فضيحة العميل X... تزيح الستار سجون إسرائيل السرية

شبكة النبأ: فضيحة جديدة تهز أركان إسرائيل أثارتها قضية السجين السري وعميل الموساد الذي عرف باسم اكس الذي أتنحر في إحدى سجونها السرية، وهو ما فتح الباب امام العديد من التساؤلات بخصوص جود أسرى ومعتقلين في سجون سرية خاصة غير معلن عنهم. واحتلت هذه قضية اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية التي سعت الى إعلانها خصوصا بعد ان طلب منهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التعاون في عدم نشر قضية لكونها محرجة جداً لمؤسسة رسمية.

وبحسب بعض المراقبين فأن هذه قضية ربما ستسهم بفتح ملفات أخرى قد تكون أكثر تعقيدا الأمر الذي خصوصا وان إسرائيل تواجه اليوم الكثير من التحديات والمشاكل مع بعض الحلفاء فيما يخص قضايا حقوق الإنسان وغيره من الأمور الأخرى، ويتصاعد الجدل في إسرائيل مع تكشف تفاصيل جديدة عن الاعتقال والانتحار الظاهر لسجين غامض في كانون الأول/ديسمبر 2010، يبدو انه إسرائيلي استرالي أوقف لأسباب أمنية وعمل لحساب جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد).

وذكرت شبكة التلفزيون الاسترالية "ايه بي سي" ان بين زيغر وهو استرالي يهودي في الرابعة والثلاثين من العمر عثر عليه مشنوقا في نزنزانة في سجن ايالون قرب الرملة جنوب تل ابيب في كانون الاول/ديسمبر 2010. وأوضحت ان الموساد قام بتجنيده. وقد صرح افيغدور فيلدمان المحامي المتخصص بقضايا حقوق الإنسان لإذاعة الجيش الإسرائيلي انهم لم ين هناك اي شيء يوحي بأنه ينوي الانتحار.

واوضح فيلدمان انه التقى بمن تسميه وسائل الإعلام الإسرائيلية "السيد اكس" بسبب الرقابة المفروضة على هذا الملف، لإعطائه المشورة القانونية قبل بدء محاكمته. وأضاف "لست طبيبا نفسيا لكنه بدا لي عقلانيا ودقيقا وليس عاطفيا وكان يتحدث كلاما عقلانيا وطرح أسئلة ذات صلة قانونية ولا يمكنني إعطاء التفاصيل". ورفع التعميم على هذه القضية جزئيا عندما أكدت وزارة العدل في بيان أنها "اعتقلت سجينا كان مواطنا إسرائيليا لكنه يحمل أيضا جنسية أجنبية"، وانه "لأسباب امنية، تم اعتقال الشخص بهوية مزورة رغم انه تم إبلاغ عائلته فورا باعتقاله".

وتساءل المحامي فيلدمان الذي كان أخر شخص قام بزيارة زيغر كيف تمكن السجين المسجون في عزلة تامة في السجن الذي يخضع لأكبر إجراءات أمنية في إسرائيل، من الانتحار؟ وقال "ان يتمكن رجل معتقل في مثل هذا السجن تحت مراقبة مستمرة 24 ساعة على 24، من الانتحار فهذا يفتح الباب لجميع أنواع نظريات المؤامرة". وبين هذه النظريات خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ان أجهزة الأمن سمحت للسجين بالانتحار وجعله يختفي بسبب حساسية المعلومات التي يملكها.

ورأى احد الكتاب في صحيفة هارتس اليسارية ان هناك نظريتين لشرح انتحار السجين، واحدة تشير الى إهمال مصلحة السجون او "البديل الاخر هو ان احدهم دفع زيغر للموت نفسيا ان لم يكن جسديا". وبدون الموافقة تماما على هذه النظرية، بدا عدد من المعلقين الإسرائيليين منزعجين من غموض القضية. وقال شيمون شيفر في صحيفة يديعوت احرونوت "الاسئلة عديدة ومقلقة. هل كانت هناك محاولات لمجموعة من المنظمات الحكومية ومن بينها المدعي العام ووكالات الامن لمحي القضية ومنع تحقيق مستقل في ظروف موته". الا ان محللين اخرين قالوا انه بحسب وزارة العدل فان عائلة بن زيغير ابلغت عن اعتقاله وتم تعيين محامين له وتم احترام كافة الإجراءات القانونية. بحسب فرنس برس.

وانتقدت صحيفة معاريف اليمينية "التقارير المنشورة في استراليا التي تقدم صورة رجل سجن دون محاكمة او اجراءات قانونية في عزلة تامة". وبالنسبة لهذه الصحيفة فانه يتوجب على السلطات الاسرائيلية انهاء الرقابة وكسر صمتها في اسرع وقت ممكن. واعترف المحامي افيغدور فيلدمان بانه على الرغم من الجوانب الغامضة للقضية فانه تم استيفاء كافة الحقوق القانونية "للسجين اكس". ويبدو ان الرجل الذي كان محاميا وصل من ميلبورن في استراليا الى اسرائيل عام 2001 باسم بن الون. وبعدها عاش في الدولة العبرية وتزوج من اسرائيلية وانجب منها طفلين قبل اعتقاله وسجنه "اوائل عام 2010" بحسب قناة التلفزيون الاسترالية اي بي سي.

لكن صحيفة هآرتس نقلت عن الصحيفة الأسترالية ايغ، أنّ الاستخبارات الأوسترالية أجرت تحقيقاً مع زيغر قبل اعتقاله في إسرائيل، على خلفية الشكوك بدور تجسسي له، وأنه ضمن هذا الإطار قد يكون سافر إلى إيران وسوريا ولبنان. وأوضحت الصحيفة أنّ التحقيق بدأ معه منتصف عام 2009، قبل ستة أشهر من اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح، وقد أعلنت شرطة دبي أنّ الذين نفذوا عملية الاغتيال استخدموا جوازات سفر، من ضمنها، جوازات سفر وأسترالية. وبحسب الصحيفة الأسترالية، لا علاقة بين جوازات سفر المواطنين الأستراليين الإسرائيليين الثلاثة الذين حُقِّق معهم، وعملية اغتيال المبحوح.

يعمل للموساد

في السياق ذاته نقل موقع والاه العبري عن معلق الشؤون الأمنية يوسي ميلمان، قوله إنّ السجين X (بن زيغر)، كان يهودياً أوسترالياً يعمل للموساد، وأنه ووري في الثرى بالمقبرة اليهودية في مسقط رأسه في مدينة ملبورن في الثاني والعشرين من كانون الأول عام 2010، أي بعد انتحاره بأسبوع. وأكد وزير الخارجية الأوسترالي، بوب كار، أنّه لم يُطلَع على هذه القضية، وأنّه سيطلب توضيحات من إسرائيل.

لكن صحيفة هآرتس لفتت إلى أنّه في هذه المرحلة لم تتوجه الحكومة الأسترالية لإسرائيل بأيّ طلب للحصول على توضيحات، وأكدت تقارير إعلامية أنّ الاستخبارات الأسترالية تلقّت تقريراً من الحكومة الإسرائيلية عن اعتقال بن زيغر في عام 2010. ونقلت هآرتس، أيضاً، عن الناطق بلسان الخارجية الأوسترالية قوله إنّ عائلة المواطن الأوسترالي لم تطلب مساعدة أخرى من الحكومة سوى نقل الجثة، ولم تطلب أيضاً فتح تحقيق.

وبحسب الصحافي الأسترالي تربور بورمان، الذي أجرى تحقيقاً خاصاً في هذه القضية لشبكة «إي بي سي» الأسترالية، فإنّ قضية وفاة زيغر الون تنطوي على السرية، متهماً الحكومة الإسرائيلية بإخفاء المعلومات. وأكد بورمان أنّ تفاصيل القضية التي كُشف عنها ستؤدي إلى هزات ارتدادية عابرة للقارات.

وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فإنّ السجين الذي كان يحمل الجنسية الإسرائيلية، كان في عزلة كاملة داخل السجن الإسرائيلي، ولم يكن لدى الشرطة التي كانت تعمل في السجن أدنى معرفة بهوية السجين ولا طبيعة القضية المدان بها وموجود بسببها داخل السجن، لكن الجميع كان يدرك أنه كان خطيراً جداً وكلّ ما يتعلق به سري للغاية، وأنّه كان يخضع لرقابة دائمة ومستمرة، ومع ذلك نجح في الانتحار. وبحسب تقارير إعلامية أخرى، كان زيغر في الزنزانة نفسها التي كان فيها قاتل رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، يغال عمير.

أما بخصوص أسباب اعتقاله، فنقل بورمان عن رجل أمن أسترالي سابق، وورن ريد، قوله إنّ الحديث يدور بالضرورة عن تجسس وخيانة ومعلومات حساسة جداً بحيث يشكل انكشافها للآخرين تهديداً أمنياً فورياً على إسرائيل. هذا واستغل عدد من أعضاء الكنيست حصانتهم البرلمانية وطرحوا عدداً من الأسئلة عن وجود سجناء سريين في المعتقلات الإسرائيلية، في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنّها دولة ديموقراطية وتهتم بحقوق الإنسان. وأثارت أسئلة أعضاء الكنيست الإسرائيلي ردود فعل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولم تفوّت رئيسة حزب «ميرتس» اليساري زهافا غلؤون فرصة استغلال الحادثة بالقول إنّ الظاهرة التي يتطوع فيها صحافيون لإجراء رقابة بناءً على طلب السلطات هي أمر غير ديموقراطي، مشيرةً إلى أنها كانت تتوقع أن تكون هذه الطريقة قد توقفت منذ عشرات السنوات، مضيفةً في الديمقراطية هناك شرعية فقط للرقابة بدوافع أمنية والخاضعة للمحكمة العليا للتيقن من مشروعيتها.

وطالبت غلؤون رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي المثول أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وتقديم تقرير عن القضية. ولفتت إلى أنّ من غير المعقول تسليم معلومات للجنة رؤساء تحرير وسائل الإعلام من أجل إخفائها عن الجمهور، فيما يجري إخفاؤها عن أعضاء الكنيست. ورأى عضو الكنيست عن حزب العمل، نحمان شاي، أيضاً، أنّ رئيس الحكومة نسيَ أنّه في عام 2013 لا يقبل الإعلام أي أملاءات، ولا يعمل بناءً على إجماع وطني كالسابق، مضيفاً أنّ الجمهور الإسرائيلي سيعلم آجلاً أو عاجلاً كلّ ما حصل، ولذلك فمن الأفضل إشراك الجمهور وعرض الحقيقة عليه ضمن حدود أمنية معينة.

وتحت ضغوط متزايدة من وسائل الاعلام سمحت الرقابة الاسرائيلية بنقل معلومات للمرة الاولى عن قناة ايه بي سي التلفزيونية الاسترالية حول مواطن استرالي شنق نفسه بعد احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي في إسرائيل. وقال مسؤول في الرقابة "تستطيع وسائل الاعلام استخدام ما تم نشره في الخارج ولكن الحظر على اساس اسباب الاحتجاز لا يزال ساري المفعول". وراى عدد من المعلقين الاسرائيليين ان ممارسات الرقابة في زمن الانترنت ووسائل الاعلام الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر تم تجاوزها تماما وعلق مذيع في الاذاعة العامة قائلا "نحن لسنا في الوقت الذي تفرض فيه الرقابة صمتا تاما". بحسب فرنس برس.

واكد يوسي ميلمان وهو معلق على قضايا الاستخبارات في موقع والا الاخباري انه "يتوجب على الرقابة والجيش والحكومة ان تدرك اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين ولم يعد بالإمكان الحفاظ على سرية كل شيء. ولو كان لدينا اذن بنشر المعلومات حول هذا الاسترالي قبل عامين لاعتبرت القضية بالفعل مغلقة ومدفونة". وكان موقع صحيفة يديعوت احرونوت الالكتروني نشر في حزيران/يونيو 2010، ان "شخصا مجهول الهوية" مسجون وسط سرية تامة في جناح بسجن ايالون في الرملة القريبة من تل ابيب. واضاف الموقع انه لم يتم ابلاغ احد بالتهم الموجهة الى السجين الذي لم يكن يحق له استقبال احد او الاتصال بالسجناء الاخرين.

لكن المقال اختفى فجأة بعد ساعة واحدة من نشره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/شباط/2013 - 8/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م