تونس... هيمنة السلفية تهدد مستقبل الديمقراطية

 

شبكة النبأ: أصبحت الجماعات السلفية في تونس اليوم عقبة جديدة امام الديمقراطية الوليدة في بلاد الياسمين، فاخذ المد السلفي بالاتساع والتنامي في الفترة الأخيرة بشكل مضطرد، وهو ما يزعج النخبة العلمانية التي تخشى من قيامهم بفرض رؤيتهم مما يؤدي في النهاية الى تقويض الحرية والديمقراطية في البلاد، حيث اثارت السلوكيات العنيفة من لدن السلفيين مؤخرا، بالاعتداءات والتشدد على المثقفين وعلى مصادر الحرية في تونس، جدلا واسعا داخل الشعب التونسي، ونظرا لما تشهده دول الربيع العربي من أحداث ساخنة على مختلف المستويات، فان تونس ستواجه تحديات داخلية وخارجية جمة أهمها القضايا الأمنية، حيث تسعى الحركة السلفية الجهادية المعروفة بإسم انصار الشريعة والمقربة من تنظيم القاعدة الى اقامة دولة اسلامية ترفض الديمقراطية،  في الوقت الذي زاد فيه اختلال الوضع الأمني وظهور تنظيم القاعدة ليربط بصعود السلفيين من خلال الصدامات المتكررة خلال الأشهر الماضية بين الجماعات السلفية والقوات الامنية، وقد بلغت ذروتها مع مهاجمة السفارة الأمريكية في تونس على خلفية فيلم اعتبر "مسيئاً للإسلام" وقد أصدرت محكمة تونسية قبل أيام حكماً بالسجن لمدة عام على القيادي السلفي "أبو أيوب" لاتهامه بالتحريض على الهجوم، في وقت تعيش فيه البلاد حالة من التوتر الشديد بعد اشتباكات بين عناصر من الأمن ومجموعات سلفية في انحاء متفرقة من البلاد، فلم يتوقّع التونسيون أن الثورة السياسية التي حدثت 2011 ستولد من رحمها ازمات متراكمة ومستعصية، حيث دفعت بعض الأحداث التي شهدتها تونس مؤخرا بالعديد من المواطنين إلى إبداء مخاوفهم على مستقبل بلادهم، وعليه فأن خلاصة القول أصبح سلفيو تونس اليوم خطرا كبيرا قد يبدد منجزات الثورة.

مواجهات مسلحة متجددة

فقد اصيب عنصران في قوات الامن التونسية في تبادل لاطلاق النار مع اشخاص يشتبه انهم جهاديون سلفيون خلال عملية خاصة نفذت في القصرين (وسط غرب) وعزز الجيش انتشاره في الصحراء قرب المواقع النفطية تحسبا لاي عمل "ارهابي"، وقال مسؤول كبير في قوات الامن طلب عدم كشف هويته "كانت العملية الخاصة تستهدف ثلاثة اشخاص يشتبه في انتمائهم الى مجموعة سلفية"، وخلال العملية التي نفذت في منطقة الزهور في القصرين تم توقيف مشتبه به وفتح شريكاه النار فاصابا عنصري امن احدهما بجروح بالغة ونقل الى المستشفى. ونجح السلفيون الثلاثة في الفرار تاركين وراءهم بندقية كلاشنيكوف هجومية، وقال المصدر نفسه ان دوريات وعمليات تمشيط جارية في المنطقة للعثور عليهم. ورفضت وزارة الداخلية التعليق على هذه المعلومات، وذكر مصدر في الحرس الوطني طلب عدم كشف هويته ان السلفيين الثلاثة قد يكونون مرتبطين بالمجموعة التي طاردتها القوات التونسية على مدى 10 ايام في منطقة القصرين عند الحدود الجزائرية خلال شهر كانون الاول/ديسمبر، وفي نهاية كانون الاول/ديسمبر اعلنت السلطات التونسية انها اعتقلت في هذه المنطقة 16 رجلا ينتمون الى مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وانها لا تزال تلاحق 18 آخرين، ونشرت قوات خاصة منذ ثلاثة ايام في الجنوب قرب ليبيا والجزائر لحماية منشآت النفط والغاز في الصحراء. بحسب فرانس برس.  

وصرح مصدر امني في المنطقة انها "تدابير احترازية" بعد عملية احتجاز الرهائن في ان اميناس في الجزائر، وتعمل عدة شركات نفطية اجنبية في تونس كالايطالية ايني والفرنسية-البريطانية برينكو والنمساوية او ام في والكندية وينستار، وذكر مصدر امني لوكالة الانباء التونسية ان "هذه التدابير ترمي الى تفادي اي هجوم ارهابي يستهدف حقول (النفط والغاز في تونس) خصوصا تلك الواقعة عند الحدود التونسية-الجزائرية"، وقال مصدر امني في منطقة تطاوين، جنوب شرق تونس، ان قوات الامن ضبطت عدة رشاشات كلاشنيكوف ومخدر الماريجوانا في منطقة رمادة داخل سيارة مسجلة في ليبيا.

القاعدة والاعمال التخريبية

في سياق متصل افاد شهود ووسائل اعلام محلية ان ضريحين صوفيين جديدين احرقا في تونس بينما يتصاعد منذ اشهر عدة هذا النوع من الهجمات التي توجه فيها اصابع الاتهام الى الحركة السلفية، وقد افاد شهود ان ضريح سيدي علي بن سالم احرق في منطقة قابس (جنوب غرب). وقال مسؤول في الشرطة رفض كشف هويته ان "النيران دمرت الضريح بالكامل"، واحرق ضريح سيدي احمد الغوت ايضا وتعرض قبره للتدنيس، كما ذكرت وكالة انباء تونس افريقيا التي لم توضح حجم الاضرار، ولم تتحدث السلطات عن اي فرضية بينما يتهم ممثلو الصوفية التونسية الحركات المتشددة الاسلامية بتدمير هذه المقامات بصورة منهجية.

وكانت منظمة صوفية في تونس اعلنت ان احد اضرحتها احرق متهمة "وهابيين اجانب" بالتخطيط لتدمير الاضرحة التي تم تخريب 35 منها خلال ثمانية اشهر، واحرق مجهولون مقام الولي الصالح سيدي احمد الورفلي بمدينة اكودا بولاية سوسة (140 كلم جنوب تونس) بالقاء زجاجات حارقة، وقال مازن الشريف نائب رئيس اتحاد الطرق الصوفية في تونس في مؤتمر صحافي ان "الذين يقفون وراء هذه الهجمات على الزوايا وهابيون"، واضاف "انها البداية، لانهم سيهدمون بعد ذلك المواقع الاثرية (الرومانية) في قرطاج والجم ودوقة وسيلزمون الرجال على الالتحاء والنساء على لبس النقاب". بحسب فرانس برس.

معتبرا ان "لديهم استراتيجية لتغيير البلاد"، واكد اتحاد الطرق الصوفية في تونس ان الوهابيين يمولون من الخارج هجمات انصارهم التونسيين في الداخل وكذلك الموالين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واحرقت زاوية سيد احمد الورفلي بعد عشرة ايام على احراق ضريح سيدي بو سعيد، ولي المدينة الواقعة شمال تونس والتي تعتبر من افضل الوجهات السياحية في البلاد، ودعا الاتحاد في بيان الحكومة التي يقودها اسلاميو حركة النهضة الى "تحمل مسؤولياتهم" ووقف هذه الهجمات.

في سياق متصل كشف علي العريض وزير الداخلية التونسي ان المسلحين الذين قتلوا في دركيا تونسيا بولاية القصرين (وسط غرب) قرب الحدود مع الجزائر، ينتمون الى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" وانهم خططوا لتنفيذ "اعمال تخريبية" في تونس، وقال العريض وهو قيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، في مؤتمر صحافي "هي مجموعة ارهابية في طور التكوين اطلقت على نفسها اسم +كتيبة عقبة بن نافع+ وهي تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، تتمركز في جبال ولاية القصرين واغلب عناصرها من تلك الجهة ويشرف على تدريبها ثلاثة جزائريين لهم علاقة مع امير القاعدة في المغرب الاسلامي عبد المصعب عبد الودود"، واضاف "من اهدافها تكوين معسكر داخل تونس على الحدود وتركيز تنظيم (تابع للقاعدة) في تونس الغاية منه القيام باعمال تخريبية تحت عنوان الجهاد او احياء الجهاد وفرض الشريعة الاسلامية كما يفهمونها هم طبعا"، واوضح ان "المجموعة الارهابية" كانت تنوي اساسا استهداف "المؤسسات الامنية" في تونس.

وتابع "هدفها متعدد هو استقطاب عناصر شبابية متبنية للفكر المتشدد لتدريبها عقائديا وعسكريا (..) وارسالها للتدرب في معسكرات تابعة للقاعدة في ليبيا والجزائر"، ومضى يقول "معسكر المجموعة الذي اكتشفناه (بولاية القصرين) هو للرسكلة (اعادة التأهيل) والتكوين في التدريبات النظرية او التطبيقية التي لا تثير ضجيجا مثل تفكيك السلاح وصنع متفجرات او شيفرات، و(التأهيل) في الجانب العقائدي او (التدريب على) كيفية الاختفاء. أما التدريب العسكري الحقيقي فيتم في الخارج بليبيا والجزائر"، واضاف ان الامن التونسي اعتقل ثمانية من عناصر هذه المجموعة وانه يحاصر حاليا بقية افرادها الذين لم يحدد عددهم في جبل الشعانبين بولاية القصرين، وهو اعلى جبل في تونس، وقال ان من بين الموقوفين "عناصر كانت تمد المجموعة بالتموين او عناصر الاتصال او ما شابه ذلك"، واوضح ان بعض المعتقلين شوهدوا في تظاهرات واحتجاجات ومخيمات دعوية نظمها "انصار الشريعة" التنظيم السلفي الجهادي الأكثر تشددا في تونس، "لكن ليس لدينا دليل على وجود علاقة تنظيمية بين هذه المجموعة التي هي بصدد التشكل وانصار الشريعة"، وافاد علي العريض ان الشرطة ضبطت لدى المعتقلين "مادة تي ان تي التي تستعمل في صنع المتفجرات ومسدسا وكميات من الذخيرة وخرائط عسكرية ومناظير ورموزا مشفرة وبدلات عسكرية واسلحة بيضاء واوراقا وكتابات مختلفة".

وقال ان افراد المجموعة المتحصنين في جبل الشعانبي لديهم "اسلحة كلاشنكوف، لا نعرف كم قطعة، وهذه الاسلحة مصدرها ليبيا والجزائر.

وفي سياق متصل اعلن الوزير اعتقال ثمانية "متشددين" دينيين (سلفيين) في ولاية جندوبة (شمال غرب) قال انهم حاولوا مساعدة اربعة "ارهابيين" (ثلاثة ليبيين وتونسي) قدموا من ليبيا على الانتقال الى الجزائر، واضاف ان عناصر من نفس هذه المجموعة يتحصنون حاليا بجبال معتمدية عين دراهم بولاية جندوبة، وان قوات الامن تحاصرهم وتريد القبض عليهم احياءن وفي الثامن من كانون الاول/ديسمبر الحالي اعتقلت الشرطة سلفيين في بلدة فرنانة بولاية جندوبة القريبة من الحدود الجزائرية وصادرت منهما اسلحة ومتفجرات ومخدرات وخرائط وازياء عسكرية، واشار علي العريض الى "ارتباط مجموعة عين دراهم والقصرين لان هناك عناصر ضالعة في المجموعتين"، وترتبط تونس والجزائر بحدود برية يقارب طولها الف كيلومتر.

على الصعيد نفسه هاجم سلفيون فندقا في مدينة سبيطلة في وسط غرب تونس وحطموا بعضا من اثاثه ومحتوياته وحاولوا احراق حانته، كما اعلنت الشرطة وشهود عيان، وقال مصدر في الشرطة طالبا عدم ذكر اسمه ان "حوالى 15 رجلا هاجموا فندق +لو كابيتول+ وخربوا بهوه وحطموا زجاجات الكحول، وفي محاولة منهم لاحراق الفندق اضرموا النار في سيارة كانت متوقفة امامه"، وبحسب شهود عيان، فان المهاجمين كانوا ملتحين ومسلحين بهراوات وسواطير وقد هددوا زبائن الفندق واهانوهم ونعتوهم ب"الكفار"، ولم يتسن للشهود ان يؤكدوا ما اذا كان الهجوم قد خلف جرحى في صفوف نزلاء الفندق او موظفيه الذين تصدوا للمهاجمين، واكد الشهود ان المهاجمين غادروا المكان قبل ان تصله الشرطة، وارتفعت اعمدة الدخان في وسط سبيطلة، المدينة التاريخية الواقعة على بعد حوالى 60 كلم من مدينة القصرين، عاصمة ولاية القصرين، وحيث تحاول قوات الامن العثور على مجموعة من المسلحين نفذوا هجوما اسفر عن مقتل عنصر في قوات الامن، ولم يتسن الحصول على اي تعليق من وزارة الداخلية بشأن الهجوم على الفندق، وهو ثاني هجوم من نوعه منذ الهجوم الذي استهدف فندقا في سيدي بوزيد في وسط غرب البلاد في ايلول/سبتمبر. بحسب فرانس برس.

الاسلحة المهربة

من جهته  قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي ان "كميات" من الاسلحة التي كانت بحوزة نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وصلت الى اسلاميين في تونس والجزائر، وصرح في مقابلة مع مجلة "وورلد توداي" البريطانية "وصلت كميات من الاسلحة التي كانت بحوزة نظام معمر القذافي الى الاسلاميين ليس فقط في ليبيا، بل ايضا في الجزائر وتونس"، واضاف الرئيس التونسي ان الخطر يتأتى بالخصوص من الاشخاص الذين "ينتقلون الى مالي للتدرب على الجهاد، كما في افغانستان، ليعودوا بعد ذلك إلى تونس"، وأضاف المرزوقي "إعادة النظام إلى مالي سيكون رهانا أساسيا للدبلوماسية التونسية خلال السنوات الثلاث القادمة"، وتؤيد تونس الحل السياسي للنزاع شمال مالي الذي تسيطر عليه منذ نهاية حزيران/يونيو الماضي ثلاث جماعات اسلامية مسلحة بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وقال المرزوقي إنه "فوجئ مثل الحكومة" بهجوم نفذه في 14 أيلول/سبتمبر الماضي سلفيون ضد السفارة الامريكية في العاصمة تونس احتجاجا على فيلم مسيء للاسلام أنتج في الولايات المتحدة، وتابع "لم نتوقع الى أي حد يمكن أن يكون السلفيون الجهاديون خطيرين"، ومضى يقول "أنقذنا حياة السفير (..) لكن صورة تونس تضررت بشكل جدي في الولايات المتحدة وأوروبا"، وبحسب المرزوقي لا يمثل السلفيون الجهاديون "سوى اقلية صغيرة داخل اقلية صغيرة"، وقال "لا يمكن أن يشكلوا تهديدا للحكومة لكنهم يمكن أن يضروا بصورة الحكومة". بحسب فرانس برس.

الى ذلك قالت السلطات التونسية إن أجهزة الأمن في منطقة الكاف عثرت على مسدسات وأزياء عسكرية بحوزة عناصر محسوبة على التيار السلفي يجري حاليا التحقيق معها، بعد أن تبين علاقتهم بحادثة سيارة تم إيقافها في منطقة حدودية مع الجزائر، وبحسب وكالة الأنباء التونسية، فإن السيارة أوقفت في معتمدية فرنانة من ولاية جندوبة، وكشفت التحريات الأولية أن مدبري العملية انطلقوا من ولاية الكاف قبل إلقاء القبض على عنصرين منهم في ولاية جندوبة... وكانت وحدة من فرقة الحدود البرية للحرس الوطني التونسي قد أوقفت السيارة المحملة بأزياء عسكرية وخرائط و"كميات من المواد الخطيرة تستعمل لأغراض تخريبية،" وفق ما أكدته مصادر أمنية مطلعة، وقامت مجموعة تضم، من جرى وصفهم بـ"المحسوبين على التيار السلفي"، قد عمدت إلى مهاجمة دوريات من الحرس الوطني في عدة مناطق بتونس، وخاصة بولاية منوبة غرب العاصمة. بحسب السي ان ان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/شباط/2013 - 22/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م