الصراع في العراق... مكاسب الاخوة الاعداء!

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين من اتساع الخلافات السياسية في العراق والتي ازدادت بشكل مخيف في الفترة السابقة، لكونها وبحسب رأيهم قد تحولت الى عداء شخصي بين قادة الكتل والأحزاب المهيمنة وهذا ما تثبته الوقاع اليومية والحرب الإعلامية التي اتسمت بطابع التسقيط السياسي وتبادل الاتهامات بالفشل  في إدارة أمور البلاد في سبيل الحصول على المزيد من المكاسب والامتيازات، غير مبالين لوضع العراق المتدهور وهو ما اثر بشكل سلبي على حياة المواطن العراقي الذي أصبح يعاني من تلك الخلافات المستمرة، تلك الخلافات.

 وبحسب بعض المحللين أسهمت أيضا بدخول بعض الأطراف والدول الخارجية التي تسعى الى توسيع دائرة الصراع في المنطقة من خلال إثارة النعرات الطائفية وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد من اجل خدمة مصالحها الخاصة، كما ان اتساع رقعة الخلاف سيخدم بعض الأطراف الإرهابية ومنها تنظيم القاعدة، الذي يسعى الى الاستفادة من تردي الأوضاع الأمنية وإثارة الفوضى في البلاد كي يتمكن من العودة من جديد الى الساحة العراقية خصوصا وان الأوضاع الحالية ربما ستخدم هذا التنظيم الذي سيعمل على تأجيج الشارع العراقي من خلال خطط خاصة او دعم بعض الأجندة السياسية الموالية.

 وفي هذا الشأن حث جناح القاعدة في العراق المحتجين السنة إلى حمل السلاح ضد رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي مما يذكي التوتر الطائفي المتصاعد في العراق الذي اصبح الأسرع نموا من بين الدول المصدرة للنفط في العالم. وقالت جماعة دولة العراق الإسلامية ان "السلام والصبر" لا طائل من ورائهما في التعامل مع الحكومة التي يقودها الشيعة والتي يرون أنها تقمع الأقلية السنية. وقال ابو محمد العدناني المتحدث باسم الجماعة في تسجيل صوتي نشره موقع جهادي "أمامكم خياران لا ثالث لهما، إما أن تركعوا للروافض وتعطوا الدنية وهذا محال و إما أن تحملوا السلاح فتكونوا أنتم الأعلون ولئن لم تأخذوا حذركم وأسلحتكم لتذوقن الويلات على أيدي الروافض الذين لازالوا يخادعونكم."

وتجمع الاف من العراقيين السنة في محافظة الانبار منذ ديسمبر كانون الاول بسبب شكاواهم من انهم يعانون التهميش منذ سقوط صدام حسين في 2003. ويقول المالكي انه سيتعامل مع المطالب المشروعة لكنه حذر من هيمنة المتشددين على الاحتجاجات مما يهدد باشتعال المواجهة الطائفية بين السنة والشيعة. وتوعدت جماعة دولة العراق الاسلامية التي فقدت كثيرا من قوتها في حربها ضد القوات الامريكية والعراقية باستعادة الارض التي خسرتها أمام القوات الحكومية.

ومع تدفق المتشددين الاسلاميين السنة إلى سوريا المجاورة للمشاركة في القتال ضد الرئيس السوري بشار الاسد يقول خبراء امنيون ان القاعدة تحصل على مزيد من الاموال وينضم إليها المزيد من الاعضاء إلى جانب ارتفاع روحها المعنوية على جانبي الحدود بعد سنوات من الهزائم. ويقول قادة سنة انهم يريدون تغيير قانون لمكافحة الارهاب وقانون يستهدف عزل الاعضاء السابقين في حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام.

ورفعت الحكومة التي ترغب في تخفيف حدة الازمة رواتب ميلشيات الصحوة السنية الموالية للحكومة التي كانت تقاتل القاعدة وراجعت قضايا سجناء واوقفت الاعتقالات على اساس المعلومات التي يقدمها مخبرون سريون. لكن صفوف السنة منقسمة ويدعو المتشددون السنة المالكي إلى التنحي. بينما يطالب اخرون بإقليم سني شبه مستقل في العراق.

ورفع المتظاهرون العلم العراقي الذي يعود لأيام صدام ودعا رجال دين سنة وشيوخ قبائل ومحتجون شبان إلى إصلاح قوانين مكافحة الارهاب التي يقولون إن قوات الأمن تستغلها لاستهداف السنة واعتقالهم دون وجه حق. وعرض المالكي تنازلات وأفرج عن مئات السجناء لكن غضب المحتجين السنة لم يهدأ خاصة بعدما فتح جنود النار في مسيرة بمدينة الفلوجة مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.

وقال عمر الجميلي البالغ من العمر 51 عاما في الفلوجة "لن ننسى أبدا ما فعله الجيش بنا.. مطلبنا الجديد هو رحيل الجيش العراقي عن هذه المنطقة." وصفوف السنة منقسمة بين معتدلين ومتشددين يهددون وحدة العراق بالمطالبة بإقامة منطقة سنية تتمتع بالحكم الذاتي في غرب العراق على الحدود مع سوريا والسعودية والأردن. وتعد الاحتجاجات من أخطر الاختبارات حتى الان أمام المالكي وحكومته الهشة التي تتقاسم المناصب مع الشيعة والسنة والأكراد.

وحثت أيضا جماعة دولة العراق الاسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي لاتزال نشطة بعد سنوات من الخسائر أمام القوات الأمريكية والعراقية المحتجين السنة على حمل السلاح وإن كان هناك زعماء معتدلون يرفضون التحريض على العنف. وأعلنت القاعدة مسؤوليتها عن تفجير انتحاري اسفر عن مقتل نائب برلماني في الفلوجة في وقت سابق ولا يزال متشددون سنة يهاجمون أهدافا شيعية.

وبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق ما زال التوتر الطائفي قويا في العراق حيث أسفر العنف عن مقتل عشرات الالاف بعد سنوات قليلة من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 . وكلف المالكي شخصية شيعية بارزة بالحديث مع المتظاهرين بشأن مطالبهم ومنها قانون للعفو وتخفيف حملة ما يسمى باجتثاث البعث التي تستهدف الأعضاء السابقين في حزب البعث المحظور.

وقال صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي وهو من السنة إن اجتماعا عقد بين الائتلاف الوطني العراقي الذي ينتمي إليه المالكي وكتلة العراقية المدعومة من السنة وكان إيجابيا فيما يتعلق بالإصلاحات المقترحة. وأضاف "ونستطيع أن نقول حصل تقدم في هذا الاجتماع ربما لم يحصل في اجتماعات سابقة." بحسب رويترز.

واندلع التوتر السني في وقت تواجه بغداد فيه أيضا خلافا مع منطقة كردستان شبه المستقلة حول حقوق النفط والأراضي. وزاد هذا الأمر من تعقيد محاولات المالكي لبناء تحالفات مع زعماء سنة وأكراد. ومع التوتر السني وتجدد العنف تتنامى المخاوف من أن تقوض الحرب في سوريا المجاورة التوازن العرقي والطائفي في العراق.

الى جانب ذلك اخترق متسللون الموقع الإلكتروني لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ووصفوه بأنه "ظالم" ونشرت مجموعة تدعى "تيم كويت هاكرز" على موقع المالكي صورة لامرأتين ترتديان ملابس سوداء وهما تبكيان وعبرت عن دعمها للعراقيين في مواجهة "نظام الطغاة". وشبهت المجموعة رئيس الوزراء الشيعي بالرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران. وقال المتسللون على الموقع "اتق الله في نفسك يا ظالم.. تبي تصير بشار الأسد على غفلة يا الهالكي. بشار انتهى والنصر قريب بإذن الله. الله يكون في عونكم يا أهل العراق على نظام الطغاة." وقال مكتب رئيس الوزراء العراقي إنه يعمل على تجنب اختراق الموقع في المستقبل. وقال المتسللون إن هذه هي المرة الثانية التي يخترقون فيها موقع المالكي.

 استهداف الجيش

الى جانب ذلك ارتفعت وتيرة التوتر في مدينة الفلوجة بغرب العراق حيث قتل جنديان وخطف ثلاثة اخرون، وذلك غداة مقتل سبعة متظاهرين مناهضين للحكومة بيد الجيش في اجواء سياسية مشحونة. والقتلى السبعة هم اولى الضحايا الذين ينسبون الى قوات الامن منذ بدء موجة تظاهرات. وتعرض الجيش لهجمات عدة في مدينة الفلوجة ذات الغالبية السنية في غرب بغداد من دون ان تتبناها اي جهة حتى الان. وتعرضت نقطة مراقبة للجيش العراقي في الطرف الشرقي للفلوجة لهجوم اسفر عن مقتل جندي فيما قتل جندي ثان واصيب ثالث في شمال المدينة، وفق العقيد في الشرطة محمود خلف. وفي غرب الفلوجة، خطف مسلحون ثلاثة جنود وفق المصدر نفسه. بحسب فرنس برس.

وتزامن ذلك مع تظاهرة تشييع القتلى السبعة. ورفع المشيعون لافتات كتب عليها "اسمع يا نوري احنا احرار واخذ دروسك من بشار" ورفض علي خلف العاني والد احد قتلى التظاهرات التعويض الذي عرضته وزارة الدفاع لذوي الضحايا. وقال "سأقاضي الحكومة العراقية وعلى راسها نوري المالكي ولن ارضى بالتعويض الذي قدمتها وزارة الدفاع لنا". واضاف "اريد ابني حيا اذا قدرت الحكومة على تعويضي اياه فهذا هو الشرط الذي أريده". والتزمت وزارة الدفاع دفع تعويضات لذوي الضحايا وأعلنت فتح تحقيق. وفيما اعلن رجال دين شيعة تأييدهم للحركة الاحتجاجية، دعا المالكي قوات الامن الى ضبط النفس محملا المتظاهرين مسؤولية ما تشهده البلاد من توترات طائفية "يستغلها" تنظيم القاعدة و"مجموعات إرهابية".

رفع الحماية عن ابو ريشة

من جانب اخر اصدر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي امرا برفع الحماية عن الشيخ احمد ابو ريشة زعيم صحوة العراق، اثر دعمه الاعتصامات والتظاهرات المعارضة للمالكي في الانبار، حسبما اكد ابو ريشة ومصادر أمنية. وأكد ضابط برتبة مقدم في الجيش يعمل في قيادة عمليات الانبار، ان "كتابا ورد من رئاسة الوزراء يأمر بسحب جميع عناصر حماية الشيخ ابو ريشة". واشار الى ان قوة الحماية التي كانت مخصصة للشيخ ابو ريشة عددهم 35 وهم من الجيش والشرطة.

وقال ابو ريشة ردا على الاجراء، ان "هذا استهداف حقيقي لرموز العراق واقول للحكومة ان وجودي بين اهلي والمطالبة بحقوقهم في ساحة العزة والكرامة اشرف لي من الوقوف بجانب المالكي وحمايته. واضاف اذا كانت "هذه ورقة ضغط للتخلي عن الوقوف مع مطالب المتظاهرين فانا لم ولن اغادر ساحات الاعتصام حتى تنفيذ المطالب". وشارك ابو ريشة الى جانب زعماء العشائر بدعم الاعتصامات والتظاهرات في محافظة الانبار، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والغاء مواد من قانون مكافحة الارهاب وقانون المساءلة والعدالة,

وتساءل ابو ريشة، قائلا "هل تريد الحكومة التخلص من مشروع ابو ريشة لمقاتلة الارهاب ام هي مع الارهاب"؟. وتولى الشيخ احمد ابو ريشة قيادة صحوات العراق التي استطاعت طرد القاعدة من الانبار، بعد مقتل أخيه عبد الستار الذي تولى تشكيل الصحوات في ايلول/سبتمبر 2006. ونجحت قوات الصحوة التي شكلت من عشائر محافظة الانبار، بعد اشهر من تحقيق الاستقرار الامني في المحافظة بعد طرد غالبية عناصر تنظيم القاعدة منها. بحسب فرنس برس.

من جانبه، قال عدنان مهنى العلواني احد زعماء عشائر الدليم في الانبار "سنحمي ابو ريشة ولا حاجة لنا بحمايات المالكي، فنحن من قاتل الارهاب حين لم يكن هناك اي شرطي او جندي في الانبار". واضاف "سنقاتل كل من يريد الخراب في ارض الانبار سواء القاعدة او غيرها". بدوره، قال عبد الرزاق الشمري عضو اللجنة السياسية لاعتصامات الانبار، ان "هذا دليل على ان الحكومة ليس لها وفاء حتى مع اصدقائها الذين كانوا سببا في انجاح العملية السياسية والتصدي للأخطار التي كانت تشكلها القاعدة على العراق". كما يرى الشمري بان "هذا التصرف يدل على ان الحكومة طائفية".

تحديد الرئاسات الثلاث

على صعيد متصل صوت مجلس النواب العراقي على تحديد ولايات الرئاسات الثلاث ، الأمر الذي يمنع رئيس الوزراء نوري المالكي الترشح لولاية ثالثة، في خطوة اعتبرها مؤيدوه غير دستورية. وايد 170 نائبا القانون في الجلسة التي حضرها 242، والذي بموجبه تحدد ولاية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب بولايتن فقط،، حسبما افاد مصدر في المجلس. وتعني هذه الخطوة نظريا ان المالكي لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة في الانتخابات العامة التي تجري في العام المقبل.

وقد يصطدم القانون الجديد بطعن المحكمة الاتحادية التي حددت ان البرلمان مسؤول عن تقديم مقترحات قوانين للسلطة التنفيذية والتي بدورها تعيدها الى مجلس النواب بصيغة مشاريع قوانين للمصادقة عليها، الامر الذي لم يطبق مع القانون الأخير. ودعمت القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وكتلة الاحرار بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والممثلة جميعها بوزراء في حكومة الشراكة، بحسب المصدر.

وقال نائب رئيس الوزراء صالح المطلك "نريد فقط تحديد ولاية رئيس الوزراء، حتى لا تعود الدكتاتورية مرة اخرى". وحتى الان لا يوجد نص دستوري يحدد ولاية رئيس الوزراء. واعتبر خالد الاسدي النائب عن دولة القانون التي يتزعمها المالكي، ان القانون غير دستوري ولن يصمد امام المحكمة الاتحادية اعلى سلطة لحل قضايا الدولة. وعادة تقترح الحكومة مشاريع القوانين على البرلمان. لكن مجلس النواب لم يمر بالسلطة التنفيذية في مشروع القانون هذا خلافا لما ينص الدستور. وقال الاسدي ان "هذا مقترح وليس مشروع قانون والمحكمة الاتحادية اشارت الى ان مجلس النواب يقترح القوانين والحكومة تحولها الى مشاريع قوانين وهذا هو السياق الذي وضعته المحكمة للقوانين". بحسب فرنس برس.

وتوقع "الا تجيز المحكمة الاتحادية تحويل النص الى مشروع قانون والا يصمد امام الطعن عندما يقدم الى المحكمة الاتحادية". واضاف ان "هذا القانون، وغيره من خروقات الدستور الذي لم يحدد ولاية رئيس الوزراء بفترة تتناقض مع ارادة الناخب وتخل بتشريع القوانين". واتهم الاسدي رئيس مجلس النواب وهيئة الرئاسة بعدم "الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية، التي لن تجيز تحويل مقترحات البرلمان الى مشاريع قوانين دون المرور بالسلطة التنفيذية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/شباط/2013 - 23/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م