تونس في مهب العاصفة... اجترار للازمات وحلول حكومية تفتقر الحكمة

 

شبكة النبأ: يظهر المشهد السياسي الحديث في تونس صراع سياسي محموم بين الإسلاميين والليبراليين حول مشروع حكومة الكفاءات غير الحزبية الذي طرحه رئيس الوزراء المستقيل حمادي الجبالي ورفضه حزبه، حزب النهضة الإسلامي، ليقوم بعد ذلك هذا الحزب الحاكم باختيار وزير الداخلية علي العريض خلفا لرئيس الوزراء المستقيل الجبالي وهو ما رفضته المعارضة بشدة، ليكشف هذا التطور السياسي مدى حدة الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس مهد الربيع العربي.

حيث يرى اغلب المحللين بأن المشهد السياسي التونسي تكتنفه الضبابية نظرا لما يشهده هذا البلد من تصعيد في التوتر السياسي، الذي يوسع رقعة النزاعات المستدامة بين الحكومة الإسلامية والمعارضة اللبرالية، وهذا يصفح عن وجود خلافات عميقة الجذور بين الإطراف المتخاصمة، مما أدى الى اضطرابات متكررة، عطلت وضع الدستور وشلت الاقتصاد.

فيما يتوق الكثير من التونسيين للاستقرار والانتعاش الاقتصادي، حيث وجد ملايين التونسيين أنفسهم اسرى الأزمة خاصة وانهم يتوقون الى نهاية للقلاقل السياسية التي تهدد مستوى معيشتهم في وقت يتعرض فيه الاقتصاد لضغوط شديدة.

وفي موازاة الازمة السياسية المستمرة، تزداد الاحتجاجات الاجتماعية ومشاعر عدم الرضا على خلفية البطالة والفقر وغلاء الاسعار، وغالبا ما تكون هذه الاحتجاجات عنيفة، كما اثرت اعمال عنف تقودها جماعات سلفية متشددة على استقرار البلاد.

لتسقط بلاد الياسمين اليوم في هوة أزمة سياسية غير مسبوقة، خصوصا بعد مقتل المعارض العلماني شكري بلعيد مؤخرا على يد مجهول. واستقال الجبالي وهو من النهضة ايضا بعد رفض حزبه لقتراحه بتشكيل حكومة غير حزبية.

إذ يرى معظم المحللين السياسيين إن تونس في مفترق طرق على صعيد اختيار رئيس الوزراء جديد وتشكيل حكومة، فاذا اختارت حركة النهضة أحد صقورها فسيكون هناك صراع مع الأحزاب العلمانية وستكون الأجواء متوترة جدا وقد ينتقل هذا الى الشارع.

وهو ما حدث بالفعل فقد احتج الاف التونسيين ضد الاسلاميين ورئيس الوزراء الجديد علي العريض بعد يوم من تعيينه في تطور يكشف مدى حدة الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين في بلاد الياسمين مهد الربيع العربي.

فيما يرى المحللون آخرون أن انعدام الثقة هو في أساس هذه الأزمة، وقد فاقمه نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام، وفي غياب أي حوار أو حلول وسط أو تراجع الحكومة عن قراراتها يمكن للأزمة أن تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والأمن وبالأخص على مسار التحول الديمقراطي.

لذا فيرى بعض المراقبين ان لعبة الشد والجذب المستمرة والصراع من اجل وزارات السيادة في حين ان مظاهر السيادة تكاد تضيع على عتبات الحدود المنتهكة واسلحة الميليشيات الخارقة للقانون توشك أن تدفع البلاد الى الانفجار.

وعليه فإن هذه الموجة الدراماتيكية من النزاعات السياسية تضع التونسيين على مفترق طرق في نهاية المطاف إذا استمر الوضع الحالي كما عليه طويلا.

في سياق متصل اختارت حركة النهضة الاسلامية وزير الداخلية علي العريض خلفا لرئيس الوزراء المستقيل حمادي الجبالي وهو ما رفضته المعارضة، وتدفق المتظاهرون الذين بلغ عددهم حوالي ثلاثة الاف الى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بدعوات عبر موقع فيسبوك رافعين شعارات مناوئة لحركة النهضة الحاكمة وضد رئيس الوزراء الجديد، ورفع المتظاهرون اعلام تونس ورددوا شعارات "ارحل يا عريض" و "الشعب يريد اسقاط النظام" و "لاخوف لا رعب السلطة ملك الشعب" منتقدين تعيين العريض رغم ان اداءه لم يكن مقنعا في وزارة الداخلية، ورفعت لافتات كتب عليها "النهضة تكافيء فشل العريض" و "من قتل شكري بلعيد".

ويعتبر العريض من الجناح المتشدد في النهضة الاسلامية ويرفض اي دور للمقربين من النظام السابق في الحياة السياسية. ويقول منتقدوه ان الفترة التي قضاها على رأس وزارة الداخلية تميزت بهجمات متشددين على معارضين وفنانين علمانيين.

ويقولون ان العريض تسامح مع عنف السلفيين وهو ما ينفيه العريض باستمرار رغم ان كثيرا من التونسيين يقولون انه حقق نجاحات ضد مجموعات تابعة للقاعدة، وقال راشد الغنوشي زعيم النهضة ان اي حكم مستقر في تونس يحتاج لحكومة ائتلاف تجمع بين علمانيين واسلاميين، وقال ان الائتلاف الحكومي الجديد سيكون خماسيا بعد ان كان ثلاثيا متوقعا ان تكون أغلب الوزارات السيادية مستقلة.

على الصعيد نفسه اشارت صحف تونسية الى ضبابية المشهد السياسي فقد كتبت صحيفة "لوتون" (خاصة ناطقة بالفرنسية) "هناك مخاوف كبيرة من ان تقبر هذه المبادرة التي ايدها قسم كبير من المعارضة والراي العام، ما سيعني دخول البلاد حلقة جديدة من التجاذبات والمشاورات والحسابات الحزبية"، واضافت "لا نرى كيف سيتمكن (رئيس الوزراء) من تغيير الوضع وتليين موقف حزبه وحلفائه" في الحكم وذلك بعد ان جدد رئيس النهضة راشد الغنوشي الشبت رفض هؤلاء حكومة كفاءات غير حزبية.

وعلقت صحيفة "لابرس" (عامة ناطقة بالفرنسية) من جانبها على التفاؤل الحذر الذي ابداه الجبالي الجمعة لدى اعلانه تمديد المشاورات مع الامناء العامين للاحزاب السياسية.

واكدت الصحيفة ان "النوايا الطيبة (للاحزاب) يجد ان تكون متبوعة بافعال ملموسة ورغبة مشتركة في تقديم تنازلات من جميع الاطراف".

وهو ما دافعت عنه ايضا صحيفة الصباح (خاصة ناطقة بالعربية) التي رات في ذلك "ضرورة وطنية" في الوقت الذي تمر فيها البلاد باخطر ازمة سياسية منذ الثورة التي عمقها اغتيال المعارض شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير الحالي، واكدت الصحيفة "ان طبيعة الازمة السياسية القائمة وخطورة محاذيرها وتحدياتها اضحت تقتضي وجوبا القطع مع الحسابات الحزبية الضيقة والبحث في +الوطني المشترك+".

من جانب آخر فبعد عامين من الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي ينحسر الركود الاقتصادي لكن الأزمة السياسية العاصفة التي تشهدها البلاد بسبب اغتيال معارض علماني جعلت تونس تخشى من تعثر الاقتصاد.

وفي القطاع السياحي بدا واضحا انخفاض عدد السياح الغربيين بسبب الأزمة السياسية التي أثارت مخاوف من سقوط البلاد في العنف. وتزامن اغتيال بلعيد مع وقت حجوزات الربيع والصيف مما قد يشكل ضربة قاسمة لأهم قطاع مشغل للأيدي العاملة في البلاد.

واستقبلت تونس العام الماضي حوالي ستة ملايين سائح بنمو تجاوز 30 بالمئة على أساس سنوي لكن المؤشرات في بداية العام تنبئ بعام صعب.

وقال محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي "هذه السنة ستكون صعبة في ظل صعوبات تتعلق بقدرة الدولة على مجابهة العجز المالي"، وأضاف "الحلول هي سياسية أولا وتتمثل في استعادة الاستقرار السياسي والأمني لأنه لا استثمار ولا سياحة ولا تصدير دون استقرار."

وقالت مؤسسة ستاندرد اند بورز إنها خفضت تصنيف تونس الائتماني السيادي طويل الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية وعزت ذلك إلى "احتمال تدهور الوضع السياسي في ظل آفاق مالية وخارجية واقتصادية تزداد سوءا"، وستجد تونس نفسها مضطرة لدفع مستحقات قروض خارجية هذا العام تصل قيمتها إلى 3.44 مليار دينار بينما تفاوض صندوق النقد الدولي على قرض احتياطي بقيمة 2.73 مليار دينار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/شباط/2013 - 15/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م