المشهد العراقي بين الوحدة والتعايش

 

شبكة النبأ: يتفق الجميع على ان العراق يمر في المرحلة الراهنة، بحالة جديدة عليه، تتعلق بكل تفاصيل الحياة العراقية السياسية والثقافية والاقتصادية وسواها، ويستدعي الوضع الجديد في العراق طرقا جديدة من التعامل مع افرازات الواقع، من اجل استثمار مزايا المرحلة لصالح الشعب العراقي، وذلك من خلال دراسة خصائص المرحلة وظروفها وانعكاساتها، ومن ثم اتخاذ التدابير التخطيطية العملية اللازمة لاستثمارها افضل الاستثمار.

ولا بأس أن نتطرق هنا الى قضية حساسة جدا تهم حياة العراقيين دونما استثناء، ألا وهي قضية الوحدة والتمسك بها وطرحها كشعار وطني مهم،وبين اهمية التعايش كمبدأ لابد أن تلتزم به مكونات الشعب العراقي من اجل تحقيق واقع عملي حياتي فكري يناسب الجميع، ديدنه الاستقرار والتطلع الى مستقبل افضل في ظل حالة من التعايش تحمي الجميع دونما تفريق بين مكون وآخر مهما اختلفت الثقافة او الافكار او المعتقدات.

وهناك نقطة مهمة جدا لابد ان يتنبّه لها الجميع، إذ من الخطأ أن نجبر المكونات العراقية المختلفة على ان تلغي معتقداتها بحجة ضرورة الوحدة الوطنية، إن هذا الخطأ الشائع يزيد الطين بلّة، لأن جميع التجارب الاندماجية في العالم اثبتت ان التعايش هو الطريق الافضل لاندماج الشعوب وتوحدها مع الاحتفاظ بالخصائص التي تتعلق بالعقائد او الافكار وسواها.

ولعل النقطة الاهم التي ينبغي أن يتفق عليها الجميع في هذا الجانب، هي قضية او شرط نبذ العنف كليا، واعتماد الحوار بين المكونات المختلفة كسبيل لحل الاختلافات الفكرية او سواها، ولا يصح مطلقا فرض عقائد طائفة او مكون ما على طائفة اخرى بحجة تحقيق الوحدة الوطنية، أي يجب أن يبقى الجميع احرارا في افكارهم وعقائدهم شرط عدم استخدام العنف لتذويب الخلاف، إنما يجب ان يكون اللاعنف طريق العراقيين والعرب والمسلمين نحو تحقيق الاندماج والانسجام في مجتمع واحد متطور ومتماسك.

ولا يخفى علينا هنا تلك الجهود الكبيرة التي بذلها الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) عبر نظريته ذائعة الصيت (نظرية اللاعنف) التي وضعها كاساس دائم وداعم لتحقيق الانسجام والوئام بين جميع المكونات الاسلامية في العراقي وفي العالم اجمع. يقول أحد الكتاب حول الدور الكبير للامام الشيرازي في تدعيم اطر السلام واعتماد مبدأ اللاعنف في حياة الجميع: (تعرض سماحة الامام الشيرازي الراحل في كتابه «السبيل إلى انهاض المسلمين»، إلى مسألة العنف واللاعنف، والحرب والسلام، فتوغل في ابراز الجوانب السلمية والإنسانية عن الدين الإسلامي. وكان من ملاحظاته الطريفة ان آل البيت، وهو من سلالتهم، تحاشوا عبر تاريخهم الطويل زج انفسهم أو أنفس اصحابهم بالقتل وسفك الدماء، تمسكوا غالباً إن لم نقل دائما، باللاعنف والسلامية، لكنه كعالم مجتهد، لم يخف عنه بالطبع الحروب التي خاضها المسلمون، وهنا نجده يعطي هذا الاجتهاد، وهو ان القتال بالنسبة للمسلم حالة اضطرار، مثلها في ذلك مثل أكل الميتة، كما قال لا يجوز القتال للمسلم ما لم تفرضه الضرورات عليه).

وهكذا ينبغي أن يفهم الجميع عراقيون أو غيرهم من المسلمين، أن تحقيق الاندماج المجتمعي لا يتحقق برفض او محو الافكار والعقائد، وانما عن طريق الايمان بمبدأ التعايش، والالتزام باللاعنف على نحو قطعي، أي لابد من اعتماد الحوار سبيلا لحل الخلافات بين الجميع، ولا يصح اطلاقا ان نستخدم مع بعضنا اسلوب الاملاءات والالغاء، لأن جميع المكونات لها عقائدها وافكارها وموروثها الذي تؤمن به ولا تستطيع ان تتخلى عنه.

ولعل خير دليل بين ايدينا ما يتحقق الان في المجتمع الامريكي، حيث يندمج الجميع في ظل دولة واحدة موحدة، على الرغم من هذا المجتمع يمثل خليطا قادما من عموم اصقاع وشعوب العالم/ ومع ذلك يحتفظ الجميع بخصوصيته الثقافية والعقائدية، ولكن هناك شعور مو بالاندماج والانسجام بين الجميع، علما ان التعايش يتحقق بين الجميع دونما عوارض او تقاطعات. لذا نحن نحتاج الى التعايش كمبدأ وسلوك حياتي تنتظم وفقه انشطتنا الحياتية كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/كانون الثاني/2013 - 14/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م