البورصة المصرية... انطلاقة جديدة مع انحسار الصخب السياسي

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعيش مصر حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بحكم النظام السابق قبل عامين تقريبا، وهذا العام تحلم الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي بعام مستقر على الأصعدة كافة، ولعل البداية الواعدة لعام 2013 في البورصة المصرية تعطي آمال كبيرة للاستقرار الاقتصادي مستقبلا، فعلى الرغم من تراجع العملة المحلية الى مستويات قياسية غير مسبوقة، الا ان  البورصة المصرية تماسكت بقوة وانقضت الاقتصاد،  إذ واصل المستثمرون الأجانب شراء الأسهم في علامة على أن خفض قيمة الجنيه -الأمر الذي يبدو مرجحا بشكل متزايد- قد لا يكون كارثة للأسواق المالية، وأسفر عامان من الاضطرابات في مصر عن اصابة الاقتصاد الهش بالشلل ونزوح السياح والمستثمرين وتقويض النمو الاقتصادي واشتعال الاحتجاجات العمالية التي أضرت بأنشطة الأعمال بصورة حادة، كما تظهر أزمة العملة في مصر حجم التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة المصرية الحالية، لكن صعود بورصة مصر صعودا قويا خلال 2013 اعطى دافعا كبير لإنعاش الاقتصاد المصري في المستقبل القريب، في حين يرى محللون ان الاستقرار الاقتصادي سيأتي بعد الاستقرار السياسي، ومع اكتمال مؤسسات الدولة وانتخاب مجلس النواب سيأتي الاستقرار السياسي، فلابد أن نكون متفائلين دائما، فيما يرى محللون اخرون ان اقتصاد البلاد هش ويمر بموقف بالغ الصعوبة لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية. و أن هذه المرحلة من تاريخ مصر تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية، ويمكن الحصول على استقرار اقتصادي طويل الأمد لمصر في المستقبل إذا تحسن الوضع السياسي بدرجة كبيرة.

بداية واعدة

فقد عززت المكاسب القوية لسوق المال المصرية في أول جلسات عام 2013 آمال المتعاملين بأن تواصل الاسهم ارتفاعها لتستهدف مستوى 6000 نقطة بدعم من تفاؤل الرئيس المصري وحكومته بقدرة البلاد على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها وسط تدهور كبير في سعر العملة المحلية.

وأبدى الرئيس محمد مرسي أمله في استقرار وضع الجنيه المصري خلال أيام بعد هبوطه لمستويات قياسية، وارتفعت تكلفة التأمين على الديون رغم الإجراءات الجديدة التي اتخذها البنك المركزي للإبطاء من تراجع العملة والحد من استنزاف احتياطياته من النقد الأجنبي، وبدأ البنك المركزي العمل بنظام عطاءات للعملة الصعبة لتفادي انهيار مالي وضمان الاحتياطيات اللازمة لتمويل واردات الغذاء والوقود، وقال عيسى فتحي نائب رئيس شعبة الاوراق المالية بالاتحاد المصري للغرف التجارية "الحقيقة الاقتصادية المحركة للبورصة الآن انخفاض الجنيه. إذا استمر الانخفاض سيواصل السوق الارتفاع"، ويرى محسن عادل من بايونيرز لإدارة صناديق الاستثمار ان قيم الشركات في البورصة أقل من قيمتها الحقيقية بعد ارتفاع الدولار. وهذا يمثل عنصر تفاؤل لدى المتعاملين بمواصلة الشراء على المستويات السعرية الحالية، وأردف عادل "تجاوز المؤشر الرئيسي لمستويات 5500-5700 نقطة أعطى تفاؤلا حذرا بقدرة السوق على استمرار الصعود. لكن أحجام التداول تعكس عنصر الحذر أكثر من التفاؤل"، لكن إيهاب سعيد من أصول للوساطة في الاوراق المالية قال لرويترز "السوق ارتفع كثيرا. لابد من ظهور عمليات جني أرباح على الأسهم وخاصة القيادية حتى يستطيع مواصلة الصعود فيما بعد"، ويتوقع عادل تحول النشاط إلى الأسهم الصغيرة والمتوسطة بدعم من إعادة تكوين مراكز من قبل المتعاملين وتوزيع أكبر للسيولة داخل السوق. بحسب رويترز.

وتشهد الأسهم القيادية والصغيرة في مصر نشاطا كبيرا منذ أواخر ديسمبر كانون الاول بدعم من الشراهة الشرائية للمتعاملين الأجانب والعرب، وقال نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات "الناس يشترون للمستقبل.. التوقعات إيجابية"، وخفضت وكالة ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني طويل الأمد لمصر إلى B- من B  مع نظرة مستقبلية سلبية وقالت إن تصنيف مصر معرض لمزيد من الخفض إذا تدهور الوضع السياسي بدرجة كبيرة، ويتوقع هاني حلمي رئيس مجلس إدارة الشروق للوساطة في الاوراق المالية استمرار صعود السوق، وقال "لن نقف مجددا حتى ظهور اخبار سلبية أو بداية إصدار قوانين من مجلس الشورى لا تتوافق مع رأي الشارع".

حلم الاستقرار

في سياق متصل يستقبل المتعاملون في البورصة المصرية عام 2013 بآمال كبيرة في مواصلة المكاسب القوية التي تحققت في عام مليء بالاضطرابات السياسية والاقتصادية والتي تجاوزت 80 مليار جنيه إذ أنهم يحلمون بعودة الاستقرار للبلاد لتعظيم مكاسبهم خلال العام الجديد، وارتفع المؤشر الرئيسي لبورصة مصر 50.8 بالمئة خلال 2012 وزادت القيمة السوقية للأسهم 81.612 مليار جنيه (12.85 مليار دولار)، وتساءل نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات "إذا كانت السوق صعدت بأكثر من 50 بالمئة في عام مليء بالاضطرابات السياسية والاقتصادية فماذا تتوقع إذا حدث استقرار؟ بالتأكيد ستزيد المكاسب عن 50 بالمئة خلال 2013"، وبعد إقرار أول دستور لمصر يأمل الرئيس محمد مرسي في استقرار الوضع السياسي في البلاد مما يفسح المجال أمامه لتنفيذ إصلاحات اقتصادية.

وأضاف إبراهيم "أسعار الأسهم المصرية مازالت مغرية للشراء ومع وجود الاستقرار سنصعد بقوة"، ودفعت الصراعات السياسية مؤسسة ستاندرد اند بورز لخفض التصنيف الائتماني الطويل الأجل لمصر والتحذير من احتمال خفضه مرة أخرى إذا أدى تفاقم الاضطرابات السياسية إلى تقويض الجهود المبذولة لدعم الاقتصاد والميزانية العامة، وقال هاني حلمي رئيس مجلس إدارة شركة الشروق للوساطة في الاوراق المالية "قليل من الاضطرابات وكثير من العمل والانتاج والاستقرار سيدفع السوق لارتفاع قوي خلال 2013". بحسب رويترز.

وقال وائل عنبة العضو المنتدب لشركة الاوائل لإدارة المحافظ المالية "دورة صعود البورصة في 2013 لن تبدأ قبل أن تنتهي دورة صعود الدولار. عندما يظهر البيع في الدولار ستجد تحولا للأموال من العملة إلى الأسهم"، وهبط الجنيه المصري إلى مستوى قياسي أمام الدولار بعد أن استحدث البنك المركزي آلية جديدة في محاولة لكبح استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للبلاد التي قال البنك المركزي إنها تراجعت إلى مستوى حرج، ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن الرئيس المصري محمد مرسي قوله إن تراجع الجنيه إلى مستوى قياسي منخفض ليس مبعث قلق أو خوف للحكومة مضيفا أنه "خلال أيام سوف تتوازن الأمور".

انخفاض الجنيه المصري إيجابي للبورصة

الى ذلك توقع محللون أن تستفيد البورصة المصرية في 2013 من انخفاض الجنيه أمام الدولار مع تدفق عمليات الشراء من قبل المتعاملين العرب والأجانب على الأسهم نظرا لانخفاض قيمها الحقيقية ووصولها لمستويات سعرية متدنية، وهبط الجنيه المصري إلى مستوى قياسي أمام الدولار بعد أن استحدث البنك المركزي آلية جديدة للمحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي التي قال إنها انخفضت إلى مستوى حرج في خطوة وصفها مصرفيون ومحللون بأنها ربما تشكل تحولا مقيدا تجاه التعويم الحر.

وقال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل في مؤتمر صحفي إنه "ليس هناك تعويم للجنيه"، وأنفق البنك المركزي أكثر من 20 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدعم الجنيه منذ أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس السابق حسني مبارك في أوائل 2011 ومع عزوف السياح والمستثمرين الأجانب جراء عدم الاستقرار، وقال كريم عبد العزيز الرئيس التنفيذي لصناديق الأسهم بشركة الأهلي لإدارة صناديق الاستثمار "بالتأكيد انخفاض الجنيه أمام الدولار سيصاحبه ارتفاع في مؤشرات البورصة والأسعار. كلما انخفضت قيمة الجنيه زادت القوة الشرائية للدولار وبالتالي سنجد إقبالا أكثر من المتعاملين الأجانب والعرب على شراء الأسهم"، ويشتري المستثمرون العرب والأجانب بقوة في السوق منذ الشهر الماضي رغم قيام المستثمرين المصريين بالبيع وسط المخاطر السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها مصر، وتوقع عبد العزيز أن تشهد سوق المال المصرية صعودا قويا خلال 2013 كلما انخفضت قيمة الجنيه، وقال مصرفيون إن البنك المركزي فرض سلسلة من الإجراءات لخفض الطلب على العملات الصعبة في المدى القصير على الأقل من بينها تحديد المبلغ الذي يحق للعملاء من الشركات سحبه عند 30 ألف دولار يوميا في حين سيدفع الأفراد رسوما إدارية بين واحد واثنين بالمئة على مشترياتهم من العملات الأجنبية، وأضافوا أنه لن يسمح للبنوك بحيازة مراكز دائنة بالدولار الأمريكي تتجاوز واحدا بالمئة من رأسمالها انخفاضا من عشرة بالمئة، وفي ظل النظام الجديد سيظل الحد الأقصى المسموح به لسحوبات الأفراد عند عشرة آلاف دولار يوميا. وقال مصرفيون إن البنك سيواصل مراقبة جميع التعاملات للتأكد من أنها تلبي احتياجات "مشروعة" وليست من أجل المضاربة، وقال محسن عادل من بايونيرز لإدارة صناديق الاستثمار "ارتفاع الدولار أمام الجنيه حدث بقوة من قبل في 2003 مع بداية تعويم الجنيه واستفادت البورصة إيجابيا وصعدت حينها حتى عام 2008 إلى مستوى 12000 نقطة. قد يتكرر نفس السيناريو من جديد"، وأضاف "السوق ستصعد خلال الفترة المقبلة من 2013 لأن التغييرات في أسعار الصرف بالأسواق الناشئة عادة ما تكون محفزة للمتعاملين الأجانب لشراء الأسهم."

ويعتقد كثير من المحللين أن السلطات ربما لم تعد مستعدة أو قادرة على دعم الجنيه وتوقعت فاروس للبحوث في مذكرة بحثية يوم الأحد تطبيق نظام التعويم الحر على الجنيه وأن تتراجع العملة المصرية إلى 6.50 جنيه للدولار. ويرى بعض المحللين أن العملة تستهدف مستوى نحو 6.80 جنيه للدولار على المدى البعيد، وحذر عادل من "الأموال الساخنة التي عادة ما تدخل الأسواق المالية في ظل تغيرات سعر الصرف" مشيرا إلى التدفقات المضاربة التي تهدف إلى تحقيق أرباح سريعة، وارتفعت بورصة مصر أكثر من 50 بالمئة منذ بداية العام، وقال مهاب الدين عجينة مدير مكتب التحليل الفني في بلتون فينانشال إن استمرار موجة الصعود من المستويات الحالية يتطلب استقرار الوضع السياسي إلا أن البورصة مازال بإمكانها أن ترتفع متجاوزة 5600 نقطة، وقال عادل "إذا انخفض معدل المخاطرة بالسوق ... واستقرت الأوضاع السياسية ورأينا تحركا جديا لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر فسنرى تدفقا قويا للاستثمارات الأجنبية بالسوق"، واتفق معه عيسى فتحي نائب رئيس شعبة الأوراق المالية في مصر وقال إن الاستقرار السياسي والاقتصادي والتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإجراء انتخابات برلمانية سيؤدي لارتفاعات قوية بالسوق خلال 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/كانون الثاني/2013 - 5/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م