مخاطر إلغاء القوانين الاسلامية

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: عندما نتفحص واقع حال المسلمين في عموم بلدان العالم، نجد أنهم في حالة يرثى لها، والسبب قد يكون معروفا او مجهولا، وربما تكون الصورة مشوشة لدى كثير من المسلمين انفسهم وغيرهم، فالاسلام الذي نقل شعب الجزيرة العربية من الظلمات الى النور، وشذب روح القسوة والجلف في نفوسهم، وجعلهم امة الرحمة والتقارب والانسانية، ذلك الاسلام تمكن من تصحيح نفوس الناس آنذاك، أما اليوم فقد تدخلت ارادات كثيرة لكي تقف حائلا بين مبادئ وتعاليم الاسلام، وبين التطبيق على ارض الواقع، وهكذا تكون النتيجة سلسلة من الاخطاء المتوارثة، تنتج عنها حياة قاسية متخلفة لا تليق بحياة الانسان في عالم اليوم.

أسباب الفقر الاجتماعي

لقد أخطأ القائمون على ادارة شؤون المسلمين عندما ألغوا كثيرا من القوانين التي جاء بها الاسلام، حتى صارت قيما أو اعرافا لكثير من اطياف المجتمع الاسلامي، إلا ان الحكومات وقوة السلطة والعقليات المتزمتة وقفت حائلا بين تعاليم الاسلام وبين التطبيق الفعلي لها، الامر الذي جعل منها محيّدة وغير قادرة على تحسين حياة الناس.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الافلام المفسدة في الاقمار الصناعية): (إن إلغاء القوانين الإسلامية أوجب تبعات لا تحمد عقباها، فمثلاً: إلغاء قانون ملكية الأراضي العامة: كان من أسباب الفقر الاجتماعي، وعزوف الشباب عن الزواج، فإنهم لا يضمنون لأنفسهم المسكن والمأوى حتى يقدموا على تكوين الحياة الزوجية. وإلغاء قانون السبق والحيازة: سبب في تضييق موارده المعيشة، حيث أوصد الباب في وجه الاستفادة من خيرات البحار، والمعادن والغابات والآجام واصطياد حيوانات البر والبحر، إلى غير ذلك. وكان ذلك من أسباب ازدياد نسبة البطالة، ومن علل انتشار ظاهرة الفقر في المجتمع. ومن الواضح ما للبطالة والفقر من الدور الكبير في الانحراف الخلقي).

وهناك سلسلة من التعاليم الاسلامية التي وردت في النصوص القرآنية المباركة، أو المستقاة من السيرة النبوية الشريفة، وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، كلها وضعت لخدمة الانسان، ولجعل الحياة لائقة به وبقيمته الكبيرة، وقد ارتقت حياة الانسان المسلم ابان الدولة الاسلامية في صدر الرسالة النبوية، وانتفى الظلم او وصلت نسبته الى أدنى الحدود قياسا لما كان يحدث في المجتمع الجاهلي الذي كان فيه الانسان مستعبدا من لدن الانسان، وقد تكونت سلسلة من القيم التي حررت الانسان في ظل الاسلام، وجعلته اكثر حرية وابداعا وانتاجا ايضا، لذلك هبطت مستويات الفقر وارتفعت مستويات الوعي لدى المسلمين، وتكونت دولة عظمى تمكنت من الانتشار الى رقعة واسعة في مشارق الارض ومغاربها.

ولكن حينما حوصرت القوانين الاسلامية، بدأ العد العكسي لحياة المسلمين وبدأ الانحدار، يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: إن (إلغاء قانون الناس مسلّطون: أوجب خنق الحريات في السفر والإقامة والاكتساب والتجارة والزراعة والصناعة والعمارة والثقافة، وما إلى ذلك. وإلغاء قانون وحدة الأمة: سبب في انهيار فرص التعاون بين أبناء الأمة، وأضعف الحصانة ضد عوامل التغيير، وجعل القيود والأصفاد أمام الهجرة والإقامة إلى سائر بلاد الإسلام، حتى إذا أوصدت أمام المسلم في بلده أبواب الرزق، ذهب إلى بلد آخر حيث السعة. ومن الطبيعي أن الأمة المتبعضة والمتقسمة، تفقد الكثير من قدراتها على التصدي للأخطار والأوبئة، داخلية كانت أم خارجية، عسكرية كانت أم خلقية. وإلغاء قانون الأخوة الإسلامية: أوجب تقسيم المسلمين إلى طبقات وإلى درجات إضافة إلى هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج بلاد الإسلام، وهما سبّبا حرمان الإنسان من مزايا كثيرة).

إلغاء قانون الحرية

ومن اكبر الاخطاء التي ارتكبها المعنيون بادارة المجتمع الاسلامي، الغاءهم لقانون الحرية الذي اورده الاسلام في عدد من النصوص القرآنية التي لا يختلف عليها احد، بسبب وضوحها الشديد، وقد اعطت للانسان زخما كبيرا للتحرر والابداع والتجديد، ولكن وضع المعوقات جعلت من الحرية كلاما يفتقر للتطبيق في مجتمعاتنا.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: إن (إلغاء قانون الحرية: حدّ من انطلاقه الإنسان نحو مدارج الرقي والكمال، في تلقي العلم وفي ترتيب أمر المعاش، وأدى ذلك إلى ازدياد حجم الإقبال على التوظيف في الدوائر الحكومية، وفي مقابل ذلك اتباع الحكومة سياسة سنّ الضرائب لتغطية النفقات الإضافية على الموظفين وعلى البذخ والإسراف و…وكانت الحصيلة النهائية، تبدد الثروات، والعبودية للدول الأجنبية، إضافة إلى أن الكبت يولد عقدة في الكثير من الناس تدفعهم للتنفيس عنها ولو باللجوء إلى المخدرات أو الشذوذ الخلقي أو الجلوس لساعات طوال لمشاهدة الأفلام اللاأخلاقية).

لقد تم محاصرة عددا من القيم والقوانين التي نظمت المجتمع الاسلامي في عصر ازدهاره وتطوره، وكانت هذه المحاصرة سببا في تعطيل المنهج الاسلامي في التطبيق، الامر الذي افقد المسلمين الكثير من فرص النجاح، وغالبا مان اصحاب السلطة هم السباقون الى محاصرة والغاء التعاليم الاسلامية السمحاء، لانها تتضارب مع اهدافهم في الثراء على حساب الشعوب، بالاضافة الى تكريس حالة الطغيان لحماية السلطة والغاء الشورى تماما.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (لقد أدى إلغاء قانون الشورى إلى الارتجالية في الكثير من القرارات، وإلى استيلاء سلسلة من الدكتاتوريات العسكرية والملكية الوراثية على دفة أمور المسلمين. فضاعت الحقوق، وانهدمت الضوابط السياسية والاجتماعية، وتغيّرت المفاهيم والمعايير وأصبح الحق هو ما يعطيه الحكام من صدقات، وما يمنحونه من هبات، فصودرت الحريات بأسماء ومسببات مختلفة. وتحطمت القيم الإنسانية الرفيعة في ظل احتكار السلطة واحتكار فرص التوظيف، مما أدى إلى فقدان قدرة الأمة والدولة على التصدي للأخطار الداخلية والخارجية، اللاأخلاقية والسياسية وما أشبه ذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/شباط/2013 - 8/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م