تونس... هل وأدت ثورة الياسمين؟

 

شبكة النبأ: منعطف خطير يهدد تونس التي تعيش حالة من الصراع السياسي الذي ازدادت حدته بشكل خطير بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فالوضع الحالي ينذر بأتساع رقعة الخلاف بين الإطراف السياسة، خصوصا وان الأطراف الإسلامية تسعى للحصول على مكاسب مهمة ومصادرة انجازات الثورة التونسية من خلال إقصاء وتهيش القوى العلمانية الأخر وهو ما قد يدخل البلاد في دوامة العنف و التناحر كما يقول البعض.

وبحسب بعض المحللين فأن التصعيد والتحولات الأخيرة التي تتبعها بعض الجهات والأحزاب التونسية ومنها اعتماد تصفية الخصوم بصورة مباشرة ربما سيكون هو السيناريو القادم في تونس ولعل الحادث الأخير لاغتيال المعارض البارز شكري بلعيد خير دليل على ذلك، حيث أسهمت هذه العملية بتفاقم الأزمة في تونس بشكل مفاجئ ولم يقدر اغلب التونسيين على تجاوز صدمة اغتيال المعارض العلماني ولكنهم لم يقدروا أيضا على كبح تأثرهم وهم يشاهدون أرملته تلوح بعلامة النصر وتطلق الزغاريد بينما كانت ترافق جثمانه في وسط العاصمة.

وبسمة الخلفاوي أرملة بلعيد الذي قتله مجهول بالرصاص عندما مغادرته للبيت في العاصمة خطفت الأضواء منذ اليوم الأول لمقتل زوجها وظهرت كامرأة قوية متماسكة تصر على إتباع خطاه في النضال ضد الاسلاميين الذين يحكمون تونس مهد الربيع العربي. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اغتيال بلعيد المحامي والسياسي العلماني الذي أطلق مسلح الرصاص عليه قبل أن يلوذ بالفرار بدراجة نارية. ورغم أن بلعيد يتمتع بتأييد سياسي متواضع لكنه في انتقاده اللاذع لسياسات حركة النهضة كان يتحدث بلسان كثيرين يخشون أن يخنق الأصوليون الإسلاميون الحريات التي اكتسبت في أولى انتفاضات الربيع العربي.

وتقول بسمة وهي محامية وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة أنها ستواصل رحلة شكري في النضال السياسي والحقوقي وأنها لن تهنأ الا بسقوط حكم الإسلاميين وتعبئة الشارع ضدهم. وقالت "اغتيال شكري يجب ان يفجر ثورة جديدة في تونس وعلامة النصر التي رفعتها هي تحدي للحكومة التي يجب ان ترحل فورا."

وتقول بسمة وهي ناشطة يسارية ان املها كبير في ان يكون مقتل بلعيد منطلقا لثورة جديدة في البلاد تنتصر للحرية والديمقراطية والحق في الحياة. وتضيف "اصبح هناك خوف كبير من اغتيالات اخرى في تونس. وألقت أسرة بلعيد باللوم على حركة النهضة لكن الحزب نفى أي تورط في الحادث. وهاجمت حشود عددا من مقرات الحركة في العاصمة ومدن أخرى. وتعاني تونس مهد انتفاضات الربيع العربي من توترات بين الإسلاميين الذين يهيمنون على مقاليد الحكم ومعارضيهم العلمانيين ومن خيبة أمل بسبب عدم حدوث أي تقدم على صعيد الإصلاحات الاجتماعية منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن على في يناير كانون الثاني 2011 .

الى جانب ذلك قال مسؤول في وزارة الداخلية التونسية ان الوزارة وفرت حماية أمنية لشخصيات سياسية وإعلامية بعد الاغتيال مما أثار المخاوف من سقوط تونس مهد الربيع العربي في حالة من الفوضى والعنف السياسي. وقال لطفي الحيدوري وهو متحدث باسم وزارة الداخلية " الوزارة وفرت حماية لعدد من السياسيين والصحفيين بعد تلقيهم تهديدات بالقتل". وأضاف "أشكال الحماية تختلف بين حماية منازل وتوفير مرافقين وبين حماية دورية غير منتظمة." وقالت مصادر ان حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية وهو نفس حزب الذي ينتمي اليه بلعيد حصل على حماية شخصية من الحكومة إضافة الى نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري. وتلقت العديد من شخصيات سياسية معارضة تهديدات بالقتل في الأسابيع الأخيرة.

في السياق ذاته وفيما يخص تلك الخلافات فلا تزال تونس تنتظر حكومة جديدة بعدما حدد رئيس الوزراء حمادي الجبالي أمين عام حزب حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في البلاد، وكسب حمادي الجبالي تاييد احزاب معارضة وعلمانية ونقابات ومنظمات غير حكومية بارزة لمبادرته فيما ظل حزبه (حرة النهضة) معارضا لها بشدة ودعا أنصاره الى التظاهر للدفاع عن "شرعية" حكم الإسلاميين.

وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وعمادة (نقابة) المحامين و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان" (منظمة حقوقية مستقلة) في بيان مشترك عن "موافقتهم المبدئية" على مبادرة الجبالي. لكنهم اشترطوا عليه "الرجوع عن التعيينات الحزبية (في مفاصل الدولة) غير المؤسسة على الكفاءة، وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات وفق مقاييس موضوعية" وذلك "تكريسا لحياد الادارة والناي بالجهاز التنفيذي للدولة عن التجاذبات الانتخابية".

وتقول المعارضة ان حركة النهضة قامت منذ تسلمها الحكم نهاية 2011 بـ"اختراق مفاصل الدولة" عبر تعيين مئات من الموالين لها على راس العديد من الإدارات العمومية.

وطالبوا بـ "حل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة التي تروع الناس وتنشر ثقافة الكراهية والضغينة والعنف على غرار رابطات حماية الثورة وتجسيد مبدأ احتكار الدولة وحدها لمسؤولية الامن وحماية الحريات العامة والخاصة للتونسيين والتونسيات". وتصف المعارضة "الرابطة الوطنية لحماية الثورة" غير الحكومية بانها "ميليشيات اجرامية" شكلتها حركة النهضة لاستخدامها في "تصفية حساباتها" مع خصومها السياسيين فيما تنفي الحركة باستمرار هذه الاتهامات.ورفض راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة مطالب المعارضة بحل الرابطة التي اعتبرها "ضمير الثورة" التونسية التي اطاحت في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

كما طالبت المنظمات بـ"تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف" ضد المعارضين و"تتبع كل دعاة الفرقة والكراهية والعنف بكل أشكاله في مختلف الفضاءات". وقالوا مخاطبين الجبالي "نعتقد أن نجاحكم في تكوين الحكومة والقدرة على اطلاق اعمالها يتوقف حسب راينا على الدفع بمبادرة الاتحاد (العام التونسي للشغل) للحوار الوطني" والتي رفضت حركة النهضة المشاركة فيها.

واضافوا ان الحوار يجب ان "يجمع كل القوى السياسية والمدنية للتوصل الى توافقات حول أهم محاور المرحلة الانتقالية والاعداد لانتخابات حرة وشفافة في آجال معقولة مع الاسراع بإنهاء صياغة الدستور" الجديد الذي يعمل المجلس الوطني التأسيسي على اعداده منذ أكثر من عام. وأوصوا في هذا السياق بـ "تركيز الهيئة المستقلة للقضاء، والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات مع مراجعة ضبابية المعايير المعتمدة في تعيين أعضائها". وكان الاتحاد العام التونسي للشغل نظم اضرابا عاما هو الاول في تونس منذ 35 عاما ردا على اغتيال شكري بلعيد الذي قتل امام منزله في العاصمة تونس.

من جانب أخر دعا محمد العكروت نائب رئيس حزب حركة النهضة وعضو مكتبها التنفيذي في شريط فيدو بثته الحركة على صفحتها الرسمية في فيسبوك الى "تجمع شعبي" للدفاع عن شرعية حكم الإسلاميين. وقال "هذا التجمع نريد ان نوجه من خلاله رسالة الى كل ابناء الشعب التونسي بمختلف اعمارهم وبمختلف اطيافهم من جمعيات واحزاب سياسية وكل الاطراف التي يعنيها ان تنتصر هذه الثورة المباركة. وقال "نريد ان ندعم ثقتنا في هذه الثورة التي لها بعض الذين يريدون عرقلتها، نريد ان نقول لهم خاب مسعاكم فهذه الثورة ستنتصر على الجميع".

وتابع "ندعو كل من يريد ان يتدخل في الشأن التونسي ونقول له انتهى عهد الهيمنة، وأضاف "نحن نريد ان نوجه هذه الرسالة من خلال هذا التجمع الكبير، نريده ان يكون حشدا كبيرا ونريد ان نحمل المسؤولية لكل الخيرين في البلاد، نريد ان نوجه رسالة لأبناء الثورة ولأبناء الحركة الاسلامية وخاصة حركة النهضة ان يكونوا غيورين على ثورتهم وعلى هذه البلاد ومصالحها، ويدفعوا في هذا الاتجاه".

وكان الجبالي قرر بعد ساعات من اغتيال بلعيد، تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة معتبرا انه السبيل الوحيد للخروج بالبلاد من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية. وفي حين اعلن العديد من قوى المعارضة والمنظمات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني تاييده المتفاوت لهذه المبادرة، جاء الاعتراض الرئيسي عليها من حزب النهضة الذي يقود الائتلاف الحاكم وايضا من شريكه حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي أسسه الرئيس منصف المرزوقي. لكن الشريك الثالث في الحكم حزب التكتل بزعامة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر أعلن تأييده لمبادرة الجبالي. وشكل الجبالي "مجلس حكماء" استشاريا يضم شخصيات سياسية وحقوقية تونسية معروفة لمساعدته على ايجاد سبيل للخروج بالبلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها.

من جهة أخرى صرح الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ان تونس "امتصت صدمة" اغتيال المعارض شكري بلعيد واكد ضروه تبني دستور يحدد عدد الولايات الرئاسية باثنتين. وقال المرزوقي بشأن اغتيال المعارض "ارى اننا نعبر هذا الاختبار بدون أضرار كبيرة". وأضاف الرئيس التونسي ان "البلاد لا تشهد حربا. ليس هناك قتيل واحد ولا حتى جريح بقي البلد هادئا بمجمله وحتى التظاهرات المضادة جرت بهدوء. تمكنا من امتصاص الصدمة". وعن الدستور المقبل، قال المرزوقي انه يؤيد "نظاما مختلطا" لان "تونس عانت كثيرا من الديكتاتورية ويجب منحها نظاما يمنع اي عودة الى الديكتاتورية او رئيس وزراء قاس جدا". وتابع ان "الرئيس المقبل يجب الا يبقى اكثر من ولايتين ويجب الا تكون لديه حصانة عندما ينتهي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/شباط/2013 - 8/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م