زيارة نالها التحقير.. تحرك استراتيجي ايراني وتكتيك اخواني

 

شبكة النبأ: تظهر التحولات الإقليمية المتسارعة على الصعيد السياسي في الشرق الأوسط حاليا، مؤشرات متفاوت من لدن دول هذه المنطقة، حول الروابط الدبلوماسية او السياسيات الخارجية فيما بينها، كاتخاذ المواقف السياسية تجاه دولة معينة، او تقديم الدعم اللوجستي او الاقتصادي لدولة ما، او اعادة رسم تحالفات إستراتيجية بهدف تمرير أجندات سياسية إقليمية.

ولعل الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى مصر مؤخرا، تمثل مشروع طموح ايراني لبناء شراكة وتحالف استراتيجي بين اكبر دولتين في الشرق الاوسط من حيث السكان، حيث تسعى ايران الى ايجاد سبل جديدة لتدعيم علاقاتها مع مصر من خلال الروابط الدبلوماسية والاقتصادية.

إذ يرى بعض المحللين بأن قيام ايران بتوجيه بوصلة مصالحها الإستراتجية تجاه مصر في هذا التوقيت تحديدا، هو نتيجة لتوسيع دول الخليج نفوذها في مصر في الاونة الاخيرة من خلال تقديمها المساعدة الاقتصادية لبلاد الفراعنة، كون هذا النفوذ يضر المصالح الايرانية على الساحة الإقليمية ايضا.

في حين يرى محللون آخرون بأن زيارة رئيس ايران  لمصر هي فرصة لتعزيز العلاقات السياسية الاقتصادية المنقطعة منذ ثلاثة عقود تقريبا، علما بأن ايران يقاطعها المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، لذا بادرت الجمهورية الاسلامية الايرانية بتقديم الدعم اللوجستي والاقتصادي بشكل خاص، وذلك للاستغلال الظروف والتحولات الإقليمية في الشرق الأوسط لكسب حلفاء جدد.

في المقابل يرى اغلب المحللين بأن قرار إعادة العلاقات الكاملة بين إيران ومصر في هذه المرحلة صعب رغم دفء العلاقات بينهما مؤخرا، نظرا لمشاكل كثيرة منها الأزمة السورية وعلاقات القاهرة مع دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة، فضلا عن الاختلاف المذهبي، بينما تأتي القضية الفلسطينية العامل المشترك الوحيد بين البلدين، وعليه فان فرصة تكوين علاقة سياسية حميمة بينهما مازلت ضئيلة جدا،  نظرا للمعوقات انفة الذكر، ويعلل اولئك المحللين ان حكومة الاخوان في مصر اعطت لنجاد الضوء الاخضر في زيارة مصر نكاية او ابتزازا للمواقف السعودية الداعمة لمعارضي الاخوان في مصر، فالزيارة التي رافقها كثير من الاحتقار المصري للجانب الايراني (خصوصا في الازهر)، قد تمثل مجرد تحرك تكتيكي اخواني لتغيير السياسة السعودية الغاضبة والخائفة تجاه الاخوان.

لذلك يرى الكثير من المراقبين بأن هذه الزيارة التاريخية قد ترسم وجها سياسيا جديدا لإيران سواء كان سياسيا او اقتصاديا، وبالتالي يصبح طموح إيران حلم صعب المنال حتى اللحظة الراهنة.

تحالف استراتيجي

فقد دعا الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يقوم بأول زيارة لزعيم ايراني للقاهرة في أكثر من ثلاثة عقود الى تحالف استراتيجي مع مصر وقال انه عرض تقديم قرض لمصر التي تعاني من أزمة مالية لكن الرد كان فاترا.

وقال أحمدي نجاد ان قوى خارجية تحاول منع التقارب بين أكبر دولتين في الشرق الاوسط تعدادا للسكان واللتين توجد بينهما خلافات منذ الثورة الاسلامية في عام 1979 وتوقيع مصر معاهدة سلام مع اسرائيل في نفس العام، ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط عن أحمدي نجاد قوله في تصريحات للصحفيين المصريين "يجب ان نفهم جميعا أنه ليس أمامنا الا القيام بهذا التحالف لانه يصب في مصلحة الشعبين المصري والايراني وغيرهما من شعوب المنطقة"، وقال أحمدي نجاد "هناك من يسعى الى عدم التقاء هذين البلدين الكبيرين رغم ان مشاكل المنطقة تتطلب هذا الالتقاء وخصوصا القضية الفلسطينية."

وقلل وزير الخارجية المصري من أهمية الزيارة قائلا ان الرئيس الايراني موجود في القاهرة بصفة أساسية لحضور القمة الاسلامية التي بدأت وبالتالي فانه اجراء معتاد وهذا كل شيء، وكان الوزير المصري قد طمأن في وقت سابق دول الخليج العربية الى ان مصر لن تضحي بأمنهم،

ونقلت الوكالة المصرية عن أحمدي نجاد في اجتماعه مع الصحفيين المصريين نفيه الاتهامات بأن ايران تتدخل في البحرين حيث تعيش الغالبية الشيعية في ظل حكم الاقلية السنية الحاكمة، وذكرت مصادر أمنية انه تم احتجاز ثلاثة مصريين وسوري للاشتباه في أنهم حاولوا مهاجمة الرئيس الايراني لدى خروجه من مسجد الحسين.

 وتم احتجازهم خلال الليل لكن افرج عنهم بكفالة قيمتها 500 جنيه (75 دولارا) لكل منهم، وأظهرت لقطات فيديو سجلها مصور تركي فيما يبدو رجلا ملتحيا حاول مرتين القاء حذاء على أحمدي نجاد بينما كان مؤيدوه يحيطون به لدى مغادرة المسجد، ولم يصب الرئيس الايراني لكنه تم اصطحابه بسرعة الى سيارته بواسطة رجال الامن حيث توقف للتلويح بيده قبل تحرك سيارته بعيدا، وقالت المصادر الامنية ان المصريين الثلاثة المحتجزين جميعهم أعضاء في الجماعة الاسلامية وهي جماعة متشددة حملت السلاح ضد الدولة في التسعينات لكنها انضمت الى الساحة السياسية بعد الاطاحة بمبارك.

ونقلت صحيفة الاهرام المصرية عن أحمدي نجاد قوله في مقابلة إن إيران عرضت قرضا على مصر رغم العقوبات الاقتصادية الدولية على طهران بسبب برنامجها النووي، وقال "اعلنت من قبل اننا يمكن ان نقدم خطا ائتمانيا كبيرا للأخوة المصريين وكذلك خدمات عديدة." ولم يذكر ان كان هناك استجابة لذلك، وقال الرئيس ان الاقتصاد الايراني تأثر بالعقوبات لكنه "اقتصاد ضخم" يشهد "امورا إيجابية" وأضاف أن الصادرات تزداد شيئا فشيئا. بحسب رويترز.

وكشفت مصر ان احتياطيها من النقد الاجنبي انخفض دون مستوى 15 مليار دولار الذي يغطي واردات ثلاثة أشهر رغم وصول ودائع قطرية في الاونة الاخيرة لدعم الاقتصاد، وتضررت السياحة نتيجة الاضطرابات منذ الانتفاضة التي اطاحت بحسني مبارك قبل عامين كما تعثر الاستثمار جراء ما أعقبها من حالة من الاضطراب السياسي والاقتصادي.

وقال أحمدي نجاد إن تقدما محدودا حدث بشأن استئناف العلاقات بين البلدين، وأضاف أحمدي نجاد "لم يحدث تغيير خلال السنتين الماضيتين ولكن الحوارات بيننا تطورت وتنامت وفخامة الرئيس مرسي زار إيران والتقيناه كما التقى وزير الخارجية الإيرانية. وسبق ان اتصلنا بمصر لنعرف ما يتعلق بالشؤون السورية."

ومن العقبات الدائمة التي تعرقل العلاقات من وجهة نظر القاهرة اطلاق اسم المتشدد الاسلامي خالد الاسلامبولي الذي قاد عملية اغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981 على شارع في طهران. والسادات هو الذي وقع معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، وقال أحمدي نجاد "مسألة اسم الشارع او إزالته هذه المسائل ستعالج تدريجيا."

في سياق متصل قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إن الجمهورية الإسلامية ستسمح للسياح والتجار المصريين بالسفر إليها دون تأشيرة، وأضاف أن العلاقات بين البلدين التي قطعت في 1979 تتحسن "كل يوم".

وكان صالحي قد أكد على أهمية وحدة المسلمين حين التقى الطيب في الازهر، ومن جانبه قال عبد الهادي محمد مساعد مستشار وزير الخارجية الايراني للشؤون الدولية "نأمل ان شاء الله ان تتطور العلاقات خلال زيارة الدكتور أحمدي نجاد. نتوقع تطورا في العلاقات وهذه قضية هامة بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط...العلاقات تتطور على الجبهة الاقتصادية لكننا نريد تطورا على الساحة السياسية"ن وسئل عما تردد من مزاعم عن تقديم ايران مشورة امنية لمصر فقال "أمن مصر هو أمن ايران وأمن ايران هو أمن مصر. نحن في خندق واحد ونحن بمشيئة الله نبذل الجهود لتوحيد صفوفنا. اما بالنسبة للمشورة الامنية فهذه قضية تخص السلطات العليا لا تخصني أنا". بحسب رويترز.

واتخذت كل من مصر وايران مسارا مختلفا منذ اواخر السبعينات من القرن الماضي بعد ان أبرم الرئيس المصري الراحل أنور السادات معاهدة سلام مع اسرائيل وأصبح حليفا وثيقا للولايات المتحدة وأوروبا بينما تحولت ايران بحلول عام 1979 الى مركز لمعارضة النفوذ الغربي في الشرق الاوسط.

وفي اطار هذا التباعد أطلقت ايران على أحد شوارع طهران اسم خالد الاسلامبولي الاسامي الذي اغتال السادات عام 1981، اما مصر فقد استضافت شاه ايران الراحل محمد رضا بهلوي الذي اطاحت به الثورة الاسلامية عام 1979 ودفن في ترابها في أحد مساجد القاهرة الى جانب الملك فاروق آخر ملوك مصر الذي كانت أخته أولى زوجات الشاه.

على صعيد ذو صلة عبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن رغبته في زيارة قطاع غزة، ومن المقرر أن يشارك أحمدي نجاد في قمة تعقد في مصر، وسئل في مقابلة على شبكة تلفزيون الميادين الإخبارية هل سيزور غزة أثناء وجوده في القاهرة أو قبل انقضاء ولايته كرئيس في يونيو حزيران فرد بقوله "أمنيتي أكبر من هذا. أتمنى أن أصلي في القدس بعد التحرير الكامل"، ولا تعترف ايران بإسرائيل.

وقال "إذا سمحوا فسوف أذهب إلى غزة لزيارة أهلها." ولم يوضح من هي الجهة التي سيطلب إذنها، وتسيطر مصر على المعبر الحدودي مع غزة وكان زعيما قطر وماليزيا كلاهما قاما بزيارة القطاع من الأراضي المصرية في الأشهر الستة الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/شباط/2013 - 29/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م