الركمجة ... او ركوب الموج في السياسة العراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: خسر المنتخب العراقي مباراته النهائية امام الإمارات، وعلى الرغم من ذلك تعالت اصوات العيارات النارية في المنطقة التي اسكن فيها، رغم التحذيرات الجوالة التي اطلقتها الشرطة عبر مكبرات الصوت في السيارات التي تدور فيها في الازقة والشوارع،  وعلى الرغم من  التحذيرات التي بثتها القنوات التلفزيونية العراقية.

بعد يوم واحد تعالت ايضا اصوات العيارات النارية، شعرت بالخوف هذه المرة، يمكن (طبّو علينة) من هم؟ لست ادري.. في اليوم التالي علمت سبب الاطلاقات في الليلة الفائتة، لقد خسر فريق برشلونة مع ريال سوسيداد، وكانت تلك الاطلاقات هي تعبير عن فرح مشجعي ريال مدريد، الغريم التقليدي لنادي البرشا. (من هذا المال حمّل جمال)، هكذا يقول المثل العراقي.

وهذا المثل ينطبق على الكثير مما نشاهده او نسمع به يجري امامنا في المشهد السياسي العراقي، من ساسة ومواطنين.. تذكرت هذا المثل وانا اطالع تصريحا للسيد مسعود البرزاني، حاكم اقليم كردستان الاوحد، حيث اعلن مساندته التامة لمطالب المتظاهرين المشروعة والتي تتوافق مع الدستور.

وقال في بيان له (حول تداعيات الازمة الراهنة وتصحيح مسار العملية السياسية) اننا نؤكد على ضرورة الحفاظ على سلمية الاحتجاجات وعدم اللجوء الى العنف، مع أخذ الحيطة والحذر من محاولات أشخاص أو جهات متطرفة من ركوب الموج والنيل من شرعية الحقوق).

وقد اثارت انتباهي كلمة (ركوب الموج) التي جاءت في ثنايا بيانه، ومددت يدي الى هاتفي النقال((Samsung wave فكلمة (wave) تعني الموجة، وهو بلا شك اسم جميل له دلالته الاعلانية التي تستهدف الترويج للهاتف من قبل شركة سامسونغ. وايضا خطرت في بالي رياضة (الركمجة) والتي تعني ركوب الامواج على الواح خشبية، والركمجة اختصار ركوب الموج ( لاحظ اول حرفين من ركوب والحرفين الاوسط والاخير في الموج ) الرك + مجة.. وقد اجاد احد الكتاب الليبيين بوصف من ركب موجة الثورة الليبية واستفاد من ذلك. في مقال حمل عنوان (الركمجة في زمن الثورات):

في أعراسنا الشعبية يشرعون في التحضير للعرس قبل شهر أو أكثر من موعده.. فهناك الكسوة.. والذبائح.. والأكل.. والكوشة.. والدرابيك.. والهدايا.. والخيام.. والطناجر الضخمة.. والقصاع.. وألف ملعقة على الأقل.. والمصابيح الملونة.. والخلوط.. والحلويات.. وسيارات الزفة.. وسيارة فارهة للعروس.. والبالونات.. والخراطيش ذات الفوهتين.. وكاميرا فيديو.. وإذاعة كاملة للسهرة.. وحتى محرك كهربائي تحسباً لانقطاع الضوء.. الحاصل.. لجان لكل مهمة.. حتى لجنة للرصد الجوي.. فالعرس ينبغي أن يكون في أجواء مشمسة لا ريح فيها ولا عجاج.. والجيش الذي يقف وراء تجهيز هذه الخدمات يسمى (العَوّالة).. ويوم العرس.. ومن مكان غير منظور ـ كما يقول معلقو مباريات كرة القدم ـ يظهر شخص ما.. يأمر وينهى.. ويستقبل الضيوف.. يربط رأسه بمنشفة من شدة الصداع جرّاء الجهد الخارق الذي يسبق العرس! بينما هو في الواقع لم يظهر إلا يوم العرس.. هذا النموذج يسمى في التعبير الشعبي (تَيناح).. وهو نموذج للمركمج الاجتماعي.. أي راكب الأمواج.. سارق جهد الآخرين.. جُهد العَوّالة). وللشاعرة العربية اسماء غريب قصيدة تحمل عنوان (مقام الركمجة)، وهناك عدد من المصطلحات التي لها علاقة بركوب الأمواج والتي يتشابه قسم منها مع مصطلحات سياسية نحتها الساسة العراقيون في هذرهم ومذرهم المستمر والمتواصل منذ العام 2003 وهذه المصطلحات هي: تصيد الموجة، كسر الشاطئ، لوح أو آلة الركبة، اللوح البطني، المصدر، هياج البحر. تحذير السيد مسعود لاينطلق من فراغ، وهو الناظر الى المشهد السياسي وتداعياته المحتملة، ليس على عموم العراق بوسطه وجنوبه، بل هذه المرة على اقليم كردستان.

احزاب المعارضة الكردية ارتفعت اصواتها هذه المرة اعلى من السابق، وهي تريد دستورا افضل من دستور الاقليم الحالي، اضافة الى ارتفاع نغمة الحديث عن الفساد الموجود في الاقليم، وهو فساد عائلي – سياسي بامتياز.. ولاننسى مرض الرئيس طالباني، وماسيتركه في حال ابتعاده عن منصب الرئاسة من تداعيات على المواقع السياسية في الاقليم، والسيد مسعود مصيب في تخوفه من الركمجة، او ركوب الامواج، وهو يسمع اصوات المتظاهرين في الموصل ترتفع بمطالبات عديدة من الحكومة المركزية، وهي مطالبات وصفها السيد مسعود بالمشروعة والتي يجب تحقيقها والا ادى عدم تحقيقها الى عواقب وخيمة، كما جاء في مكان اخر من البيان، هذه الاصوات نفسها ستهتف باتجاه اخر مستقبلا، وهو متخوف من ذلك، وله الحق ان يخاف، فالوجود الكردي في الموصل يشتكي منه الجميع، ولعل اول من اشتكى من ذلك صراحة هو احد شيوخ الموصل امام اياد علاوي، حين وصف هذا الوجود بالاحتلال الكردي، كما ينقل ذلك الصحفي الامريكي (جون لي اندرسون) في كتابه (رجلنا في بغداد) والصادر عام 2010 عن مؤسسة شرق غرب للنشر.

في لقاء مع ممثلين من الموصل، بدأ رجل بالحديث بشكل قوي الى علاوي حول كيف كانت حركة المقاومة في الموصل مشروعة نوعا ما طالما انها تعارض الاحتلال. ووعد بان العنف سيتوقف لو رحل الامريكان فقط. قاطعه علاوي بتحد: (لماذا تقول احتلال؟ من هو المحتل؟ ماذا سيحدث لو رحل الامريكان؟ وان رحلوا واستولى الارهابيون على زمام الامور فانت ستكون اول واحد سيطلب من بوش او ام بوش ان تاتي لتنقذك) وهنا ضحك علاوي.

بدأ رجل اخر بمناقشة علاوي وقال: (للمقاومة عدد كبير من المؤيدين في الموصل). وقال ان المشكلة الرئيسية في الموصل هي قوة الاكراد . في الموصل نحن نفضل اية قوات امريكية او بريطانية او شخص اخر عدا الاكراد. فالاحتلال في الموصل هو احتلال كردي).

وهو مصيب في تخوفه، حين قال قبلها بانه لا يثق في من يتحالف مع عمر الجبوري، ويعني به رئيس المجلس السياسي العربي في كركوك الذي طالب باطلاق سراح السجناء العرب من سجون الاقليم. ويراه السيد مسعود احد (المركمجين) الذي يركبون الامواج، ويخشى ان يقود تظاهرات في الاتجاه المعاكس (ليس برنامج الجزيرة) مستقبلا. وهو اتجاه تحدده بوصلة الكثير من القضايا التي هي مدار نزاع مستقبلي في المناطق المتنازع عليها ذات الغالبية من السكان العرب السنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/كانون الثاني/2013 - 10/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م