ارث الجيش الباكستاني... عدم الثقة في معقل طالبان

 

شبكة النبأ: في قاعدة للجيش الباكستاني أعلى الجبال المطلة على الحدود الافغانية يشرح جنرال استراتيجية محاربة طالبان ليهيأ الجنود لخوض نوع جديد من الحرب في منطقة يصفها الرئيس الامريكي باراك اوباما بانها الأخطر على وجه الارض، والجنرال نذير بات مسؤول عن تحويل مكاسب الجيش في ميدان المعركة إلى حالة من الامن الدائم موضحا ان الاستراتيجية التي يطلق عليها (استمالة القلوب والعقول) "تهدف لتحويل مخابيء المتشددين لملاذات آمنة للمواطنين"، وسبق استخدام مصطلح (استمالة العقول والقلوب) ولكن الاهتمام ينصب هذه المرة على اقليم وزيرستان الجنوبية على الحدود الافغانية الذي كان ذات يوم مركزا لانطلاق تمرد حركة طالبان الباكستانية التي صدمت البلاد بتحديها للسلطة فيها، وحسب رواية الجيش فان المبادرة تشمل استمالة قبائل البشتون من خلال الحوار واتاحة فرص تجارية والتعليم في المدارس والكليات الجديدة، وخلال جولة مدتها ثلاثة ايام بمصاحبة الجيش حصلت رويترز على لمحة نادرة ليس فقط لحجم عمليات البناء الني ينفذها الجيش في الولاية بل للتحديات الموجودة في بيئة طاردة، ومهما كان مدى النوايا الحسنة للتوجه الجديد فان ثمة مشاكل لن تختفى تتمثل في تهديدات بالانتقام من متشددين على صلة بتنظيم القاعدة وغياب إدارة مدنية فاعلة وفساد مزمن، كما ان سجل مبادرات استمالة القلوب والعقول سيئ في مناطق صراع اخرى وهو تذكرة بالامر الواقع حتى لاكثر المسؤولين الباكستانيين تفاؤلا. بحسب رويترز.

فقد ضخت الدول الغربية ملايين الدولارات في العراق وافغانستان لاعادة بناء معاقل للمتشددين وكسب ود السكان ولكن العائد كان محدودا إذ أن كثيرين من سكان هذه المناطق ينظرون للجيوش الاجنبية على انها قوات احتلال في حين يظل خطر المتشددين قائما، ولن يكون بلوغ هذا الهدف أسهل في وزيرستان الجنوبية التي تمثل خمس مساحة المناطق القبلية التي تخضع لإدارة اتحادية ويرجع نظام الحكم فيها لحقبة الاستعمار البريطاني، ويحكم ممثلون سياسيون تعينهم الحكومة المنطقة من خلال قبائل البشتون ويحصلون الايرادات ويوزعونها دون رقابة تذكر في حين يتمتع المواطنون بحقوق قليلة.

وساند الجيش الباكستاني طالبان في افغانستان في التسعينات ودعم المسلحين الذين يقاتلون ضد الحكم الهندي في منطقة كشمير المتنازع عليها ولكنه وجد نفسه معرضا لهجمات في وزيرستان الجنوبية، وافرز الاستياء الذي ملأ نفوس السكان لعقود والقصف الامريكي على الحدود الافغانية -عقب هجمات 11 سبتمبر ايلول 2011 على الولايات المتحدة- جيلا من المتشددين الباكستانيين انطلقوا من وزيرستان الجنوبية لشن هجمات تستهدف الدولة الباكستانية والقوات التي تقودها الولايات المتحدة في افغانستان، ولم تدر باكستان كيف تتصرف وتأرجحت بين حملات عسكرية قصيرة الامد واسترضاء متشددين باتفاقات سلام لم تدم طويلا. وفي عام 2009 امر قائد الجيش الباكستاني بشن اكبر هجوم على الاطلاق وارسل 40 ألف جندي لوزيرستان الجنوبية في محاولة لقلب ميزان القوة لصالح الجيش.

وادى هجوم 2009 إلى تشريد نحو نصف مليون نسمة وتحولت منازل ومدارس ومستشفيات لمخابيء للمتشددين ودمرت سبل الراحة المدنية القليلة في الولاية، واليوم ساعد تضافر الهجوم مع غارات تشنها طائرات امريكية بدون طيار على طرد قيادات حركة طالبان الباكستانية من وزيرستان الجنوبية ويدرس الجيش سبل اقناع السكان بان عودتهم مأمونة، وبعد قضاء ما يقرب من ثلاثة اعوام في مخيمات لم يعد سوى 41 ألف نازح، وقال ضابط برتبة بريجادير قرب وانا المدينة الرئيسية في وزيرستان الجنوبية "لن يشعر الناس بامان الا إذا لمسوا نموا اجتماعيا واقتصاديا. احتجنا بعض الوقت ولكن الان ندرك ان ألف رصاصة لا يمكنها ان تنجز ما تحققه مدرسة واحدة"، واستقر عدد كبير من النازحين في تشاجمالاي وهي قرية قريبة من جاندولا حيث مقر الجيش في حصن شيده البريطانيون في القرن التاسع عشر في تذكرة يسياسة ترجع لقرون سابقة تقوم على حكم المنطقة بمزيج من الترهيب والتدخل المسلح.

وافتتحت سوق صغيرة تعج بالحياة العام الماضي ورسم العلم الباكستاني بلونيه الابيض والاخضر على ابواب المتاجر التي منحت لتجار برسوم رمزية. وفي الفناء المجاور يدرب ضباط الجيش ومسؤولون حكوميون السكان على كيفية تربية الدواجن واقامة مناحل، ورغم التطوير لازالت تشاجمالاي اشبه بمدينة اشباح بمنازلها المتهدمة وعياداتها المهجورة ومدارسها التي تحمل جدرانها اثار طلقات رصاص. ويقول الجيش انه يريد ان تكون المنطقة المعزولة موطنا جديدا لمن تحلوا بالشجاعة وعادوا إلى هناك، اشرف خان مزارع فقد زوجته حديثا عاد لتوه من جاندولا حيث طلب من احد كبار الضباط قرضا، وقال "كانت زوجتي تجمع الحطب وتأتي بالمياه. اريد ان اشتري حمارا. ارجو ان يفي الجنود بتعهدهم بالمساعدة"، وعلى بعد كيلومترات يقوم عمال ومهندسو الجيش باعمال حفر وسط تضاريس وعرة لشق طريق يربط المنطقة المعزولة بمدينة بيشاور الشمالية الغربية اقرب مركز اقتصادي. وساهمت الحكومة الامريكية بمبلغ 170 مليون دولار لتمهيد الطريق البالغ طوله 287 كيلومترا، وتحف اراض زراعية ومزارع دواجن بجانبي الطريق الذي يمر وسط جبال ومنحدرات بديعة تخطف الالباب وحاراته المزدوجة حالها أفضل من كثير من الطرق في مدن باكستانية، ويقول حامد جان الذي يدير مزرعة دواجن "سهل الطريق كثيرا نقل الطيور والعلف والادوية. لم اجن مثل هذه المكاسب من قبل"، ويعتقد الجيش ان يمكنه تعزيز حسن النوايا بتشجيع التجارة والاهم تشجيع التعليم. وقال ضباط ان جرى إعادة ترميم 33 مدرسة التحق بها اربعة الاف طالب من بينهم 200 فتاة ولكن يصعب التحقق من صحة البيانات، وتعارض طالبان تعليم الفتيات واطلقت الرصاص في أكتوبر تشرين الأول على مالالا يوسف زاي البالغة من العمر 15 عاما لدعوتها لتعليم الفتيات، ولكن الجيش يقول انه ماض للامام. وسبق ان خدم الكولونيل عاصم اقبال في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين باكستان والهند وهو الان يباهى بمشروعين مهمين لمعهد فني وكلية عسكرية شيدا في إطار مبادرة استمالة العقول والقلوب.

وتخرج 75 طالبا من معهد وزيرستان للتعليم الفني الذي تكلف تشييده 11 مليون روبية (110 الاف دولار) في ديسمبر كانون الاول وحصلوا على شهادات في ميكانيكا السيارات والنجارة وتكنولوجيا المعلومات. وعلى مقربة شيدت كلية عسكرية بتكلفة 500 مليون روبية، وفي معمل الكمبيوتر في الكلية تعلم شمس الله (15 عاما) استخدام برامج معالجة الكلمات. ويقول شمس الله الذي قتل عمه القيادي المتشدد في غارة شنتها طائرة امريكية بدون طيار إنه لا يريد سوى التعلم، ويضيف "لا علاقة لي بالتشدد واسألوني عن كتبي"، ورغم الامال العظيمة وحماس الطلبة وتجديد المدارس والطرق الممهدة لا دليل يذكر على ترسيخ اقدام إدارة مدنية محل ثقة، فلا يقيم أكبر مسؤول سياسي بالمنطقة في وزيرستان الجنوبية خشية ان تقتله طالبان كما ازهقت ارواح مئات من الزعماء في الحزام القبلي في السنوات الاخيرة.

ويقول شيوخ قبائل البشتون ان السجلات الرسمية تظهر ان المدرسين المتغيبين عن العمل منذ شهور لازالوا يصرفون اجورهم دون اي تحرك يذكر من جانب الإدارة، ولكن المسؤول السياسي في المنطقة شهيد الله خان يقول انه يبذل قصارى جهده. وقال في محادثة هاتفية من تانك وهي بلدة إلى الشرق من وزيرستان الجنوبية "هناك الكثير الذي يمكن أن أفعله لكني اعجز حتى عن مغادرة معسكر الجيش"، وقد قتل أكثر من 30 شخصا في هجوم على نقطة تفتيش للجيش قرب وزيرستان الجنوبية وقالت طالبان ان الهجوم يأتي ردا على غارة بطائرة بدون طيار اودت بحياة اثنين من قادتها في وزيرستان الشمالية في الشهر الماضي، واحجم عدد كبير من الاطفال الذين يلعبون الكريكيت قرب السوق عن الاجابة حين سئلوا عن تأكيدات الجيش بتحسن الاحوال المعيشية. وفي إشارة إلى المتشددين والجيش قال احدهم "كلهم سواء"، ويري بعض الضباط ان مثل هذا الانتقاد مبرر ويعترفون بافراط الدولة في استخدام القوة في المنطقة على مر عقود سابقة، وقال الجنرال بات " تكفي ميزانية فرقتي (العسكرية) وحدها التعليم في جميع ارجاء وزيرستان الجنوبية. ارتكبنا اخطاء كثيرة ولم نعد ننكر ذلك بعد الآن"، وبينما يصر بات على ان المتشددين لا يمثلون الآن قوة تؤخذ في الاعتبار إلا أن مواطنين كثيرين اقل تفاؤلا،

وقال مدير متجر "يحول الجيش دون قدومهم في الوقت الحالي ولكن طالبان يمكنها العودة"، ويتساءل شيخ احد القبائل الذي انتقلت اسرته لمكان بعيد وتخشى العودة "اذا كانت طالبان رحلت للابد لما لا يغادر الجيش ايضا؟".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/شباط/2013 - 24/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م