الفوضى في مصر... بناء أم انهيار؟

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تجتاح مصر منذ انتخاب مرسي رئيسا لها سلسلة من الأزمات السياسية والمظاهرات العنيفة، بسبب الخلافات المتواصلة بين المعارضة والحكومة، فقد زاد الاستقطاب السياسي في مصر بدرجة كبيرة، بسبب مشهد العنف والفوضى المتكرر في الدولة المنقسمة، مما يثير ضيق كثيرين يتوقون لاستعادة النظام والنمو الاقتصادي، حيث يواجه مرسي وحكومته تحديات غير مسبوقة نتيجة تفاقم الصراع بينه وبين المعارضة في المدة الأخيرة، حيث شهدت مصر حالة احتقان سياسي وتظاهرات كبيرة، أدخلتها في دائرة الازمات، وكذلك بسبب ديمومة التنافر السياسي الحاد، والصدامات السياسية المتتالية، حيث أدت الى شل النظام السياسي والتنمية الاقتصاد المرهق اصلا، وقد تسبب احداث العنف الاخيرة بعاصفة من الانتقادات والاحتجاجات من جانب معارضين، مما أثارت قلق حلفاء مصر الغربيين بشأن حالة عدم الاستقرار والفوضى المستمرة في البلاد، وعلى الصعيد نفسه يرى بعض المحللين ان الجيش ما زال له نفوذ كبير من خلال المصالح التجارية والدور الأمني وبالتالي فإنه بعيد عن الساحة السياسية.

فيما يرى محللون آخرون أن غياب المعالجات الناجعة والحلول الوسطية ولغة الحوار بين طرفي النزاع، ستؤدي الى انهيار الدولة وهي في مرحلة البناء، والبناء الديمقراطي بالأخص، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام فاقمت من حدة الأزمة ايضا، وعليه

وضعت تلك العوامل آنفة الذكر بلاد الفراعنة على حافة مواجهة سياسية شرسة، خاصة مع استمرار المعارضة بتعهداتها بشأن استمرار الاحتجاجات ورفض الحوار، حتى وصلت العلاقة بين الحكومة والمعارضة في مصر درجة عالية من الحساسية السياسية مع تمسك كل جهة بموقفها والسير في طريق المواجهة حتى النهاية، مما يمهد لمعركة سياسية طويلة الامد ومكلفة الخسائر تنتج فوضى مستدامة.

انهيار الدولة

فقد قال وزير الدفاع المصري إن الصراع السياسي في البلاد يدفعها إلى حافة الانهيار في تحذير واضح من المؤسسة التي قاد ضباط منها مصر حتى منتصف العام الماضي في حين يكافح اول رئيس منتخب بصورة حرة لاحتواء عنف دموي في الشوارع، وقال الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي عينه الرئيس محمد مرسي العام الماضي وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي وقائدا عاما للقوات المسلحة إن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار قوات الجيش في مدن القناة التي هزتها أعمال عنف هو حماية قناة السويس التي يلعب دخلها دورا حيويا في الاقتصاد المصري ولها أهمية كبيرة للتجارة الدولية.

وجاءت تصريحات السيسي التي نشرت في صفحة رسمية للقوات المسلحة على موقع فيسبوك بعد مقتل 52 شخصا خلال أيام من الاضطرابات وأبرزت الإحساس المتزايد بالأزمة التي تواجه البلاد ورئيسها الإسلامي الذي يكافح لإحياء الاقتصاد المتعثر ويحتاج لتهيئة الشعب لانتخابات تشريعية ستجرى خلال شهور بهدف تعزيز الديمقراطية الوليدة في مصر، ومن المستبعد أن تكون تصريحات السيسي مؤشرا إلى أن الجيش يرغب في استعادة السلطة التي احتفظ بها لستة عقود منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية وخلال فترة مؤقتة تلت الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك قبل عامين.

لكن تصريحات السيسي بعثت برسالة قوية تفيد أن أكبر مؤسسة مصرية لها والتي تضطلع بدور اقتصادي كبير بالاضافة لدور امني كما انها متلق لمساعدات امريكية مباشرة كبيرة تشعر بالقلق على مصير البلاد بعد خمسة أيام من الاضطرابات في القاهرة ومدن أخرى كبيرة، وقال السيسي "استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدى إلى إنهيار الدولة"، وأضاف أن "التحديات والإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه مصر حاليا تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات واستقرار الوطن."

وأضاف ان "الإنضباط والالتزام بالثوابت الوطنية جعل القوات المسلحة العمود الصلب الذى ترتكز عليه الدولة المصرية"، وفي محاولة لمواجهة ما يمكن أن يكون تحديا أمنيا جديدا أصدر النائب العام طلعت عبد الله أمرا بضبط وإحضار عناصر مجموعة "بلاك بلوك" التي ظهرت في شوارع البلاد مؤخرا، وقال حسن ياسين رئيس المكتب الفني والمتحدث الرسمي للنيابة العامة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن "التحقيقات... كشفت النقاب عن كون جماعة بلاك بلوك هي جماعة منظمة تمارس أعمالا إرهابية"، ورفض معارضون سياسيون دعوة وجهها مرسي للحوار الوطني الذي عقد أولى جلساته في مسعى لانهاء العنف. وبدلا من ذلك نزلت حشود كبيرة من المحتجين إلى شوارع العاصمة القاهرة والاسكندرية ثاني أكبر مدينة وأيضا في المدن الثلاث الرئيسية بمنطقة قناة السويس بورسعيد والسويس والاسماعيلية. وفرض مرسي قانون الطواريء وحظر التجول في مدن القناة الثلاث، وشيع ألوف من سكان بورسعيد جثماني شخصين قتلا في المدينة في أحدث اشتباكات بالمدينة ليرتفع عدد القتلى فيها منذ يوم السبت إلى 42، وقتل معظم الضحايا بالرصاص في مدينة تكثر فيها الأسلحة النارية.

وتحدى محتجون مناوئون للحكومة الحظر الليلي الذي يسري في مدن القناة الثلاث، لكن الاشتباكات كانت أقل حدة بالقياس إلى الأيام الماضية واستطاع سائقو سيارات المرور في المنطقة. ورفع عمال النظافة أكواما من مخلفات اشتباكات الأيام الماضية، وعلى الرغم من أن تصريحات السيسي جاءت صارمة بشكل كبير فإن الجيش عبر في السابق عن مخاوف مماثلة وتعهد بحماية البلاد. لكن الجيش رفض جره من جديد إلى دور سياسي بعد أن اهتزت سمعته كطرف محايد بإدارته لشؤون البلاد لمدة 17 شهرا بعد مبارك، وقال اليجاه زروان وهو محلل يقيم في القاهرة "المصريون قلقون بشدة مما يجري." وأضاف أن الجيش يعبر عن قلق عام بين الشعب، وتابع "لكن لا أعتقد بوجوب أن تؤخذ التصريحات على أن الجيش يوشك أن ينزل إلى الشوارع ويعتلي سدة الحكم"، لكن المعارضة تتحدى هذه الشرعية وتتهم مرسي بفرض شكل جديد من أشكال الحكم الاستبدادي الذي تخللته موجات متكررة من الاضطرابات التي حالت دون عودة الاستقرار إلى مصر أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، ونشر الجيش قواته في مدن القناة الرئيسية الثلاث ووافقت الحكومة على تعديل قانوني يمنح أفراده سلطة الضبطية القضائية التي تتيح للعسكريين إلقاء القبض على المدنيين. ووافق مجلس الشورى الذي يتولى التشريع لحين انتخاب مجلس النواب خلال الشهور المقبلة على التعديل، وكرر السيسي القول إن دور الجيش سيكون معاونة الشرطة في استعادة الأمن.

وأدانت الولايات المتحدة العنف الدامي الذي يجتاح مصر منذ أيام ودعت الزعماء المصريين إلى القول بوضوح إن العنف غير مقبول، ورفضت جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة دعوة الرئيس لاجتماع للحوار الوطني. وقبل الدعوة للحوار الذي عقد مساء أمس حلفاء مرسي الإسلاميون ومتعاطفون معه، ووصفت جبهة الإنقاذ الوطني التي تمثل المعارضة الرئيسية الحوار بأنه شكلي وغير جدي ووضعت شروطا للمشاركة لم يستجب لها مرسي في السابق مثل تشكيل حكومة إنقاذ وطني. وطالبت الجبهة مرسي أيضا بتحمل المسؤولية السياسية والجنائية عن سفك الدماء في البلاد. بحسب رويترز.

وكانت السياسي الليبرالي الوحيد الذي حضرت اجتماع هو أيمن نور زعيم حزب غد الثورة الذي قال لقناة الحياة التلفزيونية المصرية بعد انتهاء الاجتماع إن المجتمعين اتفقوا على الاجتماع مرة أخر، وصرح بأن مرسي وعد بالنظر في التغييرات التي طلبتها المعارضة في الدستور لكنه لم يبحث طلب المعارضة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني. وما يزال الدستور الذي مرره مرسي على عجل الشهر الماضي ويقول منتقدون ان له صبغة إسلامية مثار خلاف، وأعلن مرسي فرض حالة الطواريء قائلا "إن حماية الوطن مسؤولية الجميع وسنواجه أي تهديد لأمنه بقوة وحسم و(أي تهديد) للمتلكات بقوة وحسم فى ظل دولة القانون"، وقال نشطون إن إجراءات مرسي لفرض حالة الطواريء بقصد فرض النظام على اضطرابات الشوارع يمكن أن تأتي بأثر عكسي، وقال أحمد ماهر المنسق العام لحركة شباب 6 ابريل التي ساعدت في الانتفاضة التي أسقطت مبارك إن الأحكام العرفية والطواريء والسماح للعسكريين بإلقاء القبض على المدنيين ليست حلولا للأزمة، وأضاف أن هذا سيؤدي لمزيد من غضب الشباب وأن الحل يجب أن يكون سياسيا يصل إلجذور المشاكل.

العنف يشتعل وحوار مرفوض

في سياق متصل قتل شخصان بالرصاص في اليوم الخامس من أحداث العنف في مصر التي قتل فيها نحو 50 شخصا ودفعت الرئيس الإسلامي محمد مرسي إلى فرض جزئي لحالة الطواريء في محاولة لإنهاء موجة من الاضطراب تجتاح أكبر الدول العربية سكانا، وتشمل حالة الطواريء التي فرضها مرسي مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس المطلة على قناة السويس، ونشر الجيش قواته من قبل في المدن الثلاث ووافقت الحكومة على مشروع تعديل قانوني يمنح أفراده سلطة الضبطية القضائية التي تتيح للعسكريين إلقاء القبض على المدنيين، ووافق مجلس الشورى الذي يتولى التشريع لحين انتخاب مجلس النواب خلال الشهور المقبلة على مشروع التعديل، وقال مصدر في مجلس الوزراء إن أي محاكمات بالنسبة لمن يلقي رجال الجيش القبض عليهم ستكون أمام المحاكم المدنية. لكن يرجح أن تثير هذه الخطوة غضب المحتجين الذين يتهمون مرسي باستخدام وسائل التنكيل بالمعارضين التي اتبعها سلفه حسني مبارك.

ورفض معارضو مرسي دعوة وجهها لحوار وطني. ويتهمه المعارضون بخطف الثورة والالتفات فقط إلى حلفائه الإسلاميين وخلف وعده بأن يكون رئيسا لكل المصريين، ويقول الإسلاميون إن منافسيهم يريدون الإطاحة بمرسي بطرق غير ديمقراطية على الرغم من أنه أول رئيس منتخب بحرية لمصر، وخرج ألوف المحتجين المناوئين لمرسي إلى الشوارع في القاهرة ومدن أخرى في الذكرى الثانية لأحد أكثر أيام الانتفاضة على مبارك دموية والذي عرف بجمعة الغضب. واستمرت الانتفاضة 18 يوما، وفي مدينة الإسكندرية التي تقع على البحر المتوسط هتف ألوف المتظاهرين "ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"يسقط يسقط حكم المرشد" في إشارة إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، وزاد من حدة الاضطراب السياسي وعنف الشوارع قرار محكمة جنايات بورسعيد بإحالة أوراق 21 متهما للمفتي تمهيدا للحكم باعدامهم في قضية مقتل أكثر من 70 من مشجعي كرة القدم بعد مباراة في المدينة قبل عام.

وتحدى سكان في المدن الثلاث حظر التجول. وهتف مئات في الإسماعيلية بسقوط النظام. وشارك ألوف من النشطاء والسكان في مسيرة بعد الساعة التاسعة مساء في مدينة السويس وقد أطلقوا الألعاب النارية مرددين هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام".

وفي مدينة بورسعيد نظم ألوف السكان والنشطاء أربع مسيرات رددوا خلالها هتافات منها "يسقط يسقط حكم المرشد"، وقال شاهد عيان من رويترز إن قوات الجيش فتحت طريقا تسيطر عليه أمام إحدى المسيرات، وشارك مئات النشطاء في مسيرات مناوئة للحكومة في مدينتي المحلة الكبرى وكفر الشيخ بدلتا النيل ومدينة المنيا جنوبي القاهرة، وأعلن مرسي الإجراءات قائلا "إن حماية الوطن مسؤولية الجميع وسنواجه أي تهديد لأمنه بقوة وحسم و(أي تهديد) للمتلكات بقوة وحسم فى ظل دولة القانون." لكنه اثار انتقادات كثيرين من معارضيه حين رفع أصبعه وسدده باتجاه الكاميرا أثناء كلمته، وقدم الرئيس العزاء لأسر القتلى في أحداث العنف. لكن دعوته لاجتماع للحوار الوطني رفضتها جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة.

ووصفت جبهة الإنقاذ الوطني الحوار بأنه شكلي وغير جدي ووضعت شروطا للمشاركة لم يستجب لها مرسي في السابق مثل تشكيل حكومة إنقاذ وطني. وطالبت الجبهة مرسي أيضا بتحمل المسئولية السياسية والجنائية عن سفك الدماء في البلاد، ونأت جبهة الإنقاذ بنفسها عن أحداث العنف الأخيرة لكنها قالت إن مرسي تأخر في اتخاذ إجراءات أمنية تمنع العنف، وقال المتحدث باسم جبهة الإنقاذ خالد داود "بالطبع نشعر بأن الرئيس لا يضع يده على المشكلة الحقيقة الماثلة على الأرض وهي سياساته هو"، وقال نشطون آخرون إن إجراءات مرسي لفرض حالة الطواريء بقصد فرض النظام على اضطرابات الشوارع يمكن أن تأتي بأثر عكسي، وقال أحمد ماهر المنسق العام لحركة شباب 6 ابريل التي ساعدت في الانتفاضة التي أسقطت مبارك إن الأحكام العرفية والطواريء والسماح للعسكريين بإلقاء القبض على المدنيين ليست حلولا للأزمة، وأضاف أن هذا سيؤدي لمزيد من غضب الشباب وأن الحل يجب أن يكون سياسيا يصل إلى جذور المشاكل. بحسب رويترز.

وقال نشطاء حقوقيون إن فرض الطواريء خطوة إلى الوراء بالنسبة لمصر التي ظلت تحت الطواريء 30 عاما فترة حكم مبارك. واستخدم مبارك بنود قانون الطواريء في القبض على معارضيه السياسيين وبينهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ومنهم مرسي نفسه، وقالت هبة موريف من منظمة هيومان رايتس ووتش في القاهرة إن الشرطة لا تزال ممقوتة بالنسبة لكثير من المصريين بسبب أساليبها القاسية في عهد مبارك وقد صار لها الحق الآن في إلقاء القبض على الأشخاص دون مسوغ قضائي بل لمجرد الاشتباه، وأضافت أن هذا يعرقل جهود تشكيل قوة شرطة مؤهلة ومحترمة، وتابعت أن من غير المنطقي توقع أن يكون من شأن الطواريء تعزيز الأمن بل ستولد الغضب ضد وزارة الداخلية التي ستتخذ إجراءات قاسية ضد المواطنين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/كانون الثاني/2013 - 19/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م