"الاوباماوية الجديدة" إستراتجية مرنة... هل ستغير البوصلة السياسية الولايات المتحدة؟

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بعد أربع سنوات من الحدث التاريخي لصعود أول رئيس أسود للولايات المتحدة، دخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجولة التالية من المواجهة على سدة الحكم بموقف أكثر قوة، مما يعكس توقعات أكثر اعتدالا للسنوات الأربع القادمة، إذ يبدي أوباما الجديد زعامة أكثر جرأة منذ إعادة انتخابه، وذلك  من خلال معاركه المريرة المتجددة مع الجمهوريين بشأن الاقتصاد والحد من الأسلحة والهجرة، فضلا عن التعيينات الادارية المتمثلة بمرشحي الرئيس اوباما لشغل منصب وزير الدفاع ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) في اطار تشكيله فريقه للامن القومي لفترة رئاسته الثانية، حيث اثارت قرارته الاخيرة، جدلا سياسيا حادا بين الادارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية في الولايات المتحدة، إذ يسعى الرئيس الامريكي الديمقراطي جاهدا لخلق إستراتيجية مرنة من استخدام سياسات القوى الجديدة من خلال اعتماد مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، بهدف تكوين -اوباماوية سياسية جديدة- اكثر توازنا  داخل النظام الامريكي وبين الأمريكيين ايضا، إذ يرى المحللون بأن ممارسات أوباما تظهر الثقة المتزايدة لرئيس يشعر الآن بحرية أكبر في مواجهة كونجرس جديد دون أن تكون لديه أي مخاوف مرتبطة بالسعي لإعادة انتخابه، وكانت فترته الأولى قد شهدت شكاوى من قاعدته الليبرالية من تهاونه الشديد مع الجمهوريين، الا انه اليوم اظهر وجها سياسيا اخر لا يعجب الجمهوريين، فيما توقع محللون سياسيون بأن السياسية الخارجية الأمريكية في العهد الجديد للرئيس باراك أوباما لن تتغير وإنما ستستمر في السياق نفسه بأكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، حيث استقبلت دول الشرق الأوسط فوز اوباما بتفاؤل حذر باستثناء اسرائيل، التي دعمت المرشح الجمهوري ميت رومي الخاسر في انتخابات الرئاسة الأمريكية، مما خلف تداعيات واضحة على السياسة الإسرائيلية، وبالتالي ستواجه اسرائيل وضعا صعبا في المرحلة المقبلة مع واشنطن، خصوصا بعد أربع سنوات من العلاقات الفاترة والخلاف بشأن كيفية كبح جماح البرنامج النووي الايراني، لذا تفضي المعطيات آنفة الذكر بأن امريكا اليوم تحت حكم أوباما اقوى مما تبدو، كون قيادة امريكا-الجديدة القديمة- تنتهج آيدولوجية سياسية وفق استراتجية مرنة، تمهد الطريق لمرحلة سياسية محورية لا تخلو من روح المغامرة، وعليه فقد تلوح في الأفق معارك سياسية حيوية بين اوباما وخصومه، قد تصنع تحديات وصراعات محلية ودولية على الأصعدة كافة.

أوباما الواثق

فقد بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الواثق فترة ولايته الثانية بدعوة حماسية إلى أمريكا أكثر اشتمالا تنبذ الضغينة الحزبية وتتبنى إصلاح قوانين الهجرة وحقوق المثليين ومكافحة تغير المناخ، وفي مراسم اتسمت بالأبهة التقليدية أدى أوباما اليمين لتولي فترة ثانية في مبنى الكونجرس الأمريكي لكن مراسم التنصيب كانت أقل بريقا مقارنة بالبداية التاريخية لرئاسته في عام 2009 عندما تولى المنصب مرتديا عباءة الأمل والتغيير كأول رئيس أمريكي أسود، وعلى الرغم من هشاشة الاقتصاد والانقسام في واشنطن قدم أوباما مراجعة للأولويات التي يعتزم متابعتها لا سيما إعادة التأكيد على القضايا الديمقراطية الليبرالية الأساسية معلنا أن الأمريكيين "متأهبون لهذه اللحظة" وعليهم "التمسك بها سويا"، دعا أوباما وقد وخط الشيب شعره بعد أربع سنوات في منصبه إلى وضع حد للتعصب الحزبي الذي اتسمت كثيرا به فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض من خلال معارك مريرة بشأن الاقتصاد مع الجمهوريين. بحسب رويترز.

وكان أوباما يتحدث إلى حشد يقدر بنحو 700 ألف شخص وهو أقل من نصف الرقم القياسي البالغ 1.8 مليون شخص الذين احتشدوا امامه قبل أربع سنوات، وقال أوباما "سنتحلى بالشجاعة لمحاولة حل خلافاتنا مع الدول الأخرى سلميا ... سندعم الديمقراطية من آسيا إلى أفريقيا ومن الأمريكتين إلى الشرق الأوسط لأن مصالحنا وضميرنا يحثنا على التصرف من أجل أولئك الذين يتوقون إلى الحرية"، وتحدث أوباما بعبارات أكثر تحديدا مما هو معتاد في خطاب التنصيب ووعد "بخيارات صعبة" لخفض العجز في الميزانية الاتحادية دون المساس بشبكة الأمان الاجتماعي ودعا إلى إعادة تنظيم قانون الضرائب، وعندما رفع أوباما يده اليمنى ليؤدي اليمين الذي يلقنه له رئيس المحكمة العليا جون روبرتس كانت هذه هي المرة الثانية التي يؤدي فيها اليمين خلال 24 ساعة لكن هذه المرة امام عشرات الملايين من مشاهدي التلفزيون، فقد أقيمت مراسم خاصة في البيت الأبيض لأداء اليمين لأن الدستور ينص على أن يؤدي الرئيس اليمين يوم 20 من يناير كانون الثاني.

التحديات الكبرى

في سياق متصل سيستقطب خطاب أوباما محور الاهتمام حيث سيعرض فيه رؤيته للسنوات الأربع القادمة لكنه لن يتطرق إلى تفاصيل بعينها في السياسة، وقال ديفيد بلوف وهو مستشار كبير إن أوباما سيدعو كلا الحزبين للتعاون من أجل مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه البلاد في الفترة الثانية مثل الميزانية والحاجة إلى رفع الحد الأقصى للاقتراض وحملة الحزب الديمقراطي لإحكام قوانين حيازة الأسلحة النارية ومنح الجنسية للمهاجرين بشكل غير مشروع.

وقال بلوف لشبكة سي.ان.ان في خطاب التنصيب سوف يعرض حقا رؤيته لفترته الثانية والوجهة التي يعتقد أن البلاد في حاجة إلى الاتجاه إليها في السنوات القادمة والقيم المطلوبة لدعم هذا الاتجاه وبالطبع سرد للتفاصيل والخطوط العامة في خطاب حالة الاتحاد" المقرر أن يلقيه أوباما في 12 فبراير شباط، وبعد معركة انتخابية مريرة مع الجمهوري ميت رومني تسببت التحديات المضنية التي تواجه أوباما ومعاركه السياسية مع الجمهوريين في الكونجرس في انقسام الرأي العام بشأن المستقبل في السنوات الأربع القادمة. بحسب رويترز.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة ان.بي.سي التلفزيونية وصحيفة وول ستريت جورنال في الأسبوع الماضي أن 43 في المئة من الأمريكيين يشعرون بالتفاؤل تجاه السنوات الأربع القادمة ويشعر 35 في المئة بالتشاؤم في حين أن 22 في المئة ليس لديهم رؤية واضحة.

هل ستكون حكومة اوباما الثانية اقل تمثيلا من الاولى؟

برحيل هيلاري كلينتون ووزراء آخرين، قد تكون حكومة ولاية باراك اوباما الثانية اقل تمثيلا من الاولى في ما يعتبر مفارقة بالنسبة الى رئيس اعيد انتخابه بفضل اصوات النساء والاقليات، وردا على سؤال في هذا الشأن اجاب رئيس الولايات المتحدة اثناء مؤتمر صحافي قبل بضعة ايام من بدء ولايته الثانية "انا فخور جدا لانه كان لدي اثناء السنوات الاربع الاولى بيتا ابيض وحكومة اكثر تمثيلا مما سبق في التاريخ"، واضاف "وانوي المحافظة على ذلك"، لكن منذ بداية التعديل في كانون الاول/ديسمبر، لم يعين اوباما سوى رجال من البيض في الخمسين او الستين من العمر. جون كيري (69 عاما) ليحل محل هيلاري كلينتون، والجمهوري تشاك هاغل (66 عاما) في البنتاغون، وجاك لو (57 عاما) في الخزانة.

وفي نهاية ولايتها الاولى، كانت حكومة اوباما تعد، بين وزراء ومسؤولين برتبة وزراء، 15 رجلا وثماني نساء، بينهن ثلاث على الاقل اعلن مغادرتهن وهن كلينتون وزيرة الخارجية (الثانية في التسلسل البروتوكولي) ووزيرة العمل هيلدا سوليس والادارية في وكالة حماية البيئة ليسا جاكسون، وفي الاجمال، فان سبعة من اعضاء الادارة هم من الاقليات: اربعة من السود (وزير العدل اريك هولدر، وليسا جاكسون، والممثل الاميركي لشؤون التجارة رون كيرك والسفيرة في الامم المتحدة سوزان رايس)، واسيويين (هما وزير الطاقة ستيفن شو ووزير المحاربين القدامى اريك شينسكي) والاسبانية هيسلدا سوليس.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز ان اوباما ينوي تعيين دينيس ماكدونوي، وهو رجل ابيض في الثالثة الاربعين، ليحل محل جاك لو امينا عاما للرئاسة. واقترح الرئيس جون برينان (57 عاما) لتولي وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) وهو منصب لا يتمتع برتبة وزير لكنه احد ابرز المناصب في الادارة الاميركية، وفي الوضع الحالي للتعديل، فان ارفع امراة تتولى حقيبة وزارية في سلم البروتوكول هي كاتلين سيبيليوس وزيرة الصحة التي تحتل المكانة العاشرة. وهولدر ارفع ممثل للاقليات يحتل المرتبة الخامسة. بحسب فرانس برس.

وهيمنة الرجال البيض البالغين الواضحة للعيان في محيط الرئيس اوباما، اول رئيس اسود للولايات المتحدة، تثير اشمئزاز بعض حلفائه، في حين طرح اسم ميشال فلورنوي مساعدة وزير الدفاع سابقا، في وقت ما لتصبح المرة الاولى التي تتولى حقيبة الدفاع، وكتب بيل برس زعيم الحزب الديموقراطي السابق في كاليفورنيا، في افتتاحية ساخرا من الضرورة التي يرزح تحتها اوباما لتعيين عدد كبير من النساء حوله، في اشارة الى تعبير استخدمه المرشح الجمهوري الى الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر ميت رومني الذي اعرب في مناظرة تلفزيونية بطريقة غير موفقة عن رغبته في تعيين نساء في فريقه، والنقاش حول وجود نساء واقليت في الحكومة الاميركية امر "مشروع، لكنه لا يتمتع باهمية كبيرة"، كما قال الخبير في العلوم السياسية توماس مان من معهد بروكينغز، وقال "اعتقد انه عندما ينتهي، سيكون لدى اوباما عدد كبير من النساء و(من افراد) الاقليات في حكومته"، وقد حذر اوباما من اصدار حكم "مسبق". وذكر ايضا بانه عين امراتين في المحكمة العليا وان 50 بالمئة من فريق عمله في البيت الابيض مؤلف من نساء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/كانون الثاني/2013 - 17/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م