كوريا الشمالية والسلاح النووي... نوايا مبيته ورهانات شبه حتمية

 

شبكة النبأ: يظهر تصاعد لهجة الحرب الكلامية المستعرة خلال الاونة الأخيرة بين طرفي الصراع الكوري الشمالي والكوري الجنوبي وحليفها أمريكا، النوايا المبيتة والرهانات شبة الحتمية لإثبات الوجود الإقليمي والعالمي، الذي قد يقرع طبول الحرب بينها وبين الجنوب مجددا.

إذ تعمل كوريا الشمالية على توجيه رسائل تحذير لخصومها بعدما اظهرت هذه الدولة من خلال تجربتها النووية مؤخرا، انها تشكل تهديدا قويا متزايدا، الا ان البعض يشككون في امكانية قوة نظام العسكري بيونغ يانغ الذي يتحدى العالم.

إذ يجمع الخبراء السياسيين على ان الهدف الاساسي لبيونغ يانغ ليس اشعال حرب، ولكن ضمان بقائها والحصول على تنازلات من اجل رفع العقوبات الأمريكية عليها.

حيث تفصح حرب التصريحات ورسائل التحذير بين الكوريتين، التي تعوم في دوامة الأعمال الاستفزازية المتواصلة، عن الأجندة متعدد الأوجه تسعى من خلالها البلدان المتخاصمة الى ترسيخ وابراز خطر الحرب المفترضة، مما يصفح عن مدى الضعف الداخلي والحقيقي الموجود لدى البلدين، وذلك لغرض استفزار اطراف معينة من قادة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وجرهم الى دوامة الحرب المفترضة.

فيما راى اغلب المحللين ان التجربة النووية هي محاولة من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-اون لاستكشاف علاقاته مع الجيش القوي وتحديد العلاقة مع الزعماء المقبلين في الصين وكوريا الجنوبية، فلا يمكن ان تكون فكرة الكوريين الشماليين اقامت خطوة انتحارية مثل مهاجمة الولايات المتحدة، لانه من الصعب على كوريا الشمالية ان تقلب الطاولة وتكتسب قدرات لردع الولايات المتحدة بدلا من ان تكون واشنطن هي التي لديها الرادع، وعليه فان صراع النفوذ بالقوة الناعمة الذي يحرك بوصلة المصير المشترك بين الحلفاء من خلال وحدة المصالح بمختلف أنواعها، فضلا عن التحشيد العسكري المتزايد من خلال المناورات العسكرية قرب الحدود الكورية، كما اصبحت التجربة النووية الحالية العامل الابرز الذي يلهب أتون الحرب الوشيكة بين الاطراف المتخاصمة، تضفي العوامل آنفة الذكر بواعث خطر الانزلاق الى حرب كارثية، نظرا لشراسة المواجهة الدائرة بين أطراف الخصام.

فعلى الرغم من ان الكثير من التفاصيل لا تزال غير واضحة بشان تجربة كوريا الشمالية النووية الثالثة، الا ان المحللين يقولون ان بيونغ يانغ نجحت في تفجير عبوة اكبر هذه المرة نظرا لحجم الزلزال الذي احدثته.

واثار ذلك الاطلاق احتمال ان تتمكن كوريا الشمالية، القادرة حاليا على ضرب كوريا الجنوبية واليابان حليفتي واشنطن، من ان تضرب الاراضي الاميركية، وذكر معهد العلوم والامن الدولي الاميركي انه لن يفاجأ من امتلاك كوريا الشمالي عبوة نووية صغيرة، الا انه شكك في استطاعتها تركيب راس حربي على صاروخ عابر للقارات.

غير ان بينيت لم يستبعد ان تكون كوريا الشمالية قد استعانت بعالم من الاتحاد السوفياتي السابق او بلد اخر لبناء رؤوس حربية، وقال "هذا يثير تهديدا اكثر خطورة حتى بالنسبة للولايات المتحدة في هذه المرحلة".

واعلنت كوريا الشمالية انها اجرت التجربة للدفاع عن النفس في مواجهة "العداء" الاميركي ولكي تظهر قوة الكوريين امام الولايات المتحدة التي تنظر اليهم باستعلاء، ورات هيذر هيرلبيرت المديرة التنفيذية ل"شبكة الامن الوطنية" اليسارية ان التجربة الاخيرة لم تظهر جديدا بشان الكوريين الشماليين الا اذا اتضح انهم تحولوا الى استخدام اليورانيوم.

في سياق متصل قال المبعوث في مؤتمر الامم المتحدة حول نزع الاسلحة "نحن لم نعترف مطلقا بالقرارات الدعائية التي اصدرها مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات" على بيونغ يانغ، واضاف "كما يقول المثل فان +الجرو الصغير لا يخاف النمر+. ان تصرفات كوريا الجنوبية الغريبة لا يمكن ان تؤدي سوى الى بدء تدميرها النهائي".

ورد السفير الكوري الجنوبي في المؤتمر كوون هايريونغ ان "الجميع يعلمون بان كوريا الشمالية ترصد امكانات هائلة لتطوير اسلحة نووية وصواريخ"، واعرب عن اسفه الشديد للنفقات العسكرية الكبيرة لكوريا الشمالية في حين تعاني "ازمة غذائية مزمنة".

وكان الدبلوماسي الكوري الشمالي يرد على مداخلة في مستهل الجلسة لهولندا التي تحدثت باسم عشر دول تؤلف "المبادرة من اجل منع الانتشار النووي ونزع السلاح" ونددت بشدة بالتجربة النووية الاخيرة لبيونغ يانغ، وقال ان "التجربة النووية التي اجرتها كوريا الشمالية هي مجرد اجراء للدفاع عن النفس لاستيعاب اي ابتزاز نووي مكثف لها من قبل الولايات المتحدة"، واضاف "ان رغبة وارادة جيش وشعب كوريا الشمالية القوية تقتضي ان تواجه البلاد السياسة المتشددة حيالها باقسى السياسات، وان ترد على الضغوط والعقوبات بعمل مضاد شامل"، وقال ان "كوريا الشمالية لا تطلق اي كلام فارغ. وستتخذ اقسى الاجراءات ضد المعتدين الخارجيين وضد اي انتهاك لسيادتها في المستقبل".

واعربت وفود عدة بينها وفود الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا واسبانيا وفرنسا وبولندا عن قلقها حيال مضمون تصريحات المندوب الكوري الشمالي.

سيناريو مكرر

تجربة نووية تجريها كوريا الشمالية تثير إدانة دولية فعقوبات متواضعة من الأمم المتحدة ثم تعبر الولايات المتحدة عن أملها في أن تكبح الصين جماح حليفتها الجريئة. وفي نهاية الأمر توبخ بكين جارتها بيونجيانج دون ان يحدث شيء يذكر.

لقد شاهد العالم هذا الفيلم من قبل ومن المرجح أن يشهد إعادة له بعد التجربة النووية الثالثة التي أجرتها كوريا الشمالية، وعادة ما تحجم بكين عن تأييد فرض عقوبات قاسية على كوريا الشمالية خشية أن يؤدي هذا الى اضطرابات في الدولة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها وتشترك في حدود معها. والآن وفي ظل تعرضها لتهديد بسبب توجيه الجيش الأمريكي تركيزه نحو اسيا فإن احتمال أن تتبنى بكين موقف واشنطن من بيونجيانج يتضاءل.

وقال شين دينغ لي خبير الأمن الإقليمي في جامعة فودان في شنغهاي "كلما غيرت الولايات المتحدة توازنات قواتها في غرب المحيط الهادي اضطرت الصين الى التخلي عن جزء من مساحة المناورة المتروكة لها في تنظيم علاقتها مع كوريا الشمالية"، وتستغل كوريا الشمالية المستويات الحالية من ضعف الثقة بين الصين والولايات المتحدة.

وكان اول رد فعل للصين على التجربة هو أنها "مستاءة بشدة ورافضة تماما" للتجربة مما يشير الى أن قيادة بكين الجديدة لن تتخذ إجراءات صارمة تجاه جارتها المعزولة التي تشاركها في حدود طويلة وتجارة متزايدة، وتعتبر هذه التصريحات فاترة مقارنة بتحذيرات صارمة في بعض وسائل الإعلام الصينية الرسمية منها تلميحات بخفض المساعدات سبقت التجربة.

ويقول خبراء في السياسة الخارجية بالصين إن أولويات بكين تختلف عن أولويات الولايات المتحدة وحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان.

ويعتبر تزعزع الاستقرار على حدود حساسة أكثر أهمية وإلحاحا من الأزمة النووية الكورية الشمالية، وقال تشو فنغ استاذ الدراسات الدولية بجامعة بكين "كانت الصين دائما قلقة من أن كوريا الشمالية يمكن أن تنهار بسرعة"، وأضاف "يمكن أن تكون قضية لاجئين او اضطرابات أهلية او مواجهات عسكرية. لهذا كانت الصين مترددة."

والى جانب إمداد كوريا الشمالية بكميات لا يعرف قدرها من الغذاء والوقود منذ واجهت مجاعة في التسعينات أسفرت عن مقتل اكثر من مليون شخص زادت بكين من حجم التجارة والاستثمار، وزاد حجم التبادل التجاري بين الصين وكوريا الشمالية بنسبة 24.7 سنويا الى 3.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2012 وبلغ حجم التبادل الجاري 5.7 مليار دولار في 2011 بزيادة 62.4 في المئة عن عام 2010. بحسب رويترز.

وربما ضعف تأثير الولايات المتحدة على القضية بسبب سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وتعتبر واشنطن أن "تحويل" أوباما للتركيز الاستراتيجي والأدوات العسكرية الى منطقة اسيا والمحيط الهادي تصحيح واجب بعد عشر سنوات من الحروب الامريكية في العالم الإسلامي بينما تعتبره بكين يشكل تهديدا.

وقال جورج لوبيز الخبير السابق بالأمم المتحدة في مراقبة العقوبات على كوريا الشمالية إن على الولايات المتحدة أن تستدعي شبح تزود اليابان وكوريا الجنوبية بالأسلحة النووية او ان تقوم الدولتان بتحركات أخرى لتقوية تحالفهما مع الولايات المتحدة لتحفيز بكين على تبني موقف اكثر صرامة، وأضاف لوبيز من معهد كروك لدراسات السلام الدولي أن الرسالة يجب أن تكون "بكين العزيزة يجب أن تتعاملي معنا وتصنعي إطارا للقيادة الثنائية بنفس الأهداف والا ستفتح ابواب جهنم بصورة لا يمكن التنبؤ بها."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/شباط/2013 - 15/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م