تشاك هاغل... رجل أوباما والمرحلة

النشأة والمسيرة

إعداد: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: أعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما اختياره للسناتور السابق المثير للجدل تشاك هاغل لتولي حقيبة الدفاع. وقال اوباما ان هاغل هو القائد الذي تستحقه قواتنا. انه اميركي وطني، مشيدا بسجله كبطل حرب حيث حصل على ميداليتين للشجاعة لخدمته جنديا في فيتنام.

واضاف ان هاغل سيكون اول شخص يخدم برتبة عادية يتولى منصب وزير الدفاع. وهو احد الوزراء القليلين الذين اصيبوا في الحرب واول مقاتل سابق في فيتنام يقود هذه الوزارة، واصفا تعيينه بانه تاريخي.

ومن المتوقع ان يعترض الجمهوريين على وجود تشاك هاغل في وزارة الدفاع الأميركية بنتاغون لكن الأمر المثير للاهتمام بشأن تعيين الرئيس أوباما للسناتور هاغل كوزير دفاعه الجديد لا يتمثل في حقيقة أن الأخير جمهوري، لكن الحقيقة أن الجمهوري الذي اختاره أوباما وزيرا للدفاع هو هاغل.

من جهته اكد  هاغل دعمه الكامل لاسرائيل، وقال ليس هناك اي دليل على انني مناهض لاسرائيل. وكان ابرز سناتور جمهوري ميتش ماكونيل اشاد بهاغل حين غادر منصبه كسناتور عن نبراسكا في 2009 لا سيما بوضوح مواقفه حول الامن القومي والسياسة الخارجية. بحسب فرانس برس

واكد هاغل انه لم يصوت مع بعض القرارات التي تدعمها منظمات مؤيدة لاسرائيل لانها كانت ستاتي بنتائج معاكسة. وتساءل كيف كان سيساعد هذا الامر في تقدم عملية السلام في الشرق الاوسط؟ ما يصب في مصلحة اسرائيل هو ان تتم مساعدة اسرائيل والفلسطينيين في ايجاد طريقة سلمية للعيش معا.

إلى أن هاغل، رغم ذلك، ليس بالجمهوري المثالي المعاصر. فهو متحفظ في السياسة الداخلية لكنه مستقل جدا فيما يتعلق بالدفاع والأمن، ولطالما كان غير منسجم مع الاتجاه السائد للفكر الجمهوري، خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. وخلال الـ12 التي قضاها بمجلس الشيوخ، الذي تنحى عنه عام 2008، كان هاغل أكثر الأحيان على خلاف ليس فقط مع حزبه ولكن مع بعض الديمقراطيين مثل صديقه ورفيقه بحرب فيتنام وسيناتور نبراسكا جون كيري. بحسب صحيفة غارديان. لكن السمة الموحدة لسجل هاغل الأمني هي التشكك بشأن الأحادية الأميركية الجازمة ودفاعه عما يسميه الواقعية المبدئية. وهذا الموقف يضعه على الطرف النقيض لبوصلة البنتاغون من الجمهوريين مثل دونالد رمسفيلد.

وبصفته معارضا لحرب فيتنام لم يكن أمام هاغل أيضا وقت لحرب حقبة بوش على الإرهاب. وقد صوت لصالح حرب العراق لكنه فيما بعد وصف العراق وأفغانستان بأنهما من حلول القرن العشرين لمشاكل القرن الـ21.

وغالبا ما طالب أميركا بالعمل ضمن المنظمات الدولية، وعبر الدبلوماسية، بدلا من تجاهلها بازدراء. وقد أيد هاغل اتفاقية الألغام الأرضية عام 1997، التي عارضتها إدارة كلينتون، وكان يؤيد العلاقات التجارية مع كوبا والمباحثات مع إيران وكوريا الشمالية عندما كانت مثل هذه الأفكار من المحرمات بمكان آخر. لكن وزارة الدفاع لن تصير مسالمة، فقد أيد هاغل قصف صربيا عام 1999 وانتقد بقسوة رفض كلينتون إرسال قوات برية للبلقان.

ان جل التكهن الداخلي بشأن ما إذا كان أوباما سيرشح هاغل قد تركز، بصفة خاصة للسياسة الأميركية، على ما إذا كان يُعتبر مواليا أو مناهضا لإسرائيل. وقالت إن السؤال خطأ. إذ أن هاغل يؤيد سياسة التعاون الدولي العملي. ويعتقد أن أميركا لا تستطيع أن تكون شرطي العالم. ويعتقد أيضا أنه لا ينبغي عزل أميركا.

أن فلسفة هاغل ليست متناغمة دائما لكنه عدو النفاق ويحتل مكانة عالية في التفكير المتجدد بشأن وضع أميركا بالعالم. ولهذا السبب، بالطبع، سيقاوم كثير من الجمهوريين تعيينه. لكن هذا سبب في أن بقية العالم ينبغي أن يرى قدومه إلى البنتاغون كمنصب مفعم بالاحتمالات.

من هو تشاك هاغل؟

تشاك هاغل رجل عسكري بالدرجة الأولى وحائز على وسامين القلب الأرجواني لشجاعته في حرب فيتنام، حيث أصيب بحروق شديدة بعد أن تعرضت ناقلة الجنود المصفحة التي كان يستقلها للغم أرضي.

بعد عودته من الحرب بفيتنام، عمل هاغل كمذيع إعلامي لفترة وجيزة قبل أن يدخل المعترك السياسي كسيناتور جمهوري ممثلا لولاية نبراسكا، حيث استمر في هذا المنصب بين عامي 1997 و2009.

تربط هاغل علاقة قديمة بالرئيس، باراك أوباما، حيث تعرف عليه في مجلس الشيوخ عندما كان باراك أوباما يشغل منصب سيناتور، حيث وجدا العديد من نقاط التفاهم المشتركة بمواضيع متعددة مثل حالات استخدام القوة العسكرية.

وبالنسبة للملف الإيراني، فيتشارك الرئيس باراك أوباما مع هاغل في وجهة النظر التي تشير اتخاذ خيار الحوار مع النظام الإيراني كبديل عن القوة العسكرية، إلا أن أرائهما تختلف في موضوع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران حيث أن هاغل معارض لها. ويذكر أن هاغل قام بزيارة منطقة الشرق الأوسط  والعراق بالتحديد، برفقة السيناتور باراك أوباما وقتها والسيناتور جاك ريد في العام 2008.

أشهر أقوال تشاك هاغل، المسجلة في كتاب تناول قصة حياته بعنوان تشاك هاغل: المضي قدما، قال فيه: إذا ما تمكنت من الخروج سالما من حرب فيتنام، فسأبذل كل جهدي من أجل منع الحروب.

لست شخصا مسالما ولكنني أرفض الحرب، أنا شخص واقعي وأعلم أنه لا مجد في الحروب بل المعاناة فقط.

ووصف إقبال الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل عسكريا بالعراق بقوله: هذا يعتبر أكبر تخبط للسياسة الخارجية لأمريكا منذ حرب فيتنام. بحسب سي ان ان.

وكان هيغل تعرض لحملة شرسة من اللوبي الاسرائيلي وعدد من المنظمات اليهودية والمعلقين المتشددين بسبب انتقاداته لسياسات اسرائيل الاستيطانية، ومعارضته لضرب ايران وتحفظاته القوية عن كيفية ادارة الحرب في العراق خلال ولاية الرئيس السابق جورج بوش. كما اعرب بعض الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق مثليي الجنس عن تحفظاتهم لان هيغل انتقد قبل 14 سنة ديبلوماسيا اميركيا كان يعبر بشكل نافر عن نزعته الجنسية. وكان هيغل من ابرز الشخصيات الجمهورية التي ايدت في 2007 المرشح الديموقراطي المغمور آنذاك لمنصب رئيس الجمهورية السناتور باراك اوباما، ورافق المرشح اوباما في زيارته للشرق الاوسط في 2008 قبل انتخابه.

وقد خدم هيغل ولايتين في مجلس الشيوخ (12 سنة) ممثلا لولاية نبراسكا، ويرأس حاليا المجلس الاطلسي وهو مركز ابحاث بارز (يضم منذ تموز 2011 مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط) كما يشارك في رئاسة المجلس الاستشاري للاستخبارات الذي عينه الرئيس اوباما، وهو عضو في مجلس الاستشارات السياسية التابع لوزير الدفاع. وكان في شبابه قد تطوع للخدمة العسكرية وحارب في فيتنام (مع شقيقه) حيث جرح مرتين وحاز الاوسمة التقديرية لشجاعته.

وفور تسريب اسمه كمرشح محتمل لمنصب وزير الدفاع قبل اسابيع، بدأت الحملة ضد هيغل بمقال كتبه احد رموز المحافظين الجدد وليم كريستول الذي ندد بانتقاداته لاسرائيل ومعارضته ضرب ايران. وتبع ذلك شلال من الاتهامات من مصادر لم تكشف هويتها في الكونغرس تدعي ان هيغل معاد للسامية، وانضمت الى الحملة منظمات يهودية بارزة، وافتتاحية صحيفة الواشنطن بوست، كما شملت الحملة دعاية تلفزيونية ضده. هذه الانتقادات تركزت على قول هيغل ان وظيفته كعضو في مجلس الشيوخ الاميركي هي خدمة المصالح الاميركية وليس تلقي الاوامر من اللوبي الاسرائيلي، واستخدامه عبارة اللوبي اليهودي بدلا من اللوبي الاسرائيلي.

وكانت ثمة مخاوف بين انصار هيغل وعدد من المراقبين من ان يخضع الرئيس اوباما لهذه الضغوط كما فعل حين تراجع عن ترشيح مندوبته في الامم المتحدة سوزان رايس وزيرة للخارجية بعد تعرضها لحملة تجريح من بعض القيادات الجمهورية البارزة في الكونغر.

وكانت انتقادات هيغل الجمهوري في مجلس الشيوخ لسياسات بوش في الشرق الاوسط قد عرضته لغضب ادارة بوش وتحديدا نائب الرئيس ديك تشيني. واعرب عدد من اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين وزملاء هيغل القدامى عن معارضتهم او تحفظهم عن تعيينه. وحتى صديقه القديم جون ماكين، الذي كان قد اثنى بسخاء على هيغل ومزاياه قال اخيرا ان هيغل لم يعد جمهوريا حقيقيا.

ومع ان هيغل لم يستطع الرد على هذه الحملة لانه لم يرشح رسميا، الا ان اصدقاءه ومؤيديه لم يلتزموا الصمت، واشاروا الى سجله الجيد في الكونغرس، وشخصيته المستقلة ووطنيته. (صراحة هيغل واستقلاليته ودعمه لاوباما لم تمنع حتى من انتقاد ادارة الحرب في افغانستان خلال ولاية اوباما). وكان من بينهم مستشارو الامن القومي السابقون، الجمهوري برينت سكوكروفت والديموقراطي زبيغنيو بريجنسكي، الى وزير الدفاع السابق فرانك كارلوتشي، ومعلقين مثل توماس فريدمان.

ونشر السفير السابق في لبنان والعراق وافغانستان رايان كروكر مقالا قال فيه ان هيغل هو رجل دولة وان اميركا تفتقر هذه الايام الى مثل هؤلاء الرجال. وجاء دفاع الرئيس اوباما عن سجل هيغل وشخصيته ووطنيته في مقابلة تلفزيونية اخيرة كمؤشر اولي ان الحملة ضد هيغل لم تثن الرئيس الاميركي عن ترشيحه لوزارة الدفاع كما نجحت ضد سوزان رايس.

انتقادات الكنيست

من جهة أخرى انتقد رئيس البرلمان الاسرائيلي رؤوفين ريفلين الثلاثاء اختيار الرئيس الاميركي اوباما تشاك هاغل لتولي حقيبة الدفاع، مؤكدا ان ذلك يشكل مصدر قلق لاسرائيل. وقال ريفلين في بيان ان تعيين هاغل لا يؤثر فقط على اسرائيل بل على التوازن الاستراتيجي العالمي كله. فنظرية العزلة المريحة التي ينادي بها هاغل تغير استراتيجية الولايات المتحدة في العالم.

ويشير ريفلين بذلك الى مواقف هاغل من التدخل العسكري الاميركي. واضاف ريفلين العضو في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ان هذا المبدأ يجب ان يثير قلق اسرائيل لكن لا يجب ان يخيفها  لا يمكن ان يقوم شخص واحد بتحديد السياسات وهذا الاعلان لا يشكل خطرا على العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل والولايات المتحدة. وريفلين هو المسؤول الاسرائيلي الوحيد الذي انتقد تسمية هاغل علنا.

من جهته، دعا وزير الجبهة الداخلية الاسرائيلي افي ديختر الى التزام الحذر. وقال ديختر للاذاعة العامة كان هناك في السابق تسميات (اميركية) بدت مقلقة لكن في نهاية المطاف كان الواقع مختلفا تماما.

ويتطلب تعيين هاغل وزيرا للدفاع مصادقة مجلس الشيوخ الاميركي حيث لا يتمتع الديموقراطيون بالغالبية الموصوفة المطلوبة. وهذا يعني انه من الضروري ان يؤيد اعضاء جمهوريون في المجلس اختيار هاغل ليتمكن من تولي منصبه الجديد.

وبعد وقت قليل من تسميته، اكد هاغل لاثنين دعمه الكامل لاسرائيل بعد تعرضه لانتقادات اعضاء جمهوريين في الكونغرس على خلفية مواقف له من قضايا الشرق الاوسط. وقال هاغل العضو الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ، لصحيفة محلية في نبراسكا ليس هناك اي دليل على انني مناهض لاسرائيل.

وبدت الصحف الاسرائيلية منقسمة الثلاثاء. فقد كتبت صحيفة يديعوت احرونوت ان تشاك هاغل في البنتاغون يشكل اسوأ كابوس بالنسبة لاسرائيل وللحكومة اليمينية القادمة بعد الانتخابات في اشارة الى الفوز المحتمل لنتانياهو في الانتخابات التشريعية في 22 من كانون الثاني/يناير المقبل.

من جهتها، رأت صحف اخرى ان خيار اوباما لا علاقة له باسرائيل. وكتبت صحيفة اسرائيل هايوم المجانية والمقربة من نتانياهو في عالم مثالي يسوده الخير، سيكون لتشاك هاغل مكان في البنتاغون. واضافت لكن في عالم تشغل فيه اجهزة طرد مركزي باستمرار في بلدان خطرة مثل ايران فان هذا يمثل خيارا غير واقعي لكنه للاسف بالنسبة لنا اصبح حقيقة واقعة في عهد اوباما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/كانون الثاني/2013 - 30/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م