المرأة... ضحية غياب الإنصاف على مر العصور

حيدر الجراح

شبكة النبأ: العالم يلتهب بأحداث السياسة والسياسيين، وبأخبار الرجال الحمقى الذين يصنعون المآسي، فقط المرأة، وجها وحضورا تصنع الفارق. وهو فارق لم يمنحه الرجل، بل منحه الخالق سبحانه وتعالى.

لكن المرأة هي العنوان الابرز للتمييز والتهميش في مجتمعاتنا، التي ان فخرت فهي تفخر بان الدين الاسلامي اعطاها حقوقا لا توجد في كل الشرائع والقوانين الاخرى، هو كلام صحيح، لكن واقع الحال يكذب تلك الادعاءات، فالمسلمون يشتغلون بمعزل عن تعاليم دينهم، ليس في ما يتعلق بالمرأة وحقوقها، بل بجميع التعاليم والشرائع الأخلاقية الكبرى التي حث عليها هذا الدين، من قبيل التسامح او العدل او اللاعنف او المحبة الانسانية الجامعة او الحق في الاختلاف او حقوق الانسان في الحياة الكريمة او حقه في التعبير، وغيرها الكثير من تلك التعاليم والأخلاقيات الكبرى، وكمثل ساطع على هذا التهميش الذي تلاقيه المراة في مجتمعاتنا والذي لا تسلم منه حتى وهي ميتة، هو مصادرة اسمها لصالح الرجل، وهو ما نشاهده في اللافتات التي تعلق معلنة عن وفاة احدى النساء، ولا تذكر اللافتة اسم المتوفاة الا في النادر جدا، وتذكرها بصفة (الكريمة، او (العقيلة) فهي كريمة فلان او عقيلة علان، ينشغل المتابعون للدراما التلفزيونية منذ مدة بمتابعة مسلسل (حريم السلطان) وهو مسلسل تركي يحكي قصة السلطان سليمان القانوني، والنساء في قصره، من زوجات ومحظيات وجواري لادامة فرحه وسعده هو وغيره، وقد أصدر البرلمان التركي، قرارا بوقف عرض مسلسل (حريم السلطان) بصفة نهائية، وهو المسلسل التركي الأشهر حالياً في الوطن العربي وفي عدد من الدول الأجنبية، ويحظى بنسبة مشاهدة واسعة في المغرب.

وتعود قصة وقف المسلسل إلى أحد نواب البرلمان التركي، ويدعى أوكتاي سارال عن الحزب الحاكم وهو حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، عندما تقدم بعريضة تطالب بوقف مسلسل (القرن العظيم)، أو كما يعرف في البلدان العربية باسم (حريم السلطان)، بسبب ما اعتبر تشويها لصورة السلطان سليمان القانوني، أو المشرع الذي أصدر العشرات من القوانين خلال فترة الدولة العثمانية، ولكن المسلسل يظهره في شكل السلطان المغرم والمحاط بالنساء، حتى أن رئيس الوزراء التركي بنفسه انتقد المسلسل.

وقرار المنع لم يأت على ذكر المرأة وحقوقها او المحافظة على كيانها كإنسانة لها كل الحقوق التي نص عليها الدين الإسلامي، القرار نظر الى صورة السلطان فقط مما ينم عن تلك العقلية الذكورية التي لازالت متحكمة بنظرتنا الى المراة والتعامل معها، لا اتابع المسلسل، فعليه ليست لي وجهة نظر في الابعاد او المميزات الفنية لهكذا عمل، سيكون حديثي عن النساء في قصور السلاطين وعن مصطلح الحرملك الذي انوجد نتيجة لهذا الوجود.

 (حرملك) كلمة تركية ظهرت كمصطلح في العمارة الإسلامية وتعني مكان تجمع الحريم حيث كان قديما محرما ان يجتمع الرجال بالنساء معا، لذلك كان يتم تخصيص جزء من المنزل لتجمع الحريم وذلك حفاظا على حرمتهم وخصوصيتهم.

يضم الحرملك جميع حريم السلطان، من زوجات وشقيقات وجواري وممن يعرفن بملك اليمين، ومصدر هذا العدد الكبير من الحريم:

*الشراء من أسواق العبيد.

*الإهداء من قبل الولاة أو حكام الدول الأخرى.

*الأسيرات والسبايا في حروب السلطان التي لا تتوقف.

*هناك من تضطرهن ظروفهن القاسية إلى الحرملك.

وهن عدد من التسميات لنساء الحرملك :

فالقادن أفندي، هي رتبة تمنح للواتي أنجبت الواحدة منهن ولدا من السلطان، وهي بمثابة زوجات غير رسميات للسلطان، والـ قادن أفندي، تأتي في المرتبة الثانية في الحرملك، من حيث التسلسل القيادي، بعد الوالدة سلطان.

ويوجد بين هذه الفئة من النساء تسلسلا أيضا، حسب مكانة الابن، لدى السلطان، وتسمى التي تحتل المرتبة الاولى بينهن (الباشقادن)، وتحرص كل قادن على لبس مجوهراتها، للتمتع بها أولا، وثانيا لإظهار مكانتها لدى السلطان، لان هذه الجواهر تكون عادة مهداة منه.

وحسب العرف في الحرملك، فان مكانة القادن ليست أبدية وكذلك المجوهرات المهداة إليها، فعندما يأتي سلطان جديد يأتي بـ (قوادن) جديدة معه، ويتم سحب الهدايا من الـ (قوادن) القديمة لمنحها للجديدات.

ولا يقتصر الحرملك بالطبع على والدة سلطان وبناتها، وعلى القوادن وأولادهن، ولكنه يضم جواري لهن مراتب ومهام أخرى، ومنهن: الكلفة، وجمعها كلفوات، وهي جارية لها مقام أعلى من باقي الخدم، وللكلفوات دور محوري في الحرملك.

وما أن تصبح الجارية (كلفة) حتى تطمح للارتقاء درجة أخرى ولكن مؤثرة لتصبح (جوزده)، والـ (جوزده) ، لقب معناه (في العين) ولكنه اصطلاحا يستخدم في وصف من نجحت في لفت نظر سيدها، وهي مرتبة التي تستحوذ عليها تجعلها في مقام أعلى من الكلفة في الحرملك، وإذا أصبحت الواحدة (جوزده)، فان طموحها أن ترتقي درجة أخرى لتصبح (إقبال)، والإقبال  لقب يطلق على المفضلة مؤقتا لدى السلطان، وهي مكانة مهمة في الحرملك، وارقى من الجوزده، وعندما تصبح الجارية (إقبال) فأمنيتها تكون أن تحمل من السلطان، وتأتي له بولد، لتصير قادن، ويمكن أن يلعب القدر لعبته وتصبح أما للسلطان. بعد أن يموت السلطان الحالي ويعتلي ابنها العرش، ومعه تصبح (والدة سلطان) تملك مفاتيح القوة والتأثير.

والمراتب كثيرة في الحرملك ومنها الهزينة دار (خزيندار) أي أمينة الخزينة، وكذلك هناك أمينة المجوهرات وهي مرتبة ترفع صاحبتها على باقي الخدم.

ويتجاوز دور الخصيان كثيرا مجال الخدمة، ولهم دور مؤثر في الحياة السياسية، وكبيرهم يدعى الكيزلار اغاسه، أي رئيس المخصيين، والذي كان الأوربيون يطلقون عليه السامي الأسود، وهو ذو نفوذ ورتبته في التسلسل القيادي تأتي بعد الوزير مباشرة.

اما عن (الخصيان) الذين كانوا يوجدون في الحرملك، فقد كان (صلاح الدين الأيوبي)، هو أول من شجع على الاخصاء، فاقتدى به بعد ذلك على مر العصور الحكام والتجار، فكان كل واحد منهم يريد أن يتقرب لله سبحانه ويكسب مزيدا من الحسنات يرسل من يخصي الأطفال في آسيا وأفريقيا، ثم يبعث بهم للحرمين كخدام. وقد استفحلت في زمن المماليك حيث بدأوا بخصاء هؤلاء الرجال خوفا وحفاظا على (حريمهم) - أي نسائهم - وكان هؤلاء الخصيان هم الوحيدين الذين يسمح لهم بدخول (الحرملك).

وكان يطلق على الخصيان اسم ( الطواشية) وفي بلاد الحبشة كان الملوك المسلمين يصارعون الشباب على فتاة حسناء ومن يخصي الأخر يتزوج الفتاة والمخصي يذهب به هدية للحرمين، ولم تكن تلك الممارسة تقتصر على المسلمين، بل وجدت ايضا في ايطاليا  في القرن السادس عشر عندما كانت تحت حكم الملك (فرنانديل)، وتحت اقتراح أو ضغوط من الكنيسة (الكاثوليكية)، أخضعوا مئات إن لم يكن آلافا من الأطفال إلى (الخصاء)، وذلك لكي يحتفظوا بأصواتهم الطفولية بغرض حسن التراتيل في الكنائس.

والاخصاء لو رجعنا الى فترات تاريخية اقدم لوجدنا أن الملكة (سميراميس) هي التي ابتكرت خصي الرجال واقتدى بها ملوك آسيا، كما يؤكد ذلك الطبيب الفرنسي (كلوت بك)، وفي العصر الحديث، نجد المانيا وامريكا التي تخير مغتصبي الفتيات القاصرات بين السجن المؤبد وبين الخصاء واطلاق سراح المغتصب بعد خصائه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/كانون الثاني/2013 - 15/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م