيا لكن بعنف أكبر.

في حين مازالت الانتفاضة في البحرين وبعض البلدان الأخرى جارية حتى اللحظة الراهن، بينما  تحولت سوريا مرتعا للصراعات الدموية بدون غالب او مغلوب.

فكما يبدو بأن ثورات الربيع العربي لم تحقق أهدافها بسبب تواصل مسلسل الاضطرابات والعنف وتزاحم المشكلات في طريق تقدم الديمقراطية بالدولة العربية الربيعية، حيث جسدت تلك الاضطرابات والانقسامات السياسية صعوبة فرض الديمقراطية في منطقة تشهد تغييرات جذرية.

فيما يرى الكثير من المراقبين بأن انتفاضات الربيع العربي قادة شعوبها للحصول على نتائج عكسية، فبدلا من ان تحقق هذه الانتفاضات طموحاتها بحصول على الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية بتحويل أنظمتها من الدكتاتورية الى أنظمة ديمقراطية، حققت مخلفات هذه الانتفاضات  الكثير من الخسائر البشرية والمادية والحقوقية، حتى أصبحت اليوم بلدان الربيع العربي أكثر البلدان العربية والعالمية اضطرابا وانتهاكا للحريات والحقوق.

في حين يتوقع بعض المحللين ان تصبح دول الربيع العربي أكثر سخونة في المرحلة القادمة، نظراً لاحتمال حدوث عواقب وخيمة بسبب الاضطرابات المستمرة من حيث الأمن والاقتصاد والحريات، وعلى الرغم من أن الثورات العربية مازالت تتفاعل، وأن الربيع العربي وثوراته لم تكتمل بعد، فمازال مشوارها طويلا حتى تصل إلى حالة الاستقرار في المجالات كافة.

لذا يرى اغلب المحللين أن غياب المعالجات الناجعة والحلول الوسطية ولغة الحوار بين المكونات السياسية والشعبية، ستؤدي الى انهيار الدول وهي في مرحلة البناء، والبناء الديمقراطي بالأخص، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام فاقمت من حدة الأزمة ايضا.

خصوصا وان هذه التحولات السياسية الهائلة فتحت الأبواب امام تنافس على السلطة والهوية والدين واحتقان اقتصادي واجتماعي وفرص جديدة للمتشددين الإسلاميين وانفلات امني وزيادة العنف ضد المرأة.

كما لا تزال البطالة والفقر وارتفاع الاسعار التي ساعدت في اذكاء الانتفاضات هي نفس الشكاوى في الاقتصادات التي تضررت من الاضطرابات التي أبعدت السياح والمستثمرين الاجانب.

ومن بين عدد من التداعيات غير المقصودة اثر تلك التحولات السياسية، هو تدفقت الاسلحة والمقاتلون من ليبيا بعد الاطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي وهو ما ساعد في زعزعة الاستقرار في دولة مالي المجاورة.

ومن التبعات الاخرى زيادة التوتر بين السنة والشيعة في أنحاء منطقة تشهد بالفعل تنافسا بين ايران الشيعية والقوى السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة بزعامة السعودية، ويشعر كثير من العرب بالفخر بحريتهم الجديدة في التحدث علانية دون خوف والخروج الى الشوارع للاحتجاج على الاخطاء الحقيقية أو التي يعتقدون انها وقعت لكن اتضح ان الامر اصعب مما توقع كثيرون فيما يتعلق بتحقيق الرفاهية وملء فراغ السلطة الذي تركه حكام عتاة وتحويل دول بوليسية الى ديمقراطيات مستقرة يسود فيها القانون.

من جهته راى رئيس اساقفة كركوك (شمال العراق) المونسنيور لويس ساكو، الذي عين بطريركا للكنسية الكلدانية حديثا ان الربيع العربي تحول الى اتجاهات فئوية وصراعات دموية، وقال حول تاثر المسيحيين بعد احداث الربيع العربي في منطقة الشرق الاوسط التي اسقطت رؤساء تونس ومصر واليمن وليبيا وادخلت سوريا في نزاع دام، ان الربيع العربي "بدأ يحمل مطاليب شبابية تدعو للحرية والديمقراطية والادزهار (لكنها) للاسف تحولت باتجاهات فئوية"، واضاف "نحن نراقب وضع بلدان الربيع العربي (...) اين الربيع؟ فهناك صراع وخطابات متشنجة ودماء وفساد وتكتلات وابعاد للكفاءات وخطاب متشدد".

في سياق متصل شارك محتجون مصريون في مظاهرات مناوئة للرئيس محمد مرسي في الذكرى السنوية الثانية لسقوط سلفه حسني مبارك تحت ضغط انتفاضة شعبية استمرت 18 يوما، ويطالب مصريون بإسقاط مرسي الذي انتخب في يونيو حزيران لكن لم ينجح في إنهاء اضطراب سياسي وتراجع اقتصادي وانفلات أمني تشهده مصر منذ سقوط مبارك، ويقول معارضون أيضا إن مرسي يستخدم سلطته في مساعدة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها لتهيمن على مؤسسات الدولة، وطالب المتحدث الرئاسي ياسر علي المعارضين بتبني موقف واضح ضد العنف وسط دعوات مؤيدين لمرسي للمعارضين للتوقف عن الدعوة للمظاهرات التي تحول بعضها في السابق للعنف.

ورفع المشاركون في المسيرة علم مصر وصورا لقتلى احتجاجات. وبعد وصولهم أمام القصر الرئاسي أطلقت قوات حراسة القصر مدافع المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع عليهم لإبعادهم عن محيط القصر لكنهم ردوا عليها بالحجارة.

على الصعيد نفسه تجمع عشرات الاف اليمنيين الاثنين في العاصمة صنعاء للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لثورتهم التي ادت الى الاطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح بعد 33 عاما من الحكم.

وتجمع المحتفلون في شارع الستين، الشريان الرئيسي للعاصمة الذي شهد العديد من الاحتجاجات والمواجهات بين المتظاهرين المناهضين للنظام والشرطة والمليشيات التي كانت تدعم الرئيس السابق، ونظمت التجمع لجنة "ثورة الشباب" التي تعتبر تاريخ 11 شباط/فبراير 2011 يوم الانتفاضة ضد حكم صالح، رغم ان التظاهرات بدأت في كانون الثاني/يناير 2011 بعد الثورة في تونس ومصر، وهتف المتظاهرون "ارفع راسك انت يمني حر"، وهي الشعارات نفسها التي اطلقوها خلال الاحتجاج على صالح، كما دعا الى محاكمة "قتلة الشباب" واعادة الاموال المسروقة للشعب. بحسب فرانس برس.

في حين تقول تونس وباريس ان علاقتهما تشهد تحسنا رغم ما كانت فرنسا تقدمه من دعم لنظام زين العابدين بن علي مطلع 2011، ما زال الاستياء ينتاب التونسيين وانعكس في شعار "فرنسا ديغاج" (فرنسا ارحلي) الذي ردده المتظاهرون الاسلاميون.

وفي خضم الازمة السياسية التي تهدد استقرار البلاد ووحدة حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، استعملت هذه الحركة معارضة "التدخل الفرنسي" كواحد من شعاراتها خلال تجمعاتها الاخيرة،

وليس هذا اول حادث بل ان وسائل الاعلام تذكر بانتظام بصمت فرنسا على دكتاتورية بن علي، وحتى بتورط قسم من الطبقة السياسية الفرنسية التي كانت تستفيد من كرم الرئيس المخلوع، وفي الشوارع لا يتردد البعض في الاجهار بالحقد حتى ان شابا صاح في وجه فريق فرانس برس "ديغاج! اين كانت الكاميرات في عهد بن علي؟ والان تاتون الى حينا"، وكثيرا ما تثير تغطية الصحافة الفرنسية في تونس منذ الثورة الاستياء وخصوصا لكل ما له علاقة بالتيار الاسلامي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/شباط/2013 - 17/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م