المثقف المعاصر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العالم يتغير بسرعة، هذا ما تؤكده الشواهد على مدار الساعة، العالم يلهث نحو الجديد دونما توقف، حتى ولو لاعادة الحسابات او التأمّل او معرفة النتائج!!، العالم لا يطيق السكون، إنه فضاء لا متناهي متحرك يسابق نفسه على مدار اللحظة، وللثقافة دورها في دفع العالم الى امام، وللمثقف دوره ايضا في تحريك الحياة ودفعها باتجاه التنافس السليم، الوقائع تشير الى ان المثقف المعاصر، عالم واسع، متنوع، ينهل ثرواته وكنوزه المعرفية وسواها من مصادر محلية وعالمية، وهو عبارة عن عقلية مفعمة بالتجديد والتنوع، عقلية ترفض التحجيم، وتدفع بحاملها الى آفاق واسعة، تمنحه هوية الانتماء الى البعد العالمي غير المحدود، وتحثه دائما على عدم السكون او البقاء سجينا داخل إطار المساحات المحددة سلفا.

لهذا يُنصَح بأن يبقى المثقف مقيما خارج إطار الصورة المحلية، وداخلها في آن، بمعنى أنه يعيش الواقع المحلي، ويقفز الى الصورة الاكبر، صورة العالم برمته، فيتكون لديه مزيج معرفي يتداخل فيه المحلي والعالمي معا، ليس بمعنى الذوبان في بعضهما وضياع الحدود الفاصلة بينهما، لدرجة التأثير على الهوية المحلية، بل الحفاظ على هوية الذات، مع الحصول على هوية الانتماء الى العالم الأوسع، فاذا بقي المثقف حبيس الافكار الذاتية وجذورها المحلية، لا تنطبق عليه شخصية المثقف المعاصر، بل يبقى يدور في مدار محلي ضيق، يصيبه بالعماء وقصر النظر، وضيق الافق، والنظر الى العالم من خلال زاوية حادة، لن تسمح له بمعرفة ما هو خارج اطار الصورة الواقعية المحلية الفقيرة، المنعزلة عن الواقع العالمي الأوسع.

وقطعا سنتفق على أن العقلية الثقافية المحلية المنعزلة عما يجري في العالم من تنوع وتطور ثقافي كبير، ستبقى تأثيراتها ضعيفة ونمطية، ومعروفة سلفا، ناهيك عن كونها فاقدة أصلا للجديد، الذي يفتح آفاقا فكرية ثقافية حياتية جديدة لمن يحتاجها، وبهذا يبقى المثقف نمطي فقير معلوماتيا وفكرا وتأثيريا، لا قدرة له سوى اجترار أفكاره ورؤاه التي أكل الدهر عليها وشرب، أما المثقف الذي يعيش خارج اطار الصورة وداخلها معا، فهو على اطلاع متواصل على ما يجري في ساحة الثقافة العالمية، وهذا ما يؤهله للتحديث الفكري المتواصل الذي يجعل منه مثقفا موسوعيا ذا رؤية ثاقبة وواسعة ومؤثرة في آن، فهو ينظر الى العالم بعيون كثيرة متعددة متنوعة، وليس حبيس النظرة الواحدة بالعين المحلية التي لا ترى سوى ذاتها وافكارها المتقوقعة على نفسها، إنه المثقف الموسوعي المعاصر، الذي يحتاجه المجتمع الطامح للرقي والتطور في مجال الفكر والتطبيق معا، وهو المثقف التي تستطيع النمطية السياسية او الثقافية او الفكرية من التأثير عليه وسحبه الى حيز الانعزال والتقوقع داخل الذات، فيكون حبيس الذات، ليس الفردية فحسب، إنما حبيس الذات السياسية المحلية وسوها، فهو مثقف بسيط أحادي التفكير، يأخذ رؤيته السياسية مثلا، من المؤسسة السياسية لدولته التي يعيش فيها حصرا، ويرفض التلاقح مع الافكار العالمية التي ستزيد من تنوعه السياسي والفكري والثقافي، وتجعله اكثر سعة في التفكير والتعاطي مع الثقافة والحياة بنحو عام.   

لهذا لا يصح قط، أن يبقى المثقف حبيس الصورة المحلية، والتصورات الذاتية الفردية والجمعية، وعليه اذا ما أراد أن يحصل على صفة المثقف العالمي، أن يسعى للاندماج مع الثقافة العالمية مع الحفاظ على هويته، فالتلاقح مع الواقع العالمي ومؤثثاته، يغني الهوية المحلية ويزيدها لمعانا وأصالة، على العكس ممن يدعو الى الانعزال والتقوقع وفصل المحلية عن العالمية بدعوى الخوف من ذوبان الاصغر في الاكبر!!، إذ لم يعد العالم مقطّع الاجزاء، ولا المناطق، فقد اصبح العالم شاشة كبيرة واحدة تعكس السماء وقائعها وما يجري فيها، الى كل انسان يعيش على كوكب الارض، لهذا لا مناص من أن يطوّر المثقف ذاته ولا يبقى حبيس الصورة النمطية المحلية ضيقة الآفاق والافكار معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/كانون الثاني/2013 - 10/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م