المثقف العراقي: موت أم غياب؟

 

شبكة النبأ: يتضح لمن يراقب المشهد السياسي العراقي، أن المثقف بات يعيش في حالة تشبه حالة أصحاب الكهف، وقد استحسن النوم والصمت والحيادية وكل الصفات التي تغيِّب صوته ومواقفه، التي ينبغي أن تتصدر مواقف الطبقات الأخرى، في عمليات التصحيح عبر الوسائل المتاحة، لاسيما أننا نتفق على وجود هامش يتيح للمثقفين التحرك والقيادة والتصويب، ووضع النقاط على الحروف، كما تفعل (طبقة الشارع) الآن.

إننا بطبيعة الحال غير معنيين في رأينا هذا بالمهرجانات والندوات والانشطة الثقافية ذات الطابع الجمالي المعنوي، لأن ثمة مثقفين سيعترضون ويؤكدون ان دور المثقف حاضر وفاعل ومؤثر، وما الى ذلك من حجج وتصريحات لا نصيب لها من الصحة، عندما يتعلق الامر بالنزول الى الشارع وقيادة الطبقات الاخرى.

المثال الاقرب لنا هو ما حدث في الشارع المصري، وكلنا او معظمنا من المهتمين شاهد بعينه كيف يفتح المثقف والفنان المصري صدره على مصراعيه للمخاطر المحتملة، وهو يقود مجاميع المتظاهرين، ضد اجراءات النظام المصري الذي استمات ولا يزال في سلب حقوقهم وفرض آرائه السلفية على الجميع، ومع ان طبيعة الوضع السياسي في مصر لا تتشابه مع الوضع في العراق، لكننا نلاحظ موت او ضعف يصل حد الغياب للمثقف العراقي، في التعبير عن رفض ما يحدث من اساءات للشعب عبر النواقص الواضحة التي ترتكبها الاجهزة الحكومية لاسيما الخدمية.

إن هذا الصمت والتردد البيِّن من لدن المثقفين ازاء الاخطاء الحكومية في المجال الخدمي والحفاظ على المال العام، تؤكد حالتين ازاء المثقف هما:

- اما يكون مستفيدا من هذا الوضع ومكتفي ماديا، وهو بذلك يفضل ان يبقى الحال على ما هو عليه.

- أو انه يفضل الحيادية والخمول والتقاعس حتى لو كان هو نفسه، احد الذين يتعرضون للظلم باعتباره ينتمي لهذا الشعب ويعاني مما يعانيه.

وفي كلا الحالتين تبدو قضية موت المثقف موقفا وتفاعلا وقيادة، واضحة للعيان، وإن أردنا التخفيف من حالة الموت الى الحيادية والخمول، فإن الامر لا يختلف كثيرا حيث يبقى فعل المثقف غائبا، ويبقى تأثيره ضعيفا.

ولابد أن المثقفين يتذكرون بعض الخطوات الجيدة التي اتخذوها كفعل رافض ومحتج ومنتفض، كما حدث في ساحة الفردوس قبل سنوات، وكذلك في ساحة التحرير، وقد كان لهذه الخطوات الفعلية تأثيرها الواضح في تفعيل دور المثقف العراقي، وتدخله في اعمال التصحيح، بيد ان الامر لم يستمر طويلا، وكأن الصحوة المؤقتة تداهم المثقف فجأة ثم ما يلبث أن يعود الى نومته الطويلة.

لكن الامر لم ينته بعد ولا ينتهي، لأن مسار التصحيح مع السلطة لا ينتهي ابدا، لذا مطلوب من قيادات الثقافة والمثقفين وضع سياقات عمل وسلوك منهجي قائم على التخطيط والتنظيم والاقناع، لكي يتم تأكيد الحضور الفاعل للمثقف، وعدم اتهامه بالموت او الخمول او التقاعس، علما ان جميع الانشطة الجمالية والفكرية لا تدخل في اطار الفعل القيادي العملي للثقافة.

لذا لابد من اعتماد بعض الاجراءات التي تتعلق بالتخطيط والتطبيق فيما يتعلق بدور المثقف، بوصفه عنصر بشري متميز، ينحو الى التصويب ورفض الظلم الذي يقع على الفقراء والشعب عموما، ويمكن للجهات المعنية بالثقافة والمثقفين، اتخاذ الخطوات التالية في هذا المجال:

- أن يتم التنسيق بين قيادات المنظمات الثقافية المختلفة في عموم محافظات البلاد لكي يتم توحيد المواقف العملية بشأن الضغط المقبول من اجل التصحيح.

- أن تبتعد المنظمات والاتحادات المعنية عن إقامة الانشطة الشكلية التي لا تقود بالنتيجة الى نتائج عملية ملموسة.

- أن يؤمن المثقف بأنه قائد للمجتمع في الفكر والثقافة والسلوك ايضا.

- أن يتم تشكيل لجان متخصصة دائمية لتفعيل ادوات الضغط والتصحيح وعدم جعلها موسمية او ذات طابع اعلامي شكلي.

- أن يتم استثمار جميع الوسائل المتاحة لدى المنظمات الثقافية من اجل توصيل صوت المثقف وجعله متصدرا، كون الثقافة مصدر الوعي والتطوير في السلوك والفكر معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/شباط/2013 - 9/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م