الأزمة السورية... بيض في سلة الاسد

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تثير مجريات الاحداث القائمة في سوريا وما يصاحبها من مواقف دولية واقليمية الكثير من علامات الاستفهام، سيما بعد ان عجزت جميع اطراف الصراع الداخلية والخارجية عن حسم الامور او ترجيح كفة على حساب أخرى، وهو ما يضع امام المراقبين حزمة سيناريوهات قابلة للتطبيق وان كان بشكل نسبي.

وبعيدا عما يجري في الداخل من معارك كر وفر بين الجماعات المسلحة والسلطات السورية، تجلت مؤخرا نوايا للتهدئة وان كانت لوقت مؤقت أملا في تغيير توجهات مراكز القوى التي تمسك بزمام المبادرة على الاض، الموالية للدولة او المعارضة منها، قد يخرج الجميع من حالة الدوران في حلقة مفرغة.

فبعد 22 شهرا من النزاع الذي اوقع اكثر من 60 الف قتيل بحسب الامم المتحدة وامام الطريق المسدود الذي وصلت اليه المجموعة الدولية ابدت الولايات المتحدة تغييرا في اسلوب تعاملها مع الازمة في سوريا بشكل علني وراسخ، عندما كشف  قبل ايام جون كيري عما وصفه بالمبادرة الدبلوماسية لوقف العنف، والذي اكد خلالها على استبعاد خيار تسليح المعارضة المسلحة، حيث سعى الربان الجديد لدفة السياسة الخارجية الأمريكية، إلى النأي بنفسه عما أثير حول وجود خلافات بين الرئيس باراك أوباما، ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، حول تسليح مقاتلي المعارضة في سوريا.

مما يدل على قناعة البيت الابيض بعد جدوى مشروع الاطاحة بالاسد عسكريا من جهة، وتنامي القلق من اتساع نشاط جماعات القاعدة والتطرف على الاراضي السورية، سيما بعد ان سبقت تصريحات مسؤولي الولايات المتحدة الاخيرة قرارا الحق جبهة النصرة بقائمة المنظمات الارهابية.

في الوقت الذي أكدت فيه إدارة أوباما التزامها بتقديم ملايين الدولارات، في صورة "مساعدات غير قتالية"، لجماعات المعارضة.

وعلى غرار واشنطن استبعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ايضا رفع الاتحاد الاوروبي الحظر عن الاسلحة الموجهة الى معارضين سوريين، وان تأتي تلك الاشارة من باريس احدى اكثر الدول المحرضة على الاطاحة بالأسد عنوة قبل اشهر! دلالة على ان الحراك الفعلي لحلحلة الازمة السورية سلميا قد انطلقت بشكل جدي.

اذ اكد هولاند على ان الموضوع لم يطرح للنقاش خلال اجتماعات المجلس الاوروبي، معتبرا ان الحظر "لا يمكن رفعه، كما يرى بعض البلدان، الا اذا تأكد لنا انه لم تعد هناك اي امكانية للحوار السياسي".

ودفع هولاند بالكرة الى المجلس الوطني السوري، حيث قال قبل ايام، طرح رئيس الائتلاف (السوري المعارض) فكرة اجراء حوار مع نائب الرئيس السوري.

وابدى معاذ الخطيب في 30 كانون الثاني/يناير الماضي استعداده المشروط لمحاورة ممثلين لنظام الرئيس الاسد، مقترحا في مرحلة لاحقة اسم نائب الرئيس فاروق الشرع كطرف محاور، لكن مشددا في الوقت نفسه على ان الحوار سيكون على "رحيل النظام".

الى ذلك اعربت الامم المتحدة عن تفاؤلها بوجود بصيصا من الامل بشأن سوريا. معلقة آمالها على عرض زعيم المعارضة بالاجتماع مع ممثلي الحكومة لمناقشة عملية انتقال سياسي.

وفي تعليق اقرب الى الاملاء قال جيفري فيلتمان الامين العام المساعد للامم المتحدة للشؤون السياسية ان العرض الذي قدمه معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري "اكثر الامور المبشرة التي سمعناها بشأن سوريا في الآونة الاخيرة."

وقال فيلتمان للصحفيين "اقول انه في ضوء الاهوال التي يعانيها الشعب السوري.. فان اي فرصة يتعين علينا تجربتها لانتهاج طريق سياسي بدلا من طريق عسكري تستحق المحاولة.

ويواجه مجلس الامن الدولي مأزقا منذ عام 2011 بسبب رفض روسيا والصين دراسة فرض عقوبات ضد حكم الاسد. واستخدمت الدولتان حق النقض(الفيتو) ضد ثلاثة مشروعات قوانين تدين محاولات الاسد لسحق الانتفاضة.

من جانبه قال الابراهيمي لمجلس الامن ان الخطوط العريضة للقيام بتحول سياسي في سوريا والتي تم الاتفاق عليها بين القوى الكبرى والاقليمية في جنيف في يونيو حزيران الماضي قد تشكل الاساس لخطة عمل للمجلس.

كما قال دبلوماسيون ان روسيا وصفت عرض الخطيب بانه تطور مهم يطرح "زخما ايجابيا" وان زعيم المعارضة السوري الذي التقى مع وزيري خارجية روسيا وايران في المانيا قد يزور موسكو.

وسبق ان رفض اقطاب الائتلاف السوري المعارض أي زيارة لروسيا الا في حال تغيير موقفها من الحكومة السورية.

ويرى المراقبون ان التبدل الرسمي للدول الداعمة للمعارضة السورية جاء بعد ان ضاقت ذرعا بها، نظرا لفشلها في استقطاب شرائح كبيرة معارضة في الداخل السوري قادرة على التغيير، الى جانب سلسلة الفضائح والانتهاكات التي ارتكبتها بعض الجماعات المسلحة بحق المدنيين.

ونشرت عشرات الافلام في المواقع الالكترونية تظهر جماعات مسلحة داخل سوريا تقوم بأعمال عنف وتنكيل بحق افراد مدنيين وعسكريين تم اسرهم.

في السياق ذاته جاءت المواقف الاقليمية اكثر مرونة مما كانت عليه قبل بضع شهور، اذ اكد اجتماع المؤتمر الاسلامي في مصر مؤخرا خالي من النبرة التصعيدية المحرضة على الاطاحة بالنظام السوري كما جرت عليه العادة في المؤتمرات الدولية والاقليمية السابقة.

فقد دعا قادة الدول الإسلامية قمة في القاهرة إلى حوار جاد بين الحكومة والمعارضة في سوريا حول نقل سلمي للسلطة.

وأيدت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا بعد القمة التي استمرت يومين مبادرة تقدمت بها مصر وتركيا وإيران والسعودية لرعاية مفاوضات لوقف إراقة الدماء.

وقال الرئيس المصري محمد مرسي في كلمة ختامية "اتفقنا جميعا على ضرورة تكثيف العمل لوضع حد للمأساة التي يعيشها الشعب السوري الشقيق."

وصدر البيان الختامي بعد ساعات من انتهاء أعمال القمة نتيجة خلافات في اللحظة الأخيرة حول الصياغة.

ولم يذكر البيان الأسد بالاسم لكنه دعا إلى محادثات بين الإئتلاف الوطني السوري المعارض "وممثلي الحكومة السورية الملتزمين بالتحول السياسي في سوريا والذين لم يتورطوا بكيفية مباشرة في أي شكل من أشكال القمع."

من جهة أخرى عدت بعض الاطراف المعارضة للنظام السوري اقامة حفل تنصيب بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس في دمشق دعما غير مقبول للاسد، معتبرين ذلك رسالة الى المجتمع الدولي تصب في مصلحة النظام السوري، سيما ان مسؤولين روحيين مسيحين من كنائس الشرق وفي طليعتهم بطريرك الموارنة بشارة الراعي دعوا من دمشق إلى حل الازمة السورية سياسيا.

وزيارة الراعي الى دمشق هي الأولى التي يقوم بها بطريرك ماروني لسوريا منذ استقلال لبنان في عام 1943. ويبلغ عدد أتباع الكنيسة المارونية في لبنان 900 ألف ويمثلون ربع سكان البلاد.

وقال الكردينال الراعي الذي شارك في حفل تنصيب البطريرك الجديد للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي في كنيسة الصليب المقدس وسط دمشق "كل ما يقال ويطلب من أجل ما يسمى إصلاحات وحقوق إنسان وديمقراطيات هذه كلها لا تساوي دم انسان واحد بريء يراق."

وخاطب البطريرك اليازجي قائلا "تأتي في زمن صعب في سوريا العزيزة المتألمة ...جئنا لنقول معك كل تضامننا لشعبنا هنا المجروح المتألم ... نحن نحمل معا إنجيل السلام إنجيل الاخوة إنجيل كرامة الانسان وقيمته فكل إنسان بل كل دم بريء يسقط على الارض الطيبة هو دمعة من عيون المسيح"

ووسط تصفيق حار من الحضور في كنيسة الصليب في دمشق شكر بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي في حفل تنصيبه الرئيس السوري بشار الاسد ومسؤولين سوريين قائلا "نحن على يقين ان سوريا حكومة وشعبا ستجد باب الخلاص بالحوار والحل السياسي السلمي لتتبدد غيمة العنف وتعود سوريا إلى الاستقرار والطمأنينة والسلام"

ويشكل الارثوذكس غالبية المسيحيين في سوريا البالغ عددهم زهاء 1.8 مليون نسمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/شباط/2013 - 4/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م