الازمة سوريا... رهان على الحسم العسكري يبدد آمال التسوية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: على الرغم من التفاؤل الحذر الذي يسود الاوساط الدولية والاقليمية حول الازمة السورية، خصوصا بعد ان لاح في الافق بصيص امل في حوار مفترض قد يمهد لانهاء العنف الدائر في تلك الدولة منذ اكثر من عام، الا ان المعطيات على الارض تشير الى تبدد ذلك الامل مصحوبا بإصرار الجماعات الارهابية المصرة على تدمير سوريا بكافة مكوناتها، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.

ويبنى المحللون رؤاهم المتشائمة على حقيقة ان ما يسمى الائتلاف او المجلس الوطني هو ابعد ما يكون عن السيطرة على المجاميع المسلحة التي تعيث في ارض سوريا خرابا، ولا تملك في واقع الامر زمام المبادرة او حتى الهيمنة على مقاليد الامور.

اذ تؤكد جميع التقارير الميدانية عن المعارك العنيفة ان من يديرها هي جماعات اجنبية تنتمي في معظمها الى تنظيمات القاعدة والجماعات السلفية المتطرفة، التي جاءت الى سوريا لاباحة العنف والتدمير لا غير، مما يسقط الاحتمالات عن قدرة المعارضة السورية المنقسمة اصلا في ادارة ملف المفاوضات لإنهاء العنف.

الى جانب ذلك بات من المعروف ان المعارضة السورية في الخارج منقسمة الى عدة معارضات، فيما اكثر اجنحتها تأثيرا سياسيا مرتهن الى قرارات وتوجيهات مشيخة قطر وحكومة أردوغان اللذان يراهنان على مشروع التغيير بالقوة مهما كلف ذلك من خسائر في الارواح السورية وتدمير يلحق بهذه الدولة العريقة.

وهو ما دفع بعدد من الدول الكبرى الى التحذير من عاقبة تلك السيناريوهات التدميرية القائمة في سوريا، وما سيترتب على ذلك من تداعيات خطيرة داخليا واقليميا.

واعلن وزير الادارة المحلية السوري عمر غلاونجي ان الخسائر الناتجة عن "اعمال التخريب" التي تطاول البنى التحتية في سوريا تقدر باكثر من احد عشر مليار دولار خلال 23 شهرا من النزاع.

وقال غلاونجي خلال جلسة لمجلس الشعب نقلت عبر التلفزيون السوري الرسمي ان الحرب التي تشن على سوريا تطاول كل البنى التحتية للدولة، مضيفا ان لجنة الاعمار الحكومية تقدر الاضرار الناتجة عن "اعمال التخريب" التي قامت بها "المجموعات الارهابية" حتى العاشر من كانون الثاني/يناير 2013، باكثر من الف مليار ليرة سورية، اي 11 مليار دولار تقريبا.

واشار غلاونجي الى ان الحكومة السورية صرفت اكثر من ملياري ليرة (22 مليون دولار، اكرر 22 مليون دولار، بحسب سعر صرف الليرة السورية المتداول حاليا) خلال العام 2012 على تصليحات في البنى التحتية والمباني العامة.

ويتهم النظام السوري "مجموعات ارهابية مسلحة" بنشر الفوضى وباعمال القتل والتخريب في سوريا بتمويل من الخارج، لا سيما السعودية وقطر وتركيا.

وتسببت اعمال العنف في سوريا منذ منتصف آذار/مارس 2011 بمقتل اكثر من سبعين الف شخص، بحسب ارقام الامم المتحدة.

وحذرت لجنة التحقيق المستقلة التابعة للامم المتحدة حول اعمال العنف في سوريا في تقرير من ان اثار النزاع السوري يمكن ان تمتد لاجيال وتقوض الامن في كل منطقة الشرق الاوسط متهمة طرفي النزاع بارتكاب جرائم حرب.

وجاء في التقرير الواقع في 131 صفحة ان "عمق المأساة السورية ينعكس بطريقة مؤثرة عبر عدد الضحايا التي توقعه. التجارب الفظيعة التي يرويها الناجون تشير الى انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية".

وحذر التقرير من ان "الآلية المدمرة للحرب الاهلية لا تترك اثارا فقط على السكان المدنيين وانما تقضي ايضا على كل الهيكلية الاجتماعية المعقدة للبلاد، وتعرض للخطر الاجيال المستقبلية وتهدد السلام والامن في كل المنطقة".

ولجنة التحقيق التي انشأها مجلس حقوق الانسان لدى الامم المتحدة في 2011، تضم عدة اعضاء بينهم المدعية العامة السابقة لمحكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة كارلا ديل بونتي.

وكانت اللجنة اتهمت في تقريرها الاول في اب/اغسطس 2012 الطرفين بارتكاب جرائم حرب واقرت في الوقت نفسه بمسؤولية اقل للمعارضة المسلحة. وفي هذا التقرير الجديد الذي يستند الى افادات 450 شخصا، تقول اللجنة ان الوضع تفاقم الى دوامة عنف. وقالت ان "وضع حقوق الانسان في سوريا واصل التدهور، والنزاع اصبح طائفيا بشكل متزايد مع مسار اكثر تطرفا وعسكرة للعمليات".

وجاء في التقرير ان "القوات الحكومية وكذلك الميليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الانسانية واعمال قتل وتعذيب واغتصاب وهي مسؤولة عن اختفاء قسري لعدد من الاشخاص واعمال اخرى غير انسانية".

وانتقد التقرير بنفس الطريقة مسلحي المعارضة السورية. وقال ان "المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة ارتكبت جرائم حرب بما يشمل اعمال قتل وتعذيب واحتجاز رهائن وهجمات على املاك محمية. وتواصل تعريض السكان المدنيين لخطر عبر التصويب على اهداف عسكرية انطلاقا من مناطق مدنية".

واعتبر التقرير انه "حين تقصف مجموعات مسلحة مناطق مدنية بشكل خاص، انما تنشر الرعب وذلك يمكن اعتباره جرائم حرب". وتابع ان "طرفي النزاع انتهكا القوانين الدولية لحقوق الطفل عبر استخدامهم كجنود مشاة".

من جانبه قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "لا يمكن لاي من الطرفين ان يسمح لنفسه بالرهان على حل عسكري. انه طريق لا يقود الى اي مكان، بل الى دمار الطرفين". واضاف لافروف بعد لقائه الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي ودبلوماسيين عرب كبار اخرين "لقد آن الاوان لوقف هذا النزاع الطويل المستمر منذ سنتين".

وقال "من المهم الا يفرض (كل من الطرفين) شروطا على الاخر واعلان عدم التحادث مع هذا بل ذاك".

واتى حديث لافروف في اعقاب انعقاد جلسة رسمية للمنتدى الروسي العربي الذي تاسس في كانون الاول/ديسمبر 2009 لكن تعذر عليه الانعقاد منذ ذلك نظرا للتوتر القائم بين موسكو والدول العربية على خلفية الربيع العربي.

وشارك في الاجتماع امين عام الجامعة العربية نبيل العربي ووزراء خارجية العراق والكويت ولبنان ومصر. ولم يحضر وزيرا قطر والسعودية اللتين تدعمان المعارضة السورية وتنتقدان موسكو.

وفي موقف لم يتغير قيد انملة منذ بدء الحركة الاحتجاجية المطالبة باسقاطه في منتصف آذار/مارس 2011، قال الاسد في تصريحات نشرتها صحيفة "السفير" اللبنانية نقلا عن سياسيين لبنانيين التقوا الرئيس السوري، "نحن على يقين بان الغد لنا (...) سوريا تمتلك ارادة الانتصار على المؤامرة". واضاف "نحن وان كنا متيقنين من حتمية انتصارنا ومطمئنين لما يتحقق سياسيا وعسكريا، فان ذلك لا يعني ان كل الامور انتهت"، مضيفا "لا يزال امامنا شغل كبير في السياسة كما في مواجهة المجموعات الارهابية والتكفيرية".

واكد الرئيس السوري للسياسيين الذين لم تسمهم الصحيفة ان "قوتنا لا نأخذها او نستمدها او نطلبها او نستجديها من أحد (...) هناك مخطئون ومفسدون، في المقابل هناك كفاءات وشرفاء ومخلصون وهم الاساس ويشكلون الغالبية الساحقة من السوريين".

كما تحدث عن "تماسك" الجسم الدبلوماسي السوري على مدى سنتين، "رغم الاغراءات التي تعرض لها السفراء والقناصل والموظفون" الذين عرضت عليهم، بحسب قوله، "ملايين الدولارات ورفضوها".

وفي السياق ذاته قتل رئيس الهيئة الايرانية لاعادة اعمار لبنان "على ايدي مجموعات ارهابية مسلحة" في سوريا، بحسب ما اعلنت السفارة الايرانية في بيروت، فيما ذكر متحدث باسم الحرس الثوري في طهران ان المسؤول قيادي في الحرس الثوري.

وفيما ذكرت السفارة ان اسم المسؤول الايراني الذي قتل في طريق عودته الى لبنان حسام خوش نويس، قال الحرس الثوري ان اسمه حسن شاطري. وقالت السفارة في بيان "ببالغ الاسى والاسف تعلن سفارة الجمهورية الايرانية استشهاد رئيس الهيئة الايرانية لاعادة الاعمار في لبنان المهندس حسام خوش نويس، وذلك في طريق عودته من دمشق الى بيروت على يد المجموعات الارهابية المسلحة".

وفي طهران، اعلن متحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف في بيان ان "القيادي حسن شاطري استشهد على الطريق من دمشق الى بيروت على ايدي مرتزقة ومؤيدين للنظام الصهيوني".

واشار البيان الذي نشر على موقع الحرس الثوري الالكتروني الى ان شاطري كان يهتم خلال السنوات الاخيرة باعادة اعمار المناطق المتضررة في لبنان جراء الحرب التي استمرت 33 يوما.

وكان بيان السفارة اشار الى ان نويس "ترأس الهيئة الايرانية لاعادة اعمار لبنان في أعقاب حرب تموز/يوليو 2006 بين حزب الله واسرائيل وأشرف على تنفيذ مشاريع اعادة اعمار في قرى وبلدات الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت، واعادة بناء وترميم عشرات المدارس والمستشفيات ودور العبادة الاسلامية والمسيحية" في لبنان.

ولم توضح السفارة او الحرس الثوري ظروف مقتل المسؤول الايراني او المكان الذي قتل فيه.

وذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية في عددها الصادر اليوم ان نويس "كان في سوريا، وتحديدا في مدينة حلب لدراسة مشاريع لاعادة اعمار المدينة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/شباط/2013 - 14/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م