العراق... وأزمة البحث عن الحلول الوسطية

 

شبكة النبأ: يشهد العراق سلسلة من الأزمات السياسية المتتالية بسبب الخلافات المستمرة بين جميع القوى السياسية في البلاد، حيث ادت هذه الخلافات المتكررة الى موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مما قد يشعل فتيل التوتر الطائفي، على الرغم من اعتماد الحكومة العراقية على السياسة البراغماتية في التعامل مع الازمات، إلا أن القضايا العالقة بينها وبين خصومها لا تزال تغلي بشكل مضطرد، إذ يهدد الصراع السياسية بإحياء التوتر الطائفي الذي دفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية الشاملة في الفترة من 2005 إلى 2007، ويرى بعض المحللين بأن التطورات المتتالية الخطيرة على الساحة العراقية تكشف الكثير من الإشكاليات السياسية عميقة الجذور، والتي تأججت بفعل تمسك الكتل السياسية وقادتها كلٌ برأيه وموقفه الذي يستند الى مصالح الكتلة او الحزب، خصوصا وأن التدخلات الإقليمية والدولية لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير، في حين يرى معظم المحللين أن غياب الحلول الوسطية ولغة الحوار بين طرفي النزاع، سيمنح الازمة السياسية فترة اطول من اللازم، وقد تشكل تداعياتها الخطيرة عقبة كبيرة على الاقتصاد والأمن بالأخص، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام فاقمت من حدة الأزمة ايضا، وعليه مازالت عدم الثقة تخيم على المناخ السياسي في العراق بسبب الصراع بين الاطراف المتخاصمة في وقت يعتقد فيه كل طرف أن الآخر يستغل القواعد الديمقراطية للإطاحة به، وهو ما يوجه البوصلة السياسية نحو الطائفية وبالتالي فان ديمومة التعارض السياسي الحاد، سيبقي العراق في دائرة الازمات، التي تأبى التوقف منذ التحول السياسي الذي حدث قبل عشرة أعوام تقريبا.

احتجاجات ضد الحكومة

فقد أشعل محتج عراقي النار في نفسه في تحول مثير في الاحتجاجات التي يقوم بها المسلمون السنة منذ أكثر من ثلاثة اسابيع والتي تمثل تحديا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، ويشارك الاف السنة في مظاهرات منذ اواخر ديسمبر كانون الاول ضد حكومة يقودها الشيعة يعتقدون انها تهمش الاقلية السنية الامر الذي أثار المخاوف من انزلاق العراق مجددا في مواجهة طائفية على نطاق واسع، وقالت الشرطة انه خلال احتجاجات شارك فيها نحو ألفي متظاهر في مدينة الموصل الشمالية أشعل رجل النار في نفسه قبل ان يسارع الاخرون باطفاء اللهب بستراتهم. ونقل الرجل إلى المستشفى مصابا بحروق في وجهه ويديه، وقال غانم العبيد منظم الاحتجاج في الموصل التي تبعد 390 كيلومترا شمالي بغداد "لا نريد أن يشنق الناس أنفسهم أو أن يحرقوا أنفسهم ..هذا مخالف لتعاليم الإسلام.. لكنه (الرجل) وصل إلى حالة من اليأس جعلته يشعل النار في نفسه"، وترددت اصداء التضحية بالنفس في العالم العربي منذ أن أشعل بائع الخضروات التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه قبل عامين. وأثارت وفاة الرجل في يناير كانون الثاني 2011 موجة الثورات التي أطاحت بزعماء عرب في انحاء شمال افريقيا والشرق الأوسط.

واجتاز رئيس الوزراء العراقي اقتراعا على الثقة العام الماضي لكنه يواجه ضغوطا متزايدة من الاحتجاجات السنية ومن نزاع مع المنطقة الكردية التي تتمتع بحكم شبه مستقل حول السيطرة على احتياطات النفط، ويشعر الكثير من العراقيين السنة بانهم مستهدفون على نحو جائر من قوات الامن ومهمشون من السلطة منذ سقوط نظام صدام حسين بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وصعود الاغلبية الشيعية للحكم من خلال صناديق الانتخابات.

وكان مهاجم انتحاري قتل نائبا سنيا بارزا في البرلمان العراقي عندما عانق السياسي قبل ان يفجر قنبلته وفجر انتحاري اخر نفسه في مدينة كركوك المتنازع عليها في اليوم التالي مما أسفر عن مقتل اكثر من 20 شخصا، وأغضبت كردستان بغداد بتوقيع صفقات نفطية بشكل مباشر مع شركة اكسون موبيل وشيفرون لتطوير حقول النفط وهي الصفقات التي رفضتها الحكومة المركزية باعتبارها غير قانونية. وتودد الأكراد إلى تركيا ايضا من اجل ابرام صفقة مستقلة تتعلق بخط لانابيب النفط، وتفجرت احتجاجات السنة اواخر ديسمبر كانون الأول بعد أن القت السلطات القبض على افراد من الفريق الامني لوزير المالية السني بسبب تهم تتعلق بالارهاب. ونفت السلطات وجود دوافع سياسية وراء الاعتقال لكن الزعماء السنة اعتبروه بمثابة جزء من حملة ضدهم، وعين المالكي نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني وهو شخصية شيعية لها نفوذ لبحث مطالب المحتجين وأفرجت الحكومة عن أكثر من 400 معتقل في محاولة لتهدئة الاحتجاجات. بحسب رويترز.

واتهم رئيس الوزراء زعيم كردستان وتركيا بمحاولة اشعال التوتر الطائفي، وقال مكتب المالكي في بيان ان رئيس الوزراء دعا الشعب العراقي إلى "التمسك بلغة الحوار وأخذ الحيطة والحذر من الأجندات السياسية والتدخلات الإقليمية المشبوهة التي لا تريد للعراق وشعبه الخير والاستقرار والازدهار"، ويرغب المحتجون في تعديل قوانين مكافحة الارهاب والافراج عن سجناء وإقرار قانون عفو والتخفيف من حدة حملة ضد الاعضاء السابقين بحزب البعث المحظور الذي كان يتزعمه صدام حسين والتي يعتقد السنة انها تستخدم لاستهداف زعمائهم، ويطالبون ايضا بتحسين اجهزة الحكومة وهي نفس الشكوى التي يشتركون فيها مع اخرين يشعرون بالاحباط بسبب عدم احراز تقدم اقتصادي رغم ايرادات الدولة الكبيرة من انتاج النفط.

جهود لإنهاء الاحتجاجات

من جهته قال رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي إنه ينبغي لرئيس الوزراء نوري المالكي العمل على إصلاح القوانين التي يرى السنة أنها تهمش وضعهم بشكل جائر وإلا أفلت زمام الاحتجاجات الحاشدة التي تشهدها البلاد.

وقال النجيفي وهو أكبر مسؤول سني منتخب في العراق إنه ينبغي إقرار مشروع قانون للعفو عن المسجونين في قضايا الإرهاب وتعديل القوانين التي يقول كثير من السنة إنها تستغل في استهدافهم بصورة جائرة، وقال النجيفي"لا يوجد خطاب لإسقاط كل النظام لأنهم يقولون نريد العدالة ونريد أن نعامل كمواطنين بنفس المستوى مع المواطنين في المحافظات الأخرى. وإذا لم تلب هذه المطالب التي حددوها بنقاط.. بالتأكيد سيطالبون بإسقاط الحكومة"، وأضاف "نحن نخشى أن القادة وممثلي التظاهرات الآن يفقدون سيطرتهم على المتظاهرين بعد فترة إذا عجزوا عن إقناع شركائهم في العمل السياسي أن يغيروا سياستهم."

واندلعت الاحتجاجات الاخيرة بعد أن اعتقلت قوات الأمن أفراد الحرس الشخصي لوزير المالية السني رافع العيساوي بتهم تتعلق بالإرهاب في خطوة اعتبرها كثير من السنة استفزازا، وينتمي النجيفي إلى الجناح الأكثر اعتدالا في قائمة العراقية التي يدعمها السنة في البرلمان غير أن هناك انقساما في صفوف السنة حيث يطرح القادة الأكثر راديكالية مطالب تزداد تشددا، ويطالب الإسلاميون السنة المتشددون بإقالة المالكي بل وإقامة منطقة ذات أغلبية سنية تتمتع بالحكم الذاتي بمحاذاة الحدود مع سوريا على غرار إقليم كردستان شبه المستقل في الشمال.

وأيا كان الدافع وراء الاحتجاجات فسخط السنة حقيقي. فمنذ سقوط صدام حسين وكثير منهم يشعرون بأنهم مهمشون في حكومة توزع المناصب على أسس طائفية وعرقية، وقال النجيفي "قناعتنا أن البلد غير متوازن.. كل السلطات محصورة بيد جهات محددة والمشاركة هامشية بالنسبة للمكونات الأخرى"، ويتهم المالكي شركاءه السنة بعرقلة تقدم الحكومة في مسعى لإضعاف موقفه، ولمح رئيس الوزراء وبعض حلفائه الى إمكان الدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل الموعد المحدد في عام 2014 كسبيل لكسر الجمود الذي عرقل صدور تشريعات مهمة، وأثبت المالكي براعة في ايجاد سبيله على خارطة التحالفات السياسية المتغيرة في البلاد للحفاظ على استمرار إدارته وسلامتها.

ويريد منه كثير من السنة أن يضع حدا للحملة على أعضاء حزب البعث السابقين غير أن ذلك يمكن أن يفقده دعم بعض مؤيديه الشيعة قبل انتخابات مجالس المحافظات المقررة في أبريل نيسان، وترى الأحزاب السنية أن التحالف الوطني الشيعي الذي ينتمي إليه المالكي يبعث إشارات تفيد بوجود مجال للتفاوض. غير أن النجيفي قال إن هذه مجرد بوادر أولية للغاية، وأضاف "بدأت تصل رسائل (تقترح) فلنفكر في طي صفحة الماضي بالكامل ونبذ الخلافات وتبعات المرحلة المضطربة ونبدأ من جديد"، وتابع "إذا لم نتفق يمكن أن يذهب البلد إلى مشاكل كثيرة.. يعني يمكن أن تكون هناك تطورات في عدم السيطرة على المتظاهرين."

الافراج عن سجناء

في سياق متصل أفرجت حكومة العراق عن أكثر من 300 سجين محتجز بموجب قانون مكافحة الارهاب في لفتة لحسن النية في محاولة لاسترضاء متظاهرين سنة يشنون احتجاجات ضد رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، وتحولت ثلاثة أسابيع من المظاهرات وبصفة أساسية في محافظة الانبار التي يغلب على سكانها السنة الى تحد قوي لرئيس الوزراء الشيعي وزادت من القلق من ان العراق يمكن ان ينزلق مرة أخرى الى المواجهات الطائفية التي شهدها في الماضي القريب، وقال مسؤولون ان لجنة وزارية أفرجت عن 335 محتجزا انتهت فترات سجنهم أو رفضت القضايا المقامة ضدهم لعدم كفاية الادلة. ويقول الزعماء السنة ان قوات الامن تستخدم قوانين مكافحة الارهاب في استهداف السنة بطريقة ظالمة، وانتظر عشرات السجناء وقد أحاط بهم الحراس فيما حاول رجال مسنون ونساء بالزي التقليدي القاء نظرة على المحتجزين ليعرفوا ما اذا كان أقاربهم بين المفرج عنهم. بحسب فرانس برس.

وقال نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني وهو شخصية شيعية كبيرة يرأس اللجنة انه يعتذر باسم دولة العراق للذين اعتقلوا وسجنوا وثبت في وقت لاحق انهم أبرياء، والافراج عن المحتجزين مطلب واحد من مطالب المتظاهرين السنة، ويدعو كثيرون المالكي الى التنحي ووقف حملة يشنها لتعقب اعضاء سابقين في حزب البعث الذي كان يرأسه صدام حسين وبطالبون بصدور قانون عفو، وقال جابر الجابري النائب من كتلة العراقية التي يدعمها السنة ان هذا الاجراء غير كاف وانهم لم يطلبوا لفتة أو هدية لهؤلاء الناس وانما يريدون إعطاءهم حقوقهم.

اغتيالات في اوج الازمة

الى ذلك نجا وزير المالية العراقي رافع العيساوي، المنخرط في خصومة سياسية مع رئيس الوزراء نوري المالكي، الاحد من محاولة اغتيال حين انفجرت قنبلة لدى مرور موكبه، بحسب ما افادت مصادر امنية، وكان موكب العيساوي يتحرك بين الفلوجة وابو غريب، غرب بغداد، حين انفجرت قنبلة بحسب ما ذكر مسؤولان في اجهزة الامن طلبا عدم ذكر اسميهما، مضيفان ان الوزير "نجا من الاغتيال"، ولم تسجل اي اصابة بين افراد موكب الوزير لكن بعض السيارات تضررت، وتنظم الاقلية العربية السنية منذ ثلاثة اسابيع تجمعات وتتهم حكومة المالكي الشيعي بتهميشها وتطالب بالافراج عن سجناء اضافة الى الغاء قوانين مكافحة الارهاب التي تقول انها تستهدفها، وحذر المالكي ا من ان قوات الامن يمكن ان تتدخل لانهاء حركة الاحتجاج، في المقابل عبر الزعيم الشيعي القوي مقتدى الصدر، الذي يملك تياره 40 نائبا وخمسة وزراء، علنا عن معارضته لرئيس الوزراء نوري المالكي، وستشكل الانتخابات المحلية المقررة في نيسان/ابريل اختبارا لشعبية المالكي ومعارضيه وذلك قبل الانتخابات العامة في 2014. بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/كانون الثاني/2013 - 11/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م