سوريا... معارك طاحنة وتدمير ممنهج

 

شبكة النبأ: لا تزال لغة السلاح والدمار هي اللغة المسيطرة في مشهد الصراع في سوريا والتي تحولت بسبب تعنت القوى المسلحة الى ساحة صراع إقليمي وطائفي تدير مخططاته الإجرامية دول بعض الدول الخليجية وغيرها، والتي سخرت وتسخر كل إمكاناتها المادية والعسكرية في سبيل دعم تلك المجاميع الإرهابية المسلحة التي استفادت من فوضى الحرب ودعم تلك الجهات وأصبحت تنفذ عملياتها تحت غطاء مشروع، وهي اليوم أكثر قوة من الفترات السابقة خصوصا مع تدفق آلاف المقاتلين العرب والأجانب من تنظيم القاعدة عبر المعابر الحدودية الرسمية لبعض البلدان بحسب بعض المراقبين، الذين أكدوا على هذه النزاع في سوريا سيطول وربما ستتسع رقع القتال وتتخطى الحدود السورية الى باقي دول المنطقة وهو ما تثبته الكثير من الحقائق والمؤشرات، وفي هذا الشأن قالت مصادر دبلوماسية إن المخاوف الغربية من تنامي قوة ما يسمى المعارضة الجهادية المسلحة في سوريا تتزايد.

وتأتي تلك المخاوف بعد فشل الائتلاف الذي يتمتع باعتراف واسع في الحصول على دعم على الأرض في سوريا منذ تشكيله في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وأدى غياب الانسجام داخل الائتلاف الذي فشل في تشكيل ما يسمى الحكومة الانتقالية إلى ردع الغرب عن تعزيز الدعم له خاصة بالسلاح والذخيرة التي تحتاجها المجاميع المسلحة بشدة. وترك ذلك الباب مفتوحا أمام الجماعات الإسلامية التي تحصل على المال والسلاح من دول خليجية غنية وأفراد لتصبح أقوى الفصائل المقاتلة في سوريا. وبيمنا تستمر أعمال العنف في سوريا حاملة يوما بعد يوم مزيدا من الكوارث الإنسانية التي تندد بها منظمات حقوق الانسان، في وقت لا يظهر اي افق لحل سياسي، أعلنت موسكو بوضوح ان هذه الحلول تصطدم بإصرار ما يسمى المعارضة السورية على إزاحة الرئيس بشار الأسد من السلطة.

واعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والامين العام للجامعة العربية نبيل العربي عن "دعمهما التام" للوسيط الدولي في سوريا الاخضر الابراهيمي الذي تعرض لانتقادات السلطات السورية ولم تحرز وساطته حتى ألان اي تقدم. وندد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بإصرار المعارضة السورية على الإطاحة بالرئيس السوري، وقال في مؤتمر صحافي "كل شيء يصطدم بهوس المعارضين بفكرة الاطاحة بنظام الاسد". واضاف "طالما ان هذا الموقف غير القابل للمساومة سيبقى معتمدا، لا يمكن ان يحصل اي شيء جيد، ستتواصل المعارك وسيموت الناس باستمرار". وعبر وزير الخارجية الروسي عن اسفه لعدم قيام الدول الغربية باقناع المعارضين بالتحاور مع السلطة. وقال "لم تحصل محاولات لوضع اطراف النزاع على طاولة المفاوضات. فقط نحن وشركاؤنا الصينيون وموفد الامم المتحدة (السابق) كوفي انان وخلفه الاخضر الابراهيمي حاولنا القيام بذلك".

وقال "اولويتنا ليست بلوغ هدف جيوسياسي مثل الإطاحة بنظام الاسد وانما ارساء استقرار الوضع ووقف اراقة الدماء سريعا لانقاذ ارواح السوريين". وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف توقع ان النزاع في سوريا "قد يطول" وان السلطة لم تفقد السيطرة على الوضع. وفي بروكسل، اعلن مسؤول في حلف شمال الاطلسي ان اولى صواريخ باتريوت التي يجرى نصبها في تركيا بايعاز من حلف شمال الاطلسي، ستصبح جاهزة للاستخدام ، على ان تدخل المنظومة بأكملها حيز الخدمة "في نهاية الشهر". وفي السياق نفسه، تحدثت مصادر متطابقة عن تعرض جنود المان وصلوا اخيرا الى تركيا لتشغيل بطاريتي صواريخ باتريوت ارض جو لهجوم من قوميين اتراك في جنوب البلاد.

في السياق ذاته وصل عشرات من الروس الى الوطن بعد ان فروا من سوريا وقد لازمهم احساس بالراحة بعد ان أفلتوا من أهوال حرب اهلية هناك لكنهم يشعرون بالقلق من مستقبل غير مؤكد في بلادهم. وأرسلت وزارة الطواريء الروسية طائرتين لإجلاء 77 رجلا وامرأة وطفلا من سوريا.

وقال الفريد عمر (57 عاما) وهو مقيم في سوريا ومتزوج من روسية وكان يرتدي سترة وزارة الطواريء الروسية ان سياسات موسكو بدأت تهدد مواطنيها داخل سوريا. وكانت شفته السفلى ترتعش وهو يتحدث. وقال لدى وصوله الى مطار دوموديدوفو "الموقف هناك خطر على الروس. اذا عرف المسلحون ان شخصا ما روسي يقطعون رقبته على الفور لانه يعتبر مؤيدا لنظام الاسد."

و استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) لمنع صدور ثلاثة قرارات في مجلس الامن التابع للامم المتحدة كانت تهدف إلى الضغط عليه لانهاء اراقة الدماء في سوريا والاطاحة به في نهاية المطاف. وقال عمر انه غادر سوريا لانه لا يريد ان يؤيد اي طرف من طرفي الصراع. وقال "أنا مواطن بسيط كيف لي ان أغير اي شيء." وقال متحدث باسم وزارة الطوارئ التي نظمت الرحلتين من بيروت الى موسكو انها لا تخطط لمزيد من الرحلات لنقل مزيد من المواطنين الروس الى الوطن. وأعلنت روسيا ايضا انها لم تغير سياستها بشأن سوريا. لكن نقل عن مسؤولين عسكريين قولهم ان السفن الحربية الروسية الموجودة في البحر المتوسط للقيام بتدريبات بحرية يمكن ان تستخدم أيضا في اجلاء الروس.

وعدد كبير من الروس الموجودين في سوريا هم نساء تزوجن من رجال سوريين على مر العقود خلالها أرسلت أيضا العديد من الاسر الثرية في سوريا أولادها للتعليم في مدارس روسية. وهناك أيضا آخرون يعملون في شركات روسية مملوكة للدولة مازالت تعمل في سوريا.

من جانب أخر دعت السلطات السورية الى إقامة "صلاة مليونية " في جميع المساجد السورية على نية عودة الامن الى البلاد. ودعا وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد السوريين الى المشاركة في "اداء صلاة الحاجة التي تقام في المساجد الجامعة في سورية على نية عودة الأمن والأمان الى ربوع الوطن".

واكد وزير الاوقاف في تصريح بثته وكالة الانباء الرسمية (سانا) ان بلاده "ستنتصر على المؤامرة التي أعلنتها الدول المعادية لها وينفذها بالوكالة عنها عبيدها وخدامها القابعون وراء البحار وعلى رأسهم الفكر الوهابي التكفيري". وتنسب السلطات السورية الاضطرابات التي تشهدها سوريا واسفرت عن مقتل اكثر من 60 الف شخص منذ منتصف اذار/مارس 2011 بحسب الامم المتحدة، الى "مجموعات ارهابية مسلحة" وفي مقدمتها "تنظيم القاعدة في سوريا جبهة النصرة"، وتتهمها بالسعي لزرع الفوضى في البلاد في اطار "مؤامرة" يدعمها الخارج.

مصير مرعب

 الى جانب ذلك وفي ظل ازدياد الأوضاع تدهورا على الارض، شددت بعثة من سبع وكالات انسانية تابعة للامم المتحدة زارت سوريا على عدم وجود "حل أنساني" للمأساة في سوريا، مشددة على وجوب التوصل الى حل سياسي. وقال مدير عمليات مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية جون جينغ في لقاء مع الصحافيين في بيروت لدى عودة البعثة من دمشق، ان "مصير الشعب السوري مرعب"، مضيفا "انها مشكلة سياسية. لا يوجد حل انساني للنزاع". واوضح انه "يتوجب على المنظمات الانسانية القيام بكل ما يمكنها القيام به لمساعدة الناس للبقاء على قيد الحياة. لكن نداءنا الاول هو الى القادة السياسيين".

وقال جون جينج مدير العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "لم أكن أتصور حتى دخلت البلد وتجولت فيه مقدار ما لحق من دمار بالبنية التحتية الحيوية اللازمة لحياة المجتمع."وأضاف "إنه بلد يتعرض لتدمير ممنهج بأيدي شعبه." " وقال جينج أن الأغلبية الشاسعة من الناس المحتاجين في سوريا يجري الوصول إليهم من خلال وكالات الإغاثة. ولا تقوم الأمم المتحدة بتوزيع المعونات بشكل مباشر إلا من خلال المشاركة مع الهلال الأحمر العربي السوري وغيره من الجماعات المحلية. وزار جينج وفريقه بلدة تلبيسة في محافظة حمس وقال ان هدنة لمدة أربع ساعات تم التفاوض عليها مع السلطات المحلية والمجاميع المسلحة حتى يمكن توصيل المعونات الى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ودعت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) في بيان صدر عنها الى تقديم "مساعدات عاجلة" الى القطاع الزراعي في سوريا الذي يعتاش منه الكثيرون وتراجع انتاجه الى النصف بسبب النزاع المستمر منذ 22 شهرا. وقالت الفاو التي شارك ممثل عنها في مهمة البعثة الانسانية الدولية في سوريا ان "النزاع الذي طال أمده في سوريا خلف قطاعها الزراعي في حالة يرثى لها حيث ان الانتاج الزراعي تراجع الى النصف تقريبا ملحقا دمارا هائلا بنظم الري وغيرها من مرافق البنى التحتية". بحسب فرنس برس.

وذكرت ان 46 بالمئة من مجموع السكان يقيمون في المناطق الريفية ويعتمد 80 بالمائة منهم في معيشتهم على الزراعة. ونقلت عن مدير شعبة الطوارئ وإعادة التأهيل في المنظمة دومينيك بورجون ان المزارعين "في امس الحاجة الى الدعم الزراعي العاجل من البذور والأسمدة والعلف الحيواني والعقاقير البيطرية والدواجن وإعادة تأهيل بنى الري التحتية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/كانون الثاني/2013 - 15/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م