الفضائيات العراقية... تبث حوار الطرشان ولا حياة لمن تنادي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تسنى لي عن طريق الصدفة خلال الايام الماضية متابعة عدد من البرامج الحوارية على بعض الفضائيات العراقية، الاول على فضائية العراقية، والثاني على فضائية البغدادية، والثالث على فضائية الحرية، كل واحدة من هذه الفضائيات تختلف عن الاخرى من ناحية، الملكية، المرجعية الفكرية، التوجهات، الا انها تشترك في هدف واحد هو الوصول الى المشاهد العراقي اولا والعربي ثانيا وان بدرجات متفاوتة من حيث الخطاب، والرسالة.

فضائية العراقية تعود ملكيتها الى الحكومة، فضائية البغدادية تعود ملكيتها الى الخشلوك رجل الاعمال العراقي، الحرية تعود ملكيتها الى السيدة هيرو زوجة الرئيس طالباني.

الفضائيات الثلاث تبعا لجهة الملكية اثارت ولازالت تثير الكثير من اللغط والجدل لدى الجهات السياسية وبدرجة اقل لدى بقية المشاهدين لبرامجها، البرامج الحوارية لم اشاهدها في ساعة البث المباشر، بل شاهدتها في اوقات الاعادة لها، وهي عادة متبعة في جميع الفضائيات باعادة الحلقات المباشرة في وقت لاحق من اليوم التالي.

البرنامج الحواري الاول الذي تابعته هو (حديث الناس) والذي بثته قناة البغدادية في عرضه المباشر يوم 26 / 1 / 2013 وجمع بين محمد العسكري الناطق الاعلامي والمتحدث الرسمي لوزارة الدفاع العراقية، وجاسم الحلبوسي رئيس مجلس محافظة الانبار، وكان موضوعه (مقتل عدد من المتظاهرين في الفلوجة).

البرنامج الحواري الثاني هو (وراء الحدث) والذي بثته فضائية الحرية في عرضه المباشر يوم 26 / 1 / 2013 وجمع بين رائد فهمي وزير العلوم والتكنولوجيا السابق وهو عن الحزب الشيوعي العراقي، ولقاء وردي النائبة عن ائتلاف القائمة العراقية، والدكتور مصطفى امين جامعي واعلامي في شبكة راصد الاعلامية، وكان موضوعه طلبات المتظاهرين في عدد من المدن العراقية ذات الغالبية السنية.

البرنامج الثالث هو (العراقية والحدث) الذي بثته فضائية العراقية ايضا في 26 / 1 / 2013 وجمع بين النائبة عن ائتلاف القائمة العراقية وحدة الجميلي، والنائب عن ائتلاف دولة القانون كمال الساعدي، وناطق مخول عن متظاهري الانبار وهو عبد محمد فلاح. وكان موضوعه ايضا طلبات المتظاهرين في تلك المدن.

بداية هناك حقيقة تؤكد عليها العلوم الانسانية، وخاصة علم الاجتماع وعلم النفس، هذه الحقيقة هي ان المجتمعات التي عاشت فترات زمنية طويلة من القمع والكبت والحرمان، لا تستطيع ان تتحاور في ما بينها على مستوى الافراد، باشخاصهم او ممثلين باحزاب او منظمات او مؤسسات تعمل في شتى المجالات. يعود سبب ذلك العجز عن الحوار، الى اليات القمع والكبت التي استخدمت ضدهم على مدى تلك السنوات الطويلة، وهي اليات تستدعي اللجوء الى وسائل متنوعة للتعبير عما في دواخلهم، لكنها في النتيجة لا تصيب الغرض المباشر لانها تفتقد الى الانسجام والى عدم الثقة في الطرف المقابل الذي يتم النظر اليه بعين واحدة، والعجز عن الحوار يعود الى غياب ثقافة الحوار التي لم تتجذر في وعي المجتمع العراقي، فاذا تحاور عراقيان تتعالى اصواتهما مشفوعة بتحريك اليدين يمينا وشمالا، مع ارتفاع نبرة الصوت، وكان المقابل لا يسمع ما تقوله، واذا انتبهت الى الحوار الدائر بينهما (تسمية الحوار هنا مجازية) لوجدت ان كلا منهما يهيم في واد بعيد عن وادي الاخر، وما صوتهما الا رجع صدى لكل متحدث.

البرامج الثلاث التي ذكرتها، انتهت من حيث بدأت.. اتهام ودفاع متقابل .. اسئلة بقيت معلقة في الفضاء دون اجوبة.. تعليق على كلام سابق، وليس اجابة عن سؤال مطروح، وهي الية من اليات الدفاع النفسي التي يلجأ اليها المتحاورون للهروب الى الامام وعدم التوقف عند النقطة المطروحة للنقاش.

اذكر بعض الامثلة في البرنامج الاول:

محمد العسكري: كانت لدينا معلومات عن دخول عدد من الإرهابيين للاشتراك في التظاهرات وقد توجهوا الى احدى السيطرات التابعة للجيش وبدؤوا باطلاق النار على الجنود، ورد الجنود دفاعا عن نفسهم، وقد استشهد ثلاثة من تلك النقطة اضافة الى حرق همرات للجيش.

جاسم الحلبوسي: لقد كنت شاهدا على ما حدث وكنت في المنصة الرئيسية وانت تتحدث عن سيطرة اخرى بعيدة عن المتظاهرين.

محمد العسكري: لقد تم احراق سيارة تابعة لك ايضا.

الحلبوسي: الجيش هو من بدأ باطلاق النار على المتظاهرين، وقد طالبنا مرارا بسحب الجيش واستبداله بالشرطة الاتحادية.

العسكري: الجيش لحمايتكم.. هل تستطيع ان تكتب تعهدا بعدم مسؤولية الجيش اذا حدثت خروقات من قبل المسلحين؟، وماهي ضماناتكم لعدم اختراق المسلحين للتظاهرات؟.

الحلبوسي: يجب تقديم المتهمين الى القضاء في الرمادي لينالوا جزاءهم في نفس المكان.

لقد كنت شاهدا على ما حدث.

العسكري: لماذا لاتاتي الى وزارة الدفاع وتدلي بشهادتك حول ما حدث؟.

الحلبوسي: لدينا تسجيلات عن الحادثة، على هذه الوتيرة استمر السجال.

في البرنامج الثاني، وحول تعقيب النائبة لقاء وردي على كلام رائد فهمي حول مسؤولية الاحزاب والكتل السياسية عما وصل اليه النظام السياسي في العراق الى ازمة مفتوحة على كل الاتجاهات قالت بالحرف الواحد: القائمة العراقية لم تخطيء، بل اخطأ الاخرون، والاخرون هم تحديدا (نوري المالكي)، والشخصنة واضحة في التبرير والاتهام.. ففي هذه الازمة وكل الازمات السابقة، تمت شخصنة السلبيات برئيس مجلس الوزراء لوحده، فاذا قيل الحكومة فهي تعني نوري المالكي واذا قيل البرلمان فهي تعني دولة القانون واذا قيل رئاسة الجمهورية فهي تعني خضير الخزاعي، الذي اطلق عليه وصف (ابو الاعدامات).

في البرنامج الثالث، كان التنافر على اشده، فاثنان من المتحاورين ينتميان الى جهة واحدة، وهذا الانتماء المشترك مصدر قوة للمحاور، فانا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب، ايضا في هذا البرنامج كان الحديث شرقا وغربا، وكان السؤال المحوري الذي وجهه مقدم البرنامج الى السيد عبد محمد فلاح هو ما هي الضمانات ان طلبات المتظاهرين تبقى في حدودها ولا تتجاوز السقوف العالية اذا حققت الحكومة ما يتعلق بها؟، ولم تتم الاجابة عن هذا السؤال، فلا توجد ضمانات يمكن تقديمها.

ما يلفت النظر في هذا البرنامج السقطة التي وقعت فيها النائبة وحدة الجميلي حين عقبت على بعض كلام النائب كمال الساعدي الذي سارع واعاد لها ما قاله بالحرف الواحد، ومازحها قائلا: لقد قوّلتيني ما لم اقله وانا امامك فكيف الحال وانا لست موجودا؟.

اختم الموضوع بنكتة مصرية حول حوار الطرشان:

مرة اتنين سمعهم تقيل اتقابلوا في الشارع، فواحد بيقولوا للتاني

الاول:لو سمحت يأ اخ فين الاتوبيس اللي بيودي على مصر الجديدة

التاني: على الحديدة؟، انت شحات؟.

الاول: مين اللى مات ؟، ده خبر فضييع.

التاني: اونكل ربيع، ده راجل كبير.

الاول : فلوس كتير، ده خبر مفتخر.

التاني: راس البر، مصيف محترم.

الاول: شارع الهرم؟ انا مابحبوش.

التاني: كلامي فشوش، بتشتمني ليه؟.

الاول : حتشترى ايه ؟ انت معاك فلوس؟.

التاني: جواب محصوص جالك منين؟.

الاول: رايح على فين؟ على مصر الجديدة.

التاني: مانا عارف انك على الحديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/كانون الثاني/2013 - 17/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م