الدب الروسي وحروب النوايا المؤجلة

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة بدا واضحا على روسيا ملامح استعراض القوى من خلال الإستراتيجية العسكرية الجديدة، التي تمثلت بالمناورات البحرية غير المسبوقة، والتجارب الكبيرة للصورايخ وترسانة النووية، فضلا عن صادرات الأسلحة، حيث يعتمد الروس على التسليح كـ ركن رئيسي لانتعاش الاقتصاد، وركن مهما يفتح آفاقا جديدة لتوازن القوى العالمية، إذ يسعى الرئيس الروسي بوتين جاهدا كي تستعيد روسيا مكانتها التي كانت تتمتع بها ابان الحرب الباردة كقوة عسكرية عظمى منذ توليه منصب الرئيس قبل عقد تقريبا، وذلك من خلال تقديمه صورة ستالينية ناعمة جديدة، حيث يرى اغلب المحللين بأن الزعيم الروسي ورجل المخابرات الروسية السابق يغرس احدى قدميه في الماضي السوفيتي لروسيا كما تبديه دلائل عديدة في رغبته بالرجوع للماضي، وتمثلت بالتعديلات التي تم على كل المستويات ابان حكم بوتين وخاصة في الاونة الاخيرة، غير ان هذه التعديلات قد تضع روسيا بمأزق كبير في المستقبل القريب نظرا لانتهاجه السياسية الأرستقراطية، وكذلك وضع الهدف الرئيسي هو اعادة تسليح الجيش كما كان ابان عهد الاتحاد السوفياتي، وعليه فان المعطيات انفة الذكر تشير الى بأن قيادة روسيا الحالية تنتهج أيدلوجية سياسية مضطربة قد تمهد الطريق لانتكاسة جديدة تكلف الروس خسائر كبيرة مستقبلا.

أكبر مناورة بحرية منذ عقود

فقد شرعت سفن حربية روسية في رحلة طويلة الى البحرين الاسود والمتوسط للمشاركة فيما قالت وزارة الدفاع انه اكبر مناورة بحرية منذ عقود، وقالت الوزارة ان سفنا من اساطيل الشمال وبحر البلطيق والبحر الاسود والمحيط الهادي ستقوم بالمناورة في نهاية الشهر لاختبار قدرتها على العمل معا خارج المياه الروسية، وذكر موقع الوزارة على الانترنت ان المناورة ستشمل ايضا تدريبات على مكافحة الارهاب والقرصنة، وأضافت الوزارة دون الخوض في تفاصيل أخرى مثل عدد السفن المشاركة "هذه هي المرة الاولى في العقود الاخيرة التي تجرى فيها مناورة بحرية على هذا النطاق"، وذكرت وكالة آر آي إيه نوفوستي المملوكة للدولة ان تلك المناورة شاركت فيها ثلاث سفن إنزال كبيرة وفرقاطتان ومدمرة وسفينتا دعم، وتحاول موسكو تعزيز وجودها العسكري في منطقة البحر المتوسط، ويقول الرئيس فلاديمير بوتين ان روسيا بحاجة لجيش اقوى لحمايتها من المحاولات الخارجية لاثارة الصراعات حول حدودها، وتعتزم روسيا انفاق 23 تريليون روبل (753 مليار دولار) على مدى عشر سنوات لتحديث قواتها المسلحة التي تعرضت لتخفيض النفقات على مدى عشر سنوات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991. بحسب رويترز.

ولم تذكر الوزارة ما اذا كان للمناورة المقبلة صلة بالصراع في سوريا، وكان مصدر في القوات البحرية ابلغ وكالة انترفاكس للانباء ان روسيا سترسل سفنا حربية الى البحر المتوسط تحسبا للحاجة الى اجلاء مواطنيها من سوريا، ونقلت وكالتا ايتار تاس وانترفاكس في ديسمبر كانون الاول عن مصادر عسكرية قولها ان سفينتي انزال غادرتا ميناء في البحر الاسود وستزوران المنشأة البحرية الروسية الخاصة بالصيانة والتموين في ميناء طرطوس السوري.

بوتين يستعرض قوته النووية

في سياق متصل قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تولى دورا قياديا في أحدث تجارب للترسانة النووية الاستراتيجية الروسية والأوسع منذ تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وظهرت المناورات بشكل بارز في التقارير الإخبارية التي يبثها التلفزيون الرسمي وهو ما يهدف على ما يبدو إلى الإظهار للروسيين والعالم أجمع أن بوتين رئيس ذو دور بارز لقوة تنهض من جديد، وقال الكرملين إن التجارب التي تتضمن أنظمة قيادة وجميع عناصر "الثالوث" النووي - الصواريخ النووية بعيدة المدى التي تطلق من البر والبحر وقاذفات القنابل الاستراتيجية - أجريت "تحت القيادة الشخصية لفلاديمير بوتين"، وذكر الكرملين في بيان "أجريت مناوارات للقوات النووية الاستراتيجية للمرة الأولى بهذا الحجم في تاريخ روسيا الحديث"، وأضاف "أعطى فلاديمير بوتين تقييما عاليا للأطقم والوحدات القتالية وعمل هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التي أنجزت المهام المنوطة بها وأكد على فعالية القوات النووية الروسية وإمكانية التعويل عليها"، وتقول روسيا إنها تعمل على تحديث ترسانة نووية أنشئ معظمها أثناء الحرب الباردة وستواصل استخدام الأسلحة النووية كرادع رئيسي. بحسب رويترز.

تجارب الصواريخ الإستراتيجية

على الصعيد نفسه اعلنت روسيا انها اجرت بنجاح تجربتين لاطلاق صواريخ استراتيجية، مؤكدة مجددا وضعها كقوة عسكرية في مواجهة الدرع الاطلسية المضادة للصواريخ في اوروبا التي تدعمها الولايات المتحدة، وقال المصدر نفسه ان "راس الصاروخ بلغ هدفه بدقة عالية فوق مضلع كورا في شبه جزيرة كامتشاتكا" في اقصى الشرق الروسي، وهذا النوع من الصواريخ موضوع قيد الخدمة منذ 24 سنة، وقد تمت تجربته للتحقق من ثباته ومدى ديمومته، كما اوضح البيان، وفي الوقت نفسه، تمت بنجاح تجربة صاروخ بالستي استراتيجي عابر للقارات من طراز "آر-29آر" انطلاقا من غواصة قاذفة للصواريخ في بحر اوخوتسك (اقصى الشرق الروسي)، كما اعلن متحدث باسم البحرية الروسية وفقا لوكالة انترفاكس، واوضح المتحدث ان "الصاروخ بلغ هدفه في الوقت المحدد" فوق مضلع تشيجا في منطقة ارخانغيلسك (شمال غرب) على بعد حوالى 6500 كلم، وذكرت وكالات الانباء الروسية نقلا عن المتحدث ان "هذه التجربة الناجحة اظهرت المستوى العالي لفعالية" القوات النووية الاستراتيجية الروسية. بحسب فرانس برس.

وتاتي هذه التجارب بعد تصريحات المرشح الجمهوري الى الانتخابات الرئاسية الاميركية ميت رومني الذي حذر في بداية تشرين الاول/اكتوبر انه لن يظهر "اي ليونة" حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشان مشروع الدرع الاطلسية المضادة للصواريح في اوروبا الشرقية، وتندد روسيا منذ وقت طويل بهذا المشروع الذي قدمه الغرب على انه مبادرة وضعت لمواجهة تهديدات مصدرها دول مثل ايران، ومشروع نشر هذه الدرع التي اطلقت في العام 2010، اصبح احد ابرز مواضيع الخلاف بين الحلف الاطلسي وروسيا التي تعتبره تهديدا لامنها.           

توسيع النفوذ

على الصعيد ذاته  اعلن وزير الدفاع الروسي اناتولي سرديوكوف في باريس ان روسيا ترغب في نشر طائرات استطلاع في القاعدة الفرنسية بجيبوتي في اطار مكافحة القرصنة، وقال سرديوكوف بعد محادثات مع نظيره الفرنسي جان-ايف لو دريان "تحدثنا في موضوع نشر طائرات استطلاع في القاعدة الفرنسية بجيبوتي".

وذكر الوزير الروسي ان فرنسا وروسيا تقومان في اطار مكافحة القرصنة "بتسيير دوريات مشتركة في خليج عدن"، وتقيم فرنسا في جيبوتي واحدة من قواعدها العسكرية الاربع الدائمة في افريقيا. وتربض في هذه القاعدة الجوية طائرات ميراج 2000 اضافة الى اكثر من الفي عسكري وعناصر كومندوس بحري، ومنذ نهاية 2002، اقامت الولايات المتحدة ايضا قاعدة عسكرية تضم الفي جندي في معسكر لومونييه، وتستضيف جيبوتي ايضا القوات الاوروبية في عملية "اتالانت" لمكافحة القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، وهي المنطقة البحرية التي ينشط فيها القراصنة الذين يشنون هجماتهم من الصومال، وبعد محادثاتهما، شدد لو دريان وسرديوكوف على رغبتهما في متابعة تعاونهما في مكافحة القرصنة البحرية، ولدى تطرقه الى افغانستان، شكر لو دريان لروسيا مساعدتها "في الدعم اللوجستي" لانسحاب القوات الفرنسية عبر شمال البلاد. بحسب فرانس برس.

وشدد وزيرا الدفاع ايضا على حسن سير مشروع بيع فرنسا سفينتين من نوع ميسترال طلبتهما روسيا في 2011. واعرب سرديوكوف عن "ارتياحه الشديد للعقد". وقال لو دريان انهما بحثا في "مجالات اخرى للتعاون"، وناقش الطرفان من جهة اخرى "بصراحة كبيرة"، كما ذكر الوزير الفرنسي، العلاقات بين الحلف الاطلسي وروسيا ومشروع منظومة الحلف الاطلسي المضادة للصواريخ.

الدعم اللوجستي دوليا

الى ذلك ذكرت صحيفة "كومرسنت" ان روسيا تنوي انفاق 1,3 مليار دولار لدعم عسكريا قرغيزستان وطاجيكستان الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين القريبتين من افغانستان، ونقلت الصحيفة عن مصادر في رئاسة الاركان والحكومة الروسيتين قولها ان قسما كبيرا من هذا المبلغ، 1,1 مليار دولار، سيخصص لقرغيزستان التي يعاني جيشها من تأخر كبير لجهة المعدات، واضافت المصادر انه اذا كان يجب تحديد اطار هذه المساعدة ستشمل اسلحة وآليات ومروحيات ومعدات طبية ودورات تدريب، على ان يبدأ تسليم الاسلحة اعتبارا من الصيف المقبل، وبحسب الصحيفة تنوي موسكو دعم طاجيكستان التي لها حدود مشتركة مع شمال شرق افغانستان، بمبلغ 200 مليون دولار. بحسب فرانس برس.

وسيخصص هذا المبلغ لتحديث الجيش وخصوصا دفاعاته الجوية كما تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة لدوشانبي في تشرين الاول/اكتوبر، ويندرج ذلك في اطار اتفاق لابقاء قاعدة عسكرية روسية ينتشر فيها سبعة الاف جندي في الجمهورية السوفياتية السابقة حتى 2042، واحد اهداف العملية هو الاستعداد لانسحاب الجنود الاميركيين من افغانستان حسب ما ذكر مصدر للصحيفة، ووعدت روسيا ايضا طاجيكستان بتخفيضات على وارداتها من المنتجات النفطية الروسية بمستوى 200 مليون دولار سنويا بحسب كومرسنت.

بيع الأسلحة

في حين وقعت روسيا عقدا لبيع اسلحة بقيمة مليار دولار لبنغلادش، وهو اضخم عقد يوقع مع هذا البلد الاسيوي منذ استقلاله في 1971، وتم توقيع الاتفاق اثناء لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بموسكو مع رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة التي زادت بلادها في الاونة الاخيرة قدراتها الدفاعية، وقال بوتين بحسب ما اوردت الوكالات الروسية "ان بلدينا ينويان تطوير تعاونهما العسكري والتكنولوجي"، واضاف "ان روسيا ستمنح بنغلادش قرضا بقيمة مليار دولار يستخدم لشراء اسلحة روسية وتكنولوجيا عسكرية"، ويشمل العقد الموقع شراء عربات مصفحة واسلحة مشاة وانظمة دفاع ومروحيات نقل مي-17، بحسب ما اعلن مصدر قريب من الوكالة الروسية لتصدير الاسلحة لصحيفة فودوموستي، وفي اطار اتفاقيات اخرى وقعها البلدان، تمنح روسيا قرضا بقيمة 500 مليون دولار لبنغلادش لانجاز القسط الاول من محظة نووية، بحسب بوتين. بحسب فرانس برس.

ومنذ بضع سنوات، تزيد بنغلادش التي تعد واحدا من افقر البلدان في العالم، قدراتها العسكرية. وقد بنت قاعدة جوية قرب حدودها مع بورما واضافت فرقاطات جديدة الى قوتها البحرية، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وقعت بنغلادش اتفاقا مع وكالة روساتوم النووية الروسية العامة على بناء محطة نووية في روبور (شمال غرب) مجهزة بمفاعلين قوتهما 1000 ميغاوات وتبلغ تكلفة كل منهما ملياري دولار، وتقول السلطات في بنغلادش ان هذين المفاعلين ضروريان للبلاد لأن احتياطاتها من الغاز الطبيعي قد تنفد في غضون عشر سنوات.

فضيحة احتيال

على صعيد آخر اقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الدفاع اناتولي سرديوكوف على خلفية فضيحة احتيال بعدة ملايين من اليوروهات تورطت فيها شركة تابعة لوزارة الدفاع وعين مكانه فورا رجل ثقة هو وزير الاوضاع الطارئة سابقا سيرغي شويغو، وقال الرئيس الروسي بحسب المشاهد التي بثها التلفزيون الروسي "نظرا للوضع الذي يزداد صعوبة في وزارة الدفاع، قررت اقالة وزير الدفاع سرديوكوف بهدف تامين الشروط اللازمة لاجراء تحقيق موضوعي"، واضاف بوتين انه عين سيرغي شويغو الذي عين في مطلع السنة حاكما لمنطقة موسكو مكان سرديوكوف الذي تولى منصب وزير الدفاع منذ 2007، وتاتي هذه الاقالة فيما اندلعت فضيحة كبرى تتعلق بوزارة الدفاع. بحسب فرانس برس.

وقد فتحت عدة تحقيقات بحق شركة تابعة للوزارة تدعى "اوبورونسيرفس" بتهمة الاحتيال خلال بيع عقارات واراض او اسهم تملكها، وبحسب لجنة التحقيق الروسية فان بعض مسؤولي الوزارة يختارون اهم واغلى العقارات التي تديرها الشركة ثم يستثمرون فيها مبالغ طائلة مصدرها الموازنة الروسية ثم يعيدون بيعها عبر شركات تابعة لاوبورونسرفس باسعار اقل من اسعار السوق، وقالت اللجنة انه بحسب المعلومات الاولية فان الاضرار الناجمة عن بيع ثمانية عقارات فقط بلغت ثلاثة مليارات روبل (74 مليون يورو).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/كانون الثاني/2013 - 11/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م