نفط العراق... مأزق ثروات دائم

 

شبكة النبأ: أسهمت الخلافات السياسية في العراق بتعطيل الكثير من المشاريع والخطط الاستثمارية المهمة ومنها القطاع النفطي الذي يعد شريان الاقتصاد الأول في العراق حيث يمد الاقتصاد الوطني مايقارب94% من العائدات، بحسب بعض المراقبين فان ملف النفط قد تأثر بشكل سلبي بمجريات الخلاف السياسي الذي أصبح اليوم عداء شخصي بحت بين بعض القادة وهو ما اضر بمصالح العراق العامة التي أصبحت اليوم رهينة لتوافقات وقرارات حكومتين في بلد واحد، هما حكومة المركز التي تعتبر نفسها المسؤول الأول عن هذا الملف وحكومة إقليم كردستان التي ترى أنها الأحق بالتصرف بثروات الإقليم النفطية، لامر الذي أسهم بتعقيد المشهد وتسبب بنشوب خلافات عقود النفط وصلاحيات إبرام الصفقات مع الشركات العالمية وهو ما تسبب وبحسب بعض المتخصصين من تردد عدد كبير من شركات النفط العالمية من دخول السوق العراقية، مؤكدين في الوقت ذاته على ان حكومة الاقليم تسعى الى جذب تلك الشركات من خلال تسهيل بعض الإجراءات الخاصة وتقديم بعض التنازلات لها في سبيل إحراج حكومة المركز التي ترى بطلان مثل هكذا عقود بسبب عدم موافقة المركز التي عمدت إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تهدف إلى تقوية مركزها فهددت بتقليص حصة الإقليم في الموازنة العامة للدولة من 17 إلى 13% ورفضت دفع المستحقات المالية لشركات النفط الأجنبية العاملة في كردستان.

وفيما يخص صراع النفط في العراق فقد دافع إقليم كردستان العراق عن عقوده النفطية مع الشركات الأجنبية ومقايضته للخام مع تركيا ووصفها بأنها دستورية رافضا في الوقت نفسه اتفاقا مبدئيا بين بغداد وبي.بي لتطوير حقل نفطي في مدينة كركوك المتنازع عليها. جاء ذلك بعد أن قال وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي إن بغداد تعتزم مقاضاة شركات تصدر النفط من الإقليم شبه المستقل ولوح بخفض مخصصات الإقليم في الميزانية الاتحادية وكشف عن اتفاق مع شركة بي.بي لتطوير حقل كركوك النفطي.

وقالت حكومة كردستان في بيان على موقعها الإلكتروني إن المواطنين العراقيين "سئموا لغة التهديد والترهيب التي تأتي في إطار أجندات سياسية ضيقة ولا تؤدي إلا إلى إثارة الانقسام والفتنة." وأضافت أنه فيما يتعلق بإدارة النفط والغاز فإن حكومة الإقليم تؤمن وتلتزم بشدة بنص وروح دستور العراق الاتحادي الدائم.

وكان لعيبي قال إن بغداد تعتزم مقاضاة جينل انرجي أول شركة تصدر النفط الخام مباشرة من كردستان وربما تخفض مخصصات الإقليم في الميزانية العراقية ما لم يتوقف عما وصفه بالتهريب. وكشف لعيبي أيضا عن اتفاق مبدئي مع شركة بي.بي النفطية لتحديث حقل كركوك النفطي شمال البلاد وهو حقل ضخم لكنه متقادم ويعاني من تراجع كبير في الانتاج. ويدور حول هذا الحقل نزاع بين بغداد وكردستان.

وقال بيان حكومة كردستان إن لعيبي يكشف عن تفاصيل خطة "غير قانونية وغير دستورية" للسماح لشركة بي.بي بالعمل على تطوير بعض الحقول المستنزفة في كركوك دون التشاور مع أطراف النزاع الأخرى أو الحصول على موافقتها. والثروات النفطية في كركوك هي محور أزمة داخل الحكومة العراقية التي تضم أحزابا سنية وشيعية وكردية بشأن كيفية اقتسام السلطة وسط مخاوف متزايدة من إمكانية انزلاق البلاد مجددا إلى اقتتال طائفي واسع النطاق. وستعمل بي.بي في الجانب الذي تسيطر عليه بغداد من الحدود في اثنين من التكوينات الجيولوجية هما بابا وأفانة. وتسيطر حكومة إقليم كردستان على التكوين الثالث في الحقل وهو خورمالة. بحسب رويترز.

وقال مسؤول غربي في شركة نفطية تعمل بالعراق "من وجهة نظر سياسية هذا سيدفع بي.بي إلى خط المواجهة. لكن توجد أيضا أسباب فنية قوية لاستعانة وزارة النفط بشركة بي.بي في كركوك." وهبط إنتاج كركوك إلى 280 ألف برميل يوميا مقارنة مع 900 ألف برميل يوميا في 2001 بعد حقن الحقل بالمياه وإلقاء كميات من الخام والمشتقات فيه على مدى سنوات. وقال مسؤولون عراقيون إنهم يريدون أن تعمل بي.بي على رفع الطاقة الإنتاجية للحقل المستغل منذ 77 عاما إلى نحو 600 ألف برميل يوميا في غضون خمس سنوات. وفي هذا النزاع يقف توني هايوارد الرئيس التنفيذي السابق لبي.بي والذي يرأس الآن شركة جديدة مع الجانب الكردي بالإضافة إلى عدد من الشركات النفطية من بينها إكسون موبيل وشيفرون.

اكسون موبيل

في السياق ذاته طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المدير التنفيذي لشركة اكسون موبيل النفطية الاميركية بالعمل بما ينسجم ودستور البلاد، فيما اكدت الشركة انها في صدد اتخاذ قرارات مهمة في هذا الشان. ونقل بيان عن المالكي خلال استقباله رئيس مجلس الادارة والمدير التنفيذي للشركة ريكس تيلرسون، ان "العراقيين شركاء في النفط المستخرج في اي نقطة من العراق ولا يمكن ان يكونوا شركاء في البصرة وغير شركاء في مناطق أخرى". واكد "على ضرورة ان يكون نشاط شركة اكسون موبيل منسجما مع الدستور العراقي لكون النفط ملكا لجميع العراقيين".

وكانت اكسون موبيل وشل البريطانية الهولندية العملاقة وقعتا عقدا في كانون الثاني/يناير 2010 مع العراق لتطوير حقل غرب القرنة/1 الذي يعد ثاني اكبر حقل نفطي في العراق ويقدر احتياطه بحوالى 8,5 مليارات برميل. ورغم ذلك، قامت اكسون في تشرين الاول/اكتوبر 2011 بابرام عقد للتنقيب عن النفط مع حكومة اقليم كردستان الشمالي في ستة حقول، اثنان منها في مناطق متنازع عليها، الامر الذي ترفضه الحكومة المركزية وتعتبره غير قانوني.

واكد عبد المهدي العميدي مدير دائرة العقود والتراخيص في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ان "اكسون موبيل راغبة ببيع حصتها كاملة او جزء من حصتها الى شركات اخرى". واكد رئيس الوزراء خلال اللقاء ، على ان "وزارة النفط ستبذل كل ما تستطيع لحل المشاكل والعقبات التي تعترض عمل شركات النفط العاملة في العراق". وذكر في الوقت نفسه بانه "لدى العراق فرصا استثمارية كبيرة جدا ومهيأة للاستثمار". من جانبه، اكد تيلرسون حرص شركته على مواصلة عملها وتوسيعه في العراق، وانها ستتخذ قرارات مهمة في هذا المجال. بحسب فرنس برس.

واكد بيان رسمي للحكومة العراقية في 19 تموز/يوليو 2012 معارضتها للعقود التي ابرمتها اكسون موبيل مع اقليم كردستان، وجاء فيه "نجدد تأكيد ضرورة التزام الشركة بتعهداتها وبتوصيات الحكومة العراقية اضافة الى توصيات الادارة الاميركية لها بهذا الشان". وتابع "خلافا لذلك، الحكومة ستتخذ كافة الاجراءات الكفيلة بتطبيق القانون ومنع الشركة من تنفيذ تلك العقود".

من جانب اخر قالت مصادر بصناعة النفط إن الرئيس التنفيذي لاكسون موبيل اجتمع مع رئيس إقليم كردستان العراق بعدما قدمت بغداد عرضا للشركة الأمريكية في محاولة واضحة للإبقاء على أنشطتها في جنوب البلاد. وقال بيان على الموقع الالكتروني لحكومة كردستان إن تيلرسون اجتمع مع الرئيس مسعود البرزاني لبحث عمليات الشركة دون أن يذكر أي تفاصيل. وكانت إكسون أول شركة نفط كبيرة توقع عقودا لست مناطق امتياز مع حكومة كردستان في 2011 ما أغضب بغداد التي تقول إن الحكومة المركزية وحدها لها الحق في توقيع صفقات نفطية والسيطرة على صادرات الخام من الدولة العضو في أوبك. وقال الرئيس التنفيذي لشركة منافسة تعمل في الجنوب "لا تجري محادثات على مستوى الرئيس التنفيذي إلا إذا كان هناك أمر مهم مطروح للنقاش."

وأوضح العراق في الماضي أن على شركات النفط الأجنبية العاملة في الجنوب أن تتخلى عن عقودها مع كردستان وإلا ستفقد أصولها في باقي أنحاء العراق. وأبلغ الوزير عبد الكريم لعيبي أن العراق يأمل أن تستمر إكسون في العمل معه مضيفا أن ما سيتحقق في حقل غرب القرنة يبلغ نحو مثلي ما سيتحقق في منطقة كردستان. وأضاف أن الوزارة بدأت استعداداتها للجولة الخامسة من عطاءات التراخيص وأنها ستكون عقود مختلفة تماما وشديدة الإغراء لشركات النفط.  وقال مسؤولون عراقيون في أواخر العام الماضي إن مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي) باتت المرشح الأوفر حظا في المحادثات للاستحواذ على حصة إكسون البالغة 60 بالمئة في مشروع غرب القرنة-1 الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار.

وأي عرض تتلقاه إكسون من بغداد سيأتي في وقت يكافح فيه رئيس الوزراء نوري المالكي في مواجهة ضغط سياسي متواصل أدت لتعقيد صراع حكومته مع كردستان. وفي حين تقول الحكومة العراقية إنها صاحبة الحق القانوني الوحيد في تصدير الخام وتوقيع الصفقات فإن كردستان تقول إن حقها في منح العقود وشحن النفط منصوص عليه في الدستور. وفشلت محاولات لتسوية الصراع ما يرجع جزئيا لخلافات بشأن قانون تأجل طويلا للنفط والغاز يهدف لوضع إطار عمل أوضح لادارة رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم.

شركة الاستكشافات العراقية

على صعيد متصل استأنفت شركة الاستكشافات النفطية العراقية أعمال الحفر الاستكشافي بعد توقف دام ثلاثة عقود، حسب بيان لوزارة النفط العراقية. وافاد البيان انه "ضمن خطة شركة الاستكشافات النفطية تقوم شركة الحفر العراقية باعمال الحفر الاستكشافي في حقل السندباد النفطي الذي يقع في قضاء شط العرب بمحافظة البصرة (550 كلم جنوب بغداد)". ونقل البيان عن مدير عام الشركة كريم حطاب قوله ان "الحقل ليس من الحقول المنتجة ولا يضم آبارا ولا منشآت سطحية"، مضيفا ان "استئناف عمليات الحفر الاستكشافي يأتي بعد توقف دام اكثر من ثلاثة عقود". واضاف ان "عمليات الحفر تمت بجهود وطنية وبعمق 4300 متر". وتابع حطاب ان "شركة الاستكشافات النفطية قاربت على الانتهاء من اجراءات المسح الثلاثي الابعاد لموقع خسفة عانة في محافظة الانبار وسيتم رفع التقارير الفنية الخاصة بالموقع الى الدوائر المعنية في الوزارة لاجراء اللازم".

من جهة اخرى، اعلن المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد اكتشاف تكوينات نفطية بعد انجاز حفر رقعة ديما في محافظة ميسان، لتكون احد اكبر حقول محافظة ميسان الغنية بالنفط جنوب البلاد. واوضح ان "شركة الاستكشافات النفطية التي باشرت بحفر الرقعة انجزت عملها واكتشفت تراكيب نفطية تبلغ احتياطيا يبلغ حوالى مليار برميل من النوع الخفيف الممتاز". وقال ان "الحقل المكتشف سيكون من اكبر الحقول المنتجة وسيساهم في زيادة الطاقة الانتاجية لشركة نفط ميسان". بحسب فرنس برس.

ونظمت بغداد في ايار/مايو من العام الماضي جولة تراخيص لحقول النفط والغاز اسفرت عن منح اربع رقع استكشافية من اصل 12 رقعة استكشافية عرضت على شركات عالمية. ويقدر معدل انتاج النفط العراقي بحوالى 3,2 مليون برميل يوميا. وتشكل ايرادات النفط 94 في المئة من عائدات البلاد. ويملك العراق ثالث احتياطي من النفط في العالم يقدر بنحو 143 مليار برميل بعد السعودية وايران.

العراق يبني

الى جانب ذلك قال مسؤول عراقي كبير إن العراق يخطط لبناء خط أنابيب يربط حقول النفط الجنوبية في محافظة ميسان بالمستودعات الكبيرة للتخزين بغرض التصدير وإن شركة خطوط أنابيب البترول الصينية تقترب من الفوز بعقد بقيمة 650 مليون دولار. وقال علي معارج رئيس شركة نفط ميسان الحكومية لرويترز "سيعزز هذا المشروع طاقة تصدير النفط من حقلي ميسان وحلفاية وحقول أخرى صغيرة. سيزيل تماما كل القيود على الصادرات."

واضاف ان خط الأنابيب سينقل الخام من تلك الحقول إلى مستودعات التخزين في الفاو ومنها إلى المرافئ العائمة في الخليج. وقال إن الشركة الصينية قريبة من الفوز بعقد لأعمال الهندسة والانشاء لبناء الخط بطول 300 كيلومتر وقطر 42 بوصة. وتطور شركات سي.ان.بي.سي الصينية وتوتال الفرنسية وبتروناس الماليزية حقول حلفاية وتدير شركتا سينوك الصينية وتباو التركية مجمع ميسان الذي تبلغ احتياطياته 2.5 مليار برميل. بحسب رويترز.

وقال معارج إن الانتاج الحالي من الحقول التي تطورها شركات اجنبية والحقول الصغيرة بلغ نحو 230 ألف برميل يوميا. وأضاف ان من المقرر تدشين خط أنابيب التصدير في بداية 2014 ليبدأ التعامل مع زيادة مزمعة في الانتاج إلى حوالي 400 ألف برميل يوميا. وسيحل الخط محل آخر قديم قطره 28 بوصة ينقل الخام حاليا من الحقول الجنوبية في العمارة إلى مستودعات التخزين قرب البصرة. والبنية التحتية للتصدير وليس الانتاج هي العقبة الرئيسية في سبيل استقرار الصادرات العراقية مما أجبر العراق على إعادة النظر في الهدف النهائي للانتاج البالغ 12 مليون برميل يوميا.

رنسا تبدأ محاكمة

في السياق ذاته مثل رئيس شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال ووزير سابق أمام محكمة فيما يتصل باتهامات فساد في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كانت تديره الأمم المتحدة في العراق خلال حكم الرئيس صدام حسين. وتواجه توتال ورئيسها التنفيذي كريستوف دو مارجيري وشركة تجارة النفط السويسرية فيتول والوزير السابق شارل باسكوا و16 متهما آخرين تهما مختلفة من الفساد إلى استغلال النفوذ أو التواطؤ. وأدير البرنامج في العراق بين 1996 و 2003 بهدف تخفيف معاناة الشعب العراقي بالسماح لبلدهم ببيع جزء من الخام رغم الحظر الذي فرض بعد حرب الخليج الأولى.

وقال تقرير للأمم المتحدة إن البرنامج تسبب في فساد على نطاق دولي بمليارات الدولارات. وقرر قاضي تحقيق فرنسي إحالة توتال ومارجيري وباسكوا والمتهمين الآخرين للمحاكمة على خلاف توصية مكتب الادعاء الفرنسي الذي يخضع لسلطة وزارة العدل. بحسب رويترز.

وتواجه توتال تهما بالرشوة والتواطؤ والتربح من استغلال النفوذ وهي تهم نفتها جميعا. ومارجيري متهم بالتواطؤ في اساءة استخدام أصول شركات ويواجه السجن لما يصل إلى خمس سنوات وغرامة قدرها 375 ألف يورو (499300 دولار) إذا ادين. وقال إنه لن يعلق. قالت توتال إنه لن يتحدث للاعلام اثناء المحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/كانون الثاني/2013 - 16/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م