تركيا وأكرادها... مصالحة الحمل والذئب

 

شبكة النبأ: إن التطورات الأخيرة في تركيا، اي الصراع التركي الكردي، تمهد الطريق لانهاء نزاع سياسي عرقي طويل الامد بينهما، خصوصا بعدما حدد الجانبان خطة سياسية تهدف الى انهاء العنف الدموي الذي دام اكثر من ثلاثة عقود تقريبا، لكن عملية اغتيال الناشطات الكرديات في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا، رسمت علامات الاستفهام حول مديات وضامنات الصلح بين تركيا واكرادها، ويرى اغلب المحللين إن مقتل النشاطات تزامنا مع بوادر الصلح، سيشكل نذير خطر محتدم يشير بعواقب وخيمة على هذا العلاقة، وتعد هذه القضية انفة الذكر مع قضية نزع السلاح من حزب العمال الكردستاني ابرز التحديات الراهنة  بينهما،  ففي ظل تتجدد النزاعات والصراعات نتيجة الثغرات السياسية والحقوقية التي تقف عقبة امام التوصل إلى تسوية متوازنة ومستقرّة بين طرفي النزاع، اي انه اذا لم يتوصل الاتفاق الحالي بين الجانبين الى حل شبه نهائي سيبقى الصراع بينهما مأزق متأرجح في المستقبل.

خطوات لإنهاء الصراع الكردي

فقد قالت صحيفة راديكال ان الحكومة التركية وزعيم التمرد الكردي المسجون عبد الله اوجلان اتفقا على إطار خطة لانهاء حرب قتل فيها 40 الف شخص منذ عام 1984 يتضمن نزع سلاح المتمردين مقابل زيادة حقوق الاقلية الكردية، وقالت الصحيفة اليومية ان مسؤولي مخابرات كبار عقدوا اجتماعات مع اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في سجنه بجزيرة قريبة من اسطنبول وهو ما أثمر عن خطة من اربع مراحل لانهاء الصراع.

وكانت المفاوضات السابقة مع حزب العمال الكردستاني سرية للغاية ويبدو انها صادفت عراقيل. والاعتراف العلني بأحدث اتصال أثار الامال باستئناف جهود السلام بما في ذلك من جانب الحزب الرئيسي المؤيد للاكراد في البرلمان، وقال صلاح الدين ديميرتاس زعيم حزب السلام والديمقراطية لاعضاء حزبه في البرلمان في انقرة "الاجتماع مع اوجلان ... خطوة صحيحة وهي منطقية ومناسبة."واضاف "السلام في تركيا يمكن ان يبدأ فقط بهذه الخطوة."

وقالت صحيفة راديكال انه بعد وقف مبدئي للقتال سينسحب مقاتلو حزب العمال الكردستاني من الاراضي التركية على ان تبدأ بعد ذلك محادثات بشأن نزع السلاح قبل عملية أخيرة تشهد القاء المتشددين اسلحتهم، واضافت ان اوجلان سيعد أربع رسائل تحدد رؤيته لحل للصراع توجه الى حزب السلام والديمقراطية والى قادة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق والى اوروبا حيث يتمركز كثير من نشطاء الحزب والى الرأي العام التركي.

وستشمل "خارطة الطريق" الافراج عن الاف الاشخاص المحتجزين المتهمين بأن لهم علاقة بحزب العمال الكردستاني، وستؤدي ايضا الى اصلاحات دستورية تزيل العقبات امام التعليم باستخدام اللغة الكردية وتعزز الادارات المحلية وتعريف محايد عرقيا للمواطنة يصف الناس بأنهم مواطنو تركيا وليس بأنهم مواطنون أتراك، ولا يوجد أي تأكيد رسمي لاي اتفاق ولم تحدد صحيفة راديكال مصادرها لكنها تعتبر عادة موثوقا بها فيما يتعلق بالمسألة الكردية، ووفقا للتقرير كانت مطالب أوجلان محدودة فيما يبدو ولا توجد اشارات الى كردستان مستقلة أو الى اتحاد فيدرالي أو مفهوم "حكم ذاتي ديمقراطي" الذي اقترحه سياسيون أكراد.

وكان هناك تفاؤل حذر في انقرة فيما يتعلق باحتمالات المفاوضات في حين استمر العنف في جنوب شرق البلاد، وقال مكتب الحاكم المحلي ان 14 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني وجنديا تركيا قتلوا بعد ان فتحت مجموعة من المتشددين متمركزة في شمال العراق على بعد نحو ثمانية كيلومترات من الحدود النار على موقع عسكري.

وكانت المحادثات مع حزب العمال الكردستاني -الذي تصفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بأنه منظمة ارهابية- غير متصورة قبل بضعة اعوام. واوجلان شخصية مكروهة على نطاق واسع لدى الاتراك الذين يعتبرونه يتحمل مسؤولية مباشرة عن اراقة الدماء، وقال ديميرتاس ان اوجلان المسجون في جزيرة ايمرالي منذ القاء القبض عليه أظهر تصميما على العمل نحو السلام لكن تحقيق تقدم يتوقف على الحكومة، واضاف ان حزب ديميرتاس الذي يتمتع بشعبية في جنوب شرق البلاد حيث غالبية السكان من الاكراد يجب ان يشارك في أي محادثات، وقلل رئيس الوزراء طيب أردوغان من شأن التنازلات التي ستقدمها تركيا لانهاء الصراع واستبعد احتمال الافراج عن اوجلان من سجنه في ايمرالي ووضعه رهن الاقامة الجبرية في منزله أو اصدار عفو عام. بحسب رويترز.

ويتعرض أردوغان لضغوط للقضاء على العنف مبعث القلق الامني الرئيسي في تركيا وخاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة في عام 2014 والتي يتوقع ان يخوضها، ولم يتمكن اوجلان من زنزانته في السجن من التعبير عن آرائه بشأن العملية مباشرة حيث لم يكن له اتصال بفريق الدفاع عنه لمدة 16 شهرا لكنه عقد اجتماعا مع سياسيين اكراد، وعبر حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي عن تأييده للعملية من اجل انهاء اراقة الدماء لكنه قال ان الاحزاب في البرلمان تحتاج الى العمل معا للتوصل الى حل، لكن زعيم حزب الحركة القومية اليميني دولت بهجلي كان حادا في انتقاده للمحادثات الحكومية مع "وحش ايمرالي"، وقال ان "رئيس الوزراء اردوغان اجتاز عتبة والقى بمرساة الحكومة في الميناء الدموي للارهاب الانفصالي"، وجاء رد حذر من مراد كارايلان وهو قائد كبير في حزب العمال الكردستاني بشمال العراق الذي قال انه يجب ان يسمح للقيادة النشطة لحزب العمال الكردستاني بالاتصال مباشرة باوجلان نفسه.

اغتيال كرديات بباريس

على الصعيد نفسه لمح متمردون أكراد إلى أن قوميين أتراك يعملون بشكل سري ربما اغتالوا ثلاث ناشطات كرديات في العاصمة الفرنسية باريس لكن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال إن مقتلهن على ما يبدو نتيجة لصراع داخلي.

وقال حزب العمال الكردستاني إن عملية القتل التي تمت على غرار عمليات الإعدام في معهد بوسط باريس هي جريمة مع سبق الإصرار والتخطيط وحذر من أن فرنسا ستتحمل المسؤولية إذا لم تتمكن من معرفة اسباب مقتلهم، وعثر على جثة سكينة جانسيز وهي عضو مؤسس في حزب العمال الكردستاني وجثتي زميلتيها الناشطتين في معهد بالعاصمة الفرنسية تربطه علاقات وثيقة بحزب العمال في هجوم ألقى بظلاله على مبادرات سلام بين تركيا والمتمردين الاكراد، ووضعت تركيا بعثاتها الدبلوماسية في أوروبا التي تستضيف عددا كبيرا من الأكراد في الشتات في حالة تأهب وطلبت من السلطات الفرنسية تعزيز الأمن حول المنشآت التركية هناك بعد أن دعا حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد إلى تجمعات احتجاجية، وفي برلين حيث توجد أكبر جالية كردية وتركية تظاهر نحو 700 كردي في الشوارع وحمل كثيرون منهم ملصقات عليها صور القتيلات الثلاث ورفعت جماعة واحدة لافتة كتب عليها "نساء يقتلن وأوروبا صامتة"، وفي السويد تظاهر نحو 200 كردي أمام السفارة الفرنسية في ستوكهولم في أجواء هبطت فيها درجات الحرارة الى ما دون الصفر ورددوا هتافات مؤيدة لحزب العمال الكردستاني وتصف تركيا بأنها ارهابية.

وجاء في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني وألقى مسؤولية مقتل النساء الثلاث على "قوات جلاديو الدولية والتركية" في إشارة إلى عمليات مناهضة للشيوعية نفذها حلف شمال الأطلسي إبان الحرب الباردة والآن تستخدم في تركيا للإشارة إلى أعمال العنف التي يرتكبها قوميون وترعاها الدولة، ويعتقد أن جماعات قومية تركية تعمل سرا قتلت مئات النشطاء في جنوب شرق تركيا الذي يشكل الأكراد غالبية سكانه خلال العقود الثلاثة الماضية في جرائم قتل لم يحل غموضها إلى الآن، وأشارت تقارير لوسائل الإعلام التركية كذلك إلى تورط محتمل لدمشق أو طهران اللتين يعيش فيهما أقليات كردية وهما على خلاف مع تركيا العضو في حلف الأطلسي على قضايا من بينها الحرب في سوريا، وصرح أردوغان بأنه على الرغم من انه يجب انتظار استكمال التحقيقات قبل التوصل الى اي نتيجة نهائية فالادلة حتى الان تشير الى عمل داخلي لان المبنى كان مؤمنا بقفل مشفر لا يمكن ان تفتحه الا شخصيات من الداخل.

وقالت وكالة الاناضول للانباء التي تديرها الدولة ان اردوغان قال للصحفيين الذين رافقوه على طائرته عائدا من السنغال اليوم الجمعة "الثلاثة فتحنه. ما من شك انهن لا يفتحن لاناس لا يعرفوهن"، وذكر ان الهدف من عملية القتل أيضا قد يكون تخريب الجهود الخاصة بمحادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وكانت جانسيز شخصية بارزة في حزب العمال الكردستاني في البداية كمقاتلة ثم لاحقا كمسؤولة عن الشؤون المدنية للحزب في أوروبا. وفي صورة يرجع تاريخها إلى عام 1995 كانت تقف بجوار الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وهي ترتدي زيا عسكريا وفي يدها بندقية، ولم يتوصل محققون فرنسيون على الفور الى من قد يكون وراء قتل الكرديات الثلاث. بحسب رويترز.

كما اتهم من قبل متشددون أتراك بقتل نشطين اكراد لكن هذه الحوادث كانت قاصرة على تركيا، ويأتي مقتل الكرديات الثلاث بعد فترة قصيرة من إعلان حكومة اردوغان استئناف المحادثات مع أوجلان المسجون منذ عام 1999 . واعترفت الحكومة التركية مؤخرا انها اجرت محادثات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي القريبة من اسطبول، ومن المرجح ان يتشكك المتشددون داخل الحزب في مثل هذه المحادثات. وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الحزب جماعة ارهابية، وقالت وسائل اعلام تركية ان الجانبين اتفقا على اطار خطة سلام تتضمن تعزيز حقوق الاقلية الكردية مقابل نزع سلاح المقاتلين.

زيارة اوجلان في السجن

على الصعيد ذاته تمكن نائبان كرديان في البرلمان التركي من لقاء زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان في سجنه بعد ايام على تاكيد حصول محادثات بين اوجلان والحكومة حول نزع سلاح الحزب المتمرد، كما اعلنت قناة ان تي في التلفزيونية التركية، وقالت القناة التلفزيونية ان النائبة آيلة عكات عطا من حزب السلام والديموقراطية (ابرز حزب كردي في تركيا) والنائب الكردي المستقل احمد تورك التقيا اوجلان في جزيرة ايمرلي في شمال غرب تركيا حيث يمضي عقوبة السجن المؤبد، وتعذر على المسؤولين في حزب السلام والديموقراطية التعليق فورا على المعلومة، وبحسب ان تي في يتعين على النائبين ان يطلعا اولا قادة حزب السلام والديموقراطية على لقائهما مع اوجلان، وياتي اللقاء في حين اكد يالسين اكدوغان ابرز المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء التركي رجب يطب اردوغان، الاثنين وجود محادثات بين اجهزة الاستخبارات التركية واوجلان حول نزع اسلحة حزب العمال الكردستاني، وقال اكدوغان "انها اجهزة الاستخبارات التي تجري محادثات معه (...) الهدف هو نزع سلاح حزب العمال الكردستاني. كل حوار في هذا الاتجاه يمكن ان يؤدي الى وقف العنف يحظى بدعم الحكومة". بحسب فرانس برس.

احكام قاسية بحق منظمة كردية

الى ذلك اقر القضاء التركي اول احكام قاسية في سلسلة محاكمات بحق منظمة اتحاد الجماعات الكردية، القريبة من حزب العمال الكردستاني، وأصدرت محكمة الجنايات السادسة في ديار بكر، جنوب شرق تركيا، احكاما بالسجن تتراوح بين ثلاثة اشهر و17 سنة بحق خمسين ناشطا كريا ادانتهم "بالانتماء الى منظمة ارهابية"، واعتقل المدانون الاربعون المتحدرون جميعا من محافظة سرناك (جنوب شرق) في 2009 خلال عملية مداهمة واسعة اعتقل خلالها مئات المعارضين الاكراد، في حين قالت منظمات كردية ان الاعتقالات شملت الالاف، والحكم الصادر هو الاول في اطار محاكمة المعتقلين في اطار تلك العملية. بحسب فرانس برس.

وتتهمها الحكومة بانها تعمل على الحلول محل الدولة في المجتمعات المحلية التي تسكنها اغلبية من الاكراد في جنوب شرق الاناضول بانشاء هيئات ادارية موازية للمؤسسات الرسمية، وتجري حاليا في عدة مدن تركية محاكمات تستهدف مختلف الواجهات التي يشتبه في انها تمثل المنظمة (مكاتب اعلام ومكاتب محاماة واحزاب سياسية)، وصدرت الاحكام في حين اكد احد المستشارين المقربين من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الاثنين اجراء مفاوضات بين اجهزة الاستخبارات التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان بهدف نزع سلاح المقاتلين الاكراد، وقال المستشار يلجين اكدوغان "اجهزة الاستخبارات تتفاوض معه (...) بهدف نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، والحكومة تدعم اي حوار يمكن ان يؤدي الى وقف اعمال العنف".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/كانون الثاني/2013 - 30/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م