الإضراب عن العمل من الناحية السيكولوجية

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: العامل في عمله لا يشعر في العادة أن له صوتا وقيمة، وهو لا يستشار ولا يؤخذ رأيه في صغيرة أو كبيرة . أحيانا يشعر بالخوف ويتعرض للازدراء في محل عمله. لا تتاح له فرصة للقيادة والتزعم مما تنكره عليه ظروف عمله. كذلك أن العامل لا يستطيع في الغالب أن يركن الى الإدارة للظفر بأجر ثابت مثلا. فالأسواق متقلبة وكثيرا ما يؤدي تقلبها الى الاستغناء عن فريق من العمال. هناك أوجه للنشاطات الاجتماعية محروم منها أو مشغول عنها كالترويح الذي يقضي على حياة العمل الرتيبة الملولة.

أن التأزم والحرمان لا يتخذ بالضرورة أشكالا هدامة فاشلة غير واقعية بل يبدو في أساليب ناجحة انشائية. فقد يجد العامل ارضاء بديلا لحاجاته المحبطة في منظمات اجتماعية مختلفة رياضية أو أسرية أو غير ذلك، لكنه من المرجح أن يظفر بهذا الإرضاء من نقابته اكثر من أية منظمة أخرى لأنها تستطيع أن تستجيب لكثير من حاجاته ومطالبه.

ان انتماء العامل الى منظمة تضمه وزملاءه، تناقش معهم حل مشكلاتهم، تستمع الى شكواهم، تدافع عن حقوقهم، تحميهم من تعسف المسؤولين. تعمل على تحسين أحوالهم، تجهد في استصدار القوانين لصالحهم..هذا يزيد من شعور العامل بالأمن، يقوي مركزه الاجتماعي ويثبته داخل المعمل وخارجه، ويشعره بقيمته ومن ثم يضفي على عمله معنى جديدا في نظره.

أن بعض المنظمات بمثابة صيدلية يأخذ منها كل عامل ما يحتاج اليه ومن ثم تكون دعامة من دعائم نموه وتوافقه النفسي والاجتماعي.

على أنه بالرغم من أن النقابة مثلا يمكن أن تكون وسيلة لتخفيف بعض ما يلاقيه العمال من تأزم وحرمان، إلا أن كثيرا من حاجات الملايين من العمال لا يمكن ان تشبع عن طريقها. هذا يرجع الى عدة عوامل، منها:

أن بعض الحاجات لا يمكن بطبيعتها أن تشبع إلا في نطاق العمل، فامتهان شخصية العامل ثماني ساعات يوميا مثلا لا يمكن أن يعوضه نشاط آخر خارج نطاق العمل. كذلك، أن النقابات لا تستطيع أن تزود الكثيرين بارضاء بديل عن حاجاتهم. بل ان النقابات نفسها، بحكم وظيفتها، تخلق حاجات من السهل أن يعبر عنها في صورة عدوان على الادارة أو الجهات المستاء منها وذات العلاقة.

لكن، متى استعصى على الفرد التخفف مما يعانيه من تأزم وتوترات مختلفة المصادر والتعويض عما يكابده من حرمان..اشتد التأزم وتراكم واصبح الطريق ممهدا للأساليب العنيفة ومنها الاضرابات. لكن، لماذا يتخذ تأزم العمال في أغلب الأحيان شكل الاضراب الذي هو صورة من العدوان ؟. هذا ما يعنينا من الناحية السيكولوجية. علماء النفس يقولون، بأن اكبر الظن أن هذا يرجع الى عوامل عديدة منها:

أولا- أن كثيرا من ضروب التأزم واحباط الحاجات تحدث في نطاق العمل، ولأن العامل يعتقد، إن صوابا وان خطأ، ان الادارة وما شابهها هي المسئولة عن هذا التأزم واقامة العقبات في سبيل هذه الحاجات، فلا مناص إذا من تحطيم هذه العقبات، والاضراب هو الطريقة المثمرة الى ذلك.

ثانيا- أن الاضراب والمطالبة برفع الأجور وخفض ساعات العمل هي الأنواع الوحيدة من العدوان التي يعرفها أو يستطيع القيام بها، وغالبا ما لا تكون الأسباب الحقيقية للاضراب .

ثالثا- كذلك، أن الاضراب أحد أنواع العدوان التي يقرها المجتمع في كثير من البلاد، خاصة إذا صاحبه اعتداءات على مشاعر الأفراد وانتهاك حقوق الآخرين وتخريب المنشآت العامة والخاصة والاساءة الى البيئة وتحطيم الكثير في طريقهم عند اشتداد فوران السلوك الجمعي.

رابعا- أن اغلب نقابات العمال تتعهد هذا النوع من الصراع فتنظمه وتنفذه كلما شعر أعضاؤها بالسخط.

ولنذكر أن العدوان هو أول أسلوب يلجأ اليه الشخص المتأزم في العادة. لاشك أن فريقا من العمال لا يرحبون بالعدوان، لا يميلون بحكم تربيتهم الأولى الى اتخاذه وسيلة للتخفف من توتراتهم، غير أن ضغط الجماعة والعدوى الجماعية لا تلبث ان تحمل هؤلاء على مجاراة زملائهم والانخراط في سلك الاضراب خوفا من سخرية الجماعة أو عقابها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/شباط/2013 - 26/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م