كوريا الشمالية... رسالة جديدة بنبرة نووية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن طريق كوريا الشمالية العسكري والسياسي تحت حكم الزعيم الشاب كيم جونغ-اون، مليء بالتحديات والصراعات بأعلى المستويات الإستراتجية السياسية والحربية، وهو ما اتضح جليا من خلال  التجربة النووية الثالثة الناجحة لكوريا الشمالية مؤخرا، حيث اعتبرت اشد قوة من التجربتين السابقتين واستخدمت فيها على حد قولها قنبلة مصغرة.

لتطلق هذه التجربة النووية معها عاصفة من التنديدات والانتقادات من لدن الأسرة الدولية، لتصبح تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الدوليين تحت وطأة ازمة سياسية ملتهبة في المستقبل القريب، ولعل ابرز ما اثار مخاوف القوى الكبرى في العالم، هو استخدام قنبلة مصغرة وهذا الامر يشير الى ان بيونغ يانغ باتت تمتلك التكنولوجيا المتطورة التي تسمح لها بصنع قنبلة صغيرة الحجم بحيث يمكن تثبيتها على راس صاروخ.

لكن على من تلك المؤشرات لا يزال الغموض حتى الان يخيم على قدرة النظام الشيوعي على تطوير رأس نووية لصاروخ بعيد المدى، خصوصا بعدما فشلت في إطلاق صاروخ بعيد المدى العام الماضي. 

إذ يرى بعض المسؤولين والخبراء في المجال النووي ان العمل الذي قامت به كوريا الشمالية يشكل خطرا واضحا على السلام والامن الدوليين ويمثل تحديا للجهود الرامية لتعزيز نزع الاسلحة النووية عالميا ومكافحة الانتشار النووي، إذ ان هذا التصرف يستحق ادانة عالمية.

فيما يرى اغلب المحللين في حال كانت بيونغ يانغ توصلت فعليا الى صنع قنبلة مصغرة، فهذا سيحدث تغييرا جذريا على الصعيد العسكري، لا سيما بعدما نجحت في نهاية العالم في ارسال صاروخ الى الفضاء، ما اشار الى تقدم كبير في سيطرتها على التكنولوجيا البالستية.

بينما يرى المحللون آخرون ان تكتيك كوريا الشمالية يقضي باثارة وضع ازمة وحض الاسرة الدولية على التفاوض معها، وان هذه الدولة  الشمالية لن تتوقف عند هذا الحد بالتاكيد، وستجعل هذه الازمة النووية تستمر حتى تموز/يوليو عند احتفال واشنطن بالذكرى الستين لوقف اطلاق النار في الحرب الكورية (1950-1953)، لتحويل اتفاق وقف اطلاق النار الى معاهدة سلام لم يتم التوصل اليها منذ ستين عاما.

في حين وضع عناد كوريا الشمالية عبر ارادتها امتلاك السلاح النووي، بكين في حرج كبير، بين مسؤولياتها الدولية في مجلس الامن الدولي وتحالفها الاقليمي مع بيونغ يانغ، ويرى المحللون ان الهجمة غير المسبوقة من الصين على حليفتها بسماح للصحيفة بان تقول جهارا ما تفكر به القيادة الصينية او على الاقل قسم منها، بصوت خافت.

يدفع احتمال انهيار نظام كوريا الشمالية التي يقوم اقتصادها على المساعدة الصينية والدولية، ويشكل كابوسا بالنسبة لبكين ويدفعها الى استخدام حقها في النقض (الفيتو) ضد كل العقوبات التي تعتبرها مفرطة في القساوة ضد بيونغ يانغ.

لذا فقد اقتصرت الدبلوماسية الصينية حتى الان على التعبير عن الامل في ان تحتفظ كل الاطراف المعنية بالهدوء وتتمسك بالاعتدال وهو موقف جددته الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونيينغ.

بينما يرى  دبلوماسيون غربيون  ان الصينيين لن يغيروا سياستهم رغم انهم محبطون كثيرا من اقناع بيونغ يانغ بالتريث العسكري، اما العواقب فبالامكان القول ان هناك قطيعة في الموقف الصيني.

وعليه فان التطورات السياسية والعسكرية انفة الذكر اظهرت وجها سياسيا اخر لكوريا الشمالية لا يعجب المجتمع الدولي، فيما توقع محللون سياسيون بأن السياسية العسكرية الكورية في العهد زعيمها الحالي لن تتغير وإنما ستستمر في السياق نفسه بأكثر واقعية لذا تفضي المعطيات آنفة الذكر بأن كوريا الشمالية اليوم تحت حكم الزعيم الشاب كيم جونغ-اون اقوى مما تبدو، كون القيادة الكورية تنتهج آيدولوجية سياسية وفق إستراتجية عسكرية متطورة، تمهد الطريق لمرحلة سياسية محورية لا تخلو من روح المغامرة، وعليه فقد تلوح في الأفق معارك سياسية حيوية بين كوريا وخصومها، قد تصنع تحديات وصراعات اقلمية ودولية على الأصعدة كافة.

وعلى الصعيد نفسه قالت منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية إن قوة الهزة غير المعتادة التي قالت كوريا الشمالية إنها تجربة نووية بلغت 4.9 درجة على مقياس ريختر وهو ما يزيد عن التجربة التي أجرتها كوريا الشمالية عام 2009. بحسب رويترز.

وقالت كوريا الشمالية ان التجربة التي اثارت تنديدا سريعا واسع النطاق كان لها "قوة تفجيرية أكبر" من التجربتين السابقتين "باستخدام شحنة نووية اصغر واخف"، وقال شاشانك جوشي زميل المعهد الملكي للخدمات المتحدة انه لو كانت هي هذه الشحنة "فان هذا يشير الى سلاح من الاسهل بكثير ان تنقله الصواريخ وهو شيء يثير القلق بشكل خاص لدى الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى."

وتم التفاوض على معاهدة دولية لحظر التجارب النووية في التسعينات لكن لم يبدأ سريانها بعد لانه ليس كل الاطراف التي لديها تكنولوجيا نووية صدقت عليها، لكن المنظمة تراقب بالفعل الانتهاكات المحتملة وتبحث عن علامات على التجارب الذرية بما في ذلك الموجات الزلزالية وآثار المواد المشعة.

وتلقى معاهدة حظر التجارب النووية تأييدا واسعا في أنحاء العالم حيث ينظر اليها على انها حجر الزاوية لجهو عالم خال من القنابل الذرية، لكن من بين الدول الخمس التي يعترف بها رسميا على انه تمتلك أسلحة نووية فان الولايات المتحدة والصين هما الدولتان اللتان لم توقعا على المعاهدة.

وعبرت منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي يقع مقرها في فيينا عن "أسفها البالغ" بشأن اعلان كوريا الشمالية أنها أجرت تجربة نووية اخرى، وقال يوكيا أمانو مدير عام الوكالة في بيان "هذا... انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن."

في الوقت ذاته دان الامين العام للامم المتحدة بان كين مون التجربة النووية معتبرا انها "مزعزعة للاستقرار بشكل كبير" وتشكل "انتهاكا واضحا وخطيرا لقرارات مجلس الامن"، بحسب ما نقل عنه المتحدث باسمه مارتن نسيركي.

واعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان التجربة النووية "عمل استفزازي.. لا يجعل كوريا الشمالية اكثر امانا" داعيا الى تحرك دولي "سريع" و"ذي صدقية" ردا عليها.

وقد عقد مجلس الامن الدولي اجتماعا طارئا لبحث سبل الرد على هذه التجربة، على ما افاد دبلوماسي دولي وقد طالبت لندن ب"رد شديد" من المجلس كما اكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان "فرنسا ستدعم تحركا صارما في مجلس الامن الدولي".

كذلك انتقد البلدان المجاوران لكوريا الشمالية، اليابان وكوريا الجنوبية، التجربة التي دانتها روسيا ايضا معتبرة انها تشكل انتهاكا لقرارات مجلس الامن الدولي. بحسب فرانس برس.

واعربت الصين عن "معارضتها الشديدة" للتجربة واعلنت وزارة الخارجية في بيان ان "جمهورية كوريا (الشمالية) الديمقراطية الشعبية قامت بتجربة نووية جديدة رغم معارضة كامل المجتمع الدولي" بدون استعمال كلمة "ادانة".

اما ايران فانتقدت التجربة واعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست "علينا ان نصل الى نقطة لا تملك فيها اي دولة السلاح الذري وتدمر فيها كل الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل، وان يكون في الوقت نفسه لكل البلدان الحق في استعمال الطاقة النووية سلميا".

وقال دبلوماسي في الامم المتحدة ان بكين وموسكو وواشنطن تشاورت منذ بضعة ايام و"ستتفق بشكل سريع على وجوب القيام بتحرك حازم"، واوضحت كوريا الشمالية ان "التجربة النووية جرت في اطار تدابير تهدف الى حماية امننا القومي وسيادتنا من العداء المتواصل من جانب الولايات المتحدة التي انتهكت حق جمهوريتنا في القيام بعمليات سلمية لاطلاق اقمار صناعية".

بينما تشعر الصين بالحرج على ما يبدو مع اقتراب تجربة نووية كورية شمالية جديدة الى حد انها سمحت للمرة الاولى لصحفها الرسمية توجه تهديدات الى بيونغ يانغ في جدال غير مسبوق بين الحليفتين، وتدعو الحكومة الصينية التي صادقت على تشديد العقوبات على بيونغ يانغ في كانون الثاني/يناير، الى التهدئة، لكن مقالين نشرتهما صحيفة غلوبال تايمز العائدة الى مجموعة صحيفة الشعب الناطقة باسم حال الحزب الشيوعي الصيني، عكسا درجة استياء بكين من بيونغ يانغ.

من جهتها قامت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مناورات بحرية مشتركة تشمل غواصة نووية اميركية، وذلك في غمرة التوتر الذي تعيشه المنطقة، ورغم تاكيد مسؤولين عسكريين كوريين جنوبيين بان المناورات كانت مقررة قبل تهديد كوريا الشمالية باجراء تجربة نووية ثالثة، الا ان وجود الغواصة يعتبر بمثابة تحذير لبيونغ يانغ، ونقلت وكالة انباء يونهاب الكورية الجنوبية عن مصدر عسكري ان "المناورات تتضمن عمليات تدريب في البحر واكتشاف وتحديد مكان غواصة، وتدريبات على اطلاق ذخيرة حية مضادة للصواريخ ومضادة للطائرات ومضادة للسفن".

في الوقت نفسه ترأس الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-اون مؤخرا اجتماعا عسكريا خصص للتحضير ل"تحول هائل" في القدرات الدفاعية للبلاد.

الى ذلك نشرت السلطات الكورية الشمالية، مقطعا على موقع يوتيوب يظهر مدينة تشبه نيويورك تلتهما النيران اثر ما يبدو انه هجوم صاروخي. وجرى تحميل الفيديو على يوتيوب من موقع "اوريمينزوكيكري" الملكف بترويج الدعاية الشيوعية للنظام في كوريا الشمالية، ويصور هذا المقطع في قرابة ثلاث دقائق، حلم شاب كوري يتخيل نفسه على متن صاروخ يدور حول الارض، يشبه الصاروخ الذي اطلقته بيونغ يانغ في كانون الاول/ديسمبر الماضي. بحسب فرانس برس.

ويظهر عدد من الدول التي يحلق الصاروخ فوقها، منها كوريا نفسها التي تظهر موحدة، ومن ثم مدينة يكسوها العلم الاميركي مع ناطحات سحاب تجتاحها القنابل والنيران، وترافق المقطع موسيقى مقتبسة من اغنية "وي آر ذا وورلد" التي سجلها نجوم اميركيون في العام 1985 بهدف مساعدة افريقيا، ويتضمن الفيديو عبارة "يبدو ان وكر الاجرام قد التهمه الحريق الذي اشعله بنفسه"، ويختتم المقطع مع الشاب الذي يؤكد ان "حلمه سيصبح حقيقة يوما ما".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/شباط/2013 - 6/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م